الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الشعر والحب والفن
المؤلف:
محمد الصالح السليمان
المصدر:
الرحلات الخيالية في الشعر العربي الحديث
الجزء والصفحة:
ص142-146
24-03-2015
1459
خرج شعراء الرحلات الخياليّة بعيداً عن أرضهم بحثاً عن الحياة المثالية التي يئسوا من وجودها عليها، فبرزت لديهم الدعوة إلى القيم المثالية التي يمكنها تحقيق الخلاص للبشر ممّا ألمّ بهم من مفاسد وظلم.
ولا يزال الشعر واحداً من أهم الأصوات الداعية للقيم الإنسانية الفاضلة فهو سبيل الرقي وسلم المعالي. ولمّا كان الزهاوي يناصر هذه الدعوة التي ترى الفن للحياة فإنّه يرى أنّ الشعر منبر للجماهير، يربط ما ضي الأمة بحاضرها ويستشرف آفاق مستقبلها، فيقول:
وسَلاني عمّا نظمْتُ من الشّعـ ... رِ فبالشّعرِ يرتقي الجمُهورُ
وسلاني عنْ نصريَ الحقّ وثّا ... باً بهِ وهْوَ بالسّؤالِ جديرُ
إنّما الشّعرُ سلَمّ للمعالي ... ثمّ فيهِ لأمّةِ تحريرُ
إنّه تارةً لقومٍ غَناءٌ ... ليناموا وتارةً تحذيرُ
وسلاني عنْ جعليَ الصّدقَ كالصـ ... خرِ أسَاساً تُبنَى عليهِ الأمورُ
وسلاني عن حفظيَ الفنّ مِنْ أنْ ... يعتريه قبلَ التّمام الدّثورُ(1)
وليست هذه النظرة ببعيدة عن رؤية الشاعر محمد حسن فقّي في قصيدته (الله والشاعر) حين يجعل الشاعر كفلاً للنبوّة غير أنّ الله لم يتخذ من الشعراء نبيّاً، فيقول:
وسَيلقَى هنا الكرّامةَ ما ظلْ ... فإنّي الحفيّ بالشّعراءِ
وتَرامَى إليّ هَمْسٌ خَفيّ ... من صُفوفِ الأملاكِ يعجَبُ مِنّي
مَنْ تُراهُ هذا وما هُو الشّعـ ... رُ أفَنٌ يسْمُو على كلّ فنّ
ما رأينا مِن قبلِهِ حظّ إنسٍ ... أوْ رأينا كمثلِهِ حظّ جنّ
هُو كفلٌ مِن النّبوّةَ لولا ... أنّني ما اتخذْتُ منهُ رَسولا(2)
وروح الشعر هي وسيلة الخلاص التي ترتفع بالشاعر بعيداً عن عالم التراب إلى عالم النور والجلال والجمال، يقول فوزي:
أيّ روحٍ في بردةِ الشّعراءِ
رفعَتْهُمْ
على الهواءْ
أبعدتْهُم عن عالم الأحياءِ
قرّبَتْهمْ
من السّماءْ(3)
إلى قوله:
لستِ مِنْ عالمِ التّرابِ وإنْ كُنْـ ... تِ تَقَمّصتِ بالتّرابِ عَليهِ
أنْتِ مِنْ عالمٍ بعيدٍ عنْ الأَرْ ... ضِ يفيضُ الجَلالُ عَن جانبيهِ
نسمةُ الشّعرِ أنتِ فيهِ تبثّيـ ... نَ أَريجَ الشّعورِ في بُردتيهِ
هُو فردوسُكِ السّحيقُ فلا الإثْـ ... مُ ولا الشّرُّ يبلغانِ إليهِ
وفتى الشّعرِ فيهِ يستنزلُ الوحـ ... يَ بياناً يجثّو الخلودُ لديهِ(4)
ووجد شعراء الرحلات في الحبّ أفضل وسائل الخلاص من هموم الحياة الماديّة ومتاعبها ومن الشرور التي تنكّد عيش الإنسان لذا يأبى شفيق معلوف أن يكون الحبّ في الجنّة لأنّ الأرض أولى به، فيقول:
والحبّ في الجنّةِ ما شأنّهُ ... ولا أذّى فيها ولا بُغضُ
ألقُوهْ للنّار وإنْ أرْمضتْ ... أقدامَهُ المواطئ الرّمضُ
وليتَلقّفهُ شُواظُ اللّظى ... وليتلهّمْ بعضَهُ البعضُ
فالأرضُ إن كانَتْ جَحيماً لهُ ... وكانَ فيها تَهنأ الأرضُ(5)
وهو الهدف السامي الذي تطمح إليه النفس الإنسانيّة لأنّه نورها الذي يهديها إلى السعادة الحقيقية التي لا يزال الإنسان يبحث عن أسبابها، لذا جعله المقدسي سبيل السعادة، فيقول:
هلِ الدّنيا سوى قلبٍ شريفٍ ... يُجاهدُ في سبيلِ الواجباتِ
ويعملُ باسماً في كلّ حالٍ ... وينظرُ باسماً للكائناتِ
ويزهو نامياً يَوماً فيوماً ... إلى أسمى كمالاتِ الحياةِ
ويقول:
إلى الحبّ المطلّ مِن الأعالي ... إلى روحِ الوجودِ إلى النّعيم
هو النّورُ الذي يَهدي البَرايا ... فما تُجديكَ أنوارُ النُجومِ(6)
ولعلّ التشوّق إلى الحياة النبيلة والقيم العظيمة هو الذي حدا بالشعراء إلى العوالم البعيدة زماناً أو مكاناً لرسم ملامح الإنسان المثالي الذي حلموا دوماً به، أمّا المكان المثالي الذي تاقوا لإيجاده بديلاً عن عالم يرسف فيه الشاعر بقيود جسده إلى الأرض لذا رسم فوزي معلوف مكانه الخيالي الذي يتلاءم وروحه التوّاقة للانطلاق يقول:
مَوطِنُ الشّاعرِ المحلّق منْذُ الـ ... بدءِ لكنْ بروحِهِ لا بجسمِهْ
أنزلَتْهُ فيهِ عَرُوسُ قوافيـ ... هِ بعيداً عنِ الوُجودِ وظُلمِهْ
مَلِكٌ قبّةُ السّماءِ لَهُ قَصـ ... رٌ وقلبُ الأثيرِ مسْرَحُ حُكمِهْ
ضاربٌ في الفضَاءِ موكبُهُ النّـ م ... سورُ وأتباعُهُ عرائسُ حُلْمهْ
مُلكُهُ ركنُهُ الهَواءُ وما أقـ ... واهُ ركناً قامَ الخلودُ بدعمِهْ
عَرْشهُ سدّةُ السّحابِ عَليها ... نفضَ الليلّ كلّ رهبةِ رسمِهْ
تاجُهُ هَالةٌ ويَنْضُدُ في فضّـ ... تها الأُفْقُ بدرَهُ قربَ نجمهْ
والدّجى طَيْلسَانُه فاحَ كافو ... رُ دَراريهِ فوقَ عنبر فَحمِهْ
والثُّريا في كفّهِ صَوْلجانٌ ... درّهُ لمّه الصّباحُ بكُمِهْ(7)
وتأخذ صورة المكان بعدها المثالي في تصوّر رشيد أيوب لتلك الحياة التي ربّما تكون في عالم المرّيخ، فيقول:
هنالِكَ في المرّيخِ عَايَنْتُ خُضْرةً ... كأَحْسَنِ خَلْق اللهِ لوناً وفِطْرةً
تدومُ إلى ما شاءَ ربُّكِ عبرةً ... تَراهَا إذا ما جالَ لَحظُكَ مرّةً
بعين مروجُ عُرفها الدّهرَ ذائعُ
وفيهِ رياضٌ باللطائِفِ تُوصَفُ ... وفي وَسْطِها عينٌ مِنَ الدّرّ تذرِفُ
يمرّ بها صافي النّسيم فتألَفُ ... ويُطرِبُها صوتُ النّعيمِ فتعطِفُ
وتبقى دُهوراً والصّفا متتابعُ
مَغان من الياقوت تُبنى قُصُورُهَا ... وقَدْ كُوْنَتْ حَصْبَاؤُهَا وصُخُورُهَا
ومِنْ تحتِها الأنهارُ قد شفّ نُورُها ... يعزّ على طيرِ السّماءِ عُبُورُهَا
ومِن فَوقِها بَرقٌ مدَى الدّهرِ لامِعُ
كأنّيَ شَاهدْتُ الجِنَانَ وآلَها ... وهيهاتَ أنسى عزّها وجمالَها
هنالكَ أشباحٌ تمنّيتُ حالهَا ... فسبحانَ من أهدَى إليها جمالهَا
مسربلةً بالحسنِ واللّطفُ واسعُ
وشاهدتُ نهراً حيثُما هيَ تعبدُ ... وتجثو لربِّ الكائناتِ وتحمدُ
تخالُ إذا عاينتهَا وهْي تسجدُ ... طيوراً على ذاكَ الغديرِ تُغرّدُ
فيا مَا أحلاها ونِعمَ المراتعُ(8)
ولقد رسم محمد الفراتي في (الكوميديا السماوية) صورة مثالاً لمجتمع مثالي في كوكب العباقرة بقوله:
نظرتُ إلى مدائنَ عامرات ... وجنّاتٍ بها دانٍ جناهَا
تخالُ ترابَها مسكاً ذكياً ... وياقوتاً ومرجاناً حصاها
مدائنُها تحيّرُ كلّ راءٍ ... وأجملُ مِنْ مدائِنها قُراهَا
تضيءُ قصورُها مِنْ غيرِ نورٍ ... فيصبحُ كالنّهار بها دُجاهَا(9)
وعن إنسانة هذه الكوكب يقول:
تناهَتْ في اللّطافة فهيّ تبدّو ... كعاريةٍ ولمْ تخلعْ رداهَا
إذا غنّت على الأوتارِ لحناً ... ترجّعهُ الملائِكُ في عُلاهَا
وإنْ رقصَت تراقصَتِ الدّراري ... على حركاتِها وعلى غِناهَا
تغازلُ منْ تَشاءُ بلا احتشامٍ ... ولم تعرفْ بكوكبها السّفاهَا
مباحٌ كلّ ما تأتي ولكنْ ... لغيرِ البعلِ لم تحلِلْ عُراهَا(10)
ويتمثّل الخلاص لدى القلعجي في الجنّة، مأوى الأنبياء والأتقياء والمؤمنين الصالحين، وقد وصف كلّ ما يتعلّق بها فوصف الطريق إليها، إذ يزدحم على أرصفته الفرح المتوثّب، وتتراصّ الملائكة على جنباته لترشق المؤمنين ولتغرس في طريقهم البسمة، فيقول في وصف جبل الرحمة:
جَبلُ الرحمة
في كُسوتهِ أشجارُ الغُفرانِ
يصعَدُهُ السّالكُ نحوَ الفردوسِ الموعودِ
يجرّ رداءَ الإيمانْ
زمرٌ.. زمرٌ
مِنْ فوقِهم ظُلَلٌ
مِنْ تحتِهم ظُلَلٌ
مزّجاةٌ في منتشرِ الرضوانْ(11)
ثم يصف أبواب الجنّة، وما فيها من السعادة والسرور، فهي سبعة أبواب منها:
باب الخَلْع، والصفا، والرّداء، والرّحمة، والجذب، والرّؤية، والفناء فيقول في باب الفناء:
سبّوحٌ.. سبّوحْ
أوزعْني يا ربّ
أنْ أشكرَ نعمتَكَ النّعماء
هيولايَ انصهرتْ في الفُغْمَةِ
سقطَ نصيفُ الرّوحِ
ولاحَ مقامٌ محمودٌ
ترفعُني كفُّ اللهِ إلى فلكِ القبلة
أفنى.. أفنى في الصّمديّة
وهمٌ كانَ الموتُ
ها.. إنّي أفنى
.. أُولدْ(12)
ويكثر القلعجي في وصف الجنّة ومتعها ومسرّاتها فيصف الملائكة والمؤمنين بمراتبهم، وأسواقها ومجالسها وأماكن التنزه فيها.. وغيرها..
لقد أراد الشعراء في الرحلات الخياليّة أن يعيشوا ظروف مجتمعاتهم، وأن يبنوا بآن معاً مجتمعهم المثاليّ الذي يحلمون به، مجتمع المسّرات واللذائذ بعيداً عن غصص المظالم والمفاسد والحروف والقتل والتدمير.
فكان الشعر والحبّ والفنون دعائم هذه النظرة المثالية ودستورها ورائدها الذي يستشرف آفاق المستقبل ورؤاه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الزهاوي، جميل صدقي، الديوان، ص: 724.
(2) الفقي، محمد حسن، الديوان، مج 1-ص: 81.
(3) المعلوف، فوزي، على بساط الريح، ص: 69.
(4) المصدر نفسه، ص:70
(5) معلوف، شفيق، عبقر، ص:320
(6) المقدسي، أنيس، المعري يبصر، مجلة المورد، مج 10، ص: 335.
(7) المعلوف، فوزي، على بساط الريح، ص: 61-62.
(8) أيوب، رشيد، الأيوبيات، ص: 153-154-155.
(9) الفراتي، محمد، الكوميديا السماوية، مجلة الحديث، مج 31-ع6، ص: 350.
(10) المصدر نفسه، ص: 351.
(11) القلعجي، عبد الفتاح، القيامة، ص: 166-167.
(12) المصدر السابق، ص:167.
الاكثر قراءة في العصر الحديث
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
