الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الروح والجسد
المؤلف:
محمد الصالح السليمان
المصدر:
الرحلات الخيالية في الشعر العربي الحديث
الجزء والصفحة:
ص127-130
24-03-2015
2830
أثار بعض الشعراء في رحلاتهم الخياليّة مشكلة الروح والجسد، وعبّروا عن إحساسهم بالصراع بينهما، وبرز هذا الصراع في قصيدة "على بساط الريح" لفوزي معلوف، فمنذ بداية القصيدة يريد فوزي التحليق بروحه لا بجسده، لاعتقاده أنّ الجسد يثقل عند التحليق، فهو لحم وعظم ودم وأصله من تراب. وتتعمّق هذه الرؤية للجسد في نشيد (العبد). إذ الجسد لديه عبودية لما له من رغبات وأهواء وانفعالات تقيّده، فيقول:
أنا في قبضةِ العبوديّةِ العمـ ... ياءِ أعمى مسيّرّ بغرورهْ
إنّ جسمي عبدٌ لعقلي وعقلي ... عبدُ قلبي والقلبُ عبدُ شعورهْ
وشعوري عبدٌ لحسّي وحسّي ... هو عبدُ الجمالِ يحيا بنورِهْ
كلُّ ما بي في الكونِ أعمى ومنقا ... دٌ على رغمهِ لأعمى نظيرهْ(1)
ويقابل الجسد الروح التي هي الخلاص والحريّة والشعلة التي لا تنطفئ فعندما يضرب فوزي بروحه بعيداً في آفاق الخيال تصير كلّ الكائنات له حاشية وأتباعاً، لذا يقول عن نفسه حين تتخفّف روحه من أدران الجسد:
مَلِكٌ قبّةُ السّماءِ لهُ قَصـ ... رٌ وقلبُ الأثيرِ مَسرَحُ حكمِهْ
ضاربٌ في الفضاءِ موكبُهُ النّـ م ... ورُ وأتباعُهُ عرائسُ حُلْمِهْ
ملكٌ ركنُهُ الهواءُ وما أقْـ ... واهُ رُكناً قامَ الخلودُ بدعمِهْ(2)
وقصيدة المعلوف هذه تمجيد للروح في مقابل الجسد، ومحاولة خلاص صادقة من قيود الجسد الراسفة إلى فضاء الحريّة.
والشاعر ينتصر للروح، ويرى أنّ الإنسان في الأرض محض تراب، فيقول:
هُو في الأرض حفنةٌ من ترابِ
فأبُوهُ
طينٌ ومَاءْ(3)
ولذلك فالإنسان يحيا للشرّ في الأرض، ولا يسمو إلاّ عندما تتحرّر روحه، ويتخلّص من ربقة الجسد، وعندئذ يتحلّل جسده، ويغدو غذاءً تحيا به الزهور فيقول:
هُو يحيَا للشّر فالشّرُّ يحيَا ... أبداً حيثُ حلَّ شؤمُ رِكابِهْ
وهْو لا ينفعُ البسيطةَ إلاّ ... حيثُ يثوي في القبرِ بينَ رحابِهْ
حينَ يمتصّهُ الثّرى فيغذّي ... منهُ ما في الأديم منْ أعْشَابِهْ
يا لعَمْرِي كلُّ النباتِ الذي في الـ ... كونِ من زهرهِ إلى لبلابِهْ
ليسَ إلاّ عصيرُ أجسامِ مَن ما ... توا فزانوا الثّرى بأجملَ ما بِهْ(4)
ولعلّه بذلك يشير من طرف خفي إلى القول بأنّ المادة لا تفنى وإنّما هي في تحوّل دائم.
وتبدو الروح في قصيدة نسيب عريضة "على طريق إرم" سبيل الإنسان المعاصر للوصول إلى السعادة وإلى النبع الفيّاض الذي لا ينضب، لذا يخاطب نفسه قائلاً:
يا نفسُ رِفقاً ومَهلاً ... فأنتِ ظَعني ورَحلِي
فاصمتْ وسِرْ في السكونِ ... على طريق الجنونِ
لعلّه بعدَ حينِ ... يبدوُ لنا وجهُ ربّي(5)
ولعلّ الشاعر في عيشه وسط النهضة الماديّة الصناعيّة في أمريكا قد لمس بروحه الشفّافة عجز المادة العلميّة عن تحقيق السعادة، فلذلك لجأ إلى الروح.
ويظهر لدى شعراء الرحلات الخياليّة التعبير عن الصراع بين العقل والنفس، أو المعرفة والحبّ، وهذا الصراع هو امتداد للصراع بين الجسد والروح، ولقد شكّ بعض الشعراء بمقدرة العقل على تحقيق المعرفة الكليّة وفي ذلك يقول أنيس المقدسي:
وليسَ العلمُ يروي نفسَ صادٍ ... فما علمُ الأنامِ سوى رجوم(6)
وتطلّع الشاعر نفسه بالمقابل إلى الحبّ بوصفه طاقة روحيّة قادرة على تحقيق التواصل والسمو بالروح، وهو يقول في ذلك:
هلِ الدّنيا سوى قلبٍ شريفٍ ... يُجاهدُ في سبيلِ الوَاجباتِ
ويعملُ باسماً في كلّ حالِ ... وينظرُ باسماً للكائناتِ
ويزهو نامياً يوماً فيوماً ... إلى أسمى كمالاتِ الحياةِ
إلى الحبّ المطلّ من الأعالي ... إلى روحِ الوجودِ إلى النّعيم
هُو النّورُ الذي يهدي البَرايا ... فما تُجديكَ أنوارُ النّجومِ(7)
ويحمّل القلعجي الماديّة وزر دفع عجلة الزمان إلى الأمام في سيرها الحثيث وصولاً إلى ساعة القيامة، لأنّ القيامة وفق المعتقد الإسلامي لن تقوم إلاّ بعد طغيان المادة، وبعد أن تنطفئ شعلة الروحانية والإيمان في نفوس الخلق فتكون القيامة خاتمة لسلسلة الصراع الطويل بين الجسد والروح الذي بدأ بخلق الإنسان، فيقول:
الشّيخُ: الإنسانُ طغى وتجبّرْ
عبد الآلةَ.. صنعَ يديهِ، تكبَّرَ
أعطاها الثّقةَ الكُبرى
لم يذكرْ:
أنّ المعدنَ يُصهرْ
والمصنوعَ يُكْسَرْ(8)
ولقد كان للروح والجسد في صراعهما على مرّ الزمان رموز وأعلام تجمعهم ملحمة القيامة في عرصات الساعة متمايزين وفق المعطيات الإسلامية، فأغلب ملوك الأرض والطغاة والدكتاتوريين والدجّالين والأفّاقين والشذّاذ والفلاسفة الوضعيين والملحدين واليهود رموز للماديّة الطاغية المضطهدة، وكلّ الأنبياء والقديسين والمصلحين من الفلاسفة والعلماء والمفكرين والشعراء والبسطاء هم الفئة المقهورة في الأرض لأنّهم يرمزون للروحية الشفّافة.
ولم يجمعهم الشاعر إلاّ ليحقّق حلم الانتصار للروح على المادة يقول:
الدجّالُ: أيا مهديُّ.. أينَ تسيرُ
المهديُّ: رسولُ الله يدعوني إلى الموردْ
الدجّالُ: أغثني كأسَ ماءٍ، يا فداكَ أبي
المهديُّ: هي الكوثرْ
شرابُ المؤمنينَ اليومَ.. يا دجّالُ
الدجّالُ: أما لو شاء ربّكَ كنتُ مهديّاً
المهديُّ: "لكُمْ دينُكُمْ.. ولي دين"
لكُمْ حوضٌ.. لنا حوض(9)
وبخلاف ذلك كلّه، يعبّر شفيق معلوف عن نزوع نحو الجسد وبُعد عن الروح إذ يصوّر جنيّة تملّ روحها الخالدة، وتعرضها للبيع مُقابل متعة جسديّة فتقول:
ما نفعُ روحٍ خالدٍ عشتُ فيهْ ... ما زلتُ لم أحضنْ ولم أُحتضَنْ
يا حاملَ الجسم ألا أعطنيهْ ... وخذْ إذا شئتَ خلودي ثَمَنْ
روحيَ لا يَبلى فمنْ يرتضيهْ ... أحملُ ما في جسمهِ من شجَنْ
وشاحيَ النّاريّ من يشتريهْ ... فإنّني أبيعهُ بالكَفنْ(10)
وينزع الزّهاوي أيضاً إلى تمجيد العقل وإنكار كلّ ما عداه، بل إنّه يكفر بالروح ويدعو إلى ماديّة واضحة، فيقول:
غيرَ أنّي أرتابُ في كلّ ما قَدْ ... عجزَ العقلُ عنهُ والتّفكيرُ(11)
وفي جوابه للملكين حين يسألانه عن هاروت وماروت ويأجوج ومأجوج يقول:
قلتُ ما لي بكلّ ذلكَ علمٌ ... فبجحدي عقلي عليّ يشورُ(12)
وفي موضع آخر يقول:
ثمّ تلاّني للجبينِ وقَالا ... ليَ ذُقْ أنْتَ الفيلسوفُ الكبيرُ
قلتُ صَفْحاً فكلُّ فلسفتي قَدْ ... كانَ ممّا يمليهِ عقلي الصغيرُ(13)
ولقد عبّر شعراء الرحلات الخياليّة عن الصراع بين الروحانية والماديّة ورأى أغلبهم أنّ الحياة السعيدة الهانئة لا يصلح أساساً لبنيانها إلاّ قيامها على الروحانيّة واختلف عنهم شفيق معلوف في تعلّقه بالجسد وغالى من بعده الزهاوي في تمجيد العقل وإنكار الروح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المعلوف، فوزي، على بساط الريح، ص:79.
(2) المصدر نفسه، ص63.
(3) المصدر نفسه، ص:133.
(4) المصدر السابق، ص:135.
(5) عريضة، نسيب، الأرواح الحائرة، ص:195.
(6) المقدسي، أنيس، المورد الصافي، ع 10، ص:335.
(7) المصدر السابق، ص335.
(8) القلعجي، عبد الفتاح، القيامة، ص:18.
(9) المصدر السابق، ص:60.
(10) المعلوف، شفيق، عبقر، ص:181.
(11) الزهاوي، جميل صدقي، الديوان، ص:720.
(12) المصدر نفسه، ص:7725
(13) المصدر نفسه، ص726.
الاكثر قراءة في العصر الحديث
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
