المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7456 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الحث على المشاورة والتواضع
2024-04-24
معنى ضرب في الأرض
2024-04-24
معنى الاصعاد
2024-04-24
معنى سلطان
2024-04-24
معنى ربيون
2024-04-24
الإمام علي (علي السلام) وحديث المنزلة
2024-04-24

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


قاعدة « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » (*)  
  
9225   10:11 صباحاً   التاريخ: 19-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج4 ص53 - 107.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / على اليد ما اخذت حتى تؤدي - ضمان اليد /

ومن جملة القواعد الفقهيّة المشهورة قاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه ».

والبحث فيها من جهات :

الجهة الأولى

الفرق بين هذه القاعدة وقاعدة اليد‌ :

التي ذكرناها وشرحناها في المجلّد الأوّل من هذا الكتاب.

فنقول : عمدة البحث والنظر في تلك القاعدة كان في أماريّة اليد ، وأنّها مثل البيّنة والسوق تثبت الملكيّة والتذكية والطهارة ، وأنّ هذه المرأة التي تحت يده زوجته ، وأنّ هذه العين الموقوفة التي تحت يده هو المتولّي والناظر عليها أم لا؟

وموضع البحث أيضا هناك عامّ ، لا اختصاص له باليد الغاصبة أو غير المأذونة من قبل المالك ، بمعنى أنّ المراد من اليد هناك سيطرة الشخص واستيلائه على شي‌ء ، ولم‌ يكن حالها معلومة ، وأنّها يد المالك ، أو يد الغاصب ، أو يد المأذونة من قبل المالك ، أو يد الأمين شرعا ، كلّ ذلك غير معلوم ، فيبحث في أنّ مثل هذه اليد هل هي أمارة الملكيّة أو سائر ما ذكرناها أم لا؟ فالبحث دائما هناك عن جهة أماريّتها.

وها هنا موضوع البحث هو أنّ اليد المعلومة أنّها يد غير المالك ، وأنّها غير مأذونة من قبل المالك ، هل توجب الضمان ، أم لا بل يجب تكليفا ردّ ما في يده من مال الغير إلى صاحبه ، ففرق واضح بين موضوع البحث ها هنا ، وبينه هناك.

ونحن وإن تكلّمنا هناك قليلا من جهة كونها هل توجب الضمان أم لا ، وعن تعاقب الأيدي على مال الغير ، ولكن كان ذكرا تبعيّا ولم نستوف البحث ، ولذلك نذكر القاعدة ها هنا ، ونستوفي البحث عنها بمقدار وسعنا إن شاء الله تعالى.

الجهة الثانية

في مدرك هذه القاعد‌ :

فنقول : مدرك هذه القاعدة هو الحديث المعروف المشهور بين جميع الطوائف الإسلاميّة ، والذي رواه العامّة والخاصّة ، وهو قوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » (1).

فالبحث عن سنده وأنّه صحيح أو ضعيف لا وجه له ، لأنّه بعد هذا الاشتهار بين الفقهاء وقبولهم له والعمل به فيكون موثوق الصدور ، الذي هو موضوع الحجّية ، بل لا يبعد أن يكون من مقطوع الصدور.

 

وعلى كلّ حال لا كلام في حجيّته ، إنّما الكلام في دلالته ، وبيان المراد منه. وطريق كشف المراد منه هو معرفة ما هو المتفاهم العرفي منه.

فنقول : من المعلوم أنّ كلمة « على اليد » خبر مقدّم للموصول ، أي كلمة « ما » في « ما أخذت » فتقدير الكلام عبارة عن أنّ الذي أخذته اليد ثابت أو مستقرّ على اليد ، وذلك من جهة أنّ الظرف أي « على اليد » يحتاج إلى عامل ومتعلّق مقدّر ها هنا ، لأنّه ليس في الكلام ، أي جملة « على اليد ما أخذت » فعل أو شبه فعل يكون قابلا لأن يتعلّق به الظرف ، فلا بدّ من تقديره.

والمقدّر العامل للظرف إن كان من أفعال العموم ـ ك‍ « استقرّ » أو « ثبت » أو « كان » أو « حصل » يسمّى بأفعال العموم ، لأنّ كلّ فعل وحدث صدر عن الفاعل يصدق أنّه استقرّ وجوده ، وكان ، وثبت ، وحصل ـ يسمّى الظرف بظرف المستقرّ. ووجه التسمية واضح.

وإن كان من أفعال الخصوص ـ ك‍ « ضرب » و« أكل » و« شرب » إلى غير ذلك من الأفعال الخاصّة ، التي هي عبارة عن الأحداث الخاصّة ، كلّ واحد منها لا ينطبق على الآخر ، بل شي‌ء مقابل أو مخالف له ـ يسمّى الظرف بظرف اللغو ، لأنّه ملغى عن الضمير المستتر فيه يرجع إلى العامل.

وظاهر الكلام حسب المتفاهم العرفي أنّ الظرف ظرف مستقرّ ، لا ظرف لغو ، فيكون المعنى أنّ الذي أخذته اليد ثابت ومستقرّ على اليد ، وهذا الثبوت والاستقرار باق على اليد ولا يرتفع عنها إلاّ بالأداء ، فنفس ما أخذت على عهدته وثابت على اليد إلى غاية ذلك الثبوت ، وغايته هي أداء ما أخذته.

وأمّا وجه أنّ الظاهر والمتفاهم العرفي من الحديث هو أنّ الظرف مستقرّ لا لغو فلجهات :

الأولى : أنّ الظاهر أنّ نفس ما أخذت يكون على اليد ، من دون إضمار في البين ، لأنّ التقدير والإضمار خلاف الأصل ، ولا يصار إليه إلاّ بعد عدم استقامة الكلام بدونه. وفيما نحن فيه الكلام بدون الإضمار في غاية الاستقامة ، لما ذكرنا من أنّ معنى الحديث ـ إذا كان الظرف ظرف مستقرّ ـ أنّ نفس المال الذي مثلا أخذت بدون الإذن يكون مستقرّا على ذلك اليد أي عهدته مشغولة به ، كما سنبيّن معنى « اليد » في المقام ، ولا يفرغ ذمّته إلاّ بأداء ذلك الذي أخذه إلى صاحبه.

وأمّا احتمال أن يكون العامل المقدّر « يجب » أو « يلزم » فيبعده ، بل ينفيه أنّ الأحكام التكليفيّة لا تتعلّق بالذوات والأعيان الخارجيّة ، بل لا بدّ وأن يكون متعلّقها فعل المكلّف ، فيحتاج في المقام إلى التقدير. والفعل المناسب لان يكون متعلّقا ليجب أو ليلزم في المقام هو الأداء والردّ ، ليكون معنى الحديث أنّه يجب أو يلزم ردّ ما أخذه من الغير وأداؤه إليه.

ولكن أنت خبير بأنّه مضافا إلى كونه خلاف الأصل ، ركيك إلى أقصى الغاية ، لأنّه يجب أن يكون الفعل مع غايته واحدا ، أي يكون معنى الحديث : يجب ردّ ما أخذ إلى أن يردّ.

وأمّا احتمال أن يكون المتعلّق ليجب أو ليلزم المقدّر هو « الحفظ » كي يكون المعنى : يجب أو يلزم حفظ ما أخذ حتّى يؤدّيه ، فبعيد جدا.

أمّا أوّلا : فلما قلنا إنّ التقدير خلاف الأصل ، لا يصار إليه إلاّ لضرورة. وليس ها هنا ضرورة إلى التقدير ، لأنّ ظاهر الكلام بدون التقدير في كمال الاستقامة ، لأنّه عبارة عن أنّ نفس ما أخذته اليد ثابت في ذمّة اليد ، ولا يمكن الخروج عنه إلاّ بأداء ما هو ثابت في العهدة إلى من هو صاحب المال المأخوذ. وهذا معنى لطيف ، له كمال الملائمة مع الأخذ بالقوّة والقهر ، ومع الأخذ بدون إذن المالك ، ويشبه لما هو مفاد سائر أدلّة باب الغصب من قوله عليه السلام : « لأنّ الغصب كلّه مردود » (2) وغيره (3).

وأمّا ثانيا : فلأنّه صلى الله عليه واله في مقام بيان ردّ مال الغير الذي وقع تحت يده وإيصاله إلى صاحبه ، لا في مقام حفظ مال الغير عن التلف ، مضافا إلى أنّ الظاهر من أمثال هذه التراكيب عرفا هو كون عهدته وذمّته مشغولة بما يكون مستعليا ، فإذا قال له : علىّ كذا درهم ـ مثلا ـ فهو إقرار واعتراف بأنّ ذلك المقدار على ذمّته وفي عهدته.

أو إذا قال لي : على فلان كذا مقدار ، لا يفهم منه إلاّ ادّعاء أنّه له في ذمّة فلان ذلك المقدار.

والسّر في ذلك : أنّ كلمة « على » موضوعة للنسبة الاستعلائيّة التي بين شي‌ء ومدخول على ، فإذا قيل : زيد على السطح ، فعلى تحكي عن النسبة الاستعلائيّة التي بين زيد ومدخول على ، فيفهم من هذا الكلام أنّ زيدا مستعل على السطح ، والسطح مستعلي عليه ، فقوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت » حيث أنّ الموصول مبتدأ مؤخّر ، فيرجع مفاد الكلام إلى أنّ المال الذي أخذته اليد يكون مستعليا على اليد ، ومستقرّا عليها كاستقرار زيد واستعلائه على السطح.

ثمَّ إنّ « اليد » ليس المراد منها هي الجارحة المخصوصة ، لأنّه ربما لا يكون للأخذ ـ الغاصب أو بدون إذن المالك أو الشارع الذي هو وليّ المالك ـ تلك الجارحة المخصوصة ، أو الشي‌ء المأخوذ ليس قابلا لأن يؤخذ بالجارحة المخصوصة ، بل المراد منه ها هنا الاستيلاء على الشي‌ء خارجا ، أو في عالم الاعتبار الشرعي أو العرفي.

وبهذا المعنى يقال ليس الأمر بيدي ولو كان لكنت أفعل كذا ، ونفس الاستيلاء التكويني أو الاعتباري حيث أنّه من صفات المستولي ، فإذا قيل : إنّ الشي‌ء الفلاني على اليد بهذا المعنى ، فالمراد منه على المستولي باعتبار استيلائه.

وبهذا الاعتبار قال الله تعالى حكاية عن قول اليهود ـ لعنهم الله ـ {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64] فالمراد من قولهم ( يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ ) أي ليس له القدرة على الإنفاق والتوسعة‌ في رزق العباد ، فأجابهم الله تعالى بقوله ( بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ ) أي من التوسعة والتضييق حسب المصالح التي يراها.

فظهر أنّ اليد كناية عن الاستيلاء خارجا وتكوينا ، أو عرفا ، أو شرعا واعتبارا.

وقد تكون كناية عن المستولي المتّصف بصفة الاستيلاء.

وفيما نحن فيه بهذا المعنى الأخير ، فقوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت » ظاهر في أنّ المال الذي أخذه إنسان واستولى عليه يكون على تلك اليد ، أي يكون مستعليا ومستقرّا على ذلك المستولي باعتبار استيلائه على ذلك المال ، وهذا معنى عرفي لهذه العبارة.

ثمَّ إنّه صلى الله عليه واله بعد أن حكم بأنّ الذي أخذه المستولي يكون مستقرّا ومستعليا عليه ، غيّاه بقوله صلى الله عليه واله : « حتّى تؤدّيه » أي هذا الاستعلاء والاستقرار مغيى بأداء ما أخذ ، بمعنى أنّه مستمرّ إلى حصول تلك الغاية ، أي أداء ما أخذ ولا يرتفع إلاّ به.

إذا ظهر ذلك ، فنقول : هذا معنى الضمان عرفا ، لأنّ معنى ضمان الشي‌ء وإن عرّفوه بتعاريف متعددة ، ولكن العرف لا يفهم من لفظ « الضمان » إلاّ استقرار الشي‌ء وثبوته في عالم الاعتبار في عهدة الضامن ، فليس الضمان أمرا خارجيّا تكوينيّا ، أي ليس من مقولات العشر ، إذ ليس له ما بحذاء في الخارج ، بل هو أمر اعتباري يعتبره الشرع أو العقلاء ، أو كلاهما معا.

فإذا كان الأمر كذلك ، فذات الموجود الخارجي بوجوده الخارجي لا يمكن أن يكون في الذمّة والعهدة ، لأنّ الموجود الخارجي وعاء وجوده عالم الخارج ، لا عالم الاعتبار ، إذ ليس عالم الاعتبار إلاّ عبارة عن الموجودات الاعتباريّة التي لا وجود لها إلاّ في عالم الاعتبار ، فلا يمكن أن يكون الموجود الخارجي موجودا في عالم الاعتبار ، وإلاّ يلزم انقلاب الخارج اعتبارا ، وذلك كما أنّ الموجود الخارجي لا يمكن أن يكون موجودا في الذهن وإلاّ يلزم انقلاب الخارج ذهنا ، وهو محال.

فمعنى كون المأخوذ في ذمّة الآخذ وفي عهدته ، هو أنّ المهيّة الموجودة في الخارج إن وقعت تحت اليد غصبا أو بدون إذن المالك أو الشارع ، يعتبرها الشارع أو العقلاء أو كلاهما في عهدة الآخذ. والمراد من الذمّة والعهدة هو عالم الاعتبار الذي هو عبارة عن نفس الاعتبارات ، فعهدة كلّ شخص وكذلك ذمّته عبارة عن اعتبارات الشارع أو العقلاء بالنسبة إليه.

فمفاد الحديث الشريف هو أنّ كلّ مال أخذه أمّا جبرا وبالقوّة ، أو بدون إذن من قبل مالكه ، أو من قبل الشارع فهو مستقرّ بوجوده الاعتباري على صاحب تلك اليد.

وهذا الوجود الاعتباري ثابت عليه ، لا يرتفع إلاّ بأداء ذلك المأخوذ فبالأداء يفرغ ذمّته.

وأداء ذلك المأخوذ في الدرجة الأولى يردّ نفس العين الخارجيّة التي وقعت تحت اليد ، ولكن إذا تلفت تلك العين الخارجيّة فبصرف تلفها لا يرتفع ذلك الموجود الاعتباري ، لأنّ بقاءه في العهدة ـ أي في عالم الاعتبار ـ مغيى بالأداء ، فما لم يؤدّ لا يرتفع ويكون باقيا ، ولا منافاة بين تلفه خارجا وبقائه في عالم الاعتبار ، فإذا كان باقيا بعد تلف العين فأداؤه بردّ نفس العين الخارجيّة محال ، فتصل النوبة إلى الدرجة الثانية من الأداء ، أي أداء مثله ، فإذا لم يوجد مثله وتعذّر أو تعسّر تحصيله تصل النوبة إلى الدرجة الثالثة من الأداء ، وهي أداء ماليّته ، أي قيمته.

والسرّ في ذلك هو أنّ ردّ المال إلى صاحبه إن كان ممكنا بجميع خصوصيّاته الشخصيّة فيجب ، لأنّه الفرد الحقيقي من الردّ بدون أيّ عناية. وإن لم يمكن ردّه بخصوصيّاته الشخصيّة بواسطة التلف ، إذ كلّ فرد من طبيعة ذلك المأخوذ غيره بحسب الخصوصيّات الشخصيّة ، ولكن يمكن ردّ ذلك الشي‌ء بالصفات النوعيّة ـ وان كان فاقدا لخصوصياته الشخصية ـ فيجب ردّ ذلك المثل.

وإنّما قلنا ذلك المثل ، لأنّ الفرد الذي يصدق عليه ذلك الشي‌ء بحسب الماهيّة ، مع‌ كونه واجدا للصفات النوعيّة ، لا بدّ وأن يكون من أمثال ذلك التالف. بل المثل المنطقي أوسع من هذا ، إذ هو يطلق على كلّ فرد يكون متّحدا مع التالف في الماهيّة وإن لم يكن واجدا لجميع صفاته النوعيّة.

وعلى كلّ حال لا شكّ في أنّ المرتبة النازلة من ردّ التالف هي هذه المرتبة ، بعد عدم إمكان ردّه بجميع خصوصيّاته الشخصيّة ، وإن لم يمكن هذه المرتبة أيضا من ردّ ذلك الشي‌ء المأخوذ ـ والمفروض كما بيّنّاه أنّ ذلك الوجود الاعتباري باق في عهدته ، أي في عالم الاعتبار ، إذ لم يأت بالغاية التي توجب سقوطه ـ فتفريغ ذمّته الذي لازم بحكم الفعل والشرع يقتضي أن يأتي بمرتبة أخرى من ردّ التالف الممكنة ، وليست هي إلاّ أداء ماليّة التالف بعد عدم إمكان ردّ خصوصيّاته الشخصيّة ، ولا الجهات النوعيّة التي كانت للتالف ، فلا يبقى في البين ما يمكن ردّه إلاّ جهة ماليّته ، فتصل النوبة إليها ، وإن كانت هذه المرتبة أنزل من المرتبة الثانية.

وهذه المراتب ليس بصرف الدقّة العقليّة ، بل العرف أيضا يحكم مثل ما ذكرنا ، لأنّه أيضا بعد ما حكم بالضمان ـ بالمعنى الذي ذكرنا له ـ يرى في الدرجة الأولى ردّ نفس العين المأخوذة ، وبعد التلف وعدم إمكان ردّ نفس العين ، لو كان له مثل يحكم بلزوم ردّ المثل ، لأنّ في ردّ المثل لا يذهب من مال المغصوب منه إلاّ جهاته الشخصيّة ، وباقي جهاته تصل إليه ، أي جهة ماليّته وجهاته النوعيّة ، وجهاته الشخصيّة التي تذهب لا يمكن تداركها. وإن لم يكن له مثل ، أو تعسّر تحصيله فيحكم بأداء ماليّته ، إذ المقدار الممكن من وصول المال إلى صاحبه هو هذا المقدار.

وأمّا ما في بعض الروايات من وجوب إعطاء القيمة ابتداء بعد تلف المغصوب أو المأخوذ بدون إذن المالك ، من دون ذكر المثل ، فمن جهة كون المورد من القيميّات لا المثليّات.

وما ذكرنا من المراتب بالنسبة إلى المثلي والقيمي كان حسب الضابط العقلي‌ والعرفي ، وأمّا ما هو الضابط عند الشرع في تعيين المثلي والقيمي سنذكره إن شاء الله تعالى ، وفعلا مقصودنا شرح معنى الحديث الشريف ، وأنّ « اليد » من أسباب الضمان كالإتلاف.

فقد ظهر ممّا ذكرنا دلالة هذا الحديث على صحّة هذه القاعدة ، وهي أنّ اليد سبب لضمان عين ما وقع تحت اليد.

بقي الكلام في ضمان منافع العين بقسميها ، أي المستوفاة وغير المستوفاة.

فنقول :

أمّا المنافع المستوفاة ، فلا شبهة في ضمانها ، وأنّها في عهدة المستوفي.

أمّا أوّلا : فلأنّها مال ، وقاعدتا « حرمة مال المسلم كحرمة دمه » و« أنّ مال المسلم لا يحلّ إلاّ بطيب نفسه » تدلاّن على ضمانها ، وكونها في عهدة المستوفي ، وذلك لأنّه لا فرق في صدق الماليّة بين الأعيان والمنافع ، بل في كثير من الأشياء ماليّة العين بواسطة المنافع ، وإلاّ نفس العين لو لا تلك المنافع لا يبذل بإزائها المال.

وثانيا : وقوعها تحت اليد يتبع وقوع العين تحتها ، ولذلك يقال في باب إجارة الأعيان ـ بناء على أن تكون الإجارة فيها عبارة عن تمليك منفعة معلومة بعوض معلوم ـ إنّ قبض المنفعة بقبض العين.

وأمّا منافع غير المستوفاة ، فالمشهور فيه أيضا الضمان ، وهو الصحيح ، وذلك للتفويت إن قلنا بأنّه من موجبات الضمان عند العقلاء ، كما هو كذلك عندهم ، ولم يردع الشارع عن هذه القاعدة العقلائيّة ، وهي أنّ « من فوّت مال الغير عليه فهو له ضامن » بل ربما يظهر من بعض الروايات إمضاؤها ، ولا شك في أنّ المنافع غير المستوفاة أيضا مال كالمستوفاة ، والغاصب الحابس للعين فوّت منافعها على المالك.

نعم يبقى هنا شي‌ء : وهو أنّه لو كانت للعين منافع متضادّة في الوجود ، فبناء على الضمان فهل يضمن الجميع ، أو يضمن الأكثر ماليّة ، أو أحدها مخيّرا ، والتخيير للمالك‌ أو للضامن؟ وجوه.

والأقوى بناء على أن يكون مدرك الضمان وموضوعه تفويت مال الغير كما هو المفروض ، هو ضمان المنفعة التي هي أكثر ماليّة ، وذلك من جهة أنّها بعد كونها متضادّة في عالم الوجود ، فصدق التفويت على جميعها جمعا محال ، لأنّ معنى التفويت معنى هو أنّه صار سبب الفوت ، بحيث أنّه لو لم يكن لكان هذا الفائت حاصلا ، وها هنا حصول الجميع في حدّ نفسه لا يمكن لتضادّها ، ففوت الجميع جمعا مستند إلى تضادّها ، لا إلى المفوّت.

وأمّا أنّ التي يضمنها المفوّت هي التي أكثر ماليّة ، لأنّ المقدار الزائد على البقيّة كان ممكن الحصول لو لا تفويته وحبسه للعين على المالك ، فيكون ضامنا له ، بناء على صحّة قاعدة التفويت واعتبارها ، كما هو المختار عندنا.

نعم هذه القاعدة لا تجري بالنسبة إلى جميع أقسام منافع غير المستوفاة وتكون مخصوصة بما إذا كان عدم الاستيفاء مستندا إلى تفويته ، لا إلى آفة سماويّة.

فلو غصب بستانا ـ مثلا ـ أو دابّة كذلك ، وكان عدم استيفاء الغاصب لمنفعة ذلك البستان ، أو تلك الدابّة لوصول آفة سماويّة إليهما لا لحبس الغاصب لهما على مالكهما ، فلا تجري هذه القاعدة ، ولا يمكن الحكم بالضمان لأجل قاعدة التفويت ، وأيضا لقاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » ، وذلك لما ذكرنا من أنّ اليد على العين يد على المنفعة ، فتكون في عهدته ، ولا يرتفع إلاّ بأدائها.

ولا فرق من جهة وقوعها تحت اليد بين أن تكون مستوفاة أو غير مستوفاة.

فالحقّ هو أنّ اليد الغاصبة أو غير المأذونة موجبة لضمان العين والمنافع مطلقا ، سواء أكانت مستوفاة أو لم تكن.

ثمَّ إنّه مقتضى القاعدة هو أن يكون الضمان بالمثل في المثلي ، والقيمة في القيمي ، وقد عرفت ذلك مفصّلا عند شرحنا لمعنى الضمان.

وأمّا الدليل على أنّ الضمان بالقيمة في القيمي وفي المثلي بالمثل ، فتارة يتمسّك بالإجماع ، وحاصله اتّفاق فقهائنا كافّة على أنّ الضمان في الضمان الواقعي في المثلي بالمثل ، وفي القيمي بالقيمة.

وأمّا في ضمان المسمّى فهو نفس المسمّى ، قلّ أو كثر.

ولكن أنت خبير بأنّ الاستدلال في أمثال المقام بالإجماع لا يخلو عن الإشكال والمناقشة ، لوجود المدارك المتعدّدة من الآية والرواية.

وأخرى : بالآية الشريفة ، وهي قوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] ولا شك في أنّ الاعتداء بمثل ما اعتدى عليه في المثليّات هو المثل ، بل يمكن أن يقال إنّ الآية نصّ في ذلك.

وفيه : أوّلا أنّ كلمة « ما » في ( بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ ) يمكن أن تكون مصدريّة لا موصولة ، فيكون معناها : أنّ الله تعالى أمر بالاعتداء بمثل اعتداء المعتدي ، فالمماثلة في نفس الاعتداء ، لا في الشي‌ء الذي وقع الاعتداء عليه ، فتكون هذه الآية نظير قوله تعالى {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] حيث أنّه ظاهر في أنّ المماثلة في كون الجزاء أيضا سيّئة لا فيما يجزى به ، ولذلك قلنا إنّ إطلاق السيّئة ها هنا على الجزاء من باب صنعة ـ المشاكلة.

والاستدلال بها مبنيّ على أن تكن كلمة « ما » موصولة ، ويكون المراد منها أنّ الشي‌ء الذي تعتدون به على المعتدي الأوّل يكون مماثلا للشي‌ء الذي هو اعتدى به عليكم ، ولو لم يكن ظاهر الآية هو الاحتمال الأوّل ، فلا أقلّ من أن يكون سببا لإجمالها من هذه الجهة ، فلا يصحّ الاستدلال بها.

وثالثة : بما ذكرنا من أنّ ذلك مقتضى نفس أدلّة الضمان الواقعي ، ومنها : قاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه ».  

ومنها : قاعدة الإتلاف ، وهي قولهم : « من أتلف‌ مال الغير فهو له ضامن » المصطادة من الأخبار الواردة في أبواب مختلفة.

وقد شرحناها مفصّلا [ في الجزء الثاني من هذا الكتاب ] ، وقلنا : معنى الضمان هو اعتبار وجود التالف ، أو المغصوب ، أو المأخوذ بدون إذن المالك ، أو من يكون أمر ذلك الشي‌ء بيده ـ من قبل المالك أو من قبل الله ـ على ذمّة الشخص الذي يسمّى بالضامن ، إلى أن يفرغ ذمّته وعهدته عن ذلك الوجود الاعتباري بأداء ما أتلف ، أو ما وقع تحت يده ، أو ما فوّت على المالك.

وقلنا : إنّ لأداء ذلك الشي‌ء مراتب ودرجات ثلاث ، على التفصيل المتقدّم فلا نعيد. والمقصود ها هنا هو أنّه مع وجود المثل لا تصل النوبة إلى القيمة ، لأنّ القيمة هي الدرجة الثالثة من أداء الشي‌ء.

وقلنا : إنّ هذا المعنى للضمان من المرتكزات في أذهان العرف والعقلاء.

وأمّا ما ربما يقال : من لزوم أداء المثل في المثليّات لأنّه أقرب إلى التالف فلا أساس له ، لعدم الدليل على وجوب إعطاء الضامن في مقام تفريغ ذمّته ما هو أقرب إلى التالف ، بل الدليل مفاده ردّ المغصوب أو تفريغ ذمّته عمّا اعتبر عليها.

ولا شكّ في أنّه مع وجود العين المغصوبة أو الواقعة تحت اليد غير المأذونة ، فأداء العين المغصوبة وردّها إلى مالكها موجب لفراغ ذمّته عنها ، ومع تلفها حيث أنّه لا يمكن ردّ الخصوصيّات الشخصيّة فلا بدّ إمّا من القول بسقوط وجوب الأداء عنه بالمرّة ، وهذا شي‌ء لا يمكن الالتزام به ، وإمّا أن يقال بعد عدم إمكان ردّ الخصوصيّات الشخصيّة يردّ ما أمكن ردّه من التالف ، بحيث يكون عند العرف ردّه ردّ المغصوب في صورة عدم إمكان ردّ العين بخصوصياته الشخصيّة بأن يكون من أفراد ومصاديق تلك الماهيّة الواجدة لجميع جهات التالف ، ما عدى الجهات والخصوصيّات الشخصيّة ، وهو الذي نعبّر عنه بالمثل.

نعم عند عدم إمكان هذا ، أيضا لا بدّ وأن تكون الهويّة بينه وبين التالف باعتبار‌ المالية فقط ، وهو الذي نسمّيه بالقيمي ، فظهر أنّ عنوان أنّه أقرب إلى التالف ما نزل في آية ، ولا وردت به رواية ، ولا دلّ عليه إجماع ، ولا دليل عقلي.

وأيضا لا يتوهّم : أنّ معنى الضمان هو أن ينتقل التالف إلى ملك من يقع التلف في يده آنا مّا قبل التلف بعوضه الواقعي كالقرض ، فيكون التالف ملكه تلف في يده وعليه ضمانه الواقعي مثل باب القرض ، لأنّه لا وجه لفرض هذا الانتقال وصيرورته آنا مّا ملكا لمن وقع التلف في يده قبل التلف ، لأنّه حصول ملكيّة للغاصب بدون قصد صاحب المال ، بل وبدون التفاته إلى ذلك أصلا ولا تخيّل الغاصب ولا التفاته إلى ذلك ، فهذا شعر بلا ضرورة.

وقياسه على تلف المبيع قبل قبضه مع الفارق ، لأنّه هناك لا موجب للضمان ، لا قاعدة الإتلاف ، لأنّه لا إتلاف ، ولا ضمان اليد ، لأنّ اليد يد أمانة من قبل المالك ، بخلاف المقام فإنّ الموجب ـ وهي اليد ـ موجود ، ولا حاجة إلى فرض أمور لا دليل عليها ، مع مخالفتها للارتكاز العرفي كما عرفت ، فلا نعيد.

ثمَّ إنّهم اختلفوا في بيان ضابط المثلي والقيمي ، والتعاريف التي ذكروها أشبه بالتعريف اللفظي من التعريف الحقيقي. وقد عرفت ممّا ذكرنا أنّ المثلي هي الطبيعة التي أفرادها متماثلة في الجهات النوعيّة والصفات الصنفيّة ، بحيث يكون ما به الامتياز بينها هي الخصوصيّات الشخصيّة ، وأمّا في الجهات الصنفيّة والنوعيّة فمشتركة ، ولذلك يصحّ السلم فيه ، بل بعضهم عرّف المثلي بأنّه ما يصحّ السلم فيه.

والحاصل : أنّ المراد من المثلي في هذا المقام هو أنّه لا ينقص عن التالف إلاّ في الخصوصيّات الشخصيّة ، وإلاّ ففي سائر الجهات فهو والتالف سواء.

وهذا هو السرّ في أنّه مع وجوده لا تصل النوبة في مقام تفريغ ما في ذمّته إلى القيمة ، لأنّه بأداء المثل لا يذهب من كيس مالك التالف إلاّ الخصوصيّات الشخصيّة فقط ، وأمّا مع أداء القيمة فيذهب من كيسه ـ مضافا إلى الخصوصيّات الشخصيّة ـ الجهات الصنفيّة ، والصفات والحالات والعوارض النوعيّة بلا موجب ولا مبرر.

نعم المثلي بهذا المعنى على قسمين :

لأنّ الاشتراك في الصفات والعوارض النوعيّة ، والاتّحاد في الجهات الصنفيّة قد يكون بحسب الخلقة الإلهيّة ، وذلك كأغلب الحبوبات ، فإنّ امتياز حبّة حنطة أو شعير أو عدس أو حمصة إلى غير ذلك عن سائر حبّات نوعه أو صنفه غالبا ليس إلاّ بالخصوصيّات الشخصيّة ، وليس امتياز بينها بحسب الصفات النوعيّة والجهات الصنفيّة غالبا عرفا.

ولذلك أحسن شيخنا الأعظم الأنصاري في تعريفه المثلي ـ على ما يستفاد من عباراته في هذا المقام ـ بأنّه هو ما لا يتفاوت أفراد نوعه أو صنفه ، ولا يتميّز كلّ فرد عن الآخر ، بحيث لو اختلطا أو امتزجا وكانا من مالكين تحصل الشركة القهريّة ، وأيضا كلّما يصحّ السلم فيه فهو مثلي (4).

فهذا أحد القسمين من المثلي ، وهذا القسم هو القدر المتيقّن من المثلي في المقام من حيث حكمهم بأنّه مع وجوده لا تصل النوبة في أبواب الضمانات والغرامات إلى القيمة.

والقسم الثاني : هو أن يكون الاشتراك والاتّفاق في الجهات النوعيّة والصنفيّة بتوسّط الصناعة البشريّة ، كالقرّائين طبع حافظ عثمان مثلا ، فكلّ فرد من طبعة فلان من المطبعة الفلانيّة مشتركة من غير الجهات والخصوصيّات الشخصيّة مع الأفراد الأخر من نفس تلك الطبعة في نفس تلك المطبعة ، وهكذا الحال في سائر الكتب المطبوعة ، بل في جميع الأجناس التي تستخرج من المكائن العصريّة من الحاجيات وغيرها ، بل لا يكاد يوجد في العصر الحاضر في الأنواع الصناعيّة بغير هذا الشكل.

فجميع هذه الأنواع أفرادها مثليّات واقعا حسب التعريف والمناط الذي ذكرنا له ، ولكن مع ذلك كلّه وقع الخلاف في عدّ هذا القسم من المثليّات على ما ذكره شيخنا‌ الأستاذ (5) ويظهر من تقييده المثلي ـ بأن يكون تساوى الصفات والآثار بحسب الخلقة الأصليّة (6) ـ عدم عدّ هذا القسم من المثلي ، ولكنّه كلام عجيب بناء على أن يكون مدرك هذا الحكم في المثلي ـ أي : عدم وصول النوبة إلى القيمة مع وجوده ـ هو نفس أدلّة الضمان ، لا الإجماع.

وذكر وجها للفرق بين القسمين (7) ، وهو أعجب من أصل فرقه. وحاصل ذلك هو أنّه النوع أو الصنف الذي أفراده متّحد الصفات والجهات ، إن كان من المخلوقات الإلهيّة ، فالمادّة والصورة فيه موجودان بوجود واحد ، أفيض عليهما من قبل الله تعالى بجعل واحد ، وخلقة واحدة ، وليست المادّة فيه مصنوعة لشخص ، والهيئة والصورة لشخص آخر.

وأمّا ما كان من المصنوعات البشريّة ، فمن الممكن أن تكون المادّة لشخص والهيئة لشخص آخر ، وحصلت من عمل إنسان غير من هو صاحب المادّة ، فقهرا يكون له مالكان : أحدهما مالك الهيئة ، والآخر مالك المادّة.

مثلا : إذا كان الخشب لشخص ، وعمل النجّار فيه عملا بحيث يكون عمله محترما ـ لا كالغاصب الذي لا احترام لعمله ـ فصنعه بابا أو سريرا أو غير ذلك من أنواع ما يمكن أن يصنعه النجّار ، فيكون الخشب في ذلك السرير مثلا ملكا لصاحب الخشب ، والهيئة السريرية ملكا لذلك النجّار الذي صنع ذلك السرير ، فإذا غصب هذا السرير غاصب ، أو وقع تحت يده بالعقد الفاسد ، أو بغير ذلك ممّا هو ليس بإذن المالك ، فمثل هذا السرير وإن كان موجودا ولكن حيث أنّ للتالف كان مالكين ، فلا يمكن إعطاء المثل لكلّ واحد منهما ، لعدم استحقاق كلّ واحد منهما تمام المثل ، بل أحدهما تلف هيئته والآخر مادّته ، فلا بدّ في مقام تفريغ الذمّة من إعطاء قيمة الهيئة لمن يملكها ، وقيمة المادة أيضا كذلك ، مع أنّ التالف من المثليّات بالمعنى الثاني.

وأمّا في الأنواع والأصناف التي لا دخل للصناعة البشريّة فيها ، بل هي بمادّتها وصورتها من المخلوقات الإلهيّة ، فلا يمكن أن تكون المادّة لشخص والصورة لشخص آخر ، فإذا صار تالفا فمقتضى كونه بوجوده الاعتباري في عهدة الضامن هو تفريغ ذمّته بأداء مثله في الدرجة الثانية ، أي بعد تعذّر العين ، لا القيمة التي هي الدرجة الثالثة ، كما بيّنّا هذه المطالب وشرحناها مفصّلا.

وأنت خبير بما في هذا الكلام ، مضافا إلى الإشكالات العلميّة التي فيه ، أنّ هذا الفرق غير فارق بالنسبة إلى ما هو المقصود.

أما أوّلا : فلعدم جريانه فيما إذا كان التالف بمادّته وهيئته ملكا لشخص واحد ، وهذا القسم هو الغالب في الخارج ، لأنّ المتعارف في هذا العصر أنّهم يشترون من الأسواق من المصنوعات البشريّة ، وما من بيت إلاّ وفيه عشرات منها ، فالمادّة والهيئة كلاهما لشخص واحد ، فإذا تلف تحت يد غير مأذونه أو غاصبة أو التي أخذه بعقد فاسد أو بغير ذلك من الأيدي الموجبة للضمان ، فلا بدّ للضامن من إعطاء مثله ـ لما ذكرنا ، فلا نعيد ـ إلاّ أن يكون إجماع على عدم كفاية المثل لتفريغ ذمّة الضامن فيما إذا كان المثل من المصنوعات البشريّة ، وادّعاء هذا عجيب.

وثانيا : لا مانع من أن يكون الضامن في عهدته مثل التالف لكليهما ، فيشتركان في ما هو في عهدة الضامن ، كما كانا في الأصل كذلك.

وثالثا : حيث تحصل الشركة القهريّة بين العامل الصانع ـ كالنجّار مثلا ـ وبين صاحب المادّة ، فلا يبقى موضوع لهذا الفرض كي يكون ضامنا لأحدهما بالمادّة وللآخر بالهيئة ، بل لأحدهما ضامن بأحد الكسور وللآخر بالآخر ، سواء كانا متّفقين في الكسر أو كانا مختلفين.

وخلاصة الكلام : أنّ الفرق بين الأنواع والأصناف الطبيعيّة والصناعيّة خلاف‌ المرتكزات العرفية وعند العقلاء في أبواب الضمانات والغرامات.

بل عندي أنّ لزوم إعطاء المثل ، وعدم جواز إلزام المالك للضامن بالقيمة في المثليّات الصناعيّة أولى وأرجح من المثليّات الطبيعيّة والمجعولات الإلهيّة ، وما لم تدخل في صنعة أيدي البشريّة ، وذلك من جهة أنّ الأخير ربما يكون بعض الاختلاف غالبا بين أفراد ذلك النوع من حيث الشكل والكبر والصغر ، فلو أنّ أحدا غصب أربع حبّات حنطة أو حمصة أو غير ذلك من الحبوب ، فالاختلاف بين الحبوب التالفة وبين ما يعطي الغاصب بعنوان الغرامة أزيد من الاختلاف بين استكان التالف المغصوب مع ما يعطي الغاصب بعنوان الغرامة من نفس الماركة.

بل عبارة شيخنا الأعظم الأنصاري في مقام تعريف المثلي « بأنّه ما لا تتميّز أفراده بعد الاختلاط أو الامتزاج » (8) انطباقه على المثليّات الصناعيّة أوفق من الطبيعيّة ، لقلةّ الاختلاف في الأوّل.

هذا بحسب المرتكزات العرفيّة وكون مدرك المثل في المثليّات هو فهم العرف من أدلّة الضمان ذلك.

وأمّا لو كان مدركه الإجماع ، فيمكن أن يفرق بين المثلين ، ولكن دعواه عجيب بحيث ينتهي إلى المعصوم قولا أو فعلا أو تقريرا ، وذلك لعدم المكائن في تلك الأعصار ، وأمّا ما كان من صنع اليد في تلك الأزمنة فالاختلاف بينها كانت كثيرة ، فلا يجوز إجراء حكم ما كان يصنع باليد في تلك الأزمنة على ما يصنع بالمكائن في هذا العصر.

وإنّما طوّلنا البحث في المقام لأجل كثرة الاحتياج والابتلاء في هذا العصر بالصناعيّات ، والضمان والغرمات فيها.

إذا عرفت ما ذكرنا في أنّ مقتضى قاعدة « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » هو‌ في الدرجة الأولى ردّ نفس العين ، ومع تلفها ردّ مثلها في المثليّات في الدرجة الثانية ، ومع كون التالف من القيميّات على الضابط المتقدّم تصل النوبة إلى الدرجة الثالثة ، وهي ردّ القيمة في القيميّات. فنقول :

إنّ ها هنا أمور يجب ذكرها والتنبيه عليها‌ :

 [ الأمر ] الأوّل : أنّه لو لم يوجد المثل إلاّ بأكثر من ثمن أمثاله ، فهل ينتقل إلى الدرجة الثالثة ، ويكون عليه القيمة ، ويكون وجوده بمنزلة العدم ، أم لا بل يجب شراؤه وإعطاؤه غرامة للتالف؟

ثمَّ إنّ المراد بعدم وجوده إلاّ بأكثر من ثمن أمثاله هو عدم وجوده إلاّ عند شخص لا يبيعه إلاّ كذلك ، بحيث لو كان في السوق أو كان عند غير هذا الشخص لكان يباع بأقلّ من هذا ، وأمّا لو كانت زيادة القيمة من ناحية ترقّي قيمته في الأسواق ، فلا إشكال في وجوب شرائه ولزوم إعطائه لمالك التالف؟

والحقّ في هذا المقام هو أنّه لا بدّ وأن ينظر ، وأنّ كونه في يد شخص لا يبيع إلاّ بأزيد من ثمن مثله وعدم وجوده في مكان آخر هل هو لانحصار وجوده فيما عند ذلك الشخص ، أو لقلّة وجوده؟ فإن كان كذلك ، فالظاهر أنّ هذا ملحق بتعذّره ، وسنتكلّم عنه.

وأمّا إن كان لأجل أنّ هذا الشخص أو مع غيره ـ ولكن ذلك الغير في بلاد بعيدة بحيث متعذّر أو متعسّر الاشتراء منه ـ حصروا هذا النوع أو الصنف عندهم ، ولم يكن وجوده في حدّ نفسه قليلا ، ففي مثل هذه الصورة لا يخرج عن كونه مثليّا ، لأنّ المثلي ـ بناء على ما ذكرنا ـ أن يكون نوع التالف أو صنفه ذا أفراد متماثلة غير متفاوتة من ناحية الصفات والجهات النوعيّة والصنفيّة ، وفيما نحن فيه يكون الأمر كذلك ، غاية الأمر حصره البعض عنده لأجل زيادة الربح ، كما هو شغل بعض المحتكرين ، فيخزنون الحنطة مثلا ويجعلونها منحصرة بما عندهم ، ثمَّ لا يبيعونها إلاّ بما هو أضعاف قيمتها لو لا هذا الاختزان.

فالإنصاف : أنّ في مثل هذه الصورة مقتضى ما ذكرنا من الارتكاز العرفي هو لزوم تفريغ ذميته ، وأداء ما أخذته يده بالمثل ، ويجب شراؤه وإن كان بأضعاف قيمته.

وهذا بعنوانه الأوّلي ، ولكن بعنوان أنّ وجوب الشراء في مثل هذه الصورة ضرريّ ، والحكم الضرريّ منفيّ في الإسلام فذلك أمر آخر ، ولا بدّ من الملاحظة والدقّة في أنّ مثل هذه الموارد هل من موارد جريان قاعدة لا ضرر ، أو ليس كذلك.

وفيه كلام طويل ، وقد بحثنا عن هذه القاعدة ومفادها ومدركها وموارد جريانها في الجزء الأوّل من هذا الكتاب.

وإجماله : أنّ مفاد القاعدة هو نفي الحكم الضرري ، بحيث يكون عنوان أنّه ضرريّ عنوانا ثانويّا لذلك الحكم ، فالحكم الذي لا يترتّب عليه ضرر أصلا خارج عن تحت هذه القاعدة ، والحكم الذي يكون طبعه مقتضيا للضرر أيضا كذلك ، كالجهاد أو الخمس أو الزكاة ، والحجّ بالنسبة إلى الزاد والراحة ، فهذه الموارد كلّها خارجة عن تحت هذه القاعدة.

فمورد القاعدة هو فيما إذا كان الحكم بحسب طبعه لا يقتضي الضرر ، ولكن قد يتّفق لجهات خارجيّة ترتّب الضرر عليه ، سواء كان ذلك الضرر بدنيّا أو ماليّا أو اعتباريّا ، ففي مثل ذلك المورد تكون هذه القاعدة حاكمة على عموم الدليل الأوّلى أو إطلاقه ، ويخصّصه أو يقيّده بغير مورد ترتّب الضرر.

فلو نذر أن يطعم زيدا ـ مثلا ـ إن صار كذا ، فيتنجّز نذره بوجود المعلّق عليه ، فيجب عليه الوفاء بنذره وشراء الطعام من السوق ، وإن كان هذا الشراء ضررا ماليّا عليه. والقاعدة لا ترفع هذا الوجوب ، لأنّ هذا الضرر مقتضى طبع وجوب الوفاء بالنذر في الماليّات ، وفي المفروض من المورد لو ترقّى قيمة اللحم ترقّيا فاحشا في‌ الأسواق لا يمنع هذا الضرر عن وجوب الوفاء بالنذر ، لما قلنا إنّ هذا القسم من الضرر مقتضى طبع وجوب الوفاء.

وأمّا لو كان غلاء قيمة اللحم من جهة احتكار شخص أو أشخاص ، لا من جهة ترقّي القيمة السوقيّة ، فيمكن المورد مشمولا لقاعدة لا ضرر ، لأنّ هذا الضرر له جهة خارجيّة ، وليس من مقتضيات طبيعة الحكم ، كما هو واضح.

وممّا ذكرنا ظهر حال جريان القاعدة في محلّ كلامنا وعدم جريانها ، وأنّه إن كانت زيادة قيمة المثل بأكثر من ثمن أمثاله من جهة احتكار من عنده المثل أو ما يشبه الاحتكار ، فالقاعدة تجري ، وأمّا إن كان طلب الزيادة من جهة قلّة وجوده ، فالقاعدة لا تجري ، لأنّ الشي‌ء القليل الوجود إذا كان مطلوبا للعموم فقهرا تترقّى قيمته ويغلو سعره ، وإذا غلى سعره ـ وإن كان بواسطة قلّة وجوده في الأسواق ـ يكون الضرر من مقتضيات طبع الحكم ، فلا يكون مشمولا للقاعدة.

وكذلك الأمر في مسألة شراء الماء للوضوء ، فإن كان من عنده الماء يطلب قيمة زائدة لأجل كونه في قافلة في فصل الصيف ، والماء هناك قليل وطلاّبه كثيرون ، فلا تجري القاعدة ، ويجب الشراء وإن كان غالبا ، لاقتضاء الزمان والمكان ذلك ، وهذا الضرر من مقتضيات طبع الحكم.

وأمّا إن كانت الزيادة لأجل حصر الماء عن الآخرين ، فتجري القاعدة.

وهذا ضابط كلّي في جميع الموارد.

[ الأمر ] الثاني : لو تعذّر المثل في المثلي ، فلا شكّ في أنّ الأداء وتفريغ الذمّة ينتقل إلى الدرجة الثالثة وهي القيمة. إنّما الكلام في أنّ وجوب دفع القيمة مع مطالبة المالك ، أو يكون مطلقا؟

ولتوضيح المقام وتنقيحه نقدّم أمورا :

الأوّل : في أنّه ما المراد من تعذّر المثل؟ وهل المراد عدم وجوده وعدم إمكان‌ تحصيله مطلقا حتّى مع التعب الشديد وصرف المال الكثير ، أو لا بل المراد منه عدم سهولة تحصيله من جهة قلّة وجوده ، أو كونه في بلد بعيد يصعب عليه جلبه من ذلك البلد؟

أقول : المناط في أبواب الضمانات والغرامات حسب الارتكاز العرفي في الانتقال من الدرجة الثانية إلى الثالثة ، عدم التمكّن من تحصيله عرفا ، فإذا حصل التعذّر بهذا المعنى فيجب عليه دفع القيمة ، بمعنى أنّه ليس للمالك إلزامه بإعطاء المثل ، ولو كان يجلبه من البلد البعيد وتحمّل المشقّة أو صرف المال الكثير ، فإنّ العرف يرى وجود المثل في هذه الصورة كالعدم ، فيفهم من أدلّة الضمان وجوب أداء القيمة.

الثاني : أنّ حكم تعذّر المثل هو حكم تلف العين ، أو حكم تعذّر العين؟ فإن كان هو الأوّل فقهرا ينتقل ما في الذمّة من كونه مثلا إلى القيمة ، كما أنّ العين إذا وقع عليها التلف ينتقل الضمان من العين إلى بدلها من المثل أو القيمة ، كلّ واحد منهما في مورده.

أمّا إن كان مثل تعذّر العين ، فكما أنّ في تعذّرها لا ينتقل الضمان إلى البدل ما دامت العين موجودة ـ غاية الأمر على الغاصب إعطاء بدل الحيلولة لا بدل نفس العين ـ فكذلك ها هنا لا ينتقل الضمان إلى القيمة ، بل المثل باق على عهدة الغاصب إلى زمان الأداء.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ قياس تعذّر المثل بتعذّر العين لا وجه له ، لأنّ العين مع وجودها وبقائها لا وجه لخروجها عن ملك مالكها ، لأنّ تعذّر الوصول إلى الملك ليس ممّا يوجب سقوط الملكيّة ، فمع بقاء عين ماله في ملكه لا معنى لأخذ بدله الواقعي ، لأنّه من الجمع بين البدل والمبدل ، فلو قلنا بلزوم تدارك ما فات من المالك لا بدّ أن يكون بدل حيلولته بين المال ومالكه.

وأمّا فيما نحن فيه ، فبعد تلف العين قلنا إنّ المرتكز العرفي ـ فيما إذا قيل إنّ الذمّة مشغولة ولا يرتفع بعد تلفها إلاّ بأداء ما أخذه ـ أنّ عليه أداء ما أخذه بالمثل إن كان ، وبعد تعذّره تصل النوبة إلى القيمة ، فلا وجه لبقاء المثل في عهدته إلى زمان الأداء ولو بالقيمة.  

وقياسه على تعذّر العين باطل ، ومع الفارق إذ هو لم يملك المثل إلاّ بعد أن يعطى له بخلاف العين ، فإنّه يملكها ولا وجه لسقوط ملكيّتها بصرف التعذّر.

الثالث : أنّه بناء على ما عرفت في الأمرين المتقدّمين ـ وهما عدم سهولة تحصيله المثل عرفا ، وكون تعذّره بمنزلة تلف العين ـ فقهرا يكون التعذّر موجبا لأن يكون ذمّة الغاصب أو من هو بحكمه مشغولة بالقيمة. وإن شئت سمه بانقلاب المثل إلى القيمة ، ولا مشاحة في الاصطلاح.

فبناء على هذا يجب دفع القيمة إلى المالك ، طالب أو لم يطالب ، بل له إلزام المالك بأخذ القيمة إلاّ أن يكون المثل مرجو الحصول في زمان قريب ، فله أن يمتنع عن أخذ القيمة ويصبر إلى زمان حصول المثل ، كما إذا كان التالف حنطة ، والحنطة إمّا ليس بموجود أو عزيز الوجود ، فللغاصب إلزام المالك بأخذ القيمة إلاّ أن يكون في زمان الحصاد والمتوقّع وفور الحنطة في زمان قريب.

ولا فرق فيما ذكرنا من الانقلاب بين التعذّر الطاري والبدوي أصلا ، كما هو واضح فلا يحتاج إلى تطويل الكلام.

[ الأمر ] الثالث : من الأمور التي قلنا يجب التنبيه عليها هو أنّه بعد الفراغ عن أنّ المغصوب أو ما كان بحكمه إن كان قيميّا يجب أداء قيمته ـ إمّا للإجماع على ذلك كما ادّعى في المقام ، أو من جهة أنّ المرتكز في أذهان العرف هو ذلك من أدلّة الضمان كما هو المختار عندنا ـ هل المدار في تعيين القيمة قيمة يوم دخول العين تحت اليد ، أو قيمة يوم التلف ، أو قيمة يوم الأداء ، أو أعلى القيم من زمان دخول العين تحت اليد إلى زمان التلف ، أو إلى زمان الأداء؟

وجوه وأقوال ، وذكروا لهذه الأقوال والوجوه الخمسة أدلّة ومدارك ، ويطول المقام بذكر جميع ما قالوا في مدارك هذا القول ، ولذلك نحن نكتفي بذكر ما هو المختار‌ عندنا ، وهو قيمة يوم الأخذ غصبا ، أو بدون إذن المالك وإن لم يطلق عليه عنوان الغصب عرفا.

فنقول : ظاهر قوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » ـ كما تقدّم ـ هو أنّ نفس ما وقع تحت اليد يثبت ويستقرّ على عهدة الآخذ ، ولا شك في أنّ هذا المعنى ـ أي استقرار ما أخذته اليد عليها ـ حكم شرعي وضعي في عالم الاعتبار التشريعي ، ونفس المأخوذ مال وعين خارجيّة وقعت تحت اليد ، فنفس العين الخارجيّة من الموجودات الخارجيّة ، ولا يمكن أن تنتقل بنفسها إلى العهدة ، لأنّ المراد من العهدة والذمّة عالم الاعتبار ، والموجود الخارجي محال أن ينتقل بوجوده الخارجي إلى عالم الاعتبار ، وإلاّ يلزم أن ينقلب الخارج اعتبارا ، فكما أنّ الموجود الخارجي لا يأتي إلى الذهن للزوم الانقلاب ، فكذلك الأمر ها هنا. بل المحاليّة هاهنا أوضح ، لأنّ الموجود الخارجي والذهني كلاهما موجودان خارجيّان واقعيّان ، والقول بأنّ أحدهما ذهني والآخر خارجي مجرّد اصطلاح.

وأمّا في ما نحن فيه فليس الأمر كذلك ، بل الموجود الخارجي أمر واقعي وله وجود في الخارج ، سواء كان معتبر في العالم أو لم يكن ، بخلاف الأمر الاعتباري ، فليس له وجود أصلا وإنّما هو صرف اعتبار ممّن بيده الاعتبار.

وبعبارة أخرى : كما أنّ للأشياء وجود خارجي ووجود ذهني ووجود لفظي ووجود كتبي ، كذلك للأشياء المتموّلة وجود اعتباري ، أي يعتبرها الشارع أو العقلاء في عالم الاعتبار لترتيب آثار ذلك الموجود عليه ، فالمراد من « على اليد ما أخذت » اعتبار ذلك الوجود الذي وقع تحت اليد فوق اليد ، أي على العهدة.

وذلك الوجود المأخوذ له جهات ثلاث : الخصوصيّات الشخصيّة ، والجهات الصنفيّة والصفات والعوارض الطارئة على نفس الطبيعة ، والثالثة ماليّته التي هي العمدة في أبواب الضمانات والغرامات ، ففي عالم الاعتبار يعتبر ما هو الواجد للجهات‌ الثلاث ، فما دام يمكن أداء الجهات الثلاث يجب عليه أداؤها جميعا.  

وهذا فيما إذا كانت عين المال المغصوب موجودة يجب على الآخذ أداؤها جميعا ، لأنّ في ذمّته بالمعنى الذي ذكرنا للذمّة.

وإذا تلفت العين تسقط الخصوصيّات الشخصيّة ، لأنّ اعتبارها على الذمّة لترتيب الأثر الذي هو وجوب أدائها ، فإذا لم يمكن فاعتبارها لغو وتبقى الجهتان الآخريان ، أي الماليّة ، والعوارض والطواري النوعيّة الموجبة لتصنيفه. وإذا فقد المثل وانعدم بالمرّة ـ إمّا من أوّل الأمر ، أو طرأ الفقدان بعد ما كان ـ فتسقط الجهات المصنّفة أيضا ، وتبقى الجهة الماليّة فقط.

وبقاء الجهة الماليّة في العهدة يجتمع حتّى مع وجود العين فيما إذا سقطت عن المالية كقربة من الماء في المفازة التي تحتاج إليه القافلة ، خصوصا مع فقد غيرها إذا أتي بها الغاصب ويريد أن يرجعها إلى المالك في حافة الشط ، وكالأوراق الماليّة التي غصبها في حال اعتبارها ويريد ردّها إلى مالكها في حال سقوط اعتبارها.

ثمَّ إنّه قد ظهر لك أنّ المدار في القيمي قيمة يوم الأخذ ، لأنّ ظرف الضمان حسب مفاد هذا الحديث الشريف هو وقت الأخذ ، فيأتي المأخوذ بجهاته الثلاث في العهدة في ذلك الوقت ، منها قيمته في ذلك الوقت.

وبناء على ما ذكرنا لو سقطت العين المغصوبة بعد أن غصبها عن الماليّة ، فيجب عليه أداء قيمتها ، وأيضا أداء نفس العين مع بقائها ، وذلك من جهة إمكان أداء الجهات ، أمّا القيمة فمن الخارج ، وأمّا الجهات المصنّفة والخصوصيّات المشخصة فلوجودها في العين مع بقائها.

إن قلت : إن كان المدار في القيمة قيمة يوم الأخذ ، فلما ذا قالوا بضمان النماءات التي تحصل للعين المغصوبة بعد الغصب ، وإن تلفت تلك النماءات بعد حصولها ، كما لو سمن الشاة مثلا في يد الغاصب ثمَّ زال عنها السمن وعادت حالته الأولى ، فلو كان الضمان‌ قيمة يوم الأخذ فقط ، فلا وجه لضمان تلك النماءات التي تحصل بعد يوم الأخذ.

قلنا : إنّ النماءات التي تحصل بعد الغصب تقع تحت اليد جديدا بتبع بقاء العين ، وفي الحقيقة تكون غصبا آخر غير مربوط بالغصب الأوّل ، ولذلك نفرق بين تلك النماءات وترقّى القيمة السوقيّة. وذلك من جهة أنّ ترقّيات القيمة السوقيّة ليست من أشياء تقع تحت اليد كي تكون غصبا جديدا وموجبا لضمان جديد.

هذا ، مضافا إلى دلالة صحيحة أبي ولاّد على أنّ المدار في القيمة قيمة يوم الغصب ، فلنذكر الصحيحة ونبيّن كيفيّة دلالتها على أنّ المدار في تعيين القيمة قيمة يوم الأخذ والغصب ، وهي هذه :

في الوسائل : محمّد بن الحسن بإسناده عن أبي ولاّد ، قال : اكتريت بغلا إلى قصر ابن هبيرة ذاهبا وجائيا بكذا وكذا ، وخرجت في طلب غريم لي ، فلمّا صرت قرب قنطرة الكوفة خبرت أنّ صاحبي توجّه إلى النيل ، فتوجّهت نحو النيل ، فلمّا أتيت النيل خبرت أنّه توجّه إلى بغداد ، فاتبعته فظفرت به ورجعت إلى الكوفة ـ إلى أن قال : ـ فأخبرت أبا عبد الله عليه السلام ، فقال : « أرى له عليك مثل كراء البغل ذاهبا من الكوفة إلى النيل ، ومثل كراء البغل من النيل إلى بغداد ، ومثل كراء البغل من النيل إلى بغداد ومثل كراء البغل من بغداد إلى الكوفة وتوفّيه إيّاه » ، قال : قلت : قد علفته بدراهم ، فلي عليه علفه؟ قال : « لا ، لأنّك غاصب » ، فقلت : أرأيت لو عطب البغل ، أو نفق أليس كان يلزمني؟ قال : « نعم قيمة بغل يوم خالفته » قلت : فإن أصاب البغل كسر أو دبر أو عقر؟ فقال : « عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه » ، قلت : فمن يعرف ذلك؟ قال : « أنت وهو ، إمّا أن يحلف هو على القيمة فتلزمك ، فإن ردّ اليمين عليك فحلفت على القيمة لزمك ذلك ، أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك » الحديث (9).

ثمَّ إنّه ربما يستشكل بالاستدلال بهذه الصحيحة بأنّها مخالفة للقواعد العامّة ، والأخبار المستفيضة ، بل الأخبار القطعيّة (10).  

وهي أنّه لا شكّ في أنّ البيّنة وظيفة المدّعي ، والحلف وظيفة المنكر ، والتفصيل قاطع للشركة ، فلا يجتمعان بالنسبة إلى أحد المتخاصمين في واقعة واحدة ، وهنا اجتمع بالنسبة إلى المالك.

وفيه أوّلا : أنّه يمكن أن يكون هذا الكلام باعتبارين واختلاف كيفية إنشاء دعويهما ، وذلك كما إذا ادّعى شخص على زيد مثلا بكذا ، فإن قال زيد في مقام جوابه :

لم تطلب مني شيئا ، يكون منكرا. وإن قال : أعطيتك ، يكون مدّعيا ، ففي المقام إذا ادّعى الغاصب تنزل القيمة يوم المخالفة بعد الاتّفاق في القيمة قبل يوم المخالفة بيوم أو بأيّام ، فيكون المالك منكرا للتنزّل ، وعليه الحلف وعلى الغاصب أن يأتي بشهود.

وأمّا لو كان مصبّ الدعوى والاختلاف في القيمة هو نفس يوم المخالفة ، من غير اتّفاق على القيمة سابقا ، فالقول قول الغاصب ، لمطابقة قوله للحجّة الفعليّة ، وهي البراءة عن الزائد الذي يدّعيه المالك ، فيكون على المالك إقامة البيّنة على ما يدّعيه.

وثانيا : اختلال بعض الفقرات لا ينافي مع حجّية فقرات الأخر.

وأمّا دلالة هذه الصحيحة على أنّ المدار في تعيين القيمة هو قيمة يوم المخالفة ، ففي موضعين : [ الموضع ] الأوّل : قوله عليه السلام : « نعم قيمة بغل يوم خالفته ». وقد أفاد الشيخ الأعظم الأنصاري في وجه دلالة هذه الفقرة على أنّ المدار في قيمة القيمي التالف قيمة يوم الغصب والأخذ هو أنّ الظرف قيد للقيمة ، وذكر لذلك وجهين :

الأوّل : إضافة القيمة المضافة إلى البغل إليه ثانيا ، فيكون معنى الكلام بناء على‌ هذا الاحتمال هكذا : قيمة بغل قيمة يوم المخالفة (11).  

وهو يوم الغصب والأخذ بدون إذن المالك ، فيكون صريحا فيما هو المقصود ، وهو أنّ المدار على قيمة يوم الأخذ في ضمان القيميّات.

ولكن الإشكال في أنّ الكلمة الواحدة في جملة واحدة تكون مضافة إلى شيئين في عرض واحد ـ كما هو مدعاه على تقدير إمكانه ، ـ والإغماض عما استشكل عليه شيخنا الأستاذ من الجمع بين اللحاظ الآلي والاستقلالي في استعمال ولحاظ واحد ـ وهو محال (12) ليس معهودا في تراكيب الكلام والجمل العربيّة ، فمثل هذه الدعوى لا تقبل في استظهار مفاد الكلام العربي.

نعم الذي لا مانع منه هو تتابع الإضافات ، مثل ماء حوض ، دار فلان ومثل دأب قوم نوح الوارد في القرآن كريم ، ولكن هذا غير ما ذكره .

الثاني : أن يكون الظرف قيدا للاختصاص الحاصل من إضافة القيمة إلى البغل ، فيكون المعنى قيمة مختصّة بالبغل يوم المخالفة. وحيث أنّ كلمة « مختصّة » ـ الحاصلة من إضافة القيمة إلى البغل ـ شبه فعل ، فيجوز أن تكون عاملا في الظرف.

وعلى هذا التقدير أيضا يكون صريحا على أنّ المدار قيمة يوم الأخذ بدون إذن المالك ، لأنّ القيمة المختصّة بالبغل يوم المخالفة هي عين قيمة يوم الأخذ.

واستشكل شيخنا الأستاذ على هذا الوجه أيضا بمثل الإشكال الأوّل ، وهو أنّ الاختصاص الحاصل من الإضافة معنى حرفي ، وملحوظ آلي ، فلا يمكن أن يرد عليه القيد (13) ، لأنّ المعاني الحرفيّة ليست قابلة للتقييد ، وذلك من جهة أنّ التقييد لا يمكن إلاّ مع ملاحظة القيد والمقيّد استقلاليّا ، فيلزم اجتماع اللحاظ الآلي والاستقلالي‌ في لحاظ واحد.

ولكن الإنصاف أنّه يمكن أن يلاحظ ذلك الاختصاص الحاصل من الإضافة باللحاظ الآلي ، ثانيا بلحاظ آخر استقلالي. ونظائره كثيرة ، مثلا يقال : هذا عصاء زيد يوم سفره ، أو هذا عباؤه يوم الجمعة ، أي : عصائه المختص بيوم سفره ، أو عباؤه المختصّ بلبسها يوم الجمعة ، فليس التقييد بلحاظ ذلك اللحاظ الآلي في حال الإضافة ، بل بلحاظ آخر استقلالي بعد الإضافة.

نعم هنا وجهان آخران لاستفادة كون المدار على قيمة يوم الأخذ من هذه الفقرة :

أحدهما : كونها من تتابع الإضافات ، وهو أن تكون القيمة مضافة إلى بغل ، وبغل مضافا إلى يوم وسقوط اللام عن بغل بواسطة إضافته إلى يوم ، فيكون المعنى : قيمة بغل ذلك اليوم. وهذه عبارة أخرى عن قيمة ذلك اليوم ، أي يوم الغصب والأخذ بدون اذن المالك.

وذلك من جهة أنّ اختلاف البغل باختلاف الأيّام ، وإن كان من الممكن أن يكون باعتبار سمنه في يوم وهزاله في يوم آخر ، أو صحّته ومرضه كذلك ، ولكن في المورد ظاهر في أنّ تخصيص البغل بيوم المخالفة باعتبار قيمته في ذلك اليوم ، لأنّ مجموع الأيّام التي كان البغل تحت يده لا يتجاوز أيّام قليلة ، والبغل لا يختلف في تلك الأيّام القليلة من جهة السمن والهزال ، والصحّة والمرض ، فيكون ظاهر التخصيص بيوم المخالفة هو باعتبار قيمة ذلك اليوم. وبناء على هذا يكون الظرف قيدا للبغل.

الثاني : أن يكون الظرف قيدا لـ « نعم » ويكون متعلّقا بـ « يلزمك » المقدّر في جواب قول السائل والمستفهم ، أرأيت لو عطب البغل أو نفق أليس كان يلزمني ، فقوله عليه السلام :

« نعم » في جواب هذا الاستفهام تصديق وتقرير لما قال : أليس كان يلزمني ، فيصير المعنى : نعم يلزمك قيمة بغل يوم خالفته. وظاهر هذه العبارة وإن كان أنّ ضمانه‌ واشتغال عهدته في ذلك اليوم بقيمة بغل ، وأمّا قيمة يوم الغصب ، أو يوم التلف ، أو يوم الأداء ، أو أعلى القيم ، فكلّ ذلك ممكن ويصلح للجميع.

ولكن شيخنا الأستاذ أفاد أنّ ضمان القيمة لو كان يوم المخالفة ، أي يوم الغصب يتعلّق بالعهدة ، وتشتغل الذمّة بها في ذلك اليوم (14) ، فلا يمكن أن تكون قيمة يوم المتأخّر عن يوم المخالفة ، وهو يوم التلف ، أو يوم الأداء.

وهذا الكلام وإن كان لا يخلو من تأمّل ـ بل وإشكال ـ ولكن يمكن أن يقال : إنّ معنى الضمان في ذلك اليوم ـ كما تقدّم ـ هو اشتغال ذمّته فيه بتلك العين التي وقعت تحت يده بدون إذن المالك ، أي اشتغال ذمّته بوجود العين في عالم الاعتبار ، وقلنا إنّ الوجود الخارجي لا يأتي في عالم الاعتبار ، فالذي يركب على العهدة هو الوجود الاعتباري لتلك العين المغصوبة ، أي الشارع أو العقلاء يعتبرون عليه وجود العين الخارجي بجهاتها الثلاث ، أي خصوصيّاتها الشخصيّة ، وصفاتها العارضية على النوع ، وماليّتها الموجودة في ذلك اليوم ، أي في يوم الضمان على الفرض وهو يوم الغصب.

وهذا معنى اشتغال عهدته بقيمة يوم الغصب ، وقد تقدّم شرح ذلك تفصيلا.

فإذا تلفت العين وعدم المثل كما هو المفروض في تلف القيمي ، لا يبقى في العهدة إلاّ تلك الجهة الثالثة ، أي ماليّة تلك العين وقيمتها في يوم الغصب ، لأنّ العين بتلك الجهات الثلاث الموجودة في ذلك اليوم استقرّت في العهدة ، فتصير الصحيحة بناء على هذا الوجه موافقة في المضمون ، وبحسب مفادها مع قوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه ».

الموضع الثاني : قوله عليه السلام : « أو يأتي صاحب البغل بشهود يشهدون أنّ قيمة البغل حين اكترى كذا وكذا فيلزمك ».

والظاهر من قوله عليه السلام « قيمة البغل حين اكترى » هو قيمة يوم الغصب ، إذ وقت‌ الاكتراء لا ضمان قطعا.

ولكن حيث أنّ وقت الغصب ويومه هو نفس يوم الاكتراء في هذا المورد ـ لأنّه اكترى في الكوفة ، ووقع الغصب قرب قنطرة الكوفة حين ما سمع بتوجّه غريمه إلى النيل ، وهذا عادة يتّفق في نفس يوم الاكتراء بعد ساعة أو ساعات ـ عبّر عن يوم الغصب بيوم الاكتراء.

ولعلّ العدول عن يوم الغصب إلى عنوان « حين الاكتراء » لأجل أنّ تحصيل الشهود حين الاكتراء أسهل من حال الغصب ، وذلك من جهة أنّ حين الاكتراء غالبا محلّ اجتماع المكّارين العارفين بقيمة الدوابّ ، وأمّا حين الغصب وهو الواقع في أثناء الطريق لا طريق غالبا إلى تحصيل الشهود على معرفة قيمته في ذلك الوقت ، فبناء على هذا تكون هذه الفقرة صريحة في أنّ المدار في ضمان القيمي قيمة يوم الغصب والأخذ بدون إذن المالك.

وأمّا احتمال أن يكون المراد بهذه الفقرة ضمان عين المستأجرة مع عدم شرط الضمان الذي مخالف للقواعد ، فلا ينبغي صدوره عن فقيه ، مع كون هذه أحد شقّي الترديد في مطلب واحد ، وفي مورد واحد وهو ضمان البغل الذي وقع عليه التلف بعقر أو كسر أو دير بعد تصرّفه العدواني بدون إذن صاحبه.

ثمَّ إنّ ها هنا مناقشات فيما استظهرناه من الرواية يجب أن تذكر مع الجواب عنها :

منها : أنّ قوله عليه السلام « عليك قيمة ما بين الصحّة والعيب يوم تردّه عليه » ظاهره أنّ المدار على قيمة يوم الأداء ، بناء على أن يكون هو المراد من « يوم تردّه عليه ».

وهذا بناء على أن يكون « يوم تردّه » قيدا للقيمة واضح ، وبناء على أن يكون متعلّقا بـ « عليك » يكون الظرف لغوا أو يكون العامل فيه من أفعال العموم ويكون الظرف مستقرا أيضا كذلك ، لأنّه بناء على الأوّل يكون المعنى : يلزمك القيمة يوم‌ تردّه ، ولا يمكن أن يأتي يوم الردّ على عهدته قيمة يوم آخر سابق عليه. وبناء على الثاني يكون المعنى : أنّ القيمة يثبت عليك يوم الردّ ، ويستقرّ على عهدتك ذلك اليوم.

والجواب : أنّ ظاهر هذا الكلام هو أنّ الظرف متعلّق بـ « عليك » ويكون المعنى :

يلزم عليك يوم تردّ البغل ، مثلا أن تعطى له قيمة تفاوت ما بين الصحّة والعيب ، وأمّا أنّ القيمة قيمة أيّ يوم فالرواية ساكتة عنه ، فلا يعارض ظهور هذه الفقرة ظهور الفقرات السابقة.

هذا ، مع أنّ هذه الفقرة في مقام بيان ضمان أرش العيب ، ولا دليل على لزوم اتّحاد زمان ضمان التلف مع زمان ضمان أرش العيب ، فيمكن أن يكون زمان ضمان التلف يوم الغصب ، وزمان ضمان أرش العيب يوم ردّ العين ، فتأمل.

ومنها : أنّه عليه السلام تارة جعل المالك منكرا ، لقوله عليه السلام : « إمّا أن يحلف هو فيلزمك » ، وأخرى جعله مدّعيا ، لقوله عليه السلام : « أو يأتي صاحب البغل بشهود » إلى آخره ، وذلك لوضوح أنّ الحلف ابتداء وظيفة المنكر ، والبيّنة وظيفة المدّعي ، وقد جمعها في الرواية للمالك ، فلا بدّ وأن يكونا في موردين كي لا يلزم هدم القاعدة المسلّمة المعروفة بين المسلمين ، وهي قوله صلى الله عليه واله : « البيّنة على المدّعي ، واليمين على من أنكر » (15) ولا يمكن أن يكونا في موردين إلاّ أن يكون ضمان القيمي قيمة يوم التلف ، لا يوم المخالفة.

بيان ذلك : أنّه لو كان المدار على الأخير فدائما يكون المالك مدّعيا والغاصب منكرا ، لمطابقة قوله للحجّة الفعليّة ، وهي أصالة براءة ذمّته عمّا يدّعيه المالك من الزيادة في يوم المخالفة.

وأمّا لو كان المدار على قيمة يوم التلف ، فيمكن أن يكون المالك مدّعيا ، وهو فيما‌ إذا كان معترفا بعدم تفاوت قيمة يوم الغصب مع قيمة يوم التلف ، وإنّما يدّعي قيمة زائدة على ما يقبله الغاصب ، وأصل البراءة مع الغاصب ، وليس دليل حاكم من استصحاب أو أمارة في البين ، فيكون المالك مدّعيا والغاصب منكرا ، لمطابقة قوله لأصل البراءة.

ويمكن أن يكون المالك منكرا ، وذلك فيما إذا ادّعى الغاصب نقصان القيمة يوم التلف عمّا كان يوم الغصب مع اتّفاقهما في ذلك اليوم ، فالمالك منكر ، لمطابقة قوله مع الاستصحاب.

والجواب عن هذه المناقشة : أنّ كون المالك تارة منكرا وأخرى مدّعيا أيضا يمكن مع كون المدار على قيمة يوم المخالفة.

بيان ذلك : أنّه لو كانا متّفقين على قيمة قبل يوم المخالفة ، وادّعى الغاصب نقصانها يوم المخالفة عن تلك القيمة المتّفقة عليها ، فيكون الغاصب مدّعيا والمالك منكرا ، وهذا واضح جدّا.

ولا ينبغي ذكر أمثال هذه المناقشات ، فترك ذكر باقي ما ذكروه في هذا المقام أولى.

وقد ظهر ممّا ذكرنا في مفاد قوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » وصحيحة أبي ولاّد (16) أنّ المدار في تعيين قيمة القيمي هو قيمة يوم الأخذ بدون إذن المالك ، لا يوم التلف ، ولا يوم الأداء ولا أعلى القيم بكلتا صورتيه ، فلا حاجة إلى ذكر مدارك تلك الأقوال والمناقشة فيها.

[ الأمر ] الرابع : فيما إذا كانت العين باقية ولم يطرأ عليها التلف ، ولكن يتعذّر أو يتعسر إيصالها إلى المالك ، فهل على الغاصب أو من بحكمه إعطاء بدل الحيلولة بين المالك وماله ، أم لا؟ الظاهر هو الأوّل.

بيان ذلك : أنّهم وإن ذكروا للقول الأوّل أدلّة متعدّدة من التمسّك بقاعدة لا ضرر تارة ، وفوت سلطنة المالك أخرى ، وكون الغاصب حائلا بين المال ومالكه ثالثة وغيرها ، ولكن لا يخفى على الناقد البصير عدم صحّة تلك الأدلّة كلّها ، فلا وجه لذكرها والردّ عليها ، فإنّه تطويل بلا طائل.

فلنذكر ما هو العمدة في المقام ، وهو أنّ قوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » ـ كما بيّنّا فيما تقدّم ـ يدلّ على ما هو المتفاهم العرفي منه ، على أنّ العين المأخوذة بدون إذن المالك ورضاه ثابتة ومستقرّة في عالم الاعتبار التشريعي على عهدة المالك بجميع خصوصيّاتها الشخصيّة ، وعوارضها النوعيّة وصفاتها وماليّتها ، كما أنّ الأمر كذلك عند العقلاء أيضا ، فإنّ لكلّ عين متموّلة خارجيّة لها وجود اعتباري عندهم على عهدة من غصبها.

وإن شئت قلت : إنّ ما يقع تحت اليد غير المأذونة بوجوده الخارجي من الأموال يستقرّ بوجوده الاعتباري ـ أي في عالم الاعتبار ـ فوق اليد ، أي على عهدة الغاصب ، وما يعبّرون عنه بالعهدة أو بالذمّة ليس إلاّ اعتبار من طرف العقلاء ، أو من طرف الشارع ، أو من كليهما. فإذا كان الأمر كذلك فيجب تكليفا ووضعا ردّ الجهات الثلاث مع الإمكان ، وعند تلف العين يجب ردّ الجهتين الأخريين ، كما ذكرنا مفصّلا.

وأمّا إن كانت العين باقية ، ولكنّ تعذّر أو تعسّر ردّها ، فحيث يسقط التكليف بردّ نفس العين للتعذّر أو التعسّر ، فيدور الأمر بين أن يسقط عن ردّ جميع الجهات الثلاث ، أو يبقى بالنسبة إلى الجهتين الباقيتين إن كان مثليّا ، والجهة الواحدة الباقية إن كان قيميّا.

ولا وجه للأوّل ، لأنّه بلا دليل ، بل الدليل على عدمه ، وهو قوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » الذي قلنا إنّه يدلّ على استقرار الجهات الثلاث في العهدة ، وبارتفاع أحدها ـ وهي الخصوصيّات الشخصيّة للتعذّر أو التعسّر ـ لا يرتفع الأخريان ، فيجب عليه إعطاء المثل إن كان مثليّا ، والقيمة إن كان قيميّا.

ولكن هذا المثل أو القيمة ليس بدلا واقعيّا للعين المغصوبة ، لأنّ ملكيّته للعين باقية ، فيلزم الجمع بين البدل والمبدل. وهذا غير معقول ، لأنّ المراد من البدل في باب المعاوضات هو أن يكون عوضا عمّا يخرج عن ملكه ، فمع فرض عدم خروجه كما في المقام فكونه بدلا واقعيّا محال ، ولذلك قالوا إنّه بدل الحيلولة بين المالك وملكه.

نعم يقع الكلام في أنّه هل هذا البدل يصير ملكا للمغصوب منه دائما وأبدا ، أو ما دام لم يصل ماله إليه ، أو يكون مالكا لانتفاعاته إلى زمن إرجاع ماله إليه؟ احتمالات ، سنتكلم فيها إن شاء الله تعالى.

وحاصل الكلام : أنّ التعذّر وعدم إمكان الردّ تارة يكون لمدّة قصيرة ، فمثل هذا لا يسقط التكليف بردّ العين ، ولا يوجب إعطاء بدل الحيلولة. وأمّا لو كان لمدّة طويلة فمع اليأس عن الوصول إليه عادة ، كما إذا وقع في قاع البحر فهو في حكم التلف ، ويجب على الغاصب إعطاء بدل الواقعي.

نعم إذا ارتفع التعذّر من باب الاتّفاق ، وردّ الغاصب ذلك المال إلى مالكه يأتي البحث الآتي في بدل الحيلولة في وجوب ردّ البدل إلى الغاصب أم لا. وسنتكلّم فيه إن شاء الله تعالى.

وأمّا مع عدم اليأس بل رجاء ارتفاع التعذّر أو التعسّر ، فهذا هو مورد البحث عن بدل الحيلولة. وقد عرفت أنّ ذمّته مشغولة ولا تبرأ بصرف تعذّر أداء الخصوصيّة الشخصيّة ، بل يجب على الغاصب أداء مثله إن كان مثليّا ، وقيمته إن كان قيميّا ، ولكن لا بعنوان كونه بدلا واقعيّا ، بل بعنوان كونه بدل الحيلولة بين المال ومالكه.

ثمَّ انّ ها هنا أمور يجب التنبيه عليها‌ :

الأوّل : هو أنّ المدار في التعذّر بناء على ما بيّنّا في معناه ، هو أن يكون موجبا‌ لسقوط التكليف بأداء العين ، ولذلك قلنا أنّ أداء العين تعذّر أو تعسّر ، لأنّ التعسّر أيضا قد يكون موجبا لسقوط التكليف ، وذلك من جهة ما بيّنّا أنّ المناط في وجوب إعطاء بدل الحيلولة هو سقوط الجهة الأولى من الجهات الثلاث للتعذّر أو التعسّر ، وبقاء الجهتين الأخريين مع بقاء العين وعدم تلفها ، لا حقيقة ولا حكما.

وذلك من جهة أنّه مع التلف الحقيقي أو الحكمي يكون البدل بدلا واقعيّا ، لا بدل الحيلولة كما هو واضح.

ولا فرق في ثبوت بدل الحيلولة بين أن تكون العين مرجو الحصول ، أو كان مأيوس الحصول.

اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ في صورة اليأس تكون بحكم التلف ، فيكون البدل بدلا واقعيّا ، ويخرج عن موضوع بدل الحيلولة.

الثاني : أنّ بدل الحيلولة هل يصير ملكا لمالك العين ، أو يكون تصرّفه فيه مباحا فقط بدون حصول الملكيّة؟

والظاهر بناء على ما استظهرنا من الحديث الشريف ـ من استقرار العين وثبوتها على العهدة بوجودها الاعتباري بجميع جهاتها الثلاث ـ هو أن يكون البدل ملكا لمالك العين ، لأنّه أداء العين بعد سقوط التكليف.

ولكن يرد ها هنا إشكال ، وهو الجمع بين العوض والمعوّض للمالك إن قلنا ببقاء ملكيّة العين له ، كما هو كذلك ظاهرا.

ولا يمكن الخروج عن هذا الإشكال إلاّ بالقول بأنّها بإعطاء البدل تصير ملكا للضامن.

وهو كما ترى وإن قال به بعض ، مضافا إلى أنّ الالتزام بهذا يوجب خروج البدل عن كونه بدل الحيلولة ، وصيرورته بدلا واقعيّا وهو خلاف الفرض.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ إعطاء الضامن للمثل أو القيمة كلّ واحد في محلّه إن كان بعنوان المعاوضة وكونه بدلا عن المال الذي حيل بينه وبين المالك ـ كما توهّم ـ فيرد هذا الإشكال ، ولا مخرج عنه إلاّ ما قلنا.

وأمّا إن كان بعنوان الغرامة وتدارك خسارة التي أوردها على المالك كما هو المستفاد من ظاهر لفظ « بدل الحيلولة » فلا يرد هذا الإشكال أصلا.

إن قلت : إنّ تدارك الخسارة لا يقتضي ولا يوجب كون هذا البدل ملكا للمالك ، لأنّ تدارك خسارته يمكن بدون أن يصير ملكا له ، بل يحصل بجواز جميع التصرّفات له حتّى المتوقّفة على الملك وإن لم يكن ملكا.

قلنا : أوّلا : أنّ جواز جميع التصرّفات ـ حتّى المتوقّفة على الملك ـ ملازم عرفا للملكيّة ، ولا يمكن انفكاكهما في عالم الاعتبار.

وثانيا : بناء على ما استظهرنا من معنى الحديث إعطاء الضامن للمثل أو القيمة يكون بعنوان أداء ما في ذمّته من مال الغير ثبت واستقرّ على عهدته ، فلا يمكن أن لا يكون ملكا للمالك.

الثالث : أنّ ملكيّة المالك للبدل ـ بناء على ما اخترناه من القول بالملكيّة ـ هل هي ملكيّة دائمة أو ما دام بقاء تعذّر الردّ أو إلى أن يردّ؟ احتمالات ، والأظهر أنّها ملكيّة موقّتة ، وذلك من جهة أنّ تدارك الخسارة أو غرامتها لا يصدق إلاّ على مقدار ما خسر وفات ، وأمّا الزائد على ذلك المقدار فإن كان فيكون من قبيل الهبة وبدون مقابل.

وفيما نحن فيه لم يخسر العين ، لأنّها موجودة وتردّ عليه ، وما هو الفائت ليس إلاّ مقدار خروجه عن تحت سلطانه ، وهو زمان موقّت معيّن ، وحصل تداركه بإعطائه البدل في ذلك الزمان وكون ذلك البدل تحت سلطانه في ذلك المقدار من الزمان.  

فإذا كان في تلك المدّة مثل ماله تحت سيطرته وسلطانه ، فعند العرف كأنّه لم يخسر ، ويصدق عليه أنّه حصل تداركه وغرم له ، فلا وجه لبقاء ملكيّته بعد أخذ غرامته وتدارك خسارته.

نعم لو كانت ملكيّته إلى الأبد ودائما مقابل تلك القطعة الفائتة ـ من كون ماله تحت سيطرته ـ فلا يرجع إلى الضامن أبدا ، ويصير ملكا دائميّا للمالك. ولكن هذا لا دليل عليه ، بل الدليل عن عدمه ، لأنّه إجحاف وتعدّ على الضامن بلا سبب يوجبه.

ثمَّ إنّه لا أثر لارتفاع التعذّر في ارتفاع ملكيّة المالك للبدل ، لأنّه ما لم يصل ملكه إليه ولم يقع تحت سلطانه ، خسارته لا ترتفع ، ويكون حاله حال التعذّر ، فالمناط كلّ المناط هو عود سلطنته على ماله ، وإلاّ ما لم يعدّ فالحيلولة بينه وبين ماله موجودة ، وتداركها بكون البدل عنده وتحت سلطانه.

ثمَّ إنّه ربما احتمل بعض القائلين بكون بدل الحيلولة ملكا دائميّا للمالك بأنّ العين المغصوبة تصير ملكا للغاصب الضامن بعد إعطائه للغرامة.

ولكن أنت خبير بأنّ صحّة هذا الكلام منوطة بأن يكون البدل بدلا واقعيّا ، ويكون إعطاء البدل من باب المعاوضة بين هذا البدل والعين المأخوذة بدون إذن المالك ، وهذا شي‌ء لا يمكن الالتزام به.

لأنّ المعاوضة إمّا مالكيّة يحتاج إلى قصدهما المعاوضة ، ومعلوم أنّه لم يتحقّق قصد المعاوضة بين المالك والغاصب. وإمّا شرعيّة تقع قهرا ، وذلك يحتاج إلى دليل ، وليس في المقام شي‌ء يدلّ على أنّ الشارع حكم بوقوع المعاوضة بين ما يعطى الضامن بعنوان بدل الحيلولة ، وغرامة خسارة المالك من فوت سلطانه على ماله.

وما ذكرناه هو السبب لعدم صيرورة العين المغصوبة ملكا لمعطي البدل ، لا ما ذكره شيخنا الأستاذ من أنّ الغرامات كلّها من باب واحد (17).  

فلو كانت الغرامة بإعطاء بدل الحيلولة سببا لصيرورة العين المغصوبة ملكا للضامن الغاصب ، فلا بدّ وأن‌ يكون الأمر في باب التلف الحقيقي والحكمي أيضا كذلك ، بل لا بدّ وأن نقول بحصول الملكيّة له بنفس التعذّر ، لأنّ إعطاء البدل بيّنّا أنّه ليس بعنوان المعاوضة ، فليست الملكيّة مربوطة بإعطاء البدل ، بل يخرج عن ملك مالكه بمحض التعذّر ولو قبل إعطاء البدل ، ولازم ذلك أن تكون منافع العين المغصوبة ملكا للغاصب قبل إعطاء البدل ، ولا أظنّ أنّ أحدا يلتزم به.

وذلك من جهة أنّه أوّلا يمكن أن يقال بأنّ حصول الملكيّة للغاصب بعد إعطاء البدل وإن لم يكن إعطاؤه بعنوان المعاوضة.

وثانيا أنّ ملكيّة منافع العين ليست بأعظم من ملكيّة نفسها ، فمن يقول بملكيّة نفس العين بصرف حدوث التعذّر وليست متوقّفة على إعطاء البدل ، يلتزم بها في المنافع بطريق أولى.

وأمّا قوله بأنّ الغرامات من باب واحد ، فلو كانت الغرامة أو نفس التعذّر في مورد بدل الحيلولة موجبة لملكيّة العين المغصوبة فلا بدّ وأن يكون في مورد التلف الحقيقي أو الحكمي أيضا كذلك.

ففيه : أنّ التلف سبب للغرامة ، والغرامة سبب للملكيّة ، فيلزم أن يصير الشي‌ء بعد تلفه وانعدامه ملكا للغاصب ، واعتبار ملكيّة الشي‌ء بعد انعدامه باطل ، ويكون من قبيل اعتبار الحكم بعد انعدام موضوعه ، فالقياس في غير محلّه.

إن قلت : يمكن تقدير ملكيّته آنا مّا قبل التلف ، كما يقدرون في مسألة التلف قبل قبض المشتري لكي لا يلزم هذا المحذور.

قلنا : إنّ في باب التلف قبل القبض حيث جاء الدليل على أنّ التلف من مال البائع مع أن المبيع انتقل إلى المشتري بعد العقد ، فلا بدّ من الالتزام بالتقدير آنا مّا.  

وأمّا فيما نحن فيه فلا ملزم لهذا التقدير ، بل القول بملكيّة الغاصب للعين المغصوبة ، خصوصا قبل إعطاء الغرامة وبعد التلف في نظر العرف أمر من الغرائب.

فالحقّ في المقام هو بقاء العين في ملك مالكه حتّى بعد الغرامة ، وليس جمعا بين العوض والمعوّض في بعض الصور ، لأنّ إعطاء البدل ليس من باب المعاوضة ، بل يكون من باب الغرامة كما عرفت.

ثمَّ إنّه من فروع عدم كون إعطاء البدل من باب المعاوضة القهريّة أنّه لو خرج المال المغصوب عن الماليّة في يد الغاصب إمّا شرعا أو عرفا ، كما إذا صار الخلّ المغصوب خمرا ، أو بقي الجمد المغصوب صيفا إلى الشتاء عند الغاصب ، فلا شك في أنّ الغاصب يغرم بالبدل. فلو قلنا بأنّ إعطاء البدل يكون من باب المعاوضة القهريّة ، فحقّ الاختصاص في ذلك الخمر أو في ذلك الجمد لا يبقى للمالك بعد إعطاء البدل لخروجه عن ملكه بالإعطاء ، بل يكون للغاصب. فلو صار ذلك الخمر ثانيا خلا ، أو بقي ذلك الجمد إلى الصيف الآتي يكونان ملكا للغاصب بمقتضى تلك المعاوضة القهرية.

وأمّا إن قلنا بأنّه ليس من باب المعاوضة القهريّة ، بل يكون من باب الغرامة لما فات من كيس المالك من ماليّة ماله ، فيكون حقّ الاختصاص للمالك.

لا يقال : إنّ التلف وما في حكمه يخرج المال عن ملك مالكه ، لعدم صحّة اعتبار الملكيّة في التالف والمعدوم أو ما كان بحكمها ، فحال المالك حال سائر الأجانب عن ذلك المال. بل يمكن أن يقال بأنّه للغاصب ، لكونه في يده ، وبعد التلف ليس يده يدا عادية كي لا يترتّب عليها آثار اليد.

لأنّ زوال الملكيّة لا ينافي بقاء حقّ الاختصاص ، لأنّه مرتبة ضعيفة من الملكيّة ، وذهاب المرتبة القويّة لا يلازم عدم بقاء المرتبة الضعيفة أيضا.

ولو حصل الشكّ في بقائها يكون مجرى للاستصحاب ، ويكون هذا الاستصحاب من القسم الثالث من أقسام القسم الثالث من استصحاب الكلّي ، فمع مساعدة العرف في وحدة القضيّتين المتيقّنة والمشكوكة يجري الاستصحاب.

فرع آخر :

وهو أنّه لو توضّأ بماء الغير بدون إذن مالكه جهلا بكونه غصبا ، وبناء على صحّة الوضوء بالماء المغصوب جهلا بالموضوع ، فلو علم بالغصبيّة بعد تمام الغسلتين ووصول النوبة إلى المسح ، فذلك الماء حيث صار تالفا بسبب التوضّي به ـ وفرضنا أنّ المتوضّي أعطى البدل ، فعلى تقدير كونه من باب المعاوضة القهريّة ـ يجوز له أن يمسح ببلّة ذلك الوضوء حتّى مع منع المالك ، لأنّه خرج عن ملكه بإعطاء البدل ، فهو أجنبيّ عن هذه البلّة.

وأمّا إن لم يكن من باب المعاوضة القهريّة ، بل كان صرف غرامة ـ كما رجّحنا ـ فحقّ الاختصاص باق للمالك ، فبدون إذنه لا يجوز له أن يمسح بتلك البلّة إلاّ بناء على ما ذكره شيخنا الأستاذ من إنكار كون تلك البلّة ممّا تقبل حقّ الاختصاص أيضا ، لعدم الانتفاع بها إلاّ بالنسبة إلى من هي في يده. (18) ‌

وهذا كلام عجيب.

الرابع : هل للغاصب إلزام المالك بأخذ البدل ، وإن امتنع يرفع أمره إلى الحاكم ، أو لا؟

الظاهر أنّه بناء على ما ذكرنا في معنى الحديث الشريف من أنّه يدلّ على اشتغال ذمّة الضامن بالجهات الثلاث التي في العين ، فكلّ واحد من المالك والغاصب إلزام الآخر بدفع البدل.

أمّا المالك فواضح ، لأنّ له في ذمّته الجهات الثلاث ، فبعد تعذّر إحدى الجهات وهي الخصوصيّة الشخصيّة ، فله المطالبة بالجهتين الباقيتين وإلزام الغاصب بدفعهما ، ويجوز له أن لا يطالب بحقّه ، فإنّ هذا حقّ له لا عليه.

وأمّا الغاصب فله أيضا المطالبة بتفريغ ذمّته عن ذلك الثقل الذي عليه ، أي عن الجهتين الباقيتين في ذمّته ولا ينافي ذلك بقاء الخصوصيّات الشخصيّة في ملك المالك ، لأنّه حين ما تمكّن من ردّها برفع التعذّر وجب ردّها ، فلا يفوت من المالك شي‌ء.

هذا ، مضافا إلى أنّ حال هذا الضمان حال سائر الضمانات ، فكما أنّ في سائر الضمانات للضامن مطالبة المضمون له بتفريغ ذمّته ـ ففي الدين الذي حلّ أجله للمديون إلزام الدائن بالأخذ ، وإن لم يقبل يرفع أمره إلى الحاكم ـ فكذلك في المقام.

واعتذار المالك بأنّه لا يريد إلاّ جميع جهات ماله من الخصوصيّات الشخصيّة ، والجهتين الأخريين ، لا يقبل منه ، لأنّ تلك الجهة المتعذّرة فعلا ليست مكلّفة بالأداء لعجز الضامن ، والمفروض أنّ تلك الجهة لا تذهب من البين بالمرّة في التعذر الموقت ، غاية الأمر يتأخّر أداؤها.

وهذا يشبه أن يكون المغصوب شيئين ، فتعذّر ردّ أحدهما موقّتا وأمكن ردّ الآخر ، فامتنع المالك من قبول الموجود ويعتذر لامتناعه بأنّي أريد الاثنين.

وصرف أنّهما موجودان بوجودين ، والجهات الثلاث موجودة بوجود واحد ، لا يوجب فرقا فيما هو محلّ الكلام.

فما ذكره شيخنا الأستاذ من الاستدلال لما اختاره (19) ـ تبعا لشيخنا الأعظم من عدم حقّ للضامن بإلزام المالك بأخذ البدل (20) ، بأنّ الخصوصيّات الشخصيّة وإن سقط التكليف عنها بالأداء للتعذّر ، ولكن لم يسقط ضمان الخصوصيّات الشخصيّة وضعا.

غير خال عن الخلل ، لما ذكرنا أنّ بقاء الخصوصيّات الشخصيّة بوجودها الاعتباري في ذمّة الضامن لا ينافي مع حقّ الضامن بتفريغ ذمّته عن المقدار الممكن‌ غير المتعذّر أدائه.

الخامس : أنّه حيث رجّحنا ـ بل اخترنا ـ أنّ بدل الحيلولة ليس من باب المعاوضة القهريّة ، بل يكون من باب الغرامة ، فالعين المغصوبة بجميع جهاتها باقية على ملك المالك ، فجميع منافعها المتّصلة والمنفصلة بعد البدل تكون للمالك ، كما كانت له قبل البدل ، إذ لم تتغيّر حال العين عمّا هي عليه قبل إعطاء البدل وبعده ، وهذا واضح جدّا.

السادس : أنّه بناء على ما اخترنا في بدل الحيلولة من أنّ الضمان فيه من باب الغرامة لا من باب المعاوضة القهريّة ، فحيث أنّ العين المغصوبة تبقى في ملك المالك ولا تخرج عنه ، فإذا ارتفع التعذّر يجب ردّها إلى المالك.

وأمّا بناء على المعاوضة فهل يجب أيضا ردّها ، لأنّ موضوع المعاوضة هو التعذّر ، فإذا ارتفع التعذّر فلا يبقى موضوع للمعاوضة ، فيدور المعاوضة مدار التعذّر ، فبعد ارتفاع التعذّر يرجع كلّ مال إلى صاحبه الأوّل ، فيكون ارتفاع التعذّر من قبيل فسخ المعاوضة ، أو لا ، لأنّه بعد حصول المعاوضة وصيرورة البدل ملكا للمالك والعين المغصوبة ملكا للضامن الغاصب ، فخروج كلّ واحد من البدل والعين من ملك مالكه يحتاج إلى دليل؟

نعم لو كانت المعاوضة من أوّل الأمر موقّتة إلى زمان ارتفاع العذر ، كان لهذا الكلام وجه صحيح تامّ ، لكن الأمر ليس كذلك ، لأنّ الملكيّة الموقّتة في باب المعاوضات في الأعيان أوّلا غير معهودة في الشرع ، وثانيا أنّ التعذّر ليس موضوعا للمعاوضة كي تكون دائرة مداره ، بل موضوع المعاوضة هو البدل والعين ، فإنّ المعاوضة القهريّة ـ إن قلنا بها ـ تقع بحكم الشارع بين المالين ، والتعذّر علّة وواسطة في الثبوت ، لا في العروض ، بالنسبة إلى حكم الشارع بالمعاوضة القهريّة.

ولكن بعد حكم الشارع بهذه المعاوضة بعلّة التعذّر وصيرورة البدل ملكا للمالك‌ والعين ملكا للضامن الغاصب ، فارتفاع التعذّر لا تأثير له في ارتفاع هذه المعاوضة ، فإذا ارتفع التعذّر لا يجب ردّ العين بناء على المعاوضة ، خلافا لشيخنا الأستاذ حيث قال بوجوب ردّ العين بعد ارتفاع التعذّر حتّى على مبنى المعاوضة (21) ‌.

السابع : هل تعذّر الردّ بواسطة أنّه موجب لتلف مال محترم أو نفس محترمة ـ كالخيط الذي خيط به ثوب ، أو جرح حيوان أو إنسان ـ في حكم التعذّر العقلي والعرفي أم لا؟ وكذلك الكلام فيما تعذّر ردّه بواسطة الخلط أو المزج؟

فنقول : أمّا مسألة الخيط المذكور وما يشبهه ـ ممّا يؤدّي ردّه إلى تلف حيوان أو مال محترم ـ فإن كان يؤدّي إلى تلف حيوان محترم ، فلا يجوز للمالك مطالبته قطعا ، لعدم جواز إتلاف الحيوان المحترم ، سواء أكان إنسانا أو غير إنسان ، فيكون كالتعذّر العقلي ، لأنّ الممتنع شرعا كالممتنع عقلا.

وإن كان يؤدّي إلى تلف مال آخر ، كالثوب مثلا ، أو الخشب الذي استعمل في البناء ، أو اللوح في السفينة الموجودة في الساحل فارغة عن الراكب وأمثال ذلك ، فإن كان ذلك المال الذي يتلف بردّ العين المغصوبة لنفس الغاصب ، فقد يقال بوجوب ردّه ، لعدم احترام ماله ، لأنّه بنفسه هتك احترام ماله ، وأوجد سبب إتلافه ، وأضرّ بنفسه.

ولكن الإنصاف : أنّ الالتزام بهذا مشكل ويأباه الذوق الفقهي ، خصوصا إذا كان موجبا لضرر مالي عظيم ، كما إذا كان المغصوب خشبة وضعها الغاصب في أساس بنائه ، بحيث يكون ردّها موجبا لهدم ذلك البنيان العظيم.

فالأولى أن يقال بأنّه في حكم التلف إن كان التعذّر دائميّا ، ومورد بدل الحيلولة إن كان موقّتا ، كما هو كذلك في بعض صور المسألة.

وأمّا إن كان ذلك المال لغير الغاصب ، فلا شكّ في أنّه لا يجوز إتلافه ، فيكون بحكم التالف بلا كلام ، وعلى الغاصب ردّ مثله إن كان مثليّا ، وقيمته إن كان قيميّا إن‌ كان التعذّر دائميّا ، وإن كان موقّتا فعليه بدل الحيلولة.

وأمّا إن كان تعذّر ردّه من جهة الخلط أو المزج مع مال آخر من الغاصب أو من غيره ، فإن كان الخلط أو المزج مع غير جنسه ، فإمّا أن يستهلك المغصوب في الآخر ، فهذا في حكم التلف وعلى الغاصب دفع مثله في المثلي وقيمته في القيمي ، ولا فرق بين أن يكون استهلاكا حقيقيّا أو عرفيّا ، وذلك كما إذا غصب ملح شخص وصار ممزوجا مع عجين شخص آخر من غير اختيار أحد.

ولا شكّ في أنّ هذا المورد لا يمكن ردّ الملح ، فيدور الأمر بين أن يقال بتلف الملح ، فيكون كما ذكرنا من وجوب دفع المثل أو القيمة على الغاصب ، أو يقال بشركة مالك الملح مع مالك العجين بنسبة قيمة ماليهما.

وإمّا أن لا يستهلك ، فلا محاله تحصل الشركة.

وحيث أنّ الاستهلاك لا يمكن إلاّ في الجنسين المختلفين ، لأنّ الاستهلاك عبارة عن صيرورة المستهلك من جنس المستهلك فيه بواسطة المزج معه بعد ما لم يكن كذلك ، وأمّا لو كان الممزوجان من جنس واحد فلا يمكن هذا المعنى ، فلو وقعت قطرة ماء في البحر لا تصير مستهلكا فيه ، لأنّها بصورتها النوعيّة موجودة فيه.

والاستهلاك لا يمكن إلاّ بتبدّل صورته النوعيّة حقيقة أو عرفا إلى صورة المستهلك فيه ، فلو امتزج المغصوب مع ما هو من جنسه ، سواء أكان من غير اختيار أحد أو كان بفعل الغاصب أو بفعل شخص ، وسواء أكان المزج بحقّ أو بغير حقّ كمزج الغاصب ، وسواء أكان مع مال الغاصب أو مع مال غيره ، ففي جميع هذه الصور تحصل الشركة القهريّة بين المالكين ، فيكون مالك المغصوب شريكا مع ذلك الآخر بنسبة ماليهما إذا كان المالان متساويين في الجودة والرداءة.

وأمّا إذا كان أحدهما أجود فإن كان المزج من غير اختيار أحد ، أو كان باختيار من له الحقّ كما في مورد غير الغصب ، فلا بدّ وأن تكون الشركة بنسبة قيمة المالين في‌ قيمة مجموع الممتزجين ، لا في نفس الممتزجين كي لا يلزم الرباء.

وإن كان المزج بفعل الغاصب وكان مع ماله ، فإن كان الغاصب هو الأردء فتحصل الشركة في العين بنسبة مقدار ماليهما كي لا يلزم الرباء ، ولكن على الغاصب تفاوت القيمة التي حصلت في المغصوب.

وأمّا إن كان مال الغاصب هو الأجود ، فأيضا تكون الشركة بنسبة مقدار المالين كي لا يلزم الرباء ، فالزيادة التي حصلت في قيمة مال المغصوب رزق رزقه الله ، كما أنّ النقصان التي حصلت في قيمة مال الغاصب لا يضمنه أحد ، لأنّه بفعل نفسه.

وأمّا إن كان مع مال الغير ، فإن كان المغصوب أجود فالزيادة التي حصلت في مال ذلك الغير رزق رزقه الله ، والنقصان الذي حصل في المغصوب يضمنه الغاصب ، لأنّه بفعله. وأمّا الشركة في العين فبنسبة مقدار المالين على أيّ حال كي لا يلزم الرباء.

وأمّا لو كان المالان متساويين وكانا من جنس واحد ـ كما هو المفروض ـ ففي جميع صور المسألة تكون الشركة بنسبة مقدار المالين ، سواء أكان الخلط والمزج بفعل الغاصب أو بفعل غيره ، أو كان من باب الاتفاق ولم يكن بفعل أحد ، لا أحد المالكين ولا غيرهما.

الثامن : كلّ ما ذكرنا فيما تقدّم كان راجعا إلى المغصوب أو المقبوض بدون إذن المالك تحت يد واحدة. وأمّا لو تعاقبت الأيدي الغاصبة ـ أو غير المأذونة على مال الغير ـ فلا شكّ في أنّ كل واحدة من تلك الأيدي تضمن المال الذي وقع تحت سيطرتها ، وللمالك أن يرجع إلى أيّة واحدة منها إذا شاء ، وإذا رجع إلى اليد السابقة وأخذ منها فلها أن ترجع إلى اللاحقة من تلك الأيدي.

أمّا الأوّل ـ أي : ضمان كلّ واحدة من الأيدي المتعاقبة على ذلك المال الواحد ـ فلهذه القاعدة ، أي قوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه ».

فمفاد هذا الحديث الشريف جعل الضمان لكلّ يد عادية بطور القضيّة الحقيقيّة ، فكما أنّ الحديث الشريف يشمل وقوع الأيدي المتعدّدة على الأموال المتعدّدة ، كذلك يشمل الأيدي المتعدّدة إن وقعت على مال واحد.

وذلك من جهة أنّ المناط في تعدّد الضمان تعدّد اليد ، إذ هو موضوع الحكم بالضمان على نحو القضيّة الحقيقيّة ، فتنحلّ إلى قضايا متعدّدة حسب تعدّد أفراد موضوعها الذي هي اليد ، كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقيّة ، ولا دخل في تعدّد ما تقع عليه اليد في الحكم بالضمان ، فإذا صارت الأيدي كلّ واحدة منها موضوعا مستقلاّ للضمان ، فمن آثار ذلك ، جواز رجوع المالك إلى كلّ واحدة منها.

نعم إذا رجع إلى إحديهنّ وأخذ منها المثل أو القيمة ـ في صورة تلف المغصوب ـ فليس له الرجوع إلى غيره من الأيدي ، لأنّه لم يكن له إلاّ مال واحد وقد قبضه.

نعم المقبوض منه إن لم يكن هو الذي صار عنده التلف واستقرّ عليه ، فله أن يرجع إلى كلّ واحدة من الأيدي اللاحقة لو لم يكن غارّا لها. وسيظهر وجهه إن شاء الله تعالى.

نعم ها هنا إشكال : وهو أنّ المال الواحد كيف يمكن أن يكون مضمونا بضمانات متعدّدة في عرض واحد؟ فإنّ تدارك المال الواحد من شخصين مستقلاّ ، بمعنى أن يكون على كلّ واحد منهما ردّ تمام هذا المال بتمامه غير ممكن ، فكما أنّ وجود شخص مال واحد في الخارج بتمامه عند شخص ، وكذلك بتمامه عند شخص آخر في نفس ذلك الزمان لا يمكن ـ وإلاّ يلزم أن يكون الواحد اثنين وهو محال ـ فكذلك وجوده في عهدة اثنين في عالم الاعتبار ـ بحيث يكون تفريغ ما في ذمّته يصدق عليه أنّه أداؤه ـ لا يمكن ، لأنّه لا يعقل أن يكون للشي‌ء الواحد أداءين في عرض واحد لما قلنا أنّه مستلزم لأن يكون الواحد اثنين ، وهو محال.

وقد صحّحه صاحب الكفاية في حاشيته على مكاسب شيخنا الأعظم‌ بإمكانه بنحو الواجب الكفائي (22) ، بأن يكون كلّ واحد من الشخصين مكلّفا بالأداء في ظرف عدم أداء الآخر ، فليس تكليف بأداءين كي يكن ممتنعا ، بل امتثال مثل هذا التكليف لا يقتضي إلاّ أداء واحدا ، فلا يمتنع أن يكون كلّ واحد منهما ضامنا في زمان واحد ، وفي عرض ضمان الآخر ، بأن يكون عليه وجوب تدارك المال التالف وأدائه في ظرف عدم تدارك الآخر وأدائه.

ولكن أنت خبير بأنّه ليس حكما تكليفيّا ، ويكون عبارة عن وجوب أداء التالف كي يصحّح ضمان شخصين ، كلّ واحد منهما لتمام مال واحد وفي عرض الآخر في ظرف عدم أداء الآخر ، بل هو حكم وضعي وعبارة عن وجود ذلك المال الخارجي في عهدة شخص ، ولا يرتفع عن عهدته.

وحيث أنّ أداءين لا يمكن كما بيّنّا ، فلو كان في عهدة شخصين وفرضنا أنّ أحدهما أدّاه ، فلا يرتفع عن عهدة الآخر إلى قيام يوم القيمة ، لأنّ أداءه ثانيا غير ممكن ، فقياس المقام بالواجب الكفائي ليس في محلّه ، كما فرضه .

فظهر : أنّ المال الواحد بتمامه لا يمكن أن يكون في عهدة شخصين ، فلو دلّ الدليل في مورد على ضمان شخصين لمال واحد لا بدّ وأن يحمل على اشتراكهما في ضمان واحد ، بمعنى أنّ قيمة ذلك الواحد أو مثله في عهدة الشخصين بالشراكة ، فيجب على الاثنين بنحو الشركة أداء مثله أو قيمته.

فلو ضمن شخصان في زمان واحد كلّ واحد منهما تمام دين مديون ، فلا بدّ بناء على القول بصحّة مثل هذا الضمان من الالتزام بأنّ لكلاهما بنحو الاشتراك ضمان واحد ، لما ذكرنا من امتناع كون المال الواحد في عهدة شخصين ، بحيث أن يكون على كلّ واحد منهما أداء تمام المال في عرض واحد ، بل لا بدّ من أحد الأمرين : إمّا الطوليّة أو الاشتراك.

والمراد من الطوليّة أن يكون اللاحق ضامنا لما يؤدّى السابق ، فالمالك له الرجوع إلى أيّ واحد من العادين.  

فإذا رجع إلى بعضهم فليس لذلك البعض الرجوع إلى السابق ، لأنّ السابق ليس ضامنا لذلك البعض اللاحق له. نعم له أن يرجع إلى لاحقه بناء على أنّ اللاحق يضمن لما يؤدّى اليد السابقة.

وأمّا وجه جواز رجوع المالك إلى كلّ واحد من الأيدي المتعاقبة ـ مع ما عرفت أنّ ضمان الجميع عرضا ـ أي كلّ واحد منهم يكون ضامنا لتمام ذلك المال الواحد ـ محال ، هو أنّ كلّ واحدة منها ضامن ، ولكن طولا لا عرضا.

بيان ذلك : أنّ اليد الأولى والغاصب الأوّل ضامن لنفس المالك ابتداء بنفس المال المغصوب ، بمعنى أنّ نفس المال بوجوده الاعتباري في عهدته كما بيّنّا مفصلا. واليد الثانية ـ أي : الغاصب الثاني ـ ضامن للعين المضمونة بما هي مضمونة ، أي العين التي في ذمّة الضامن الأوّل.

وبعبارة أخرى : المال الذي صار مغصوبا ووقع تحت اليد العادية ، يكون في ذمّة الغاصب بما له من الصفات والخصوصيّات ، تكوينيّة أم اعتباريّة. ولكن ما يقع تحت اليد الأولى ليس إلاّ نفس العين بصفاتها التكوينيّة فقط ، وفي اليد الثانية تقع العين تحتها بما هي مضمونة ، ففي اليد الثانية يزيد على ما وقع تحت اليد الأولى صفة اعتباريّة ، وهي كونها في ذمّة الغاصب الأوّل.

فكما أنّ لو كان للعين صفة خارجيّة تضمن اليد الواقعة عليها تلك الصفة الخارجيّة ، كذلك تضمن الصفة الاعتباريّة لو كانت لها. وحيث أنّ العين المغصوبة تكون في ذمّة الغاصب الأوّل ، ففي الغصب الثاني تكون ذات العين مع صفة كونها في ذمّة الغاصب الأوّل في ذمّة الغاصب الثاني.

وهكذا الحال لو وقع المال تحت يد ألف غاصب ، فما يقع تحت يد الغاصب الأخير ليس هي العين الخارجيّة فقط ، بل العين الخارجيّة مع كونها في ذمّة تسعمائة وتسعة‌ وتسعين.

وأثر إتيان هذه الصفة الاعتباريّة في عهدة الغاصب أنّه لو رجع المالك إلى الغاصب السابق ، له أن يرجع إلى الغاصب اللاحق ، لأنّه ضامن لضمانه ، فضمان كلّ لاحق في طول ضمان سابقة ، لأنّ ضمان السابق بمنزلة الموضوع لضمان اللاحق.

فلا يمكن أن يكونا في عرض واحد وإن كانا في زمان واحد ، بل لا يمكن أن يكونا في زمان واحد ، لأنّه ما لم يتحقّق الضمان السابق لا تصل النوبة إلى الضمان اللاحق ، فضمان اللاحق متأخّر عن الضمان السابق حتّى زمانا.

وحيث أنّ كلّ واحد من ذوي الأيدي العادية في ذمّته العين ـ إمّا بدون هذه الصفة الاعتباريّة كاليد الأولى ، أو معها كالأيدي المتأخّرة عنها ـ فيجوز للمالك الرجوع إلى كلّ واحد منها بدون أن يكون محذور ضمان المتعدّد للمال الواحد عرضا في البين.

لما عرفت أنّ الضمان وان كان متعدّدا ولكن طوليّ ، وليس ضمانان في عرض واحد ، لما ذكرنا من تأخّر رتبة كلّ ضمان لا حق عن ضمان سابقة.

ولا تتوهّم أنّه يأتي محذور تعدّد الضمان لمال واحد عرضا في هذه الصورة أيضا ، وذلك لأنّ متعلّق الضمان في الضمان الطوليّ في كلّ واحدة من الأيدي غير ما هو متعلّق الضمان في الأيدي الآخر ، لأنّ ضمان اليد الأولى متعلّق بنفس العين ، وضمان الثانية متعلّق بضمان العين في ذمّة اليد الأولى ، وضمان اليد الثالثة متعلّق بما في ذمّة الثانية ، وهكذا في سائر الأيادي اللاحقة بلغت ما بلغت ، فلم يجتمع الضمانان على متعلّق واحد ، وكلّ واحد من الغاصبين يضمن غير ما يضمنه الآخرون ، فلا إشكال في البين.

ولا يخفى أنّ رجوع المالك إلى كلّ واحد من الغاصبين يكون على البدل ، بمعنى أنّه لو رجع إلى أحدهم واستوفى حقّه منه ليس له الرجوع إلى الآخرين ، لأنّه لا يبقى موضوع لرجوعه إلى آخر بعد ذلك ، وهذا مرادنا من قولنا : « على البدل » في الجزء‌ الأوّل من هذا الكتاب في شرح تعاقب الأيادي في قاعدة اليد ، وإلاّ كون نفس ضمانهم عرضا على البدل لا يخلو عن إشكال.

لأنّ معنى الضمان على البدل إن كان مرجعه إلى تقييد إطلاق الجعل مثل باب التكاليف والواجب الكفائي أو التخييري ، حيث أنّ إطلاق الأمر مقيّد بعدم إتيان المكلّف الآخر في الواجب الكفائي ، وبعدم إتيان الفرد الآخر في الواجب التخييري ، فيكون معناه ضمان كلّ واحد منهما في ظرف عدم ضمان الآخر.

وحيث أنّهم كلّهم ضامنون ، فتكون نتيجة التقييد عدم ضمان كلّ واحد منهما ، وهو خلاف الدليل ، كما قلنا أنّ قوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » يدلّ على ضمان جميع ذوي الأيدي بنحو القضيّة الحقيقيّة ، بل خلاف الضرورة وإن كان مرجعه إلى تعلّق الضمان بطبيعة الغاصب وذو اليد العادية على هذا المال مثلا كما قيل في الوجوب الكفائي بأنّ الأمر بطور طلب صرف الوجود تعلّق بطبيعة المكلف ، فأيّهم امتثل حصل المطلوب ويسقط التكليف عن الباقين ، فهاهنا أيضا إذا كانت طبيعة الغاصب ضامنا لهذا المال ، فإذا أدّاه أحدهم فيحصل المطلوب ويرتفع الضمان.

ففيه أوّلا : أنّ هذا خلاف ظاهر أدلّة الضمان ، لأنّ ظاهرها الانحلال ، وأنّ كلّ فرد من أفراد اليد العادية يضمن ما في يده.

وثانيا : أنّ استقرار الضمان على من وقع التلف في يده لا يلائم مع كون الضمان متعلقا بالطبيعة.

وثالثا : كون الطبيعة ضامنا لا يساعده الاعتبار العرفي والعقلاء.

ثمّ إنّ نتيجة ما ذكرنا واخترنا في مفاد قوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » أمور :

الأوّل : جواز رجوع المالك إلى أيّ واحد من الغاصبين.

الثاني : أنّه لو رجع إلى أحدهم واستوفى حقّه منه فليس له الرجوع إلى الآخرين‌ لعدم بقاء حقّ له.

الثالث : يجوز رجوع كلّ سابق إلى اللاحق إن لم يكن غارّا له ، وأيضا لم يتلف المغصوب عنده ، وإلاّ فمع أحد هذين أو كلاهما فليس له الرجوع إليه.

الرابع : أنّ جواز رجوع السابق إلى اللاحق لا بدّ وأن يكون بعد أداء ما في ذمّته من المثل أو القيمة ، وذلك من جهة ما قلنا إنّ الضمان طولي ، وإنّ اللاحق ضامن للخسارة والبدل الذي يعطيه السابق ويدفعه إلى المالك. وهذا معنى ضمانه لضمانه.

وها هنا تنبيهات‌ :

الأوّل : أنّ المالك لو أبرأ أحد الغاصبين وأسقط ما في ذمّة إحدى الأيدي العادية ، هل يسقط عن الجميع ، أو لا يسقط عن غير ما أسقط ما في ذمّته مطلقا ، أو يفصل بين السابق على ما أسقط واللاحق له وأنّه يسقط عن اللاحق دون السابق ، أو بالعكس؟ وجوه.

والأقوى هو سقوطه عن ذمّة الجميع.

بيان ذلك : أمّا سقوطه عن اللاحق فلما ذكرنا أنّ اللاحق ضامن لضمان السابق ، فإذا سقط ضمان السابق فلا يبقى موضوع لضمان اللاحق ، وذلك واضح جدّا. وأمّا سقوط السابق فلأنّ إبراءه للاحق بمنزلة استيفاء حقّه منه ، وحيث أنّ الحقّ واحد ، فلا يبقى للضمان موضوع بالنسبة إلى السابق أيضا.

ولكن الإنصاف أنّ التفصيل قويّ جدّا بين السابق ببقاء ما في ذمّته دون اللاحق ، لانتفاء موضوع ضمانه وهو ضمان السابق عليه الذي أسقط المالك ضمانه بإبراء ما في ذمّته. وأمّا بقاء ضمان السابق على الذي أبرأ عنه فلعدم وجه لسقوطه مع وجود سببه وهو اليد العادية.

وأمّا ما ذكر شيخنا الأستاذ من الوجه لسقوطه ـ بأنّ ذمّة السابق مشغولة بما يكون مخرجه من اللاحق ، فإذا أبرأ اللاحق فلا يعقل بقاء الاشتغال السابق ، لأنّه يبقى بلا مخرج (23) ـ فعجيب ، لأنّ بقاءه بلا مخرج ليس محذورا كي يوجب سقوطه ، لأنّ المخرج يكون كيسه ، ولذلك لو غصب مالا ولم تقع يد آخر عليه يكون المخرج كيسه. وكذلك في اليد الأخيرة ليس لاحق كي يرجع إليه ، وكذا من عنده صار التلف عليه أن يعطى الغرامة أو البدل من كيسه.

نعم لو قيل بأنّ معنى الإبراء رفع يد المالك عن ماله ، أو عبارة عن استيفاء المالك حقّه ، فلا يبقى له حقّ كي يضمن أحد ، ولازم ذلك سقوط الضمان عن الجميع ، وعلى أيّ حال التفصيل الذي كان يرجّحه شيخنا الأستاذ من سقوط السابق دون اللاحق لا وجه له.

الثاني : لو وهب المالك ما في ذمّة أحدهم له ، أو صالحه بلا عوض أو مع العوض ، فهل يكون هذا المتهب أو المتصالح مثل الأجنبي عن سلسلة ذوي الأيدي الذي وهب له ما في ذمّة أحدهم ، ومثل المالك في جواز الرجوع إلى كلّ واحد من ذوي الأيدي إن شاء ، أم لا بل تبرأ ذمّة الجميع ببراءة ذمّة نفسه؟

والفرق بين المسألتين هو أنّه في تمليك الأجنبي عن سلسلة ذوي الأيدي يقوم ذلك الأجنبي مقام ذلك المالك الذي وهب أو صالح بلا عوض أو مع العوض ما في ذمّة أحدهم معه ، لأنّه ينتقل المغصوب من ملكه إلى ذلك الأجنبي ، فيكون الأجنبي مالك المغصوب ، فيجوز له الرجوع إلى أيّ واحد منهم إذا شاء ، لأنّه يده العادية وقعت على ماله وهي موجبة لضمانه ، لقوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه ».

وأمّا لو كان الموهوب له أو المتصالح هو نفس من في ذمّته مال المغصوب ، وإن كان هو أيضا تمليك ، ولكن نتيجة هذا التمليك هو إسقاط ما في ذمّته وإبراؤه ، فتصير‌

ذمّته فارغة في عالم الاعتبار ، بخلاف ما إذا كان الموهوب له أو المتصالح معه هو الأجنبي ، فإنّه في هذه الصورة لا يكون إسقاط وإبراء في البين ، بل تبقى ذمّته مشغولة لذلك الأجنبي.

غاية الأمر قبل ذلك كان طرف الإضافة هو المالك ، فصار بعد تلك الهبة أو تلك المصالحة هو ذلك الأجنبي ، والذمم في جميع السلسلة باقية على حالها.

وأمّا في الصورة المتقدّمة حيث أنّ نتيجتها الإبراء والإسقاط ، فكان المالك أعدم ماله الذي في ذمّة هذا الشخص في عالم الاعتبار ولم يكن له أموال متعدّدة ، فليس له الرجوع بعد ذلك إلى أحدهم. والموهوب له أيضا لم يبق له مال ، إذ قلنا أنّ نتيجة هبة المالك له ما في ذمّته هو إسقاط ما في ذمّته ، فليس له شي‌ء كي يطالب به أحدهم ، ومرجع ذلك إلى إبراء ذمّة الجميع ، فكأنّ المالك بإبراء ذمّة أحدهم أبرأ ذمّة الجميع ، فالتفصيل بين الذمم السابقة واللاحقة ـ بحصول الإبراء بالنسبة إلى الأولى دون الثانية ـ لا يخلو عن غرابة.

الثالث : لو أقرّ أحدهم بالغصبيّة دون الباقين ، وتلف المال المدّعى غصبيّته ، فعلى ذلك المعترف بالغصبيّة أداء المثل أو القيمة ، كلّ واحد في مورده. وأمّا الباقون فليس عليهم شي‌ء إلاّ أن يثبت المدّعي للملكيّة بحجّة شرعيّة أنّ المال له على موازين باب القضاء ، وإلاّ فبصرف ادّعاء الملكيّة مع إنكار ذي اليد ليس له الرجوع إلى الباقين.

هذا بالنسبة إلى رجوع من يدّعي الملكيّة إليهم.

وأمّا رجوع السابق منهم إلى اللاحق ، فإن لم يكن السابق مقرّا بالغصبيّة وانتقل المال إلى اللاحق بناقل شرعي لازم كالهبة اللازمة ، أو المصالحة ، أو الإرث ، أو غير ذلك فليس له الرجوع ، ولو تلف المال عند هذا اللاحق ، لأنّه تلف ماله عنده ولا يضمن لأحد.

وإن كان مقرّا وأدّى المثل أو القيمة كلّ في محلّه ، فإن كان اللاحق أيضا مقرّا بها ، فيجب على اللاحق تدارك خسارة السابق، لأنّه كما ذكرنا ضامن لضمانه ، وإن لم يعترف فعلى السابق الإثبات على موازين باب القضاء.

نعم إذا أثبت الغصبيّة فيكون الأمر كما قلنا في تعاقب الأيدي على المغصوب المسلّم المعلوم غصبيّته.

الرابع : لو رجع المال المغصوب من اللاحق إلى سابقة الذي أخذ منه ، بمعنى أنّ السابق استردّ من اللاحق ما أخذه منه ، فتلف في يده ، فلا شكّ في أنّه للمالك الرجوع إليه وإلى اللاحق ، لأنّ ماله وقع تحت يد كلّ واحد منهما بدون إذنه ، فوجد سبب ضمان كلّ واحد منهما. فلا كلام في هذا.

إنّما الكلام في أنّه لو رجع إلى السابق وأخذ منه البدل ، فهل للسابق الرجوع إلى اللاحق بأخذ ما خسره للمالك منه ، أم ليس له ذلك؟

الظاهر هو الثاني ، وذلك من جهة أنّ المفروض أنّه استردّ المال من اللاحق ، وبهذا انقلب السابق لاحقا ، لأنّه بعد استرداده المال ممّن هو كان لاحقا ، صار لاحقا لذلك اللاحق ، وذلك اللاحق صار سابقا ، وه

ذا هو معنى الانقلاب ، فصار السابق بعد استرداده المال ضامنا لضمان من كان لاحقا.

ولذلك لو رجع المالك إلى هذا الذي كان لاحقا قبل الاسترداد ، فله أن يرجع إلى من كان سابقا قبل الاسترداد ، لصيرورته لاحقا بعده.

فبناء على ما بيّنّا في مفاد قوله صلى الله عليه واله : « وعلى اليد ما أخذت حتّى تؤدّيه » من جواز رجوع المالك إلى كلّ واحد من الأيدي المتعاقبة ، وجواز رجوع كلّ سابق إلى لاحقه ، يكون الأمر كما ذكرنا. هذا تمام الكلام في هذه القاعدة.

والحمد لله أوّلا وآخرا ، وظاهرا وباطنا‌ .

______________

(*) « الحقّ المبين » ص 128 ، « عوائد الأيّام » ص 108 ، « خزائن الأحكام » ش 24 ، « بلغة الفقيه » ج 3 ، ص 291 ، « مجموعه رسائل » ص 472 ، « دلائل السداد وقواعد فقه واجتهاد » ص 62 ، « مجموعة قواعد فقه » ص 25 ، قواعد فقه » ص 91 ، « قواعد » ص 181 ، « قواعد فقه » ص 75 ، « قواعد الفقه » ص 84 ، « قواعد الفقه » ص 111 ، « القواعد الفقهية » ( فاضل اللنكراني ) ج 1 ، ص 83 ، « القواعد الفقهيّة » ( مكارم الشيرازي ) ج 4 ، ص 231 ، « قواعد الفقيه » ش 34 ، ص 63 « ضمان يد غير قانونى » عباس كريمى ، ماچستير جامعه الشهيد بهشتى ، 1368 ، « موجبات ضمان قهري وأسباب آن » غلامعلى پيراسته ، ماچستير ، جامعه طهران ، « يد مالكي ويد ضماني » أبو القاسم گرجى ، فصليّة « حقّ » دفتر 9 سال 1366 ، « قاعدة على اليد » سيد على محمد مدرس الأصفهاني ، « كانون وكلاء » العام 15 ، ش 84.

(1) « الخلاف » ج 3 ، ص 409 ، المسألة : 22 ، « عوالي اللئالي » ج 2 ، ص 345 ، باب القضاء ، ح 10 ، « مستدرك الوسائل » ج 17 ، ص 88 ، أبواب الغصب ، باب 1 ، ح 4 ، « سنن أبي داود » ج 3 ، ص 296 ، ح 3561 ، باب في تضمين العارية ، « سنن ابن ماجه » ج 2 ، ص 802 ، ح 2400 ، أبواب الصدقات ، باب العارية ، « سنن الترمذي » ج 3 ، ص 566 ، ح 1266 ، باب ما جاء في أنّ العارية مؤداة.

(2) « الكافي » ج 1 ، ص 542 ، باب الأنفال ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 309 ، أبواب الغصب ، باب 1 ، ح 3.

(3) « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 308 ، أبواب الغصب ، باب 1 و7.

(4) « المكاسب » ص 105 ـ 106.

(5) الأستاذ النائيني في « المكاسب والبيع » ج 1 ، ص 337 ـ 338.

(6) الأستاذ النائيني في « المكاسب والبيع » ج 1 ، ص 337.

(7) الأستاذ النائيني في « المكاسب والبيع » ج 1 ، ص 337 ـ 338 ، في تحديد المثلي والقيمي.

(8) « المكاسب » ص 105.

(9) « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 313 ، أبواب الغصب ، باب 7 ، ح 1.

(10) « الكافي » ج 7 ، ص 415 ، باب ان البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 229 ، ح 553 ، باب (89) كيفية الحكم والقضاء ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 170 ، أبواب كيفية الحكم ، باب 3 ، ح 1 ـ 2.

(11) « المكاسب » ص 110.

(12) الشيخ الأستاذ النائيني في « المكاسب والبيع » ج 1 ، ص 359 ، في مدرك القول بيوم الضمان.

(13) الأستاذ النائيني في « المكاسب والبيع » ج 1 ، ص 359 ، في مدرك القول بيوم الضمان.

(14) الأستاذ النائيني في « المكاسب والبيع » ج 1 ، ص 361 ، في الوجوه المحتملة من صحيحة أبي ولاّد.

(15) « الكافي » ج 7 ، ص 415 ، باب أنّ البيّنة على المدّعى واليمين على من أنكر ، ح 1 ، « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 229 ، ح 553 ، باب كيفية الحكم والقضاء ، ح 4 ، « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 170 أبواب كيفية الحكم ، باب 3 ، 1 ـ 2.

(16) « وسائل الشيعة » ج 17 ، ص 313 ، أبواب الغصب ، باب 7 ، ح 1.

(17) الأستاذ النائيني في « المكاسب والبيع » ج 1 ، ص 381 ، في بدل الحيلولة.

(18) الأستاذ النائيني في « المكاسب والبيع » ج 1 ، ص 393 ، في بدل الحيلولة.

(19) النائيني في « المكاسب والبيع » ج 1 ، ص 390 ، في بدل الحيلولة.

(20) « المكاسب » ص 106 ـ 107.

(21) الأستاذ النائيني في « المكاسب والبيع » ج 1 ، ص 386 ، في بدل الحيلولة.

(22) آخوند الخراساني في « حاشية كتاب المكاسب » ص 83.

(23) الأستاذ النائيني « المكاسب والبيع » ج 2 ، ص 300 ، في الفروع المترتبة على الضمان الطولي.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


جامعة الكفيل تكرم الفائزين بأبحاث طلبة كلية الصيدلة وطب الأسنان
مشروع التكليف الشرعي بنسخته السادسة الورود الفاطمية... أضخم حفل لفتيات كربلاء
ضمن جناح جمعيّة العميد العلميّة والفكريّة المجمع العلمي يعرض إصداراته في معرض تونس الدولي للكتاب
جامعة الكفيل تعقد مؤتمرها الطلابي العلمي الرابع