الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
محاكاة القدماء وإحياء التراث
المؤلف:
محمد الصالح السليمان
المصدر:
الرحلات الخيالية في الشعر العربي الحديث
الجزء والصفحة:
ص93-95
24-03-2015
4978
لم تخل بعض الرحلات الخياليّة من دوافع التقليدية والسير على نهج الأدباء القدماء سواء أكان الشاعر صرّح بهذا الدافع أم تجلّى بخفر في رحلته.
ولا تخلو ملحمة القيامة من هذا الدافع الذي يمكن أن يتجلّى خفراً في رغبة عبد الفتّاح القلعجي في نظم ملحمة شعريّة على نمط رسالة الغفران ليعرض فيها موقفه من الحياة والموت والحقّ والباطل والفساد والفضيلة والخير والشرّ، ولكن من وجهة دينيّة قوامها الرؤية الإسلاميّة الصحيحة.
ويعدّ بعث التراث العربي القديم طموحاً كبيراً سعى إليه كثير من الشعراء في مطلع هذا القرن.
ولعلّ شاعراً كشفيق معلوف قد جعل هذا الغرض أهم الحوافز التي دفعته إلى نظم مطوّلة عبقر، وذلك ليعيد فيها جمع تراث العرب الأسطوري في عمل أدبي يمنحه الحيويّة والنشاط وينفض عنه ركام الزمن الغابر فقال في مقدمة المطوّلة: ((فأساطيرنا العربيّة لم يصلنا منها غير القليل، وهو على قلّته مشوّه مبتور لكنّه لم يخل من مغاز غامضة، وجب علينا سبر أعماقها وإرجاعها إلى أصولها وشرح رموزها وهذا ما عملنا في شعر عبقر فالأساطير التي لا ترمز إلى فكرة خلقنا لها الفكرة التي نخالها صالحة لها، وما كان منها ذا رمز جلونا رموزه وتبسّطنا فيه تصوير مراميه...))(1).
فهذا النصّ يؤكّد رغبة شفيق معلوف في إحياء أساطير العرب وبعثها تراثاً حيًاً يمكن أن يحمل الفكرة والفائدة للمتلقّي.
وربّما تأخذ هذه الرغبة صورة أخرى يمكن فهمها من خلال دراسة الرحلة الخياليّة بشكل رمزي يربط بين الرحلة الخياليّة ونموذجها النمطي في الأساطير.
لتظهر الرحلة كأنّها تكرار ومحاكاة لأسطورة وطنيّة قديمة والشاعر صورة لذلك البطل الأسطوري.
فرحلة الهمشري على شاطئ الأعراف هي محاكاة للأسطورة المصرية التي تتحدّث عن رحلة ابن الشمس أوزوريس الذي يمثّل الحركة الدائبة للشروق والغروب في الشمس والحياة. وتقابلها في رحلة الهمشري فكرة ارتقاء الروح تدريجيّاً في مراحل الرحلة وفي ذلك يقول هلال: ((تقوم فكرة على شاطئ الأعراف على ارتقاء الروح تدريجياً وهذا ما تمثّله الأسطورة كفكرة محسوسة وهو تاريخ الشمس، فرع وآمون نهاراً وأوزوريس ليلاً)) (2).
وهكذا بدت الدوافع الفنيّة والفكريّة رافداً أسهم في شحذ همم شعراء الرحلة الخياليّة للرحيل بعيداً عن عالمهم وصولاً إلى تحقيق ما تصبو إليه نفوسهم من رغبة التجديد في الشعر العربي المعاصر، وإحياء التراث العربي القديم وجعله مادة إنسانيّة فعّالة تعيد وضع العرب في مقدّمة ركب الحضارة الإنسانيّة كقوّة مؤثّرة في الثقافة لا متأثرة فحسب، وربّما أسهم اللاوعي الجمعي في دفع بعض الشعراء إلى تكرار الفعل النمطي الأسطوري لأسلافهم القدماء فأعيدت الأسطورة القديمة ولكن في ثوب جديد واسم جديد بعد أن صارت الفكرة المحسوسة رمزاً شفّافاً.
لقد تهيأت لشعراء الرحلات الخيالية دوافع مباشرة وأخرى غير مباشرة حدت بهم إلى الرحيل بعيداً عن عالمهم، فكانت الدوافع النفسيّة وفيها طغت أحلام الحريّة والرغبة في الخلاص من قيود الواقع الراسف في أوضار الماديّة، ودوافع الحيرة والشكّ والرهبة والخوف والتمرّد والثورة التي تدعو إلى التغيير كمعادل جديد يعيد للشاعر توازنه النفسي الذي فقده في ظلال الواقع الإنساني المتردي.
ثم كان للمجتمع دوره الخفي العظيم في حثّ هؤلاء الشعراء على التحليق بعيداً عن مهاويه ومفاسده وشروره ولكنّهم التفتوا إليه مشيرين بأصابع الاتهام إلى من كان وراء مصائبه وارتكاساته وإحباطاته كالاستعمار والفساد. التفتوا إليه يحدوهم الأمل في إحياء روح النضال الوطني والسياسي في نفوس أبنائه. ولا يخفى ما للدوافع الفنيّة والفكريّة من أثر في هذه الرحلات للتجديد في بناء الشعر العربي والإسهام في مشروع النهضة العربية الفكري والثقافي وإحياء تراثها القديم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معلوف، شفيق، عبقر، ص: 10-11.
(2) هلال، محمد غنيمي، الأدب المقارن، ص: 376.
الاكثر قراءة في العصر الحديث
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
