التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
بداية عهد نقطانب الثاني
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج13 ص 261 ــ 267
2025-06-16
22
حكم نقطانب الثاني ثماني عشرة سنة (راجع( Unger Chronologic des Manetho: — على حسب ما ذكره مانيتون — وهذا يتفق تمامًا مع ما جاء على الآثار في نقش في معبد إدفو.
لا نزاع في أن هرب الملك «تاخوس» إلى بلاط ملك الفرس، كان خدمةً جليلة لتوطيد عرش «نقطانب»، ومن ثم أخذ موقفه باطراد يظهر العداء لملك الفرس، وذلك على حسب التقاليد الموروثة في هذه الفترة مِن تاريخ «مصر» ونِضالها مع الفرس، والواقعُ أن وُقُوف الهجوم الذي قام به المصريون في عهد «تاخوس» على الملك العظيم «منمون» الفارسي لم يكن معناه — بأية حال — عقد اتفاق صامت مع الفرس، بل كان يرجع سببُهُ إلى ما حدث في «مصر» من فتن ومشاغبات جديدة — من جهة — وبسبب السياسة المالية القاسية التي كان قد اتبعها الملك «تاخوس».
هذا، ولم تفقد مصر شيئًا من استقلالها، غير أنها انطوتْ على نفسها كما كانت في عهد «نقطانب» الأول، وعلى أية حال نَلحظ أنَّ فرار «تاخوس» لم يقض على كل خطر كان يُهدد سيادة «نقطانب» الثاني؛ وذلك أنه على أثر فرار «تاخوس» قام مُدَّعٍ جديد لملك الكنانة في «منديس» وأعلن الحرب الأهلية على الملك الجديد «نقطانب» الثاني، (Plut. Ages. 38).
ويتساءلُ الإنسانُ الآن: هل قام هذا المدعي بهذه الثورة لأطماعٍ شخصيةٍ، أو أنه عاد يُطالِب بعرش الأُسرة المنديسية الثانية، وهي الأسرة التي طُردت من الملك عام 379ق.م؟ والواقع أن هذا الادعاء كان جائزًا، وتَدُلُّ شواهدُ الأحوال على أن هذا المدعي قد أراد أن يفيد من التغير الذي وقع حديثًا في عرش «مصر»، وقد أفلح فعلًا في جمع جيشٍ قوامُهُ مائة ألف مقاتل،
(راجع (Plut. Ages. 38; Diod XV. 93, 2:.
ثم زحف على جنود «أجيسيلاس» و«نقطانب» الثاني، ولدينا روايتان عن موقف هذين الملكين وما أَحَسَّا به عند اقتراب جيش الثائر المنديسي المدعي للملك، والأسباب التي دعتْهما إلى عدم مُنازَلته في العراء، فالروايةُ الأُولى هي ما ذكره لنا «ديودور» (وقد أخطأ في قوله: إنه الملك «تاخوس»)، وقد قال لنا إن الفرعون قد فزع وتحاشى فكرة الالتجاء إلى السلاح، ولكن «أجيسيلاس» نصحه بأن يثق بنفسه وألا يجزع، ولكن «نقطانب» حين وجد نفسه غيرَ قادر على التغلُّب على ما أصابه مِن فَزَع وذُعْر تقهقر بجيشه وتبعه «أجيسيلاس» إلى داخل موقع هام وهناك حاصره العدو، (Diod. XV. 93, 2).
والرواية الثانية ما قصه علينا «بلوتارخ» فيقول على عكس ما قاله «ديودور»: إن «نقطانب» كان مملوءًا ثقة، وقد أظهر كُلَّ احتقار لجيش المدعي الذي كان في الواقع عديدًا، غير أنه كان قد جند بمحض الصدفة، ويتألف من صناع ليس لهم خبرةٌ بالحرب وفنونها، وكان «أجيسيلاس» خائفًا مِن أن عدم الدراية قد تربك العدو، ولا تجعل الإنسان يعرف حيلة يقضي بها عليه، )راجع: Plut. Ages. 38).
وفي نهاية الأمر نجد أن «أجيسيلاس» هو الذي ينصحُ «نقطانب» بالمجازفة بالحرب، وأن «نقطانب» يَتَنَصَّلُ من الدُّخُول بنفسه في واقعة للأسباب التالية: وهي أن هذا الثائر المنديسي لم يجسر على المجازَفة بجيشه غير المدرَّب في واقعة فاصلة، ومن جهة أُخرى نرى — من جديد — أنَّ الدسائسَ بدأت تُحاك كما كانت الحال صباح سقوط الملك «تاخوس» حول قوات الجنود المرتزقة الجبارة؛ وذلك لأن المدعي بالعرش الجديد قد أخذ في فتح مفاوضات.
وقد كان مِن جَرَّاء مناورته هذه أنْ أَخَذَ «نقطانب» الثاني على الأقل يظن الظنون في «أجيسيلاس» ويشك في إخلاصه، وقد بدأ الفرعون يُظهر فعلًا عدم ثقته وضعفه عندما خاطبه «أجيسيلاس» ناصحًا إياه: بأن لا يُرجئ الفرصة تذهبُ صراحة في حربٍ مع الأعداء الذين يجهلون — بلا شك — فن الحرب، ولكنهم سيصلون إذا تركنا لهم الوقت للإحاطة بجيشِ «نقطانب» وإغراقه بعددهم الهائل، وعندما سمع الفرعونُ هذه الكلمات ظَنَّ أنه قد نصب له فخًّا وبذلك تَنَحَّى عن الدخول في معركة، وتقهقر بجيشه إلى داخل مدينةٍ عظيمة محاطة بجدران جميلة متينة الأركان، وقد كان من جراء ذلك أن هاج «أجيسيلاس» هياجًا عظيمًا بسبب عدم الثقة فيه من جانب حليفه «نقطانب»، ولكن حدثتْ خيانةٌ أُخرى غمرتْه بالعار والخزي، ولم يكن في مقدوره وقتئذٍ أن يغادر البلاد المصرية دون أن يقوم بعمل حاسم تاركًا «نقطانب» والمدعي الجديد للملك وجهًا لوجه، وعلى ذلك اضطر أن يتبع الفرعون إلى المكان الذي كان فيه وحيث جاء المنديسيون في الحال لمحاصرته، (راجع: Plut. Ages. 38).
وإذا فحصنا هاتين الروايتين بدقة؛ نجد أنهما تتحدثان بصراحة عن الأمور الأساسية التالية: كان هناك اختلافٌ في الرأي بين ملك «أسبرتا» والفرعون «نقطانب» فيما إذا كان يمكن الصمودُ للعدو في العراء ومنازلته، ولكن على الرغم من نصائح ملك «أسبرتا» كان الفرعون خائفًا فَزِعًا، ومن ثم أخذ يبحث عن حماية له وراء جدران مدينة كبيرة، وعلى ذلك لا يوجد صراحة تضارُب بين رواية «بلوتارخ» ورواية «ديودور»، غير أننا نجد أن الرواية الأولى، وهي أَتَمُّ وأدقُّ على طابع خاص وتحمل إلينا مجموعة حقائق لا نجدها في رواية «ديودور» مما يجعلها أكثر فهمًا، وبذلك يمكن الأخذ بما جاء فيها بوجه عام، وإذا سلمنا بذلك فإن الفزع الذي استولى على «نقطانب» بسبب اقتراب جيش مناهضه الجبار؛ قد تضاعف بما كان يشعر به من شكوك في إخلاص «أجيسيلاس»، وكان خوفًا لا يكاد يظهره؛ ولذلك لم نجدْه مذكورًا في رواية «ديودور».
وعلى ذلك فإن ما رواه «بلوتارخ» عن الدسائس التي حاكها المدعي المنديسي، وما نتج عن ذلك من مخاوف «نقطانب» وشكوكه؛ يمكن قبولها، وعلى أية حال فإنه ليس لدينا أي برهان يعين على رفضها؛ وذلك لأن الدسيسة التي دبرها المنديسيون لجلب «أجيسيلاس» إلى جانبهم كانت أمرًا عاديًّا جدًّا؛ لأنه لو كان «أجيسيلاس» قد انحاز بجنوده إلى المدعي لعرش لكانت آمالُهُ تزداد في تَوَلِّي عرش ملك «مصر»، وإذا فرضنا أن هذا المدعي لم يكن في مقدوره إغراء «أجيسيلاس» بارتكاب خيانة جديدة فإن مجرد إشاعة هذا النبأ، كان يُزعزع ثقةَ «نقطانب» وينشر الخلاف في معسكر العدو، هذا إلى أن الشكوك كانت قد أدخلت في روع الفرعون عدم إخلاص الملك «أجيسيلاس» وأنه كان قد نال أخيرًا مساعدتَه بخيانة.
ومن الجائز أن نعترض على هذه القصة بأنه يظهر فيها شيءٌ من التفكُّك، حقًّا كان «أجيسيلاس» رافضًا تمامًا العروض التي قدمها له المدعي للملك، ولا أَدَلَّ على ذلك من أنه قد سار في ركاب «نقطانب»، وعلى الرغم مِن كل أعماله السيئة منحه النصر في النهاية، وعلى الرغم مِن أنَّ شُكُوكَ الفرعون كانت معقولةً جدًّا فإنها لم تحقق، ولكن كيف يمكن أن نفسر أن «أجيسيلاس»، الذي كان قد ظهر بأنه يخشى العدو وأنه قد أجبر «نقطانب» على ثقته المتناهية بنفسه؛ قد أتى ليقدم له النصيحة بهجوم جريء، وذلك على ما يظهر خلاف رأيه الأول؟
والواقعُ أنه لا يوجدُ هنا إلا تناقضٌ ظاهري؛ إذ قد أعلن «أجيسيلاس» أولًا أن عدوًّا غير مدرب كان من الصعب إساءةُ استعمالِهِ؛ لأنه يكون محصنًّا تمامًا بعدم تجاربه حتى أمام خدع العدو فهل غير «أجيسيلاس» رأيه؟ والجواب على ذلك بالنفي؛ لأنه كان دائمًا يأبى استعمالَ الخدع التي لا تُفيد، ويجنح إلى نظام منازلة العدو وجهًا لوجه بكل وحشية وشجاعة، وفضلًا عن ذلك فإنه يلحظ أن بين مقترحاته الأولى وبين نصيحته بالدخول في معركة مع العدو؛ قد حدثتْ محاولة المدعي للعرش لاستمالته إلى جانبه، وهذه المحاولةُ تكشفُ — من جانب صاحبها — على أنه كان مزعزعَ الثقةِ بالنسبة لِما في يديه من مادة يعتمد عليها أو مهارة يتمتع بها.
وقد كان في ذلك ما يكفي لتشجيع «أجيسيلاس» ويحدو به إلى اتخاذ قراراتٍ صارمة وعلى أيَّة حال، فإن هذه كانتْ دائمًا خطته (وعلى أية حال فإنه إذا كان «أجيسيلاس» مخلصًا، وإذا كانت خطتُهُ ليس فيها التواءٌ أو تناقضٌ؛ فإن عدم ثقة «نقطانب» وشكه فيه كانت مفهومة تمامًا، وذلك بالنسبة لِما كان يعلمُهُ من الدسائس المنديسية التي كان يُديرها المدعي للملك، وذلك على أثر الخيانة التي كانتْ قد حدثتْ بالأمس، وكان هو شاهدَها والمستفيدَ منها، وقد نصح له «أجيسيلاس» أن يَتَحَصَّنَ خلف الجدران، وأنه هو الذي — على ما يظن — قد قَرَّرَ ملاقاةَ العدو في السهل في معركة فاصلة).
ومن ثم نرى أن قصة «بلوتارخ» ليست إلا رواية متماسكة جدًّا لما حدث، وأن الرواية التي سار على نهجها «ديودور» لم تحفظ لنا إلا الحقائق الأخيرة — وكانت هي عمليًّا الأهم والفاصلة — وهي الخلاف الذي قام بين «أجيسيلاس» والفرعون عن موضوع الخطة التي تتبع والتقهقر المشترك نحو المكان المحصن.
ومن ثم نرى أن «نقطانب» قد أخلى للعدو الإقليم المكشوف وتبعه «أجيسيلاس» على الرغم منه، ولم يكن وقتئذٍ — بأية حال من الأحوال — هو المسيطر على سير الأعمال الحربية؛ وذلك لأنه كان متهمًا ويُخشى جانبُهُ، ولكنه — بحكم وظيفته — كان مفوضًا على قيادة الجيش المصري.
وقد زحف جيشُ المدعي للعرش لمحاصرة المدينة التي كان الفرعون مختبئًا وراء أسوارها، ونجد في هذه المرحلة أنه قد وجد خلاف جديد بين الرواية التي قدمها لنا «بلوتارخ» وتلك التي ذكرها «ديودور»، وقد ذكر الأول (Ages 39) أن الحصار قد بدأ دون تأخير، وعلى حسب ما جاء في «ديودور» أن الحصار قد بدأ على إثر هجمات دامية، وذلك بأن أخذ المحاصرون في حفر خنادقَ (Diod. XV, 93, 3)، وقد كان العمل الذي أنجزه العمال العديدون سريعًا، وبعد أيام قلائلَ بدأت المواد الغذائية تنفد عند المحاصرين؛ إذ لم يكن لديهم من الغلال إلا كميةٌ قليلةٌ داخل المدينة، وعندئذ أخذ الخوفُ والهلعُ يستوليان على «نقطانب» خشية أن يحاصره العدو حصارًا تامًّا، ومن أجل ذلك فَكَّرَ في الخروج ومقابَلة العدو وجهًا لوجه، وقد كان هذا هو رأي الجنود المرتزقين الذين خافوا على أنفسهم من الموت جوعًا (Ages, 39).
وإذا كان لزامًا علينا أن نصدق ما رواه «أجيسيلاس» عن نفسه في تاريخ حياته، فإنه كان هو الذي وضع هذه الخطة على حسب الموقف للخلاص من براثين العدو، وهي خطة كان قد حفظها في طي الكتمان حتى يضمن لها النجاح، وقد كان من الضروريِّ نجاحُ خطة الهجوم التي أرادها الفرعون، وهي استعمالُ الجنود المرتزقين الذين كانوا وحدهم القادرين على ذلك، غير أن «أجيسيلاس» رفض ذلك، ولا بد أن مثل هذا الرفض قد أثار غضب «نقطانب» وحاشيته، وقد كان في وسعهم بطبيعة الحال أن يفكروا أن «أجيسيلاس» بعد أن يغري حلفاءه بالنزول في ساحة قتال معدة؛ قد عمل على خسارة الموقعة بعدم الاشتراك فيها، مضافًا إلى ذلك القحط الذي كان قد بدأ يعمل في صفوف «نقطانب»، وقد بدأت الشائعاتُ المشينة تنتشر عن «أجيسيلاس» كما كان يُتهم بأشنع التهم.
والواقع أن مثله في هذا الموقف كان كمثل موقف القائد «إفيكراتس» عام 374ق.م، غير أنه سواء أكان أعظم سعادة أو أكثر أمانة من «إفيكراتس»؛ فإنه كان عليه أن يخرج لساحة القتال للمغامرة في هذه المخاطرة.
وقد كانت أعمال التحصين التي يقوم بها «نقطانب» تسير بسرعة، فقد حفرت خنادق حول كل المدينة المحاصرة وعندئذٍ أمر «أجيسيلاس» جنوده المرتزقين بحمل السلاح عند دخول الظلام، وقد كان مخفيًا تصميمَه عن «نقطانب»، وكانت الخنادق وقتئذٍ قد بلغت تقريبًا منتهى طولها البعيد جدًّا. هذا، وكان على معظم الجنود المحاصرين أن يحتلوا هذه الخنادق على طول امتدادها، ومن ثم أصبح التفوقُ العدديُّ للمحاصرين؛ وذلك لأن ما كان قد تم حفرُهُ من الخنادق يمنعهم من أن يفيدوا من كثرة عددهم، وعلى ذلك إذا حاول الإنسانُ الاندفاعَ للهجوم من المكان الخالي من الخنادق؛ فإنه لا يجد أمامه إلا عددًا محدودًا جدًّا من جيش العدو، وقد كان في مقدُور الجنود المرتزقين — بما فُطروا عليه من شجاعة — أن يقضوا عليه بسرعة خاطفة.
وقد اقتنع الملك «نقطانب» هذه المرة بتلك الخطة البارعة، ويتساءل الإنسانُ — كما يقول «بلوتارخ» — هل كان «نقطانب» — حقيقة — مقتنعًا؟ وعلى أية حال فإنه لم يكن لدى الفرعون خيار؛ وذلك لأن المدينة كانتْ محاصرةً تمامًا، وأن خرابها كان محقَّقًا إذا أبدى أي تردد، ومن أجل ذلك جَنَّدَ نفسه في وسط الجنود الإغريق، وبدأ الهجوم وعندئذ أخذ جزءٌ من جنود العدو الذين كانوا على الطريق يَفِرُّون أمام الهجوم المفاجئ وأمام حماس المهاجمين، أما الفئةُ القليلةُ التي وقفتْ في وجه المهاجمين فقد مَزَّقُوها شر ممزق.
ويُلحظ هنا أن «ديودور» لم ينسب إلى «أجيسيلاس» تنظيمًا طويلًا مبيتًا، بل اقتصر على الإشارة إلى أنَّ ملك «أسبرتا» قد هاجم العدوَّ ليلًا، ونجح في خلاص الجنود المحاصرين، على الرغم مِن فقدان كل أمل في خلاصهم. ويجوز لنا أن نتساءل فيما إذا كان «أجيسيلاس» قد دبر فعلًا منذ زمن طويل تصميم هذه الخطة الناجحة، كما أبداها للملك «نقطانب» أو إذا كانت هذه الخطةُ قد اتخذتْ في آخر لحظة؛ أي في اليوم نفسه الذي نفذتْ فيه عندما رأى أنه لم يكن أمامه طريقة أخرى للإفلات من قبضة المحاصِرِين له.
والواقعُ أن الميزة الحربية في هذه الموقعة لم تكن تعد شيئًا باهرًا؛ وذلك لأن كلًّا من الملك «نقطانب» والملك «أجيسيلاس» لم يقم إلا بملاحظة توزيع الجنود في ساحة القتال توزيعًا عاديًّا، أما الفضلُ في كسب المعركة التي جاءتْ على أثر ذلك؛ فقد رجع إلى الهجوم الليلي المفاجئ، غير أن هذا النصر كان — من الوجهة الأدبية والسياسية — قد عُدَّ بالنسبة لأجيسيلاس أمرًا هائلًا؛ وذلك لأنه كان قد اتهم في إخلاصه وولائه للملك «نقطانب»، ولكنا الآن نجده قَدْ قَدَّمَ بُرهانًا على ولائه الذي كان لا يقل عن ذكائه الحربي، ومنذ تلك اللحظة أصبحت ثقة «نقطانب» فيه لا حَدَّ لها، ومن ثم تابع «أجيسيلاس» إدارة الحرب على حسب خططه ومشيئته في العراء (Diod. XV, 93, 4).
وقد عَوَّضَ قلةَ عدد جيشه ما كان عليه جنودُهُ من مرونة وخِفَّة حركة وتنفيذه لخططه على حسب مقتضيات الأحوال، فنجدُهُ أحيانًا يَتَصَنَّعُ الفرار أمام العدو فيغريه على متابعته، وأحيانًا ينتقل من مكان إلى مكان، وبهذه المحاولات (المناورات) كان في مقدور «أجيسيلاس» أن يبدد قوة العدو ويستنفدها.
وأخيرًا نجح في سحب الجيش المعادي إلى المكان الذي اختاره للقضاء عليه، وهو إقليمٌ ضيقٌ يقع بين ترعةٍ عميقةٍ واسعةٍ. (Diod. XV, 93, 4; Ages 93) ومُنْذُ أنْ نجحت تلك الخطةُ البارعةُ أصبح تَفَوُّقُ جيش المدعي المنديسي في العددِ لا يُجدي فتيلًا، وقد مَهَّدَ «أجيسيلاس» لجيشه رقعةً شاسعةً من الأرض تُضارع الطوار الذي كان يسير عليه العدوُّ. هذا، وجعل كل محاولة يقوم بها العدوُّ لتطويق جيشه من الجناحين أو من الخلف أمرًا مستحيلًا، وقد ظلت الغلبةُ في القتال الذي وقع في مُقَدِّمَة الجيش في جانب المشاة الإغريق الشجعان (Diod. XV, 93, 5) ، وقد سقط عدد كبيرٌ من القتلى في جيش المدعي على أثر اختراق صفوفه، وبذلك وقعت الكارثة وقُضِيَ على كل آمال المدعي المنديسي.
بعد أن أصبح الملك «نقطانب» موحَّد الأركان بالقضاء على عدوه، أخذ في إغداق الانعامات، وكَيْل الثناء على مخلصه ملك «أسبرتا» واستبقاه في خدمته، ورجاه أن يمضي الشتاء معه، ولكن «أجيسيلاس» بعد أن أحرز هذا النصر المبين الذي طالما عمل من أجله؛ إذ أعاد للجيش اللاسيدموني مكانته بعد أن كان غير معترف به؛ لم يبد أي أسف بلا شك على ترك «مصر» وهو مكلَّلٌ بهذا الفوز العظيم، يُضاف إلى ذلك أن «أسبرتا» كانت وقتئذٍ في حاجة إليه، وإلى المال الذي كان قد جمعه وهو في خدمة الفرعون، وقد أقلع إلى بلاده في خلال شتاء عام 358-357ق.م حاملًا معه غير هداياه الشخصية مبلغ 23 تلنتًا من الفضة )راجع: Diod. XV, 12, 1).
وقد كان البحرُ هائجًا في خلال رحلته مما اضطر سفينته إلى أن ترسو في «سيريني» حيث أدركه الموت هناك، وبذلك أنزل الستار على مجال حياة «أجيسيلاس» اللامعة بعد أن بلغ من العمر الرابعةَ والثمانين، وقد حُفظت حثته في الشهد، وحملت إلى «لاسيدمون»، وهناك احتفل بها على حسب التقاليد المرعية (Ages, 40; Diod. XV, 93, 6).
وهكذا نُشاهد من عام 360-359ق.م أن الجُنُود الإغريق قد أثبتوا مهارتَهم وشجاعتهم في المعارك المصرية التي كانت تدورُ رحاها تارة في جانب «مصر» وتارة أُخرى عليها، وذلك بقوةٍ لا تعرف الهزيمة، ونجد أن النصائح الجريئة والتجارب الحربية التي قدمها «خابرياس»؛ قد حققت الحصولَ على مبالغَ طائلةٍ من المال، وكذلك حرية التجارة البحرية والاستيلاء على قاعدة بحرية حسنة لأعمال البحرية في «فنيقيا» ولسنا في حاجة إلى القول — من جهة أُخرى — بأن سفر «أجيسيلاس» ومعه جيشُهُ من المشاة المرتزقين كان الضربةَ القاضية على عرش «تاخوس» الذي كانت قد قوضتْه ثورةٌ وطنيةٌ.
وأخيرًا نلحظ أن قوة إرادة «أجيسيلاس» وفكره وجرأته في وقت واحد، مضافًا إلى ذلك قوة هجوم مُشاتِهِ من الإغريق وسلاحهم الجبار؛ قد تغلب على سوء ظن «نقطانب» وخلصت حياته وحريته، وثَبَّتَتْ له تاجه مدةً طويلة، قام خلالها بأعمالٍ عظيمة في داخل البلاد.