من خطبة لأمير المؤمنين "ع" يحمد اللّه فيها و يثني على رسوله و يصف خلقا من الحيوان
المؤلف:
الشريف الرضي
المصدر:
نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص317-320
2025-03-19
567
حمد اللّه تعالى
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَا تُدْرِكُهُ الشَّوَاهِدُ وَلَا تَحْوِيهِ الْمَشَاهِدُ وَلَا تَرَاهُ النَّوَاظِرُ وَلَا تَحْجُبُهُ السَّوَاتِرُ الدَّالِّ عَلَى قِدَمِهِ بِحُدُوثِ خَلْقِهِ وَبِحُدُوثِ خَلْقِهِ عَلَى وُجُودِهِ وَبِاشْتِبَاهِهِمْ عَلَى أَنْ لَا شَبَهَ لَهُ الَّذِي صَدَقَ فِي مِيعَادِهِ وَارْتَفَعَ عَنْ ظُلْمِ عِبَادِهِ وَقَامَ بِالْقِسْطِ فِي خَلْقِهِ وَعَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي حُكْمِهِ مُسْتَشْهِدٌ بِحُدُوثِ الْأَشْيَاءِ عَلَى أَزَلِيَّتِهِ وَبِمَا وَسَمَهَا بِهِ مِنَ الْعَجْزِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَبِمَا اضْطَرَّهَا إِلَيْهِ مِنَ الْفَنَاءِ عَلَى دَوَامِهِ وَاحِدٌ لَا بِعَدَدٍ وَدَائِمٌ لَا بِأَمَدٍ وَقَائِمٌ لَا بِعَمَدٍ تَتَلَقَّاهُ الْأَذْهَانُ لَا بِمُشَاعَرَةٍ وَتَشْهَدُ لَهُ الْمَرَائِي لَا بِمُحَاضَرَةٍ لَمْ تُحِطْ بِهِ الْأَوْهَامُ بَلْ تَجَلَّى لَهَا بِهَا وَبِهَا امْتَنَعَ مِنْهَا وَإِلَيْهَا حَاكَمَهَا لَيْسَ بِذِي كِبَرٍ امْتَدَّتْ بِهِ النِّهَايَاتُ فَكَبَّرَتْهُ تَجْسِيماً وَلَا بِذِي عِظَمٍ تَنَاهَتْ بِهِ الْغَايَاتُ فَعَظَّمَتْهُ تَجْسِيداً بَلْ كَبُرَ شَأْناً وَعَظُمَ سُلْطَاناً .
الرسول الأعظم
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الصَّفِيُّ وَأَمِينُهُ الرَّضِيُّ صلى الله عليه وآله أَرْسَلَهُ بِوُجُوبِ الْحُجَجِ وَظُهُورِ الْفَلَجِ وَإِيضَاحِ الْمَنْهَجِ فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ صَادِعاً بِهَا وَحَمَلَ عَلَى الْمَحَجَّةِ دَالًّا عَلَيْهَا وَأَقَامَ أَعْلَامَ الِاهْتِدَاءِ وَمَنَارَ الضِّيَاءِ وَجَعَلَ أَمْرَاسَ الْإِسْلَامِ مَتِينَةً وَعُرَى الْإِيمَانِ وَثِيقَةً .
منها في صفة خلق أصناف من الحيوان (في خلق النمل)
وَلَوْ فَكَّرُوا فِي عَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَجَسِيمِ النِّعْمَةِ لَرَجَعُوا إِلَى الطَّرِيقِ وَخَافُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ وَلَكِنِ الْقُلُوبُ عَلِيلَةٌ وَالْبَصَائِرُ مَدْخُولَةٌ أَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى صَغِيرِ مَا خَلَقَ كَيْفَ أَحْكَمَ خَلْقَهُ وَأَتْقَنَ تَرْكِيبَهُ وَفَلَقَ لَهُ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَسَوَّى لَهُ الْعَظْمَ وَالْبَشَرَ انْظُرُوا إِلَى النَّمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا لَا تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ وَلَا بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا وَصُبَّتْ عَلَى رِزْقِهَا تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا وَتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا وَفِي وِرْدِهَا لِصَدَرِهَا مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا لَا يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ وَلَا يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ وَلَوْ فِي الصَّفَا الْيَابِسِ وَالْحَجَرِ الْجَامِسِ وَلَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أَكْلِهَا فِي عُلْوِهَا وَسُفْلِهَا وَمَا فِي الْجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا وَمَا فِي الرَّأْسِ مِنْ عَيْنِهَا وَأُذُنِهَا لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً وَلَقِيتَ مِنْ وَصْفِهَا تَعَباً فَتَعَالَى الَّذِي أَقَامَهَا عَلَى قَوَائِمِهَا وَبَنَاهَا عَلَى دَعَائِمِهَا لَمْ يَشْرَكْهُ فِي فِطْرَتِهَا فَاطِرٌ وَلَمْ يُعِنْهُ عَلَى خَلْقِهَا قَادِرٌ وَلَوْ ضَرَبْتَ فِي مَذَاهِبِ فِكْرِكَ لِتَبْلُغَ غَايَاتِهِ مَا دَلَّتْكَ الدَّلَالَةُ إِلَّا عَلَى أَنَّ فَاطِرَ النَّمْلَةِ هُوَ فَاطِرُ النَّخْلَةِ لِدَقِيقِ تَفْصِيلِ كُلِّ شَيْءٍ وَغَامِضِ اخْتِلَافِ كُلِّ حَيٍّ وَمَا الْجَلِيلُ وَاللَّطِيفُ وَالثَّقِيلُ وَالْخَفِيفُ وَالْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ فِي خَلْقِهِ إِلَّا سَوَاءٌ .
خلقة السماء و الكون
وَكَذَلِكَ السَّمَاءُ وَالْهَوَاءُ وَالرِّيَاحُ وَالْمَاءُ فَانْظُرْ إِلَى الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنَّبَاتِ وَالشَّجَرِ وَالْمَاءِ وَالْحَجَرِ وَاخْتِلَافِ هَذَا اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَتَفَجُّرِ هَذِهِ الْبِحَارِ وَكَثْرَةِ هَذِهِ الْجِبَالِ وَطُولِ هَذِهِ الْقِلَالِ وَتَفَرُّقِ هَذِهِ اللُّغَاتِ وَالْأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَاتِ فَالْوَيْلُ لِمَنْ أَنْكَرَ الْمُقَدِّرَ وَجَحَدَ الْمُدَبِّرَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ كَالنَّبَاتِ مَا لَهُمْ زَارِعٌ وَلَا لِاخْتِلَافِ صُوَرِهِمْ صَانِعٌ وَلَمْ يَلْجَئُوا إِلَى حُجَّةٍ فِيمَا ادَّعَوْا وَلَا تَحْقِيقٍ لِمَا أَوْعَوْا وَهَلْ يَكُونُ بِنَاءٌ مِنْ غَيْرِ بَانٍ أَوْ جِنَايَةٌ مِنْ غَيْرِ جَانٍ .
خلقة الجرادة
وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي الْجَرَادَةِ إِذْ خَلَقَ لَهَا عَيْنَيْنِ حَمْرَاوَيْنِ وَأَسْرَجَ لَهَا حَدَقَتَيْنِ قَمْرَاوَيْنِ وَجَعَلَ لَهَا السَّمْعَ الْخَفِيَّ وَفَتَحَ لَهَا الْفَمَ السَّوِيَّ وَجَعَلَ لَهَا الْحِسَّ الْقَوِيَّ وَنَابَيْنِ بِهِمَا تَقْرِضُ وَمِنْجَلَيْنِ بِهِمَا تَقْبِضُ يَرْهَبُهَا الزُّرَّاعُ فِي زَرْعِهِمْ وَلَا يَسْتَطِيعُونَ ذَبَّهَا وَلَوْ أَجْلَبُوا بِجَمْعِهِمْ حَتَّى تَرِدَ الْحَرْثَ فِي نَزَوَاتِهَا وَتَقْضِيَ مِنْهُ شَهَوَاتِهَا وَخَلْقُهَا كُلُّهُ لَا يُكَوِّنُ إِصْبَعاً مُسْتَدِقَّةً فَتَبَارَكَ اللَّهُ الَّذِي يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَيُعَفِّرُ لَهُ خَدّاً وَوَجْهاً وَيُلْقِي إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ سِلْماً وَضَعْفاً وَيُعْطِي لَهُ الْقِيَادَ رَهْبَةً وَخَوْفاً فَالطَّيْرُ مُسَخَّرَةٌ لِأَمْرِهِ أَحْصَى عَدَدَ الرِّيشِ مِنْهَا وَالنَّفَسِ وَأَرْسَى قَوَائِمَهَا عَلَى النَّدَى وَالْيَبَسِ وَقَدَّرَ أَقْوَاتَهَا وَأَحْصَى أَجْنَاسَهَا فَهَذَا غُرَابٌ وَهَذَا عُقَابٌ وَهَذَا حَمَامٌ وَهَذَا نَعَامٌ دَعَا كُلَّ طَائِرٍ بِاسْمِهِ وَكَفَلَ لَهُ بِرِزْقِهِ وَأَنْشَأَ السَّحَابَ الثِّقَالَ فَأَهْطَلَ دِيَمَهَا وَعَدَّدَ قِسَمَهَا فَبَلَّ الْأَرْضَ بَعْدَ جُفُوفِهَا وَأَخْرَجَ نَبْتَهَا بَعْدَ جُدُوبِهَا .
الاكثر قراءة في التراث العلوي الشريف
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة