المسلمون واستخدام عنصر التركي في أجهزة الدولة
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 17 ــ 20
2025-06-03
627
اهتم المؤرخون المسلمون بالحديث عن العنصر التركي منذ بداية القرن الثالث الهجري/ التاسع الميلادي، على الرغم من أن العلاقات المباشرة بين المسلمين والأتراك ابتدأت منذ الفتوح الإسلامية الأولى في عهد الخلفاء الراشدين.
وكان الأمويون أول من استقدم الأتراك من بلادهم بعد اعتناقهم الإسلام واستخدموهم في الجيوش وفي أجهزة الدولة، فقد نقل الوالي الأموي عبيد الله بن زياد ألفين من سبي بخاري إلى البصرة وأسكنهم في مكان يُقال له البخارية، وهي سكة بالبصرة (1).
وانضم الكثير من الجنود الأتراك إلى جيوش المسلمين أثناء الفتوح، كما استعان القادة العرب، فقد شكل سعيد بن عثمان، والي معاوية بن أبي سفيان على خراسان، جيشاً من سكان بلاد ما وراء النهر من الأتراك (2).
واستخدم الأمويون الكثير من الجواري والغلمان الأتراك للعمل في قصور الخلفاء، ونجد بعض الجواري محظيات لدى الخلفاء من ذلك أن الخليفة الأموي يزيد بن الوليد بن عبد الملك كانت أمه محظية لدى الوليد (3).
وبعد استقرار الدولة العباسية في عهد أبي جعفر المنصور (136 - 158هـ / 754 - 775م)، برز عدد من الشخصيات التركية الذين كان عددهم يزداد شيئاً فشيئاً بتوافدهم على دار الخلافة واستخدمهم الخلفاء العباسيون في العصر العباسي الأول في قصورهم وائتمنوهم على أسرارهم، وأسندوا إليهم أمر سلامتهم الشخصية، وقرب هذا الخليفة حماداً التركي ووثق به وجعله من خاصته وأمناء سره وائتمنه على أسرار سجلات الدولة (4).
وتبوأ مبارك التركي منصباً رفيعاً في قيادة الجيش، وقام بدور بارز في القضاء على ثورة الحسين بن علي بن الحسن في معركة فخ في عام (169هـ / 786م) (5)، واستخدم المهدي (158 - 169هـ / 775 - 785م) عدداً من الأتراك في قصوره، مثل شاكر التركي وفرج الخادم ويحيى بن داوود الخرسي وأدى الجند الأتراك في عهده دوراً بارزاً في حرب الخوارج بقيادة عبد السلام اليشكري في عام (160هـ 776م) في باجرما (6).
ودخل الكثير من ملوك الأتراك في طاعة العباسيين منذ عهد الخليفة المهدي مثل ملوك كابل وطبرستان والصغد وطخارستان والخرلخية وسجستان وغيرهم، ولا شك بأن هؤلاء كانوا يُرسلون بعضاً من أتباعهم ليعملوا في خدمة الدولة العباسية.
وبرز في عهد الخليفة الهادي (169 - 170 هـ / 785 - 786م) مبارك وحماد التركيان، وتوسع الخليفة هارون الرشيد (170 - 193هـ / 786 - 809م) في استخدام الأتراك في قصوره ودوائره وجيشه، فكان أبو سليم فرج الخادم التركي، أحد قادة جيشه، وقرَّب مسروراً الخادم ووثق به فأسند إليه أعمال البريد والإخبار، وخلفه في عمله ثابت الخادم (7) ، ونذكر فرج الرخجي كأحد القادة الأتراك البارزين في عهد الرشيد وقد قلده الأهواز (8)، كما كان للأتراك دور فعال في القضاء على ثورة الوليد بن طريف الشاري، وقد قتله يولبا التركي (9).
وضمت حاشية الرشيد بعض الأتراك، واستخدم الجواري من فرغانة (10)، وأشروسنة (11) وغيرهما، وأضحى بعضهن، محظيات مثل ماردة بنت شبيب والدة المعتصم، وتُعد من أحظى النساء لدى هارون الرشيد وهي تركية (12).
وتوسع الخليفة المأمون (198 - 218 هـ / 813 - 833م) في استخدام الأتراك في قصوره وجيوشه واستقدمهم من بلاد ما وراء النهر بعد أن دخلوا في الإسلام، وازدحمت وفودهم على بابه (13)، ووصل بعضهم إلى مناصب قيادية مثل طولون والد أحمد، والمعروف أن أحمد أسس دولة لأسرته في مصر هي الدولة الطولونية، وهو من قبيلة التغزغز التركية (14). وعيَّن المأمون كاوس التركي أميراً على أشروسنة ويُعد ابنه الأفشين حيدر من كبار القادة وأحد الذين قدموا خدمات جليلة للدولة بما قاموا به من قمع العديد من الثورات.
وبويع المعتصم بالخلافة في ظل الصراع العنيف بين العرب والفرس، وقد فَقَدَ ثقته بالعرب نظراً لتقلبهم واضطرابهم وقيامهم ضد الخلفاء، بالإضافة إلى أنهم فقدوا كثيراً من مقومات قوتهم السياسية والعسكرية كما ساءت علاقة العباسيين، بعامة، بالفرس بفعل تعارض سياسة الطرفين واستحالة التوفيق بين تطلعات الفرس نحو الاستقلال ومصالح العباسيين بالإضافة إلى قيام الفرس بثورات مناهضة للحكم العباسي.
حملت هذه المعطيات الخليفة المعتصم على أن يوكل أمر سلامته الشخصية إلى فرقة من العنصر التركي، وقد توافقت طباعة النفسية وصفاته الجسدية، من حيث القوة والشجاعة ومتانة الجسم، مع صفات أخواله الأتراك كأمة عنيفة محاربة شديدة البأس، وأصبح الحرس التركي يمثل دعامة من دعائم الخلافة أيام حكمه، ثم استخدم الأتراك في الجيش على نطاق واسع وجعلهم تحت إمرة قادة منهم، وبنى لهم مدينة سامراء وأسكنهم فيها.
وصل الأتراك إلى دار الخلافة في بغداد بإحدى الطرق التالية: الأسر في الحروب الشراء الهدايا التي كان يرسلها ولاة الأقاليم في بلاد ما وراء النهر على شكل رقيق إلى الخليفة الهجرة باتجاه الغرب نحو الأراضي الإسلامية والدعوة والتجنيد.
..............................................
(1) الحموي ج 1 ص 355، 356.
(2) اللميلم، عبد العزيز محمد نفوذ الأتراك في الخلافة العباسية وأثره في قيام مدينة سامراء، ج1 ص 200.
(3) الطبري: جـ 6 ص 476.
(4) المصدر نفسه: ج8 ص 103.
(5) الحموي: جـ 5 ص 51. فخ: إحدى ضواحي مكة.
(6) العصفري، خليفة بن خياط تاريخ خليفة بن خياط ص292، وباجرما: قرية من أعمال البليخ قرب الرقة من أرض الجزيرة الحموي: ج1 ص313.
(7) الجهشياري، محمد بن عبدوس: كتاب الوزراء والكتاب، ص 265.
(8) المصدر نفسه والأهواز هي خوزستان، وتتألف من سبع كور بين البصرة وفارس الحموي: ج 1 ص 284 - 285.
(9) الطبري: جـ 8 ص 256.
(10) فرغانة مدينة وكورة واسعة في بلاد ما وراء النهر متاخمة لبلاد تركستان الحموي: ج1
ص 253.
(11) أشروسنة بلدة كبيرة في بلاد ما وراء النهر من بلاد الهياطلة بين نهر سيحون وسمرقند.
المصدر نفسه: ج1 ص197.
(12) ابن الأثير: جـ 6 ص 76.
(13) البلاذري، الإمام أبو الحسن فتوح البلدان، ص 418.
(14) بارتولد ص 51.
الاكثر قراءة في الدولة الاموية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة