أسرع من الضوء ؟(سرعة الضوء كحد نهائي: ماذا لو تجاوزناها؟)
المؤلف:
ب . ك. و. ديفيس
المصدر:
المكان و الزمان في العالم الكوني الحديث
الجزء والصفحة:
ص60
2025-06-30
500
يمكن أن نتساءل عما يحدث لشيء نسرعه حتى تتجاوز سرعته سرعة الضوء . إن التقلص النهائي لطوله وتمدد الزمن اللانهائي ، اللذين يحدثان عندما = v ، يدعوان إلى توقع وجود حد علوي لسرعته يحول بينه وبين بلوغ سرعة تفوق سرعة الضوء . إن هذا التوقع واقع . وطبيعة هذا الحاجز الفيزيائي الحائل دون تجاوز هذه السرعة الحدية تتجلى عندما نطبق نظرية النسبية الخاصة على الأجسام المتحركة بطاقة عظيمة . ذلك أن هذه النظرية تتضمن أن اقتراب الجسم من سرعة الضوء يتطلب طاقة تسريع متعاظمة دون - حدود ، ولابد من طاقة لا نهائية الكبركي يبلغ الجسم سرعة الضوء . واكتساب هذه الطاقة المتعاظمة ، التي لا تستطيع أن « تثقب جدار الضوء ، ، يتجلى على شكل تزايد مطرد في عطالة الجسم عندما نجبره على الحركة بسرعة متزايدة . ففي حالة الصاروخ مثلاً ، وبدلاً من أن تتحول طاقة وقوده إلى حركة أسرع ، تتحول إلى تزايد في كتلة الصاروخ وحمولته . وعندها يصبح الصاروخ ( أثقل فأثقل )، وتصبح عملية تسريعه أصعب فأصعب .
شکل 2 - 6 . الكتل المتحركة نصبح أثقل . عندما تقترب الكتلة الدوارة من سرعة الضوء فان ثقلها يتزايد باطراد ودون حدود. إن تسريعها يصبح أصعب فأصعب . وفي نهاية الأمر تعجز كل طاقة العالم عن تحريكها بسرعة الضوء. إن هذا معروف تماماً في التجارب المخبرية حيث الكتل الدائرة جسيمات ذرية دقيقة والرجل القوي الذي يدوّرها سكلترون . إن يسمى الجسيمات المتحركة تصبح أثقل بالفعل . لاحظ تأشيرتي الميزان . 
يستطيع المرء بالطبع أن يتخيل تجارب أكثر ذكاءً يحاول فيها تجاوز سرعة الضوء . كان يتخيل صاروخين يتحركان كلاهما بسرعة c 0.9 بالنسبة للأرض ولكن في اتجاهين متعاكسين ؛ ويأمل أن تكون عندئذ سرعة كل من الصاروخين بالنسبة للآخر مساوية c 1,8 لكن ، مع الأسف ، نظرة واحدة إلى المعادلتين ( 2 - 3 ) و ( 2 - 5 ) تفاجئه بصورة جديدة . إن إضافة c 0.9 إلى c 0,9 تعطي ، في علم الحساب ، c 1.8 ؛ لكن هذا المجموع يساوي ، في نظرية النسبية، c 0,995! وهذا معناه أن تدخل تمدد الزمن وتقلص الطول يقضي بأن لا يجد كل من الراصدين ، عند قياس سرعة الصاروخ الآخر ، سوى c 0,995 ، لا c 1,8 . وفوق ذلك ، لو أطلق كل من الصاروخين في اتجاه حركته صاروخاً صغيراً آخر بسرعة c 0.9 فان سرعة كل من الصاروخين الصغيرين الجديدين بالنسبة للآخر لن تتجاوز سرعة الضوء .
ولهذه الأسباب يقال غالباً أن لا شيء يستطيع أن يسافر بأسرع من الضوء . إن هذا ليس صحيحاً بمطلق العبارة . فالأجسام المادية فقط عاجزة عن اختراق و جدار الضوء ) بالتسريع . ولا يوجد سبب معروف لعدم إمكانية وجود كائنات أسرع من الضوء ، إذا اشترطنا عليها أن تكون دوماً أسرع من الضوء ، أي إذا كان من غير الممكن إبطاؤها إلى أقل من سرعة الضوء، وقد جرى بالفعل بحث نشيط عن مثل هذه الكائنات ( على شكل جسيمات مجهرية ( من قبل فيزيائيين تجريبيين في العقد الأخير أو نحوه . حتى أنها قد منحت اسماً - التاخيونات Tachyons . ولم يمكن حتى الآن العثور على تاخيون واحد . ولو وجدت يوماً ما ، فمن المتوقع أن كل ما تفعله هو أن تتفاعل مع المادة العادية بطريقة لا يمكن ضبطها ، وإلا فيمكن إستخدامها في المواصلات الاخبارية . وسيكون ذلك سبباً لمفارقة تبدو غير قابلة للحل . إذ يُبرهن في نظرية النسبية على أن التاخيونات يمكنها أن تصعد سلم الزمان نحو الماضي بحيث يسهل استعمالها ، كوسيلة إخبارية ، الإتصال بالماضي . وعندئذ سيتمكن المرء من صنع شرك ملغوم غبي يدمر نفسه بواسطة إشارة مرموزة مرسلة عبر ماضية ، مما يمنع كل إمكانية لإرسال الإشارة أولاً - إنها مفارقة مكشوفة !
ويصرف النظر عن التاخيونات يمكن أن نعبر عن طبيعة جدار الضوء بقولنا : لا يمكن لأي تأثير فيزيائي أن ينتقل بأسرع من الضوء . ينتج من ذلك أن من المستحيل صنع جسم صلب حقاً . ويمكن إظهار ذلك في ( مفارقة ، مسلية تتجلى عند رجل يملك سيارة طولها خمسة أمتار ومرآباً طوله أربعة أمتار. إنه ، كفيزيائي ، يعلم أنه لو قاد سيارته بسرعة كافية داخل المرآب فان طولها ( بالنسبة للمرآب ( يمكن أن يصبح أقل من أربعة أمتار بفضل تقلص الأطوال النسبوي المشروح في الفقرة السابقة ، فلو أسرع بسيارته ، نحو المرآب ، حتى يبلغ السرعة c 0,8 فان طول السيارة سيرى من المرجع - المرآب أقصر من أربعة أمتار. وبمجرد أن تصبح السيارة كلها داخل المرآب ينغلق بابه آلياً ويمسك بالسيارة !
فمن وجهة نظر السائق تبدو الأشياء مختلفة المنظر نوعاً ما . انه ، وهو ضمن السيارة المتحركة ، لا يلحظ في طولها شيئاً غير عادي. لكنه يلاحظ أن المرآب يبدو أمامه أقل عمقاً بشكل غير عادي - الواقع أن عمقه قد انكمش ، بالمفعول النسبوي نفسه ، إلى مترين ونصف تقريباً. وبما أن أوان التوقف قد فات يدرك السائق حماقته : إن المرآب الذي طوله أربعة أمتار لا يسع سيارة طولها خمسة أمتار. فأي الرأيين هو الصحيح : المرآب يستطيع بسهولة أن يحتوى سيارة متقلصة الطول ، أم أن المرآب القصير العمق لا يمكن أن يحتوي سيارة طويلة ؟
شکل 2 - 7 . مفعول تقلص الطول . إن السيارة التي طولها خمسة أمتار ترى من المرآب متقلصة إلى ثلاثة امتار وهي تتحرك بـ 80٪ من سرعة الضوء . فالمرآب ، وعمقه أربعة أمتار ، يمكن أن يحتويها . أما من السيارة فالمرآب هو الذي يبدو منقلصاً ) إلى حوالي مترين ونصف ) ولا يمكن أن يحتويها . والذي سيحدث واضح في الصورة السفلية من الشكل . أي أن مؤخرة السيارة تستمر في الحركة داخل المرآب إلى أن تعلم أن الجدار قد أوقف مقدمتها : إن هذا الخبر لا يمكن أن ينتقل بأسرع من الضوء ، مما يتيح أن تنهرس السيارة ضمن المرآب إلى مترين ونصف. إن مظهري الحوادث ، كليهما ، منسجمان، ومهما كان هيكل السيارة صلباً فلا يوجد في العالم مادة يمكن أن تقاوم هذا الانهراس .

إن كلا الصورتين ، كما هي العادة في نظرية النسبية ، صحيحة . فالحكايتان تتفقان إذا ما أخذنا بعين الإعتبار ما يحدث للسيارة الطويلة عندما تصل مقدمتها إلى نهاية المرآب . فهي ستنهرس وضوحاً على جدار النهاية ( الذي يجب أن يكون شديد المقاومة ) . لكن هذا الحادث الشديد العنف، والذي يقع لدى الاقتراب من سرعة الضوء ، لا يوقف السيارة بالمعنى المعروف . فلئن كان واضحاً أن المقدمة يوقفها الجدار فجأة إلا أن المؤخرة لا يمكن أن تعلم بهذا الخبر قبل أن تصل إليها موجة الصدم عبر طول جسم السيارة . ولما كان لا يوجد تأثير ، ولو كان موجة صدم ، يمكن أن ينتقل بأسرع من الضوء فان المؤخرة عليها أن تنتظر 1,7× 10-8 ثانية على الأقل ) من زمن السيارة ( لتعلم بوجود الجدار . وهي ، أثناء هذه الفترة ، تتحرك بسرعة c 0,8 فتقطع مسافة أربعة أمتار . وبنتيجة ذلك كله تنضغط السيارة إلى متر واحد فقط مما يجعلها تدخل بكاملها في مرآب طوله متران ونصف !
إن الحكمة من هذه الحكاية هي أن سيارتك ، مهما كانت مادتها صلبة وعصية على الانضغاط ، ستعاني بعض الإنهراس إذا كانت قريبة من سرعة الضوء . وسنشرح ، في الفصل القادم، كيف تؤدي إحدى نتائج هذا الإنهراس النسبوي إلى تقلص نجوم بكاملها حتى العدم
الاكثر قراءة في النظرية النسبية الخاصة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة