x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

علم الرجال

تعريف علم الرجال واصوله

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

اصحاب الائمة من التابعين

اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني

اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث

علماء القرن الرابع الهجري

علماء القرن الخامس الهجري

علماء القرن السادس الهجري

علماء القرن السابع الهجري

علماء القرن الثامن الهجري

علماء القرن التاسع الهجري

علماء القرن العاشر الهجري

علماء القرن الحادي عشر الهجري

علماء القرن الثاني عشر الهجري

علماء القرن الثالث عشر الهجري

علماء القرن الرابع عشر الهجري

علماء القرن الخامس عشر الهجري

أقسام الحديث باعتبار أنحاء تحمّله

المؤلف:  الملا علي كني

المصدر:  توضيح المقال في علم الرجال

الجزء والصفحة:  ص 253 ـ 266.

23/10/2022

1104

[الحديث] بهذا الاعتبار [له] أقسام يعمّ أكثرها عندي بل جميعها المتحمّل عن المعصوم (عليه السلام) وغيره.

وعند الأكثر اختصاص أكثرها بالأخير.

فلنذكرها أوّلًا في غيره (1) ونشير بعده إلى جريانها في الأخذ عنه عليه السلام أيضاً، فنقول:

منها: السماع عن المرويّ عنه‌. وهو أعلاها، وله وجوه:

أحدها: أن يقرأها الشيخ من كتاب مصحّح على خصوص الراوي عنه بأن يكون هو المخاطب المُلقى إليه الكلام.

وثانيها: قراءته منه مع كون الراوي أحد المخاطبين.

وثالثها: كذلك مع كون الخطاب إلى غيره، فيكون هو مستمعاً أو سامعاً صرفاً.

والرابع والخامس والسادس‌: ما ذُكر مع كون قراءته من حفظه.

وأعلى هذه الوجوه أوّلًا ثمّ ثانيها، مع احتمال ترتيب الاعتبار على ترتيب الذكر.

ووجهه قلّة احتمال الخطأ في الأوّل بالنسبة إلى غيره، لمكانه من الحافظة بالذهول والنسيان بالقراءة من الحفظ، بخلافه في القراءة من الكتاب وعروضه من البصر المختصّ بالقراءة من الكتاب وإن كان ممكناً، إلّا أنّه أبعد من نحو النسيان المختصّ بالقراءة من الحفظ، وكذا قلّة اعتناء السامع، بل المستمع الخارج عن الخطاب، بل الداخل فيه ممّن اختصّ به.

وعلى كلّ حال فعبارة السامع بل المستمع: «سمعت فلاناً يقول» أو «روى» أو «حدّث» أو «أخبر» ونحو ذلك، أو «سمعته يروي» أو «يحدّث» ونحوه.

ولا يقول السامع غير المخاطَب: «حدّثني» ولا «حدّثنا» ونحو ذلك. والوجه واضح.

ويجوز الجميع لمن عداه وإن كان بعضه أولى من بعض لبيان المرتبة.

ففي الأوّل يقول: «أقرأني- أو- عَلَيَّ من كتابه» أو «من كتاب كذا» أو «فلان» أو «أخبرني» أو «حدّثني منه».

وعلّل الشهيد الثاني رحمه الله في‌ درايته‌ كون مطلق السماع أعلى ممّا يجي‌ء «بأنّ الشيخ أعرف بوجوه ضبط الحديث وتأديته. ولأنّه خليفة رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسفيره إلى أُمّته، والأخذ منه كالأخذ منه. ولأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أخبر الناس أوّلًا وأسمعهم ما جاء به، والتقرير على ما جرى بحضرته أَولى. ولأنّ السامع أربط جأشاً وأوعى قلباً، وشغل القلب وتوزّع الفكر إلى القارئ أسرع» (2).

قلت: وهذا كلّه لا بأس به، إلّا أنّه استند في ذلك أيضاً إلى رواية عليها تأمّل.

ومنها: القراءة على الشيخ‌.

في‌ الدراية: «يسمّى عند أكثر قدماء المحدّثين العَرْض» (3).

قلت: هذا إذا أُطلق، وأمّا مع التقييد فالقراءة تسمّى عرض القراءة، والمناولة كذلك، بل الظاهر جواز ذلك في الجميع.

وله أيضاً وجوه:

أحدها: قراءة الراوي عليه من كتاب في يده، وبيد الشيخ أيضاً مثله مع الصحّة، ثمّ يعترف بالموافقة وبكونه روايته.

ولا خفاء في أنّه أعلاها؛ لما مرّ كلًاّ أو بعضاً. ويتفاوت ما عداه من الوجوه أيضاً، كقراءة الراوي من حفظه حيث تحمّله وحفظه بما دون ذلك من المراتب، بل بما لا اعتبار به أصلًا، كحفظه من لسان كذّاب وضّاع، فأراد الاعتبار أو كماله وتمامه، فيعرضه على المرويّ عنه الثقة أو غيره ليعترف به، وكقراءة غيره مع سماعه وسماع الشيخ، كانت القراءة من كتاب أو الحفظ أو مع مقابلة الشيخ بما في حفظه من غير كتاب بيده أو مع ظهور الاعتراف منه لا صريحه.

وفي‌ القوانين‌: «والظاهر أن يكون السكوت مع توجّهه إليه وعدم مانعٍ عن المنع والردّ من غفلة أو إكراه أو خوف وانضمام القرائن بالرضا كافياً» (4).

ووجه التفاوت بزيادة طريق الغفلة والنسيان في بعض دون آخر، وبانضمام المتعدّد منه وغير ذلك ظاهر بالتأمّل.

والعبارة حينئذٍ «قرأت عليه» أو «عرضت عليه» أو «قرأ» أو «عرض عليه فأقرّ به» أو «أظهره» وأمثال ذلك ممّا لا خفاء في إفادته المدّعى من غير لزوم كذب أو تدليس، أو التكلّم بظاهر وضعاً أو غيره وإرادة خلافه.

والظاهر أنّ مثله لو عبّر بما هو مجاز في المعنى الواقع من القراءة أو ظاهر في غيره أو غير دالّ عليه، فحينئذٍ ينصب قرينة عليه، كقوله: «أخبرنا» أو «حدّثنا قراءة منّي» أو «من فلان عليه، مع سماعه واعترافه».

بل عن جماعة كفاية إطلاق الإخبار والتحديث مع عدم التقيّد بالقراءة عليه.

ولعلّ وجهه: أنّ إعلام الشيخ على الخبر والحديث بالنحو المزبور يدخل في مطلق إخباره وتحديثه خصوصاً في الاصطلاح؛ إذ لا ريب في صدق المحدّث- مثلًا- على الشيخ المقروء عليه.

قلت: هو وإن كان كذلك إلّا أنّ الإطلاق ظاهر في غيره بحيث لا يصرف إلى غيره إلّا بقرينة.

وهذا الظهور لم يكن بهذا النحو في غير المقام، كمحاورات أهل العرف، ولذا لو قيل لبريد: «هل مات فلان» ونحوه، أو «أنّك أخبرت بموته؟» فقال: نعم، يُقال على الإطلاق: «أخبر بريد بموت فلان» لكنّه في خصوص المقام كذلك.

وربّما يشهد له ما حكي عن السيّد المرتضى بالمنع عنه مقيّداً أيضاً، محتجّاً بأنّه مناقضة، قائلًا: لأنّ معنى الإخبار والتحديث هو السماع منه، وقوله: «قراءة عليه» يكذّبه، وإن كان هو كما ترى؛ لأنّ جميع المجازات وكثيراً من المشتركات المعنويّة بل اللفظيّة كذلك، حيث إنّ معانيها مع فقد القرينة تغايرها معها.

في‌ الدراية: «اختلفوا في أنّ القراءة على الشيخ مثل السماع من لفظه في المرتبة أو فوقه أو دونه فالأشهر ما تقدّم» (5) أي الأخير. «ونقل الأوّل عن علماء الحجاز والكوفة» (6).

ومنها: الإجازة.

ولها أيضاً وجوه مترتّبة في القوّة والاعتبار؛ لأنّها مرّة بالقول الصريح منه لرواية معيّنة أو روايات كذلك لشخص حاضر أو أشخاص كذلك، وأُخرى به لعدّة روايات أو كتب، ككتب فلان أو كتبه في كذا.

وقد يزاد على هذا الإجمال، كقوله: «لجميع رواياتي» أو «مسموعاتي عن فلان» أو «عن كلّ أحد».

وثالثةً به لعدّة أشخاص يدخلون في عنوان، كقوله: «أجزتُ لعلماء كذا» صنفاً كعلماء العرب، أو قيداً في العلم، كعلماء الفقه، أو مكاناً، كبلد كذا، وهكذا لو قال: " أجزتُ للرواة".

وقد يزاد على هذا، كقوله: «أجزت لجميع علماء- أو- رواة العصر» ونحو ذلك.

وقد استجاز الشهيد رحمه الله عن شيخه السيّد تاج الدين بن معيّة لأولاده ولجميع المسلمين ممّن أدرك جزءاً من حياته جميع مرويّاته، فأجازهم ذلك بخطّه، حكاه في‌ الدراية (7).

ورابعةً بالمركّب من مواقع الإجمال أو منها ومن الزائد فيه أو من محض الزيادات فيه. هذا كلّه في قوله الصريح.

وقد يكون بقوله الظاهر أو بقوله المقدّر حيث أجاب بقوله: «نعم» عند السؤال عنه بقول: «أجزتني» أو «أجزت فلاناً» أو «أجزني» أو «أجزه» وهكذا، وكذا بالإشارة، وفي ثالث بالكتابة.

ثمّ إنّ هذا كلّه في الإجازة لموجود، وقد تكون لمعدوم معيَّن عند الوجود، كأوّل ما يولد له أو لفلان، أو أكبر ما يولد له، أو معيّن بعنوان، كأولاد فلان، أو العلماء المتجدّدين من نسل فلان أو في بلد فلان أو في سنين كذا. أو غير معيّن ك «أجزتُ لكلّ أحد» وقد يضمّ الموجود إلى المعدوم.

ويظهر بالتأمّل فيما ذكرناه أنّ صور هذا القسم كثيرة جدّاً، فيعبّر عن كلّ صورة بما يفيدها ولا يكون ظاهراً في غيرها، حذراً عن الكذب أو التدليس أو الخروج عن قواعد الاستعمال، فيقول: «أجازني» أو «أجاز لي» أو «عنه إجازةً» أو «حدّثني- ونحوه- إجازة».

وفي‌ القوانين‌: «وعبارته الشائعة: أنبأنا ونبّأنا، ويجوز: حدّثنا وأخبرنا أيضاً، والأظهر عدم الجواز على الإطلاق إلّا مع القرينة» (8).

قلت‌: أسند الإطلاق في‌ الدراية إلى بعضهم، بل حكى‌ عن قوم أنّهم خصّصوها بعبارات لم يسلموا فيها من التدليس، كقولهم في الإجازة: أخبرنا أو حدّثنا مشافهةً، إذا كان قد شافهه بالإجازة لفظاً (9).

وكيف كان فالمشهور المنع، فمراده من جعل عبارته الشائعة ما مرّ أنّها شائعة في الجملة مع قطع النظر عن الاقتصار على إطلاقها أو تقييدها بقرينة.

وفي‌ الدراية أيضاً: أنّه «لا يزول المنع من إطلاق أخبرنا وحدّثنا في الإجازة، بإباحة المجيز لذلك، كما اعتاده قوم من المشايخ من قولهم في إجازاتهم لمن يجيزون له: إن شاء قالحَدَّثنا، وإن شاء قال: أخبرنا» (10)

وعلّل المنع بأنّ الإذن لا يفيد الجواز بعد فرض عدم الدلالة (11).

ثمّ إنّ أكثر ما ذكر إنّما يتّجه على كون الإجازة إذناً ورخصةً لا محادثةً، كما هو أحد القولين.

وفي أصل جوازها والرواية بها خلاف، فعن الشافعي في أحد قوليه وجماعة من أصحابه المنع، والمشهور بل في‌ الدراية «ادّعى جماعة الإجماع عليه» (12) [أي] (13) الجواز.

وعلى الجواز اختلفوا في ترجيح السماع عليها وبالعكس، والتفصيل بين عصر السلف والمتأخّرين، فالأوّل في الأوّل والثاني في الثاني (14) والحقّ الأوّل.

ومنها: المناولة. وهي أن يدفع الشيخ مكتوباً فيه خبر أو أخبار- أصلًا كان أو كتاباً، له أو لغيره- إلى راوٍ معيَّن أو إلى جماعة، أو يبعثه إليه أو إليهم برسول، بل يمكن في المعدوم بأن يوصي بالدفع إليه كلّ ذلك، مع تصريح أو غيره بما يفيد أنّه روايته وسماعه.

كلّ ذلك مع تجويزه للمدفوع إليه أو لغيره أيضاً في أن يرويه عنه بطريق الإجازة له أو بغيره، فمرّة يقول: «أجزتك في روايته» وأُخرى‌ يقول: «اروِه عنّي» وإن كانا عند التحقيق من باب واحد لو لم يكن الأخير أولى، أو مع الاقتصار عليه، فيقول: «هذا سماعي- أو- روايتي».

وفي‌ القوانين: «والأكثر على عدم جواز الرواية عنه بذلك حينئذٍ» (15).

قلتلا نعقل للمنع وجهاً، وأيّ مدخل لإذن الشيخ بعد إذن الإمام عليه السلام، بل أمره وأمر اللَّه تعالى برواية الأحاديث، بل ضبطها ونشرها بين الشيعة وفي المجالس.

ومنه يظهر أنّه لا يلتفت إلى منعه لو منع أيضاً ما لم يكن منشؤه خللًا في نقله أو ضبطه، كما أنّ منه يظهر أنّ المنع في إجازة المعدوم في القسم السابق أو هنا إذا فرض الوصول بوصايته لا وجه له أصلًا.

والعجب من‌ الدراية (16) أنّه مع مصيره إلى المنع من غير ذكر وجهه روى عن الكافي بإسناده إلى أحمد بن عمر بن الحلّال قال: قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: الرجل من أصحابنا يعطيني الكتاب ولا يقول: اروِه عنّي، يجوز لي أن أرويه عنه؟ قال: فقال: «إذا علمت أنّ الكتاب له فاروِه عنه» (17).

قلت‌: من أخيره ظهر وجه ما اعتبرناه من ثبوت كونه روايته وقانون التعبير عن هذا القسم على ما عرفته في غيره، فيقول: «ناولني» مع بيان أنّه سماعه، و «أمرني» أو «رخّصني» أو «أجازني روايته» ويجوز «حدّثني» أو «أخبرني» مع القيد.

ومنها: الكتابة، بأن يكتب‌ (18) ـ بنفسه أو بأمره لثقة، أو مع ملاحظته المكتوب- روايته أو سماعه إلى غائب أو حاضر.

ولا يخفى أنّ هذا قد يجامع ما قبله، كما إذا ناوله بنفسه أو أمَر أو أوصى به فوصل مع إبلاغ قوله: «إنّه روايتي» أو «سماعي إليه» بغير هذا المكتوب.

وقد يفارقه كما إذا وجده المكتوب إليه من غير مناولة أو من غير ضمّ «هذا سماعي» وإن كان مكتوباً فيه ذلك.

ومفارقة السابق عنه واضحة، فالنسبة بينهما عموم من وجه ولو بحسب المورد.

وأمّا اعتبار مورد الجمع أو قوّته فيتبع الأقوى، لفرض ثبوت أكمل الوجودين الذي لا ينافيه إلّا نقص، وهو في الحقيقة مجمع أسباب الاعتضاد والاعتبار فيكون أكمل، وهذا غير موارد التبعيّة للأضعف، فإنّها حيث انتفت القوّة في بعض المراتب والمقدّمات، والفرق واضح.

وأمّا في موارد الافتراق فالظاهر- خصوصاً بملاحظة تعبيراتهم من جهة الترتيب الذكري وغيره- أنّ المناولة أقوى؛ لوضوح استفادة كونه روايته وإذنه لغيره في الرواية عنه بما هو منتفٍ في الكتابة، فإنّ الخطّ غايته إفادة المظنّة في الغالب، ولهذا أجمعنا على عدم إجازة الأحكام للقضاة وغيرهم بالكتابة دون المناولة مع قوله: إنّه حكمه.

نعم، قد يقوى الأخير بملاحظة حصول الاهتمام حيث كان بخطّه- وهو قليل- رواية واحدة أو روايات، وكأنّ المناولة لكتاب غيره لاسيّما مع الكبر والتعدّد.

وفي القوانين: «فإن انضمّ ذلك بالإجازة وكَتَبَ: فاروه عنّي، أو أجزتُ لك روايته، فلم ينقل خلاف في جواز الرواية بشرط معرفة الخطّ والأمن من التزوير، وإن خلا عن ذكر الإجازة، ففيه خلاف، والأكثر على الصحّة، وهو الأظهر» (19).

في‌ الدراية: «الأشهر بينهم جواز الرواية بها، لتضمّنها الإجازة معنىً» (20).

قلتلا وجه للمنع وإن لم نقل بتضمّنها الإجازة؛ لما عرفت من عدم دوران الجواز مدارها، فالمتّجه جوازها بعد فرض معرفة الخطّ وأمن التزوير، خصوصاً وبناءُ المسلمين بل مطلق الناس عليه وعلى الاعتبار. ومكاتبات الأئمّة عليهم السلام إلى مواليه في الأحكام الشرعيّة فوق الكثرة، وهُمْ عليهم السلام كانوا عالمين بعملهم عليها، بل كانوا يكتبون لذلك، ولم ينقل عن أحدٍ التأمّل من هذه الجهة. فإذا كان هذا طريقاً لإثبات المكتوب، فالرواية عنه بأدلّة نقل الأحاديث والأخبار، فلا يتصوّر للمنع سوى عدم إذن الشيخ، ومقتضاه أن يمنع هنا كلّ مَنْ منع في المناولة لذلك، بل وزيادة؛ لفرض ضعف الكتابة، لا أن يعكس كما هو قضيّة نقل‌ القوانين‌، فلاحِظْ وتأمّل.

والعبارة على وفق ما مرّ فيقول: «كاتبني» أو «كتب إليّ» أو «عنه مكاتبة إليّ» أو «إلى فلان» أو «أخبرني مكاتبة».

وفي‌ الدراية (21) حكاية جواز ذلك على الإطلاق عن قائل.

ومنها: الإعلام‌، بأن يُعلم شخصاً أو أشخاصاً بقوله الصريح أو الظاهر أو المقدّر أو الإشارة أو الكتابة: أنّ ما كتب في كتاب كذا من مرويّاته أو مسموعاته، وهذا يتّفق عند المسافرة أو الموت أو زعم أحدهما، ولا يأذن في الرواية بإجازة أو مناولة أو غير ذلك.

والعبارة على وفق ما مرّ، إلّا أنّ ذكر الإخبار والتحديث ولو مع قيد الإعلام لا يخلو عن شي‌ء؛ لكونه أبعد عمّا تقدّم في صدق التحديث ولو مجازاً.

ثمّ إنّ الحاجة إلى هذا القسم بل إلى أكثر ما مرّ إنّما فيما لم يعلم كونه رواية الشيخ إلّا بقوله، والمدار مع ذلك على قوله: إنّه روايته أو سماعه، ولا مدخل لإجازته ومناولته وإذنه في الرواية عنه على ما أشرنا إليه.

نعم، عند مَنْ يعتبر فيها إذنه- كما هو ظاهر أكثر القدماء على ما عرفت- فالحاجة إليهما معاً.

وعليه فالإعلام المجرّد غير نافع، كالمناولة المجرّدة ونحوها، كما لا ينفع مجرّد الإذن في نقل جميع رواياته ومسموعاته مع عدم ثبوت أنّ هذا منها بغير خلاف.

وقس على هذا حال‌ الوجادة، فعلى هذا عدم الاعتبار بها مطلقاً، وعلى التحقيق ما لم يُعلم كونه من الشيخ المراد روايته عنه.

وفي‌ الدراية- بعد أن حكى قولين في جواز الرواية مع إطلاق الإعلام، ووجّه المنع- مع اختياره له- بعدم الإذن، والجواز باستفادته منه- قال: "وفي قولٍ ثالث: له أن يرويه عنه بالإعلام المذكور وإن نهاه" (22).

قلتقد عرفت أنّ المتّجه جواز ذلك مطلقاً.

ومنها: الوِجادة (23) أن يجد المرويَّ مكتوباً بخطّ الشيخ الذي هو راويه، أو في تصنيفه بخطّه أو بخطّ غيره، معاصراً كان الشيخ للواحد أم لا.

في القوانين: "لم يجوّزوا الرواية بمجرّد ذلك، بل يقول: وجدت أو قرأت بخطّ فلان، وفي جواز العمل به قولان" (24).

قلتظاهره بل صريحه المنع عن التعبير بالإخبار أو التحديث أو الرواية عنه ولو بقوله: «عنه» سواء أطلق ذلك أو قيّده بقيد الوجادة ونحوه، وأنّه الذي لم يجوّزوه.

والظاهر أنّه كذلك؛ لبُعْد المتجوّز عنهما هنا جدّاً.

وأمّا جواز الرواية بها: ففي الدراية: "لا خلاف بينهم في منعها" (25).

عد أن حكى قولين في العمل بها، وهو كما ترى وإن كان مراده العمل بنفس ما يجده العامل.

والحقّ‌ الجواز حيث علم أنّه من الشيخ المزبور بتواتر وغيره من أسباب العلم.

وعلى هذا عمل الأكثر بل الجميع في زماننا هذا من غير حاجة إلى ضمّ غيره ممّا مرّ، إلّا أنّ المتعارف- كما في كثير من الأزمنة السالفة- ضمّ الإجازة إلى هذا القسم، ولا أعرف في أصحابنا مصنّفاً بل ولا مؤلّفاً يخلو عن ذلك، فقد كثرت في أزماننا وإن كانت قبل ذلك أكثر، إلّا أنّها لمّا اشتبهت عند العوامّ بل وكثير من الخواصّ؛ لقصور الأفهام أو لتدليس كثير من أُولي الأغراض والأمراض بتصديق الفقاهة والاجتهاد أو الحكم بذلك، فجعلوها على الإطلاق من الأخير، فأثبتوا بها اجتهاد جمّ غفير ممّن لم يُشَمّ منه رائحة ولم يقف منه إلّافي ناحية، فالأولى سدّ هذا الباب إلّافي حقّ مَنْ هو أهل الفقاهة والاجتهاد بلا شكّ وارتياب.

بقي شي‌ء هو: أنّه لو وجدنا كتاباً من كتب الأخبار، سواء ذكر فيه أنّه تأليف فلان أو رواية فلان أو لم يذكر، ولم يكن لنا علم بأنّه لفلان، لكن شهد عندنا عدلان بذلك، فهل يثبت ذلك بشهادتهما فيجوز لنا العمل به والرواية عنه ولو بقولنا: «روى فلان» أو بإضافة «في كتابه» أو «في كتاب كذا» وإن لم نقل: «أخبرنا» أو «عنه» وغير ذلك؟ وكذا لو شَهِدا بأنّه من الإمام عليه السلام بخطّه الشريف أو بغيره أو لا؟ الظاهر ذلك ما لم نعلم أو نظنّ بأنّ شهادتهما أو شهادة أحدهما من باب الاجتهاد أو العلم بالأمارات.

أمّا في الأوّل: فلما حقّقناه في غير موضع من عموم العمل بالبيّنة.

وأمّا في الثاني- فبعد خروجه عن عنوان الشهادة ودخوله في‌ الفتوى أو مطلق البناء- أنّ الأصل عدم الثبوت والاعتبار، وأنّ لازمه جواز التقليد للمجتهد ورجوعه إلى مثله في الفتيا والأحكام للمقلّدين له ولغيرهم، بأن يجعله كسائر أدلّة الأحكام؛ إذ لا فرق بين ما ذُكر وبين شهادة عدلين منهم على أنّ حكم اللَّه في هذه المسألة كذا، أو أنّ الصلاة أو الصوم أو البيع وغير ذلك من الموضوعات المستنبطة وغيرها ذلك، وبطلان اللازم- كالملازمة- من الواضحات، والأوّل مجمع عليه.

وأيضاً فالشهادة الاجتهادية إمّا بطريق الظنّ، وهو الغالب في الاجتهاد، أو بطريق العلم غير المستند إلى الحسن؛ إذ لو استند إليه لم تكن من باب الاجتهاد.

والأُولى غير مسموعة؛ لاعتبار العلم فيها.

والثانية فيها كلام إن لم يكن الأظهر عدم السماع، خصوصاً في أمثال هذه الأُمور العظيمة العامّة.

ومن هنا يظهر عدم سماع شهادة الواحد حيث كانت بطريق الاجتهاد والأخذ بالأمارات بطريق أولى، [والمشتهر في هذه الأزمان بالفقه الرضوي‌] (26)

وقد صار جمع إلى اعتباره من هذا الباب.

 مضافاً إلى أمارات أُخر لنا ممّا وجدنا في نفس الكتاب المزبور- بعد تتبّعه من أوّله إلى آخره- وغيره على نفي كونه منه عليه السلام، وليس هنا محلّ تفصيل الكلام فيه.

ولا يلزم ما ذكرناه نفي حجّيّة الواحد إذا كان بطريق النقل والرواية المعتبر فيه شرائطه، التي منها صدق الأخذ من ‌المرويّ عنه والرواية عنه ولو من كتابه مع اعترافه بأنّه روايته أو كتابه أو ثبوته بطريق يجري في حقّ الجميع، فتدبّر ولا يختلط عليك الأمر.

فلو قال الواحد: قال فلان أو روي عن فلان بطريق وقوفه على ذلك، قبلناه.

ولو قال: ظننت أو علمت عاديّاً أو غيره أنّ فلاناً الذي لم يلاقه ذكر ذلك أو روى كذا- كلّ ذا بطريق اجتهاده- ما قبلناه منه.

وعندي أنّ الفرق بينهما واضح، فتأمّل تعرف.

إذا عرفت أقسام التحمّل والرواية من غير الإمام عليه السلام، فاعلم أنّ التحقيق جريانها في التحمّل عنه عليه السلام أيضاً، بل أكثرها واقع.

أمّا السماع‌: فواضح، بل هو الأغلب فيه، كما هو واضح.

وأمّا القراءة: فإمكانها (27) فيه أيضاً معلوم. وأمّا وقوعها: فالظاهر أنّه كذلك في بعض الروايات، مثل ما ورد أنّه سأله عليه السلام عن صدق بعض الروايات، فقال عليه السلام: «نعم، هو كذلك في كتاب عليّ عليه السلام» فالمقابلة بينه وبين محفوظه عليه السلام [واقعة] (28) وإن لم يكن ذلك بقصد المقابلة.

وكذلك قراءته عليه السلام أشياء كثيرة على الرواة، مثل ما نقله لهم من خطّ علي (عليه السلام) وإملاء الرسول صلى الله عليه و آله، أو من خطّ وإملاء غيره كالصحيفة السجّادية، فذكر راويها أنّه أملى عَلَيَّ أبو عبداللَّه عليه السلام الأدعية.

وكذا ما قرأه عليه السلام عليهم بطريق الرواية عن أبيه عن آبائه عليهم السلام، كما في أكثر روايات السكوني وأضرابه.

وأمّا الإجازة: فقد أَذِنُوا عليهم السلام لشيعتهم، بل أمروهم بنقل ما ورد منهم وما يصدر لأمثالهم بقوله: "الرواية لحديثنا تثبت به قلوب شيعتنا" (29).

وفي‌ الكافي‌ بإسناده إلى أبي خالد قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه السلام: جعلت فداك إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبداللَّه عليهما السلام وكانت التقيّة شديدةً، فكتموا كتبهم فلم تُرْوَ عنهم، فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا فقالوا (30): "حدّثوا بها فإنّها أحقّ" (31) وقد تقدّم خبر آخر في‌ المناولة، والأخبار في هذا الباب تبلغ إلى حدّ يعسر الإحصاء.

ومن هنا يظهر أنّ إجازة الرواية لنا ولأمثالنا حاصلة من أئمّتنا عليهم السلام، فأيّة حاجة بَعْدُ إلى إجازة الغير وإن كانت حاصلة لنا أيضاً؟

الّلهمّ إلّا على المنع من الإجازة للمعدوم، وهو- مع ضعفه- مندفع بإجازة إمام عصرنا عجّل اللَّه فرجه، التي أجازها قبل وجودنا واستمرّ عليها إن لم يحدّوها بعد تأهّلنا لذلك، ونعوذ باللَّه من رجوعه عليه السلام عن ذلك.

وبالجملة، نحن نأخذ بالظاهر ممّا ورد منهم عليهم السلام في حقّ أمثالنا، واللَّه يتولّى السرائر.

وأمّا الكتابة: فوقوعها منهم عليهم السلام بلغ إلى حيث جعل المكاتبة من أقسام الأخبار، فيقولون: في مكاتبة فلان ونصّ عليها علماء الدراية والرجال والأُصول وغيرهم.

وأمّا الإعلام‌: فقد وقع بالنسبة إلى كثير من الكتب، ككتاب يونس في عمل يوم وليلة، وكتاب عبيد اللَّه بن عليّ بن أبي شعبة الحلبيّ، فإنّه عُرِض على الصادق عليه السلام فصحّحه واستحسنه، وهو أوّل كتاب صنّفه الشيعة، إلى غير ذلك.

وأمّا الوجادة: فالظاهر وقوعها أيضاً، كما في الفقه المنسوب إلى مولانا الرضا عليه السلام، حيث وجده القاضي أمير حسين‌ (32) عند جماعة من شيعة قم، الواردين إلى مكّة المباركة، وهو كجمع من المتأخّرين بنوا على اعتباره؛ لثبوت النسبة عندهم بقطعٍ عاديّ أو بقطع الاعتبار وإن كُنّا- كالمشهور- خالفناهم؛ لأُمور مرّ الإشارة إلى بعضها.

وهذا لا ينافي كونه من قسم الوجادة؛ لما عرفت في بيانها من اختصاص الاعتبار ببعض أقسامها.

وصرّح الصدوق رحمه الله في مواضع من كتبه وكذا بعض مَنْ قاربه في الزمان أو سبقه بوجود جملة من مكاتبات الأئمّة عليهم السلام وتوقيعاتهم عندهم، ومن المستبعد ألّا يكون وقوفهم على بعض ذلك بطريق الوجادة ولو في كتب مَنْ قاربهم أو سبقهم.

وكيف كان فلا ينبغي التأمّل فيما ذكرناه من عدم اختصاص الأقسام المزبورة بالتحمّل عن غير الإمام عليه السلام وإن كان بعضها أدون من بعض في معلوميّة الثبوت أو ظهوره، فلاحِظْ وتأمّل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) أي: غير المعصوم عليه السلام.

(2) الرعاية، ص 232.

(3)  الرعاية، ص 237

(4)  القوانين المحكمة، ج 1، ص 488 و 489.

(5)  الرعاية، ص 239.

(6) الرعاية، ص 240.

(7) الرعاية، ص 267.

(8) القوانين المحكمة، ج 1، ص 489.

(9) الرعاية، ص 285.

(10) الرعاية، ص 286.

(11) الرعاية، ص 286.

(12) الرعاية، ص 260.

(13) ما بين المعقوفين ساقط في‌ الأصل، ويقتضيه السياق.

(14) في الأصل: «فالثاني»، والصحيح ما أثبتناه.

(15) القوانين المحكمة، ج 1، ص 489.

(16) الرعاية، ص 283.

(17) الكافي، ج 1، ص 52 (ح 6 من كتاب العلم).

(18) أي الشيخ.

(19) القوانين المحكمة، ج 1، ص 489- 490.

(20) الرعاية، ص 288.

(21) الرعاية، ص 291.

(22) الرعاية، ص 294.

(23)  بكسر الواو، مصدر وَجَدَ يَجِدُ. قال في «ضياء الدراية» (ص 62): «وإنّما وقع الخلاف في جواز العمل بالوجادة على ‌قولين:

أ. الجواز؛ لعموم أدلّة حجّيّة الخبر، وانسداد باب العمل بالمنقول لو توقّف عن العمل بالوجادة، والسيرة والطريقة الجارية وأمر أصحابهم بكتابة ما يسمعون منهم عليهم السلام.

ب. المنع؛ لأنّه لم يحدث لفظاً ولا معنى، [لا] تفصيلًا ولا إجمالًا، فلا يجوز العمل به». انتهى

(24) القوانين المحكمة، ج 1، ص 490.

(25) الرعاية، ص 302.

(26) كذا في الأصل، ويُحتمل وجود سقطٍ في المخطوط.

(27) في الأصل: «فكأنّها»، و ما أثبتناه من «مقباس الهداية» ( ج 3، ص 183)، حيث نقل العلّامة المامقاني بعض النصوص‌ عن« توضيح المقال».

(28) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(29) بحار الأنوار، ج 2، ص 145، ح 8، نقله باختصار بعض ألفاظه.

(30) كذا، والظاهر: "فقال".

(31) الكافي، ج 1، ص 42، ح 15.

(32) قد ادّعى هذا السيّد الفاضل حصول العلم العادي له بأنّ كتاب «الفقه الرضوي» هو من تأليف مولانا الرضا (عليه السلام)، على ماحُكيَ عنه في: بحار الأنوار، ج 1، ص 11.