1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الأدب

الشعر

العصر الجاهلي

العصر الاسلامي

العصر العباسي

العصر الاندلسي

العصور المتأخرة

العصر الحديث

النثر

النقد

النقد الحديث

النقد القديم

البلاغة

المعاني

البيان

البديع

العروض

تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب

الأدب الــعربــي : الأدب : الشعر : العصر الاسلامي :

الخطابة والدعوة

المؤلف:  د. ابتسام مرهون الصفار

المصدر:  أثر القرآن في الأدب العربي في القرن الأول الهجري

الجزء والصفحة:  ص: 137-142

2025-04-30

73

الخطابة والدعوة:

حين ظهر الإسلام واذن الله جل وعلا لرسوله ان يبشر الناس بمبادئ دين جديد ينقلهم من الظلمات الى النور وقفت قريش بكل ما اوتيت من قوة بوجه الرسول الكريم لتثنيه عن الرسالة العظيمة التي وكل با بلاغها وحاولت جاهدة تشويه المبادئ السامية التي جاء بها ولم يجدها ذلك شيئا اذ استمر الرسول (ﷺ) في طريق دعوته يبلغ من دعاه ويدعو الى سبيل ربه فجندت لذلك قريش قواها وطاقاتها كافة مستعملة القوة والعنف تارة واللين والمخادعة تارة أخرى فعرضت على الرسول(ﷺ) الرئاسة والجاه والمال فأباها لانه ارسل رحمة للعالمين وليس طمعا في جاه أو مال وكان رده (ﷺ) ( والله لو وضعت الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الامر ابدا حتى انفذه او أهلك في طلبه) (1) عند ذلك يئست قريش وراحت تتبع الأسلوب الوحيد الذي بقي امامها أسلوب القوة والبطش والمخادعة فعذبت أصحابه وحالت بينه وبين الناس لئلا يسمعوا حديثه ويتأثروا بما يقوله من كلام رائع بليغ ولم يكن امام الرسول(ﷺ) ألا وسيلة الاقناع والإرشاد يقنع من يراه ويشرح له مبادئ الدين الجديد وكان الشعر والخطابة الوسيلتين الوحيدتين اللتين يمكن للمرء أن يعبر بهما عن آرائه

ويذيعها بين الناس اما الشعر فقد نزه عنه الرسول(ﷺ) ونفت الآيات الكريمة كونه شاعرا (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون) سورة الحاقة 41. فلم تبق الا الخطابة الوسيلة الوحيدة التي يمكن ان يجمع بها الناس حوله ليفهمهم مبادئه ويعرض عليهم امره. وقد استفاد الرسول(ﷺ) منها منذ فجر الدعوة الإسلامية حين خطب في مكة وقريش وقتذاك لم تؤمن بعد يدعوها الى دينه (2). وحين هاجر عليه الصلاة والسلام الى المدينة حيث المرقع الخصب الذي بدأ في ينشر دعوته على نطاق واسع استفاد من الخطابة بشكل واضح فكانت اول خطبة خطبها في المدينة في اول جمعة فيها بدأها بعد الحمد بقوله: أما بعد أيها الناس فقدموا لا نفسكم تعلمن والله ليصعقن أحدكم ثم ليدعن غنمه ليس لها راع ثم ليقولن له ربه وليس له ترجمان ولا حاجب يحجبه دونه: ألم يأتك رسولي فبلغك؟ وآتيتك مالا وافضلت عليك؟ فما قدمت لنفسك؟ فينظرون يمينا وشمالا فلا يرى شيئا ثم لينظرن قدامه فلا يرى غير جهنم....) (3) وهكذا بدأ الرسول (ﷺ) حياته في المدينة داعيا وموجها امته الى تعاليم الدين الجديد ويلاحظ في هذه الخطبة حين يبعث فيها أسلوب الترهيب والتخويف واصفا حال الانسان حين يبعث يوم القيامة ويحشر مع اعماله التي يحاسب عليها وهذا الأسلوب هو نفسه الذي اعتمدت عليه الآيات المكية

الأولى حيث عمدت الى الترهيب والترغيب من عذاب النار ونعيم الجنة وفي الخطبة الثانية التي خطبها في المدينة عدة تعاليم إسلامية تأمر الناس الالتزام بها وبدأ بالقرآن الكريم وحث الناس على قراءته وتفهم معانيه والعمل بما هو فيه وان يتقوا الله حق تقانة بالعمل الصالح ونشر المحبة بين الناس قال(ﷺ) (أن احسن الحديث كتاب الله تبارك وتعالى قد افلح من زينه الله في قلبه وادخله في الإسلام بعد الكفر واختاره على ما سواه من احاديث الناس انه احسن الحديث وابلغه احبوا ما احب الله احبوا الله من كل قلوبكم ولا تملوا كلام الله وذكره ولا تقس عنه قلوبكم..)(4) وهكذا استمر الرسول(ﷺ) ينهج نهج المعلم الموجه لامته واتخذ من الخطابة وسيلة لتعليم الناس فكان عليه الصلاة والسلام اذا جد امر من الأمور او نزلت الأوامر السماوية بمبادئ وتعاليم جديدة جمع الناس وخطب فيهم وبين لهم ما أوجبه الله عليهم ففي السنة الثانية للهجرة امر الرسول(ﷺ) بإخراج زكاة الفكر وقيل انه خطب الناس قبل عيد الفطر بيوم او يومين وامرهم بذلك(5) وخطب مرة أخرى وبين للناس ان الله قد افترض عليهم الجمعة وأنه من تركها وله امام فلا جمع الله له شمله ولا بارك له في امره ولا حج ولا صوم ولا زكاة له(6).

وقد يقف عليه الصلاة والسلام واعظا مذكرا أيام بالموت والفناء الذي لا يلحق الانسان فيه ألا اعماله حيث الحساب والثواب او العقاب روى عبد العزيز بن عبد الصمد عن ابان بن انس قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقته الجدعاء فقال: أيها الناس كأن الموت فيها على غيرنا قد كتب وكأن الحق فيها على غيرنا وقد وجب وكأن الذين نشيع من الأموات سفر عما قليل راجعون نبوؤهم اجداثهم ونأكل من تراثهم كأنا مخلدون بعدهم قد نسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة طوبى لمن شغله عيبه عن عيب غيره وانفق من مال كسبه من غير معصية ورحم اهل الدين والمسكنة وخالط أهل الفكر والحكمة (7) وحين شاع حديث الافك ولاكت الالسن به كان لا بد للرسول (ﷺ) ان يواجه الناس بالحقيقة وان يعلمهم ما استقر عليه من الرأي فخطب فيهم وتحدث عما دار بين الناس فقال: (والله ما علمت فيهم ألا خيرا ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه الا خيرا وما يدخل بيتا من بيوتي ألا وهو معي) (8)ثم خطب مرة اخرة حين نزلت الآيات الكريمة ببراءة السيدة عائشة ليعلن هذا الخبر للناس جميعا(9). وحين فتح المسلمون مكة وصدق الله وعده بنصرهم واعلاء كلمتهم وقف الرسول (ﷺ) على باب الكعبة ثم قال (لا إله

إلا الله وحده لا شريك له صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده إلا كل مأثرة أو دم أو مال يدعى فهو تحت قدميها تم الا سدانة البيت وسقاية الحاج والناس من آدم وآدم خلق من تراب ثم تلا يا أيها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) (10) واطمأنت نفوس الناس حين سمعوا خطبة الرسول (ﷺ) وما ذكره من مثل سامية فلما سألهم الرسول(ﷺ) يا معشر قريش ما ترون اني فاعل بكم؟ قالوا خيرا اخ كريم وابن اخ كريم قال اذهبوا فانتم الطلقاء (11) وقيل انه قال لهم: أقول لكم كما قال اخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو ارحم الراحمين (12) وفي هذه الخطبة التي تمثل دعوة الرسول(ﷺ) الى العفو عمن اذاه واصحابه نجد انه (ﷺ) قد استغلها أيضا لخدمة صالح الدعوة وترسيخ مبادئها في نفوسهم حين اكد المساواة الإنسانية التي جاء بها القرآن الكريم وعزز ذلك بتمثله بآيات الذكر الحكيم ليزداد تأثير خطبته في نفوسهم وقيل ان أول خطبة للرسول (ﷺ) بمكة هي خطبته التي يقول فيها(والله الذي لا إله إلا هو إني لرسول الله اليكم خاصة والى الناس كافة والله لتموتن كما تنامون...)(13) وقد ذكرنا ان هذه الخطبة خطبها في مكة  قبل هجرته(ﷺ) وقبل ايمان الناس بدعوته ومن الجائز انه عليه الصلاة والسلام قد أعاد ذكر عباراته في خطبته عند فتح مكة ليؤكد نفس المعاني التي دعا اليها أول دعوته فقيل عنها انها أولى خطبة له بعد فتح مكة. وفي سنة عشر للهجرة حج الرسول(ﷺ) ثم خطب الناس خطبته المشهورة بخطبة الوداع وفيها بين للناس مناسكهم واعلمهم سنن حجهم ولخص لهم مبادئ دينهم وما عليهم من واجبات وانه عليه الصلاة والسلام قد شعر بدنو أجله وقرب نهايته فرأى أن يوصي الناس ويعلمهم مبادئ دينهم ويؤكد مثل الدعوة الإسلامية فلم يجد احسن من موسم الحج موسما لاجتماع الناس يخطب فيهم جميعا. ومن هنا فقد كانت خطبته عبارة عن نصائح وتأكيدات للالتزام بمبادئ الإسلام وكان (ﷺ) يكرر بين فقرة وأخرى قوله ألا هل بلغت؟ فيقول الناس نعم فيقول اللهم اشهد (14). ولما مرض الرسول(ﷺ) في مرضه الذي لاقى به ربه دعا أسامة بن زيد بن حارثة وقال له: سر الى مقتل ابيك فاوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش وان اظفرك الله بالعدو فاقلل اللبث وبث العيون وقدم الطلائع فلم يبق احد من وجوه المهاجرين والانصار ألا كان في ذلك الجيش فتكلم قوم وقالوا:

يستعمل هذا الغلام على جلة المهاجرين والانصار فغضب الرسول وخرج الى المسجد وصعد المنبر وهنا يتضح دور الخطابة إضافة الى خدمتها لمبادئ الدعوة اذ انها تشكل وسيلة من وسائل الإعلان والاخبار بأمر من الأمور صعد رسول الله (ﷺ) المنبر وعاتب الناس على مقالتهم فقال: أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة لئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري اباه من قبله وايم الله ان كان لخليقا بالامارة وابنه من بعده لخليق بها وانهما لمن احب الناس الي فاستوصوا به خيرا فانه من خياركم وانهما لمن احب الناس الي فاستوصوا به خيرا فانه من خياركم ثم نزل ودخل بيته وجاء المسلمون يودعون رسول الله (ﷺ) ويمضون الى عسكر أسامة (15) وهكذا خدمت الخطابة الدعوة الإسلامية منذ فجرها حتى وفاة الرسول (ﷺ) وكانت الوسيلة الناجحة التي يبلغ بها الرسول مبادئ دعوته للناس وينشرها على نطاق واسع كما استخدمت الخطابة وسيلة من وسائل الإعلان لتبليغ الناس امرا من الأمور أو مفاتحتهم بما يستجد من الاحداث.  

 

 

 

________________

1-انساب الاشراف 1: 230

2-الكامل لابن الاثير 2: 24

3-سيرة النبي 1: 500 تاريخ الطبري 2: 255 الكامل لابن الاثير 2: 255

4-السيرة 1: 501

5- تاريخ الطبري 2: 266

6- اعجاز القرآن : 129

7-ادب الدنيا: 92

8- السيرة 2: 300 تاريخ الطبري 3: 70

9- ن. م.

10-السيرة 2: 412 تاريخ الطبري 3: 120 اعجاز القرآن: 132

11- ن. م.

12- البيان والتبين2/ 30

13- السيرة 1: 272 الكامل لابن الاثير 2/ 24

14-الطبقات الكبرى ج1ق2: 124 السيرة 2: 604

البيان والتبين 2: 31 تاريخ الطبري 3: 168 العقد الفريد 4: 57 اعجاز القرآن: 130 شرح نهج البلاغة 1: 115 ط. بيروت.

15-تاريخ الطبري 2: 191 الكامل لابن الاثير 2: 131

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي