ضعف الوزراء وأثره على وضع الخلافة
المؤلف:
أ.د. محمد سهيل طقوش
المصدر:
تاريخ السلاجقة في خراسان وإيران والعراق
الجزء والصفحة:
ص 21 ــ 22
2025-06-03
574
شهد عهد الخليفة المقتدر (295) - (320هـ / 908 - (932م) تدهور مركز الخلافة والوزارة معاً على الرغم من أن الوزير كان في بداية عهده يتدخل بقوة في تعيين الخليفة، واتسم هذا العهد بسرعة تعيين وعزل الوزراء تبعاً لرغبات سيدات القصر والحاشية وبخاصة والدة المقتدر، حتى بلغ عدد الوزراء اثني عشر وزيراً كانت مدة حكم كل منهم قصيرة.
واستمرت في عهد الخليفة الراضي (322 - 329هـ / 934 - 940م) كثرة تعيين وعزل الوزراء نتيجة تدخل الغلمان والأتراك بالإضافة إلى عجز الوزير عن توفير الأموال اللازمة لنفقات الأتراك وقصور الخليفة وكان مصيره القتل أو المصادرة أو العزل والواقع أنه ساد تلك المرحلة الاضطراب والفتن المتنقلة في الداخل والخارج، واستشرى الفساد في الشؤون الإدارية ما أدى إلى عجز الوزراء عن تأمين النفقات المطلوبة منهم، لذلك بذل هذا الخليفة محاولة أخيرة لإنقاذ الخلافة تناولت مركز الخلافة والوزارة ووضع الأتراك، انتهت بظهور منصب أمير الأمراء الذي متقلده على مقاليد الحكم، وامتدت صلاحياته إلى الضرائب والإدارة، فهيمن على الخلافة حتى أضحى الخليفة مجرد رمز ولم يعد له من صلاحيات فعلية في ممارسة الحكم، وأزال نفوذ الوزراء، وتوقف الصراع بين الخلافة والأتراك الذي شغل جانباً كبيراً من العصر العباسي الثاني.
ابتدأ هذا المنصب بالظهور في عام (324هـ / 936م) على حساب منصب الوزارة، ذلك أن الخليفة الراضي استعان في إدارة شؤون دولته بوزراء كانوا ضعافاً عجزوا عن النهوض بأعباء الوزارة، وفقدوا ما كان لهم من نفوذ حتى أصبحوا عُرضة للتنكيل والمصادرة ومن جهة أخرى، تراجع نفوذ الأتراك بفعل التفكك الذي ساد بينهم والتنافس على مركز الصدارة، وتفسي الحسد بين قادتهم.
شعرت الخلافة نتيجة هذه الأوضاع المتردية، بضعف الوزراء، وبعجز الأتراك، وبفراغ الخزانة، فأخذت تتطلع إلى حكام الإمارات القريبة من العراق لتستعين بهم على إنقاذ الموقف الذي بلغ درجة خطيرة من التدهور فاستدعى الخليفة الراضي محمد بن رائق أمير واسط والبصرة، وسلَّمه مقاليد الأمور، وأطلق يده في سلطات الدولة كلها ولقبه أمير الأمراء، وهذا المنصب هو عبارة عن نقل كل سلطات الخليفة إلى قائد تتوفر فيه صفات الرئاسة المدنية والقيادة العسكرية (1)، .... ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها والحكم في جميعها لابن رائق ليس للخليفة حكم (2)، وتوزعت الأطراف على أمراء متغلبين غير أن منصب أمير الأمراء أضحى عُرضة للتنافس بين الأمراء فَفَقَدَ الغاية التي أنشئ من أجلها.
والواقع أن الخلافة لم تستفد من هذا النظام الذي أنشأه الراضي لانتشال الخلافة من عثرتها، بل ازدادت أوضاعها سوءاً، وأن من يستقصي عهد الراضي والمتقي والمستكفي يجده عبارة عن سلسلة نزاعات لا تنقطع بين رجال الدولة العباسية الذين عمل كل منهم على الاستئثار بالسلطة وتولي إمرة ،الأمراء، وكانت هذه المآسي نتيجة حتمية لتلك الثغرة العميقة التي أوجدها الأتراك منذ أيام المعتصم، وما زالت تتسع حتى انهار البنيان وساد الخوف والذعر وأصبحت الأموال نهباً للطامعين، وفسدت الحياة، وطغت النزاعات المذهبية، واندلعت الفتن والثورات، وتجددت أطماع البيزنطيين فجدَّدوا غاراتهم على بلاد الشام، وهكذا كانت الخلافة العباسية تواجه خطرين عنيفين هما خطر الانقسامات الداخلية، وخطر الغارات الخارجية، وقامت الإمارات الانفصالية في ظل هذه الظروف.
...........................................................
(1) مسكويه، أبو علي أحمد بن محمد تجارب الأمم، جـ1 ص 351، 352. إنه يُحدّد صلاحيات أمير الأمراء.
(2) ابن الأثير: جـ 7 ص 53، 54.
الاكثر قراءة في الدولة الاموية *
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة