النسخ عند اليهود
المؤلف:
الدكتور عبد الرسول الغفار
المصدر:
الميسر في علوم القرآن
الجزء والصفحة:
ص185 -187
2025-07-13
357
اتفقت مذاهب اليهود على قول واحد مفاده أن الشريعة الإسلامية لم تنسخ شريعتهم أما موقفهم من النسخ فهم على ثلاث فرق:
1 - الفرقة الشمعونية: تنفي النسخ عقلا ونقلا.
2- الفرقة العنانية: مؤسسها عنان بن داود ذهبت هذه الفرقة إلى جواز النسخ عقلا إلا أنه لم يقع.
3 - الفرقة العيسوية: مؤسسها أبو عيسى إسحاق بن يعقوب الأصفهاني هذه الفرقة مذهبها في النسخ أنه جائز في حكم العقل وأنه قد وقع فعلا. إلا أنها أنكرت الشريعة الإسلامية وادعت أنها شريعة خاصة بالعرب ولم تكن لكافة الناس، لذا لم تنسخ شريعة موسى عليه السلام. من الواضح جدا أن اليهود عندما ينفون النسخ إنما ينفونه لغاية في أنفسهم ولما يصبون إليه من كيد ودسيسة بل تواصوا فيما بينهم في الوقوف أمام كل شريعة وصدها عن السبيل إبقاء على مصالحهم الدنيوية لا غير. لهذا كانت الشمعونية من فرق اليهودية الغالية بحيث ترى استحالة وقوع النسخ عقلا وهذا يعني أن شريعتهم لم تنسخ ولن تنسخ وقد شبه اليهود النسخ بالبداء. ولما كان البداء - عندهم يستحيل وقوعه إذن النسخ هو الآخر لا يجوز وقوعه بل أنكروا أشد إنكار على من قال بالنسخ وذهبوا يستدلون على صحة ذلك بمبدأ الحسن والقبح العقليين. فالشمعونية ادعت أن الحكم الأول (المنسوخ) أما إن يكون حسنا فرفعه والنهي عنه قبيح. وأما أن يكون ذلك الحكم قبيحا فابتداء شرعه بالقبيح أقبح.
هكذا بنوا استدلالهم على المغالطة بل هي شبهة مبنية على كون الحسن والقبح صفتين ذاتيتين للأفعال.
نحن ليس بصدد الرد على فرق اليهود وإن كان جوابنا لهؤلاء يمكن أن نوجزه بهذه العبارة فنقول: إن مجال النسخ هي الأوامر الشرعية والنواهي التي وردت من قبل الشارع: لا أوامر العقل ونواهيه، ومصدر الحسن والقبح هو المولى، فما حسنه الشارع حسنه العقل وما قبحه الشارع قبحه العقل.
ثم نجد في التوراة (العهد القديم) كثيرا من الأحكام والأوامر كانت ثم نسخت فماذا يقول اليهود فيها؟ إن آمنوا بها قلنا لهم إذن وقوع النسخ حاصل عقلا ونقلا وإن ادعوا التحريف في توراتهم فعليهم أن يرفضوا ما بأيديهم ويلتجئوا إلى الإسلام والقرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. في سفر الخروج الإصحاح 32 الفقرات 21- 29 تجد أن الله سبحانه وتعالى يأمرهم أن يقتلوا كل مَنْ عَبَدَ العجل منهم. ثم بعد ذلك يأمرهم بالكف عن القتل ورفع السيف عنهم وهذا الأمر الثاني نسخ الحكم الأول. والأمران كلاهما في التوراة واليهود لا ينكرونه. وفي سفر الخروج: الإصحاح 16 الفقرتين 25 و 26 أن اليهود كانوا يحرمون الاصطياد في يوم السبت بأمر من الله سبحانه وهذا التحريم ورد في مواضع أخرى من التوراة فلا ينكرونه بل ويؤكدون ذلك بأن التحريم ورد في شريعتهم دون الشرائع السابقة وما هذا إلا النسخ في الأحكام بين الشرائع فاللاحقة تنسخ ما سبقها.
وهكذا يعترفون بزواج أبناء آدم من أخواتهم وما حل لهم من استمتاع بعضهم من البعض أما الشرائع اللاحقة - واليهودية منها - فقد حرمت هكذا زواج وهذا هو النسخ بعينه وجاء في التوراة إن الله سبحانه وتعالى قال لنوح عليه السلام عند خروجه من الفلك: (إني جعلت كل دابة حية مأكلا لك ولذريتك وأطلقت ذلك لكم كتبات العشب ما خلا الدم فلا تأكلوه) سفر التكوين/ الباب التاسع. ونجد في القرآن الكريم قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146]
ومن أمثلة النسخ عند اليهود أنهم كانوا يوجبون الختان عند الولادة وقد نسخ هذا الحكم في الشريعة العيسوية وأصبح الختان مباحا عند النصارى. ومن الأمثلة الأخرى: أن الطلاق كان مباحا عند اليهود فجاءت شريعة عسى عليه السلام فحرمته. (انظر سفر التثنية) الإصحاح 24.
ومنه أيضا: أكل لحم الخنزير كان محرما في شريعة موسى عليه السلام وقد أباحته شريعة عيسى عليه السلام (انظر سفر أعمال الرسل) والفقرة 14 من الباب الرابع عشر من رسالة بولس إلى أهل رومية حيث قال: فإني أعلم وأعتقد بالرب عيسى لا شيء نجس العين بل أن كل شيء نجس لمن يحسبه نجسا. وجاء في الإصحاح الثامن والعشرين من سفر العدد/ عدد 3 - 7 وقل هذا هو الوقود الذي تقربون للرب خروفان حوليان صحيحان لكل يوم محرفة دائمة. الخروف الواحد تعمله صباحاً والخروف الثاني تعمله العشاءين وعشر الأيفة من دقيق ملتوت بربع الهين من زيت الرض تقدمه.. وسكيبها ربع الهين للخروف الواحد...
هذا الحكم نسخ بالقول الآتي وجعلت محرقة كل يوم حمل واحد حولي في كل صباح وجعلت تقدمته سدس الأيفة من الدقيق وثلث الهين من الزيت بماء جاء في الإصحاح السادس والأربعين من كتاب حزقيال عدد (13 -15) وتعمل كل يوم محرقة للرب حملا حولا صحيحا صباحا صباحا تعمله.
وتعمل عليه تقدمة صباحا صباحا سدس الأيفة.
وزيتا ثلث الهين لرش الدقيق تقدمة للرب فريضة أبدية دائمة ويعملون العمل والتقدمة والزيت صباحا صباحا محرقة دائمة.
الاكثر قراءة في الناسخ والمنسوخ
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة