الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الرؤى الذاتية والنوازع الإنسانية
المؤلف:
محمد الصالح السليمان
المصدر:
الرحلات الخيالية في الشعر العربي الحديث
الجزء والصفحة:
ص146-148
24-03-2015
2293
لقد حاولت بعض الرحلات الخياليّة-رغم رومانتيكيتها-تجاوز واقع التعبير عن الذات الفرديّة لتعبرّ عن بعض الرؤى الإنسانيّة ولم لا؟ والأدب أحد الأسس الهامّة في بناء الحضارة الإنسانيّة، وله دوره الرياديّ الواضح في ذلك.
فقد بدت مطوّلة الهمشري في ظاهرها حديثاً عن الذات الفرديّة، فهي تعبّر عن ارتقاء الروح الفرديّ، ومروره بأطوار من الحزن والمكابدة، مكابدة الأهوال والآلام في سبيل الوصول إلى تطهير النفس من الخوف، ذلك الخوف الذي يأخذ بمجامعها، فصارت تشعر بشبه موات في حياتها فـ (هي خلجات أنهكت قوى هذا القلب وأحالت شعاع الأمل الربيعي الضاحك إلى خطفات باهتة من شفق شتاء، وما زالت تخفق على ضعفها في محراب الحبّ. وزادت هذه الحال في نفسي سوءاً فهبطت نفسي من جراء ذلك إلى قرارٍ من الحزن السحيق لا أدري سببه.."(1).
ومن ثمّ فالقصيدة تعبير عن هذه الروح المتعبة، ومحاولة تطهيريّة لها من ذلك الخوف العميق والحزن الراسخ فكادت تكون القصيدة شكوى إنسانيّة رومانتيكية يبثّها الشاعر للعدم بقوله:
أيّها العدمُ أينَ تنعسُ في الصّمـ ... تِ وتلقى لديهِ راحةَ جفنكْ
قفْ ودَعْني أبثُثْ إليكَ شكاتي ... والتياعي مُهمهماً في أُذنِكْ
لمْ أجدْ في الحياة لي أُذُناً تسـ ... معُ شكوايَ أو فؤاداً حنونا
ولذا قدْ أتيتُ أشكوكَ ما بي ... فلقدْ ترحمُ الكئيبَ الحزينا(2)
وتبرز النوازع الإنسانيّة عند الفراتي في (الكوميديا السماويّة) فهو يدعو على لسان إحدى شخصياته المهمّة في الكوميديا إلى الوحدة الإنسانيّة التي تلغي كلّ الفروق بين بني البشر.
فيدعو إلى لغة عالمية: لغة تمجّد الفكر وتلغي كلّ اللّغات الخاصّة بكلّ جماعة من الناس ويمكن لهذه اللغة أن تختزل المسافات الفكريّة بين جميع البشر وهذه الدعوة التي سبق إليها الفراتي تلاقي رواجاً كبيراً في أوربا هذه الأيّام.
كما دعا الفراتي إلى إلغاء جميع الديانات وصراعاتها، ووضع قوانين وضعية تخضع لها جميع الشعوب وتجعلُ الدين وحده للعقل.
ولكنّ الفراتي كان قد عرض هذه الآراء على استحياء، فلم يصرّح بشيء من ذلك لأنّه كان يخشى كثيراً أن يثير حفيظة الناس ضدّه لذا تراه يقول على لسان رفائيل:
بني الأرضِ ما معنى التّبايُنُ في اللُغى ... أمغنِ عناءَ الفكرِ هذا التّكلمُ
فلا تعبدوا الألفاظَ فهي وسيلةٌ ... لدى القّصدِ عمّا في الضّميرِ تترجمُ
فأهلاً بتوحيدِ اللّغاتِ فإنّهُ ... وجدّكَ في شرعِ التّضامنِ سُلّمُ
سهرْنا على تهذيب أخلاقِ نشئنا ... إلى أنْ بلغْنَا ما أردْنَا ونمنمُوا
ففي أيّ دينٍ أمْ بأيّةِ شرعةٍ ... يحلُّ لكُمْ سفكُ الدّماءِ المُحرّمُ
لقدْ قالَ: إنّ الدّينَ للعقلِ وحدهُ ... ولا دينَ إلاّ ما بهِ العقلُ يحكمُ
ألا اقطعْ حديثَ الدّين عنّا فإنّما ... حديثُكَ هذا يا رفائيلُ يؤلمُ
أذاكَ نقصٌ عندكُمْ في كمالنا ... ولمْ أرَ ذا نفسٍ من النّقصِ يسلَمُ(3)
وتظهر الدعوة إلى الإنسانيّة الشاملة عند شفيق معلوف حينما لا يميّز بين أحد من البشر، فالأرض واحدة لا حدود لها ولا حواجز، لأنّها بيت كبير للإنسان، أمّا تقسيمها فعمل شيطانيّ يتنافى مع النزوع الإنسانيّ السامي لذا نسب هذا العمل إلى ثبر شيطان الحروب، فيقول:
بانَ لنا ثُبَرْ ... مُسَعّرُ الشّرورْ
القاذِفُ البَشَرْ ... بالويلِ والثّبُورْ
طغى بينَ الوجودْ ... فأنشأ الأوْطَانْ
وخطّطَ الحُدودْ ... سياجُها النّيرانْ(4)
يبدو أنّ النوازع الإنسانيّة -اللهمّ نزوع الهمشري-ذات طابع حالم كثيراً ما كانت تصطدم بصخرة الواقع لتتحطّم عليه وتنكفئ على نفسها تتجرّع غصص الحرقة والخيبة والمرارة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرف، عبد العزيز، الهمشري، شاعر أبولو، ص:117.
(2) المصدر نفسه، ص:144.
(3) الفراتي، محمد، الكوميديا السماوية، مجلة الحديث، مج 31-ع4، ص: 152.
(4) معلوف، شفيق، عبقر، ص: 193.
الاكثر قراءة في العصر الحديث
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
