قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة وزناه بزوجته
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج2/ص61-64
2025-11-04
3
لمّا فوّض رسول الله لمالك جمع الصدقات والزكوات من قومه، وجاء مالك إلى المدينة بعد وفاة الرسول الكريم، ورأى الخلافة على خلاف ما نصّ عليه رسول الله وأوصاه به، رجع إلى قومه وامتنع عن إرسال الصدقات إلى أبي بكر، وقسّمها على قومه، ثمّ أنشد قائلًا:
فَقُلْتُ خُذُوا أمْوَالَكُمْ غَيرَ خَائِفٍ *** وَلَا نَاظِرٍ فيما يَجيءُ مِنَ الغَدِ
فإِن قَامَ بالدِّينِ المُحَوَّقِ قائِمٌ *** أطَعنَا وقُلنَا الدِّينُ دِينُ مُحَمَّدِ[1]
فأشخص أبو بكر خالد بن الوليد إلى البُطاح[2]في جيش من المسلمين وأوصاه إذا ما التقوا أشخاصاً أن يؤذّنوا ويقيموا الصلاة. فإذا أذّن اولئك معهم وأقاموا الصلاة، فلا يقاتلوهم؛ بل يطلبوا منهم الزكاة فقط فإذا امتنعوا قام المسلمون بسلب أموالهم لا غير، ولا حقّ لهم أن يقتلوا أحداً. أمّا إذا امتنعوا عن الأذان والصلاة، يقتلوهم سواء بالحرق أو بغيره[3].
وكان في جيش خالد بن الوليد أبو قتادة[4]، واسمه الحارث، وكذلكعبد الله بن عمر[5]. ولمّا قدم خالد البُطاح، لم يجد عليه أحداً، فغاروا على بني يَربوع- قوم مالك- تحت الليل وراعوهم وأخذوا يراقبوهم فأخذ مالك وقومه أسلحتهم. فقال خالد ومن معه: لِمَ أخذتم أسلحتكم؟ فقالوا: وأنتم لِمَ أخذتم أسلحتكم؟ قالوا: إنّا المسلمون ولا نعتدي على أحد. فقالوا: ونحن المسلمون أيضاً.
قالوا: فإن كنتم كما تقولون، فضعوا أسلحتكم. نحن نصلّي وأنتم تصلّون، فوضعوا أسلحتهم وصلّوا[6]. فأمر خالد بأسرهم وقتلهم. فقال مالك: علام تقتلوننا؟ نحن على الإسلام. فقال أبو قتادة، وعبد الله بن عمر: يا خالد، ارفع يدك عن قتل مالك، فهو مسلم وقد رأينا صلاته[7]. فقال خالد: لا بدّ أن يقتل. فاشتدّ الكلام بين أبو قتادة وخالد. وعاهد قتادة الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً أبداً[8].
فقال مالك: يا خالد! ابعثنا إلى ابي بكر، فيكون هو الذي يحكم فينا. فقال له خالد: لا أمهلك أبدا[9]. وكان خالد قد وقعت عينه على زوجة مالك واسمها امّ تَميم. وكانت في غاية الحسن والجمال. فتعلّق قلب خالد بها، وهمّ بها، وصممّ على الزنى فجعل من قتل مالك مقدّمة لتحقيق غرضه. فقال مالك لزوجته بمحضر خالد: أنتِ التي قتلتيني، ولا بدّ أن اقتل لصون عرضي وغيرتي[10]. وأخيراً فما قاله مالك. لم يؤثّر في خالد. فقال مالك:يا خالد! أنتَ جئت لأمر آخر، وجرمنا أقلّ منه كثيراً[11].
فأمر خالد ضرار بن الأزور أن يضرب عنق مالك بالسيف، فقتله صبراً[12]. وزنى خالد بزوجة مالك، امّ تَميم في نفس تلك الليلة[13]. ثمّ أمر أن تجعل رءُوس المقتولين اثافي لقدورهم، فأوقدوا النار. وكان مالك عظيم الهامة، كثير الشعَر. وقبل أن ينضج رأسه بالنار، نضجت القدور بسبب احتراق الشعر الكثير، وجهز الطعام[14]. ثمّ أمر خالد أن تحمل نساء القوم سبايا إلى المدينة، وتسلب أموالهم جميعها.
عزّت هذه الحادثة على المسلمين. فجاء عمر إلى أبي بكر، فقال له: أنّ خالداً قتل قوماً مسلمين، وقتل مالكاً، وزنى بزوجته المسلمة، وسلب أموالهم، فأرى أن تقتصّ منه وتجري عليه حدّ الزنا.
ولمّا دخل خالد مسجد المدينة، كان عليه قباء له، عليه صدأ الحديد، وهو معتجر بعمامة له قد غرز فيها أسْهُماً. فلمّا دخل المسجد، قام إليه عمر، فانتزع الأسهم من رأسه فحطّمها، ثمّ قال: قتلت امرأً مسلماً ثمّ نزوتَ على امرأته؟! والله لأرجمنّك! فلم يكلّمه خالد ظانّاً أنّ رأي أبي بكر على مثل رأي عمر، حتى دخل على أبي بكر. وأخبره الخبر. وكان ممّا قاله له: إنّي قتلتُ مالكاً: لأنّه كان يقول فيك كذا وكذا. وكان خالد يعتذر في قتله أنّه (مالك) قَالَ لِخَالِدٍ وهُوَ يُراجِعُهُ: مَا إخَالُ صاحِبَكُمْ إلَّا وقَدْ كَانَ يَقُولُ كَذا وكَذا. فقال خالد في جوابه: أومَا تَعُدُّهُ لَكَ صاحِباً؟ ولذا أمرتُ بضرب عنقه.
[1]«عبد الله بن سبأ» ص 104 نقلًا عن «الإصابة».
[2]البُطاح: ماء في ديار أسد بن خزيمة.
[3]«تاريخ الطبريّ» ج 2، ص 502.
[4]أبو قتادة الأنصاري الخزرجي شهد أحداً وما بعدها وشهد مع علي في خلافته مشاهده كلّها. وتوفي في الكوفة في خلافة علي سنة 38 أو سنة 40و هو ابن سبعين سنة فكبّر علي في صلاته عليه ستّا. نقلًا عن هامش ص 105 من كتاب «عبد الله بن سبأ».
[6]«تاريخ الطبري» ج 2، ص 503.
[7]«تاريخ أبي الفداء» ص 158.
[8]«تاريخ الطبريّ» ج 2، ص 503 و«اليعقوبيّ» ج 2، ص 132.
[9]«تاريخ أبي الفداء» ص 158.
[10]«تاريخ أبي الفداء» ص 158.
[12]«تاريخ أبي الفداء» وفيه قتل ضرار. ولكن «قتل صبراً» بناءً على ما ذكره الأميني في «الغدير» ج 7، ص 165 نقلًا عن «الإصابة» ج 3، ص 357 و«مرآة الجنان» ج 1، ص 62.
[13]«تاريخ اليعقوبي» ج 2، ص 131.
[14]«تاريخ الطبري» ج 2، ص 503.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة