الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
تأثير الطعام الطيب
المؤلف:
السيد حسين نجيب محمد
المصدر:
الشفاء في الغذاء في طب النبي والأئمة (عليهم السلام)
الجزء والصفحة:
ص62ــ68
2025-05-18
9
إنَّ الطعام الطيب - أي الحلال الطاهر المفيد ــ يحتوي على طاقة عالية تساهم في قوَّة الإنسان ونشاطه الرُّوحي والعقلي والجسدي، ولذا جاء الأمر الإلهي إلى الرسل بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51].
وفي هذا دليل على ارتباط الطعام الطيب بالعمل الصالح، وقال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 69].
وقال تعالى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه: 81].
يروى عن أم عبد الله أخت شداد بن أوس أنها بعثت إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بقدح لبن عند فطره وهو صائم فرد إليها رسولها: أنَّى لك هذا اللبن؟ قالت: من شاة لي فردَّ إليها رسولها: أنَّى لك الشاة؟ فقالت: اشتريتها من مالي فشرب منه.
فلما كان من الغد أتته أم عبد الله فقالت: يا رسول الله! بعثت إليك بلبن فرددت إليَّ الرسول فيه! فقال لها: بذلك أُمرت الرسل قبلي أن لا تأكل إلا طيباً ولا تعمل إلا صالحاً(1).
وفي الرواية أنَّه بينما كان الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) معتقلاً في سجن المنصور الدوانيقي، لا يتناول فيه من الطعام إلا القليل، جاءت السجن يوماً امرأة من النساء الصالحات، توالي أهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) وهي تحمل للإمام رغيفين من الشعير صنعتهما من وجه شرعي فبعثتهما إليه على يد السجَّان.
أخبر السجّان الإمام (عليه السلام) بأنَّ الصالحة فلانة وهي من الموالين له قد أهدته هذين الرغيفين وهي تقسم بحلية وجههما وتلتمس الإمام أن يتناولهما.
رفض الإمام (عليه السلام) الهدية وأعادها إلى المرأة لأنها بعثته إليه على طبق حرام (ويقصد على يد السجان)(2).
ومن فوائد وآثار الطعام الطيب أنَّه يجعل في الإنسان صفاءً روحياً خاصاً بحيث يصير من أهل الكشف من بواطن الأمور، ولذا يُحكى أنه كان يعيش في أحد الأرياف القريبة من مدينة (رشت) الواقعة في شمال إيران رجل مؤمن تقي يكتسب قوته من زراعة المحاصيل في أرضه الزراعية. اعتاد هذا الرجل المؤمن أن يخرج الحقوق الشرعية من دخله ليدير دفة معيشته بما تبقى منه. كان يأبى الطعام ما حرم منه وما اشتبه عليه أمره، وتراه دوماً منهمكاً بعبادة ربه وأداء الحسنات مما آل إلى تطبعه بطابع روحي خاص وصفاء نفسي فريد كشف الحجب عن بصيرته.
ذات يوم برزت لديه الحاجة إلى الاستفتاء حول شأن من الشؤون الدينية فترك قريته يقصد المدينة التي وصلها عند الظهر فحضر صلاة الجماعة في أحد المساجد بمدينة (رشت) لأداء فريضة الظهر ثم زار أحد معارفه من علماء المدينة في داره.
سأل الرجل مضيفه بعد الاستفسار عن صحته وأحواله: سيدي، إنني لم أر في مدينتكم أناساً في هذا اليوم إلا القليل منهم إذ لم تبصر عيناي مهما أجلت النظر سوى حيوانات من قبيل: الأبقار، الحمير، الثعالب، والذئاب.
تنبه العالم فوراً لوضعه الروحي فسأله:
هل تناولت طعاماً؟
أجاب: لا.
دفع العالم بشيء من النقود إلى خادمه وأمره أن يحضر له طعاماً من السوق رغم توفر الطعام في داره تناول الضيف طعامه وجلس بعد ذلك إلى العالم هنيهة يتبادلان الحديث بعد أن استفسر عن مسألته الدينية وأتاه الجواب الوافي عنها ثم نهض وانصرف.
ولما جاء السوق رأى الناس على حالتهم الإنسية فعاد إلى الدار وأخبر العالم الديني بما رأى.
شرح له العالم الديني أنَّ الله قد تفضل عليه ووهبه القدرة على تبصر الحقيقة مثوبة له على إيمانه وورعه عن تناول الحرام والمشتبه الوجه من الطعام وعلى اهتمامه بتطبيق الأحكام الشرعية، ولهذا فإنه يرى الناس على حقيقتهم فيبصر المحتال ثعلباً والظالم ذئباً، وهكذا سائر الناس. إنَّ هذا الفضل الإلهي نزل عليه إثر انكبابه على عدم تناول ما لا يحل وجهه من الطعام. وأما هذه الكرة فقد أبصر الناس بظاهرهم الإنسي لأنه تناول طعاماً مشبوه الحلية أعد له من السوق فسلبه صفاء نفسه وأخفت نور قلبه لبرهة وعليه أن يقتصر كما اعتاد على تناول الزاد الحلال فتعوف نفسه كحاله إلى الآن الطعام الحرام ليعود إلى ما كان عليه ثانية(3).
موهبة إلهية عظمى تتأتى من تجنب أكل الحرام
إنَّ حكاية حفظ القرآن الكريم من قبل الملا «كاظم» ـ والتي تعتبر إحدى المعجزات الإلهيَّة - وردت في الكثير من الكتب والمنشورات الأخرى ضمن مقالات وأبحاث.
كان الملا (كاظم) يعمل مزارعاً في قرية ساروق بمدينة «فراهان بأراك»، زار مدينتهم ذات مرة رجل من علماء الدين لتبيين أحكام الدين وشؤون الحرام والحلال فأخذ يخطب فيهم ويتحدث إليهم عن المسائل الشرعية الخاصة بالخمس والزكاة. وأوضح لهم أنَّ القمح فيما لو بلغ النصاب يستوجب دفع الزكاة للفقراء، ومن لم يفعل اختلط الحرام بماله. ولما كان محمد كاظم يعلم أن صاحب الأرض التي يعمل فيها ليس من الزمرة المؤدية للزكاة ولحقوق الفقراء فكر بأن ماله مختلط بالحرام وأنه هو يدير شؤون حياته بمال حرام أو مشتبه فيه. فأوضح لصاحب الأرض مسألة دفع الزكاة دون أن يجد لديه أذن صاغية، ولهذا قرر محمد كاظم أن يهجر تلك القرية، ليشتغل في مكان آخر ينال عن عمله فيه أجراً من مال حلال طيب. وهكذا عاش عدة سنوات بعيداً عن قريته حتى طلبوا منه العودة إليها حيث كرسوا له قطعة أرض ومقداراً من القمح ليستقل في عمله بالزراعة، فما كان منه إلا أن يقسم نصف القمح بين الفقراء وبذر نصفه الأخير في الأرض. فبارك الله له في محصولها حيث حصد منها ما زاد عن المقدار المألوف. ومنذ تلك السنة قرر أن يقسم نصف محصوله بين الفقراء.
ذات سنة وبينما كان يعرض السنابل المحصودة بعد دقها، للهواء بهدف عزل قشورها سكنت الرياح قرب الظهيرة واشتد الحر فعجز عن مواصلة العمل واضطر للعودة إلى داره وفي الطريق التقى أحد الفقراء، فسأله الرجل: لقد نسيت أن تدفع لنا شيئاً من قمحك في هذه السنة. فأجابه محمد كاظم كلا لم أنس لكنني لم أجمع المحصول بعد. فرح الرجل وعاد أدراجه إلى القرية لم يهدأ بال محمد كاظم فعاد إلى الحقل وبذل مساع كبيرة لجمع مقدار من القمح حمله إلى ذلك الفقير.
ثم جمع مقداراً من الأعشاب لخرافه. حمل القمح والأعشاب على كتفه وسار نحو القرية ولما وصل المرقد المعروف بمرقد (الاثنين والسبعين) شخصاً وهو مرقد عدد من أحفاد الأئمة (عليهم السلام). جلس على مصطبة عند بوابة حديقة المزار طلباً للراحة ووضع القمح والأعشاب جانباً، عندئذ شاهد شابين وسيمين يلفت جمالهما الأنظار وهما يقتربان منه، وقالا: ألا تصحبنا إلى داخل المزار لنقرأ دعاء ما. أجاب محمد كاظم أريد العودة إلى بيتي لآخذ هذه الأعشاب، إلا أنَّهما ألحا عليه بالقول:
حسناً، لندخل ونقرأ سورة الفاتحة على الأقل فتوجها نحو الضريح ومحمد كاظم يتبعهما دخلوا المزار وقرأوا سورة الفاتحة ثم توجها نحو الضريح الآخر. ولما اقترب منهما سمعهما يقرأن أشياء لا يفهمها. في هذه الأثناء أبصر محمد كاظم كلمات وضاءة زينت بها أطراف سقف المزار قال له أحد الشابين ولم لا تقرأ شيئاً؟! يقول محمد كاظم: لم أحضر الكتاب أبداً ولا أجيد القراءة والكتابة. أردف: لا بدَّ أن تقرأ ثم ضغط بيده على صدر محمد كاظم وهو يقول: إقرأ الآن ومحمد كاظم يجيب ماذا أقرأ؟ يقرأ الرجل آية ويطلب منه أن يقرأ مثله ثم يقرأ محمد كاظم الآية ولما فرغ من قراءتها التفت إلى الرجل ليقول شيئاً أو يسأل عن شيء ما. ولكنه لم يجد أحداً إلى جانبه فقد كان وحيداً في المزار وفجأة أصيب بحالة خاصة أدت إلى وقوعه على الأرض مغشياً عليه.
عندما أفاق محمد كاظم كان يشعر بإرهاق شديد وراح يفكر: أين هو الآن؟ ثم خرج من المزار وحمل القمح والأعشاب ثم سار نحو القرية إلا أنه لاحظ في الطريق أنه يقرأ بعض الأشياء ثم تذكر قصته مع الشابين وتنبه إلى أنه يحفظ القرآن كله.
ولما التقى الناس سألوه أين كان؟ فلم يجبهم. توجه على الفور للقاء الحاج صابر أراكي وكان إمام جماعة المسجد، وقص عليه حكايته. أجاب الرجل: قد تكون حلمت؟ أو تراءى لك ذلك؟! ومحمد كاظم يقول: كلا لقد كنت مستيقظاً وبتمام وعيي وقد قصدت المزار بنفسي وبرفقة الرجلين وحدث لي كذا وكذا وأنا الآن أحفظ القرآن كله. أحضر الحاج صابر الأراكي مصحفاً وسأله عن آيات مختلفة وعن بعض السور الكبرى فوجده يحفظها عن ظهر قلب.
اجتمع سكان القرية حول الحاج صابر ليعلن لهم عن رأيه في الأمر، فقال لهم بعد إجراء الاختبارات المختلفة وبلكنتهم المحلية: لقد نال الفلاح وحدث له أمر هام حيث أفيض عليه بموهبة كبرى.
هذه هي حكاية الملا كاظم الساروقي وأثر اجتناب مال الحرام والمعصية والاهتمام بالتعاليم الدينية في فوزه بالعناية الربانية، فصار يحفظ القرآن ويقرأه حتى نهاية عمره اتسم حفظه للقرآن بطابع عجيب فقد كان يقرأ كل آية تطلب منه دون ترو ثم يردفها بقراءة ما قبلها وما بعدها إضافة إلى عثوره الفوري على الآية بمجرد فتح القرآن.
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة: 54].
عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام): ((طوبى لمن اكتسب من المؤمنين مالاً من غير معصية، وأنفقه في غير معصية، وعاد به على أهل المسكنة))(4).
___________________________
(1) الدر المنثور، المجلد 6، ص 102 ونقلاً عنه ميزان الحكمة، المجلد 3 ص168.
(2) لطائف الطوائف، ص 44.
(3) مفاسد الحرام: ص 239.
(4) تحف العقول، ص28.