التوحيد
النظر و المعرفة
اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته
صفات الله تعالى
الصفات الثبوتية
القدرة و الاختيار
العلم و الحكمة
الحياة و الادراك
الارادة
السمع و البصر
التكلم و الصدق
الأزلية و الأبدية
الصفات الجلالية ( السلبية )
الصفات - مواضيع عامة
معنى التوحيد و مراتبه
العدل
البداء
التكليف
الجبر و التفويض
الحسن و القبح
القضاء و القدر
اللطف الالهي
مواضيع عامة
النبوة
اثبات النبوة
الانبياء
العصمة
الغرض من بعثة الانبياء
المعجزة
صفات النبي
النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
مواضيع متفرقة
الامامة
الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
صفات الأئمة وفضائلهم
العصمة
امامة الامام علي عليه السلام
إمامة الأئمة الأثني عشر
الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
الرجعة
المعاد
تعريف المعاد و الدليل عليه
المعاد الجسماني
الموت و القبر و البرزخ
القيامة
الثواب و العقاب
الجنة و النار
الشفاعة
التوبة
فرق و أديان
علم الملل و النحل ومصنفاته
علل تكون الفرق و المذاهب
الفرق بين الفرق
الشيعة الاثنا عشرية
أهل السنة و الجماعة
أهل الحديث و الحشوية
الخوارج
المعتزلة
الزيدية
الاشاعرة
الاسماعيلية
الاباضية
القدرية
المرجئة
الماتريدية
الظاهرية
الجبرية
المفوضة
المجسمة
الجهمية
الصوفية
الكرامية
الغلو
الدروز
القاديانيّة
الشيخية
النصيرية
الحنابلة
السلفية
الوهابية
شبهات و ردود
التوحيـــــــد
العـــــــدل
النبـــــــوة
الامامـــــــة
المعـــاد
القرآن الكريم
الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)
الزهراء (عليها السلام)
الامام الحسين (عليه السلام) و كربلاء
الامام المهدي (عليه السلام)
إمامة الائمـــــــة الاثني عشر
العصمـــــــة
الغلـــــــو
التقية
الشفاعة والدعاء والتوسل والاستغاثة
الاسلام والمسلمين
الشيعة والتشيع
اديان و مذاهب و فرق
الصحابة
ابو بكر و عمر و عثمان و مشروعية خلافتهم
نساء النبي (صلى الله عليه واله و سلم)
البكاء على الميت و احياء ذكرى الصاحين
التبرك و الزيارة و البناء على القبور
الفقه
سيرة و تاريخ
مواضيع عامة
مقالات عقائدية
مصطلحات عقائدية
أسئلة وأجوبة عقائدية
التوحيد
اثبات الصانع ونفي الشريك عنه
اسماء وصفات الباري تعالى
التجسيم والتشبيه
النظر والمعرفة
رؤية الله تعالى
مواضيع عامة
النبوة والأنبياء
الإمامة
العدل الإلهي
المعاد
القرآن الكريم
القرآن
آيات القرآن العقائدية
تحريف القرآن
النبي محمد صلى الله عليه وآله
فاطمة الزهراء عليها السلام
الاسلام والمسلمين
الصحابة
الأئمة الإثنا عشر
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
أدلة إمامة إمير المؤمنين
الإمام الحسن عليه السلام
الإمام الحسين عليه السلام
الإمام السجاد عليه السلام
الإمام الباقر عليه السلام
الإمام الصادق عليه السلام
الإمام الكاظم عليه السلام
الإمام الرضا عليه السلام
الإمام الجواد عليه السلام
الإمام الهادي عليه السلام
الإمام العسكري عليه السلام
الإمام المهدي عليه السلام
إمامة الأئمة الإثنا عشر
الشيعة والتشيع
العصمة
الموالات والتبري واللعن
أهل البيت عليهم السلام
علم المعصوم
أديان وفرق ومذاهب
الإسماعيلية
الأصولية والاخبارية والشيخية
الخوارج والأباضية
السبئية وعبد الله بن سبأ
الصوفية والتصوف
العلويين
الغلاة
النواصب
الفرقة الناجية
المعتزلة والاشاعرة
الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب
أهل السنة
أهل الكتاب
زيد بن علي والزيدية
مواضيع عامة
البكاء والعزاء وإحياء المناسبات
احاديث وروايات
حديث اثنا عشر خليفة
حديث الغدير
حديث الثقلين
حديث الدار
حديث السفينة
حديث المنزلة
حديث المؤاخاة
حديث رد الشمس
حديث مدينة العلم
حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه
احاديث متنوعة
التوسل والاستغاثة بالاولياء
الجبر والاختيار والقضاء والقدر
الجنة والنار
الخلق والخليقة
الدعاء والذكر والاستخارة
الذنب والابتلاء والتوبة
الشفاعة
الفقه
القبور
المرأة
الملائكة
أولياء وخلفاء وشخصيات
أبو الفضل العباس عليه السلام
زينب الكبرى عليها السلام
مريم عليها السلام
ابو طالب
ابن عباس
المختار الثقفي
ابن تيمية
أبو هريرة
أبو بكر
عثمان بن عفان
عمر بن الخطاب
محمد بن الحنفية
خالد بن الوليد
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
عمر بن عبد العزيز
شخصيات متفرقة
زوجات النبي صلى الله عليه وآله
زيارة المعصوم
سيرة وتاريخ
علم الحديث والرجال
كتب ومؤلفات
مفاهيم ومصطلحات
اسئلة عامة
أصول الدين وفروعه
الاسراء والمعراج
الرجعة
الحوزة العلمية
الولاية التكوينية والتشريعية
تزويج عمر من ام كلثوم
الشيطان
فتوحات وثورات وغزوات
عالم الذر
البدعة
التقية
البيعة
رزية يوم الخميس
نهج البلاغة
مواضيع مختلفة
الحوار العقائدي
* التوحيد
* العدل
* النبوة
* الإمامة
* المعاد
* الرجعة
* القرآن الكريم
* النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
* أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
* فضائل النبي وآله
* الإمام علي (عليه السلام)
* فاطمة الزهراء (عليها السلام)
* الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء
* الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
* زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)
* الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم
* العـصمة
* التقيــة
* الملائكة
* الأولياء والصالحين
* فرق وأديان
* الشيعة والتشيع
* التوسل وبناء القبور وزيارتها
* العلم والعلماء
* سيرة وتاريخ
* أحاديث وروايات
* طُرف الحوارات
* آداب وأخلاق
* الفقه والأصول والشرائع
* مواضيع عامة
عقيدتنا في النبوة
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1 ، ص 209 - 225
2025-07-28
136
نعتقد أن النبوة وظيفة إلهية وسفارة ربانية يجعلها الله تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين وأوليائه الكاملين في انسانيتهم.
فيرسلهم إلى سائر الناس لغاية ارشادهم إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة، ولغرض تنزيههم وتزكيتهم من درن مساوئ الأخلاق ومفاسد العادات وتعليمهم الحكمة والمعرفة، وبيان طرق السعادة والخير لتبلغ الإنسانية كمالها اللائق بها، فترتفع إلى درجاتها الرفيعة في الدارين، دار الدنيا ودار الآخرة.
ونعتقد أن قاعدة اللطف - على ما سيأتي معناها - توجب أن يبعث الخالق اللطيف بعباده رسله لهداية البشر وأداء الرسالة الاصلاحية وليكونوا سفراء الله وخلفاءه.
كما نعتقد أنه تعالى لم يجعل للناس حق تعيين النبي أو ترشيحه أو انتخابه وليس لهم الخيرة في ذلك، بل أمر كل ذلك بيده تعالى، لأنه " أعلم حيث يجعل رسالته " وليس لهم أن يتحكموا فيمن يرسله هاديا ومبشرا ونذيرا، ولا أن يتحكموا فيما جاء به من أحكام وسنن وشريعة (أ).
_______________
(أ) يقع الكلام في مقامات، أحدها: في معنى النبوة لغة. ففي القاموس " النبأ محركة: الخبر، أنبأه إياه به: أخبره - إلى أن قال -: والنبئ: المخبر عن الله تعالى، وترك الهمز المختار، ج: أنبياء - إلى أن قال -: والاسم النبوءة - إلى أن قال -: ونبأ كمنع نبأ ونبوا:
ارتفع، وعليهم: طلع، ومن أرض إلى أرض: خرج، وقول الأعرابي: يا نبئ الله بالهمز، أي الخارج من مكة إلى المدينة، أنكره عليه، فقال: لا تنبر باسمي - أي لا تهمز باسمي - فإنما أنا نبي الله ".
ونحو ذلك في المصباح المنير وزاد عليه قوله: " والنبئ على فعيل مهموز، لأنه أنبأ عن الله، أي أخبر والابدال والادغام لغة فاشية ".
فالمختار هو أن النبي مهموز في الأصل، ثم أبدلت الهمزة وأدغمت في النبي والنبوة، ويشهد له عود الهمز في التصغير كما يقال: " مسيلمة نبئ سوء " ولا دلالة لمثل قوله تعالى: " ورفعناه مكانا عليا " في حق بعض أنبيائه على أن النبي مأخوذ من النبوة، بمعنى الرفعة، لأن الآية لا تدل إلا على أن النبي رفيع القدر لا أن النبي مأخوذ من الرفعة كما لا يخفى، وأما الاستدلال بمثل قوله - صلى الله عليه وآله - لمن قال يا نبئ الله: " لست بنبئ الله، ولكن نبي الله " ففيه أنه لا يدل على أن أصله من النبوة بمعنى الرفعة، نعم فيه إشارة إلى منع استعمال المهموز، ولعله لأن المهموز مشترك بين المخبر، والخارج من أرض إلى أرض، بخلاف النبي بالتشديد، فإنه شائع في خصوص المخبر، فإذا استعمل مشددا ومدغما فلا مجال لتعيير بعض المبغضين بإرادة الخارج من مكة إلى المدينة منه، كما أراده الذي خاطبه باستعمال النبي مهموزا، وكيف كان فالأظهر هو ما اختاره القاموس والمصباح المنير من أن النبي مهموز الأصل.
قال العلامة الطباطبائي - قدس سره - " والنبي على وزن فعيل مأخود من النبأ، سمي به النبي، لأنه عنده نبأ الغيب، بوحي من الله، وقيل: هو مأخوذ من النبوة بمعنى الرفعة سمي به لرفعة قدره " (1).
ثانيها: في معناه الاصطلاحي، عرفه أهل الكلام بأنه الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر. قال في شرح الباب الحادي عشر: " فبقيد الإنسان يخرج الملك، وبقيد المخبر عن الله يخرج المخبر عن غيره، وبقيد عدم واسطة بشر يخرج الإمام والعالم فإنهما مخبران عن الله تعالى بواسطة النبي " (2).
وفيه أن التعريف المذكور يشمل الإمام المعصوم الذي قد يخبر عن الله تعالى بسبب إلهام وكونه محدثا، بل يشمل سيدتنا فاطمة - سلام الله عليها - فإنها أخبرت بما أحست من أخبار جبرئيل بعد موت النبي - صلى الله عليه وآله - وكتبه مولانا أمير المؤمنين - عليه الصلاة والسلام - وسمي بمصحف فاطمة - سلام الله عليها - وكيف كان فالأولى أن يقال في تعريف النبي بحسب الاصطلاح: هو إنسان كامل مخبر عن الله تعالى بالوحي، إذ الوحي مختص بالأنبياء، وهو نوع رابطة وقعت بينه وبين أنبيائه. ولم تكن هذه الرابطة مشابهة للروابط المعمولة للتفهيم والتفهم من التعقل والتفكر والحدس ونحو ذلك، بل هي أمر وراء تلك الأمور المتعارفة البشرية ومع ذلك لا يمكن لنا إدراك الفرق بين الوحي والالهام، وكيف كان فالأول مختص بالأنبياء دون الثاني.
قال العلامة الطباطبائي - قدس سره -: إن الوحي نوع تكليم إلهي تتوقف عليه النبوة قال تعالى: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " (3).
وقال - أيضا في ذيل قوله تعالى: " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم " (4) -: والمعنى ما كان لبشر أن يكلمه الله نوعا من أنواع التكليم، إلا هذه الأنواع الثلاثة: أن يوحي وحيا، أو يكون من وراء حجاب، أو أن يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء. ثم إن ظاهر الترديد في الآية ب " أو " هو التقسيم على مغايرة بين الأقسام، وقد قيد القسمان الأخيران بقيد كالحجاب والرسول الذي يوحي إلى النبي، ولم يقيد القسم الأول بشئ، فظاهر المقابلة يفيد أن المراد به التكليم الخفي من دون أن يتوسط واسطة بينه تعالى وبين النبي أصلا، وأما القسمان الآخران ففيهما قيد زائد، وهو الحجاب أو الرسول الموحي وكل منهما واسطة، غير أن الفارق أن الواسطة الذي هو الرسول يوحي إلى النبي بنفسه، والحجاب واسطة ليس بموح، وإنما الوحي من ورائه - إلى أن قال -: ولما كان للوحي في جميع هذه الأقسام نسبة إليه تعالى على اختلافها، صح إسناد مطلق الوحي إليه بأي قسم من الأقسام تحقق، وبهذه العناية أسند جميع الوحي إليه في كلامه، كما قال: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده " (5) والحاصل أن الوحي بجميع أقسامه مختص بالنبي، وعليه أجمعت الأمة الإسلامية. نعم قد يطلق الوحي على الهداية التكوينية كقوله تعالى: " وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا " (6) ولكنه بالعناية والمجاز لظهور الوحي في عرف المتدينين بالأديان الإلهية من بدو مجئ الأنبياء والرسل فيما ذكر من أنه نوع رابطة أو كلام خفي بين الله تعالى وبينهم بواسطة أو بدونها فلا تغفل.
ثم إن الفرق بين النبي والرسول كما في تفسير الميزان هو أن النبي، هو الذي ببين للناس صلاح معاشهم ومعادهم من أصول الدين وفروعه، على ما اقتضته عناية الله من هداية الناس إلى سعادتهم، والرسول هو الحامل لرسالة خاصة مشتملة على إتمام الحجة، يستتبع مخالفته هلاكة أو عذابا أو نحو ذلك (7).
فالنسبة بين النبي والرسول هي العموم والخصوص المطلق موردا إذ كل رسول نبي دون العكس، لجواز أن يكون النبي غير رسول كما لا يخفى.
وعليه فمقام النبوة غير مقام الرسالة وإن كان بحسب المورد تقع الرسالة إلا في مورد النبوة فتحصل أن المفهومين متغايران وفي ذلك يكون النسبة بينهما من العموم والخصوص المطلق موردا ومما ذكر يظهر الجواب عن وجه تقديم عنوان الرسول على عنوان النبي في الآية الكريمة " وكان رسولا نبيا " (8) إذ لو كان مفهوم النبوة أعم من الرسالة لزم أن يكون متقدما عليها في الذكر كما لا يخفى، وسيجئ بقية الكلام إن شاء الله في بحث الخاتمية (9).
ثم إن الرسل يختلفون في الفضل والمرتبة، وساداتهم هم أولو العزم منهم، وهم أصحاب الجد والثبات على العهود والميثاق في حد أعلى، وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وعليهم أجمعين -، كما قال تعالى: " وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا " (10) وهم أصحاب الكتب والشرايع، كما قال الله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " (11).
ثالثها: في إمكان النبوة، ولا يخفى أنها ممكنة ذاتا، لأن في تكليمه تعالى مع الإنسان الكامل بواسطة أو بدونها، لا يلزم أحد من المحالات كاجتماع النقيضين أو الضدين أو المثلين، إذ تكليمه ليس إلا ايجاد الكلام ونحوه، ومن المعلوم أنه لا يستلزم المحدودية كالجسمية، حتى يناقض مع صرفيته ولا حديته، فلا ريب في إمكانها ذاتا، وإنما الكلام في إمكانها وقوعا، فإن البراهمة (12) زعموا أنها لا فائدة فيها، فلا تصدر عن الحكيم أمرين: أما أن يكون معقولا وإما أن لا يكون معقولا، فإن كان معقولا فقد كفانا العقل التام بادراكه والوصول إليه، فأي حاجة لنا إلى الرسول؟ وإن لم يكن معقولا فلا يكون مقبولا، إذ قبول ما ليس بمعقول خروج عن حد الإنسانية، ودخول في حريم البهيمية (13).
وأجيب عن ذلك بأنه لا ريب في فائدة النبوة، فإن النبي إذا أتى بما تدركه العقول أيدها وأكدها وفائدة التأكيد أوضح من أن يخفى، وإن أتى بما لا تدركه العقول من غير طريق الشرع ففائدتها هي الارشاد والهداية، وأي فائدة أعظم من تلك الفائدة؟ ولعل البراهمة زعموا أن العقول حاكمة بثبوت الفائدة في بعض الأفعال وبعدمها في بعض آخر، مع أنها حاكمة في بعضها وليس لها الحكم في الآخر، فلا منافاة بين العقول التي لا حكم لها ومع الشرع الحاكم، إذ لا مناقضة بين اللااقتضاء والاقتضاء كما لا يخفى، ولذلك قال المحقق الطوسي - قدس سره - في تجريد الاعتقاد: " البعثة حسنة لاشتمالها على فوائد، كمعاضدة العقل فيما يدل عليه، واستفادة الحكم فيما لا يدل " (14).
هذا مضافا إلى فوائد اخر كرفع الشك عن الشبهات الموضوعية للعدل والظلم اللذين كانت العقول مستقلة فيهما. ألا ترى أن الناس اختلفوا في اليوم في القيمة الزائدة الحاصلة من عمل الأجير على المواد الطبيعة كالخشب أنها لصاحب المواد أو للأجير أو لهما، وكل قوم يدعي أن العدل هو ما ذهب إليه والظلم خلافه، وليس هذا الاختلاف إلا في موضوع حكم العقل الكلي، إذ لا اختلاف في قبح الظلم وحسن العدل بينهم، وفي مثل هذا يحتاج إلى الشرع حتى يزول الشك.
وكرفع الغفلة عما حكم به العقل، إذ كثيرا ما تصير الأحكام العقلية مغفولة عنها، فالشرع يرشد الناس إلى عقولهم، وينبؤهم بحيث تذكروا ما نسوه، خصوصا إذا بشروهم وأنذروهم بالآثار التي للأعمال بالنسبة إلى البرزخ والقيامة والآخرة.
وأضعف مما ذكر من الشبهة حول إمكان النبوة وقوعا، هو ما حكي عنهم أيضا من أنه دال العقل على أن للعالم صانعا حكيما، والحكيم لا يتعبد الخلق بما يقبح في عقولهم، وقد وردت أصحاب الشرايع بمستقبحات من حيث العقل من التوجه إلى بيت مخصوص في العبادة والطواف حوله، والسعي ورمي الجمار، والاحرام والتلبية، وتقبيل الحجر الأصم، وكذلك ذبح الحيوان - إلى أن قال -: وكل هذه الأمور مخالفة لقضايا العقول (15).
وذلك لأن الموضوع للقبح العقلي هو ما علم خلوه عن المصالح، أو ما علم اشتماله على المفاسد، والأمور المذكورة ليست كذلك، بل الأمر فيها بالعكس، لما علم من الفوائد المهمة والأسرار العظيمة فيها، وهذا التوهم ناش من قلة التدبر حول العبادات، وعدم التوجه إلى حقيقتها وأسرارها، وتأثيرها في استكمال الروح الإنساني للتقرب والتهذيب، فمثل رمي الجمار يوجب تذكار رمي آدم - على نبينا وآله وعليه السلام - لعدوه الشيطان، وتبريه منه، وهذا التذكار يوجب أن يعرف الإنسان عدوه ويقتدي بأبيه في رميه، والتبري منه، وهل هذا إلا غرض صحيح، فكيف يكون مثل هذا مخالفا للعقل؟ وهكذا الطواف والسعي بين الصفا والمروة وغيرها اشتمل على أسرار وحكم عظيمة، يكون شطر منها مدونا تحت فلسفة الحج فراجع.
وبالجملة فكل أمر صدر عن الحكيم المتعالي وجاء به الأنبياء مشتمل على الفوائد والمصالح، وإن لم نعلمها بالتفصيل، لأنهم أخبروا عن الحكيم المتعال الذي لا يصدر منه القبيح، فليس في الأوامر الشرعية التي جاءت به الرسل والأنبياء مفسدة يمكن للعقل أن يعرفها، غايته عدم العلم بوجه المصلحة وهو لا يضر، فلا موجب لقول البراهمة من استحالة وقوع النبوة كما لا يخفى.
رابعها: في فوائد البعثة وغاياتها، ولا يخفى عليك أنها متعددة.
منها: الإرشاد إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم في الدنيا والآخرة، وهذه الغاية لا تقع كاملة إلا بالشرع، فإن بديهيات العقل محدودة، فلا تكفي للارشاد إلى جميع المنافع والمصالح، كما أن التجربيات الحاصلة للبشر في طول التاريخ لا يكون وافية بذلك، هذا مضافا إلى أن حاجات الإنسان لا تنحصر بالعالم المادي المشهود، وأن ما وراء العالم المادي لا يكشف عادة بالعقل، ولا يكون في حيطة الحس والتجربة، فليس لكل واحد من العقل والحس، منفردا أو منضما إلى الآخر، أن يحقق حوله لكشف الروابط بين ذلك العالم وبين أفعالنا وعقائدنا حتى ينتظم البرنامج الصالح لسير الإنسان نحو ما ينفعه من سعادته في الدنيا والآخرة.
لا يقال: إن الوجدان والفطرة يكفي لذلك، لأنا نقول: إن الادراك الفطري إجمالي يحتاج إلى التفصيل، بل مستور في صميم ذات الإنسان، بحيث يحتاج إلى الكشف والإثارة والتنبيه بوساطة الأنبياء والرسل، ولولا ذلك لما نال إلى كثير مما يحتاج إليه كما قال تبارك وتعالى: " كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون " (16).
فلو أهمل الإنسان مع ماله من العقل والوجدان والتجربة، ولم يرسل الأنبياء لهم لكان لهم العذر والحجة على الله، لعدم تمكنهم من النيل إلى السعادة بدون وساطة الأنبياء، ولكن ارسال الرسل يقطع عذرهم ويكون الحجة لله عليهم، وإليه يشير قوله عز وجل: " رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما " (17).
فالغاية من بعثهم وإرسالهم هو إرشاد الناس نحو مصالحهم ومفاسدهم، ليتمكنوا من اتخاذ السعادة التي خلقوا لأجلها، ولئلا يكون للعصاة والكفار حجة على الله، وغاية إرشاد الناس إلى مصالحهم ومفاسدهم ملازمة مع غاية اتمام الحجة، ولا تنفك عنها، ولعله لذا اكتفى المصنف بذكر الملزوم ولم يشر إلى اللازم، كما أن بعض المحققين، اكتفى بذكر اللازم ولم يذكر الملزوم، وكيف كان فكلاهما من الغايات كما لا يخفى.
ومنها: التنزيه والتزكية، ومن المعلوم أن الغرض من إرسال الرسل ليس منحصرا في مجرد التعليم، بل التزكية من الأغراض، ولإنجاز ذلك اختار الله تعالى النبوة والرسالة من بين الناس عباده الصالحين وأولياءه الكاملين، بحيث يكونون أسوة كاملة بين أبناء البشر، ويسوقون الناس نحو السعادة والكمال بأعمالهم، وغير خفي أن هذا الغرض لا يحصل بمجرد نزول ما يحتاج إليه من السماء بصورة كتاب سماوي فقط، أو بنزول ذلك على عباده المتوسطين، أو بنزول ذلك على غير جنسهم كالملائكة، لأن الناس في هذه الصورة إما أن لا يجدوا الأسوة، وإما أن يزعموا أن الطهارة والتزكية من خصائص الجنس الآخر ولا يمكن للإنسان أن ينال إلى ذلك.
ولمثل هذا جعل المرسلون من جنس الإنسان، كما قال عز وجل: " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين " (18) وجعلهم مصطفين من الأخيار كما نص عليه في الكتاب العزيز: " واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولى الأيدي والأبصار * إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار * وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار * واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار " (19).
ومنها: تعليم الحكمة والمعرفة، ولا يذهب عليك، أن ظاهر المصنف أن تعليم الحكمة غير الإرشاد إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم، كما أن ظاهر قوله تعالى : " ويعلمهم الكتاب والحكمة " هو المغايرة بين تعليم الكتاب وتعليم الحكمة، فلعل مراد المصنف من الإرشاد إلى ما فيه منافعهم ومصالحهم، هو بيان الأحكام والمقررات والتعبديات والتشريعيات المتعلقة بالأعمال والمعاملات، والمراد من الحكمة المعارف الحقة المطابقة للواقع، التي توجب بصيرة في الأمور والدين وازديادا في معرفة الله تعالى وما يؤدي إليها كمعرفة الإمام، كما هو المستفاد من الآيات والأخبار كقوله عز وجل: " ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد " (20).
وقوله تبارك وتعالى: " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أولو الألباب " (21).
وكما روي عن الصادق - عليه السلام -: " الحكمة ضياء المعرفة، وميزان التقوى وثمرة الصدق " (22) وعنه - عليه السلام -: " الحكمة المعرفة والتفقه في الدين " (23) وعن النبي - صلى الله عليه وآله -: " رأس الحكمة مخافة الله " (24) وعن الصادق - عليه السلام -: " طاعة الله ومعرفة الإمام " (25) فالحكمة هي المعارف الإلهية التي تشتمل العقائد الحقة والأخلاق الكاملة والمعارف الحقيقية ويمكن أن يشير إليه ما ذكره العلامة الطباطبائي - قدس سره - بقوله: " الحكمة هي القضايا الحقة المطابقة للواقع، من حيث اشتمالها بنحو على سعادة الإنسان، كالمعارف الحقة الإلهية في المبدأ والمعاد، والمعارف التي تشرح حقايق العالم الطبيعي من جهة مساسها بسعادة الإنسان، كالحقايق الفطرية التي هي أساس التشريعيات الدينية " (26) وما ذكره السيد عبد الله شبر - قدس سره - حيث قال: " الحكمة العلم النافع، أو تحقيق العلم واتقان العمل " انتهى.
وكيف كان فهي أمر وراء ظواهر الأحكام والمقررات الشرعية، كما لا يخفى، كما أن النسبة بين الحكمة والكتاب عموم من وجه، لامكان أن يكون حكمة غير مذكورة في الكتاب، كبعض تفاصيل المعارف الحقة، كما يجوز أن يكون شئ مذكورا في الكتاب وليس مصداقا للحكمة كالاجتناب عن النساء في المحيض ونحوه، كما يمكن أن يكون في الكتاب أمور كانت من مصاديق الحكمة.
وأما استعمال الحكمة في الفلسفة فهو اصطلاح خاص حادث، فلا يحمل عليه الاستعمالات القرآنية، وعلى كل تقدير فهذه المعارف الحقة الأصلية الإلهية مما لا يمكن النيل إليها بدون إرسال الرسل وبعث الأنبياء، كما هو واضح لمن عرفها وقاسها مع المعارف البشرية.
ومنها: أداء الرسالة الاصلاحية، وأنت خبير بأن المفاسد الاجتماعية من الظلم والفحشاء والمنكرات ونحوها، ربما تكون بحيث يحتاج ازالتها والمقابلة معها إلى رسول إلهي، حتى يدعو الناس نحو الاصلاح وإقامة العدل، ويدافع عن المظلومين والمحرومين، لأن مجرد نزول الكتاب وتعليم الأحكام والتربية والتزكية بدون المجاهدة والقيام في مقابل المفاسد الاجتماعية، غير كاف لدفعها ورفعها، إذ بعض النفوس الشريرة كالمترفين والمفسدين لن يتوجهوا إلى ذلك كله، ويظلمون ويصدون عن سبيل الله ويفسدون النسل والحرث، كما نشاهد ذلك في يومنا هذا في الممالك الغريبة والشرقية، التي نبذ فيها الكتب السماوية فاللازم في أمثال ذلك هو إرسال الرسل أو الرجال الإلهية للقيام للاصلاح، وهذه الغاية من مهمات الغايات.
قال الفاضل الشعراني - قدس سره -: " ليس في طبيعة الانسان شئ أعظم قيمة وقدرا من الاستقلال والحرية وإقامة العدل وحفظ الحقوق ودفع الظلم والتجاوز، ولذا لم ينس الناس حق الرسل الإلهية في إقامة العدل والاستقلال والحرية وان نسوا كل شئ من الخدمات المدنية والمادية عن الآخرين " (27).
" لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب أن الله قوي عزيز " (28).
كما يظهر من بعض الآيات أن كل أمة من الأمم الماضية، لم تخل عن ارسال رسول إلهي لاصلاحها، حيث قال تبارك وتعالى: " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " (29).
ومن تلك الرسل موسى بن عمران - على نبينا وآله وعليه السلام - حيث أرسله الله تعالى لنجاة بني إسرائيل من أيدي فرعون وأتباعه، وقال عز وجل:
" وقال موسى يا فرعون اني رسول من رب العالمين * حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل " (30).
ويلحق بالرسالة الاصلاحية مجئ الرسل لرفع الاختلافات الدينية والتحريفات اللفظية والمعنوية بين الأمة بعد مجئ نبي ونزول كتاب وشريعة معه، فإن أمة الأنبياء كثيرا ما كانوا يختلفون فيما جاءهم بحيث يحتاج إلى ارسال رسول لإصلاح الأمور الدينية، وإبانة الحق من الباطل، وكيف كان فأداء الرسالة الاصلاحية من الفوائد والغايات البينة لإرسال الرسل الإلهية التي لا يجوز أن تهمل وتترك، وهذه جملة من الغايات والفوائد للبعثة والرسالة.
خامسها: في نتيجة الغايات، ولقد أفاد وأجاد المصنف - قدس سره - في تبيين الغايات لإرسال الرسل وبعث الأنبياء، فإنه جعل غاية الغايات هو إمكان النيل إلى الكمال اللائق بالإنسانية والسعادة في الدارين، وهذه أحسن من تعليل إرسال الرسل باعداد السعادة الدنيوية الاجتماعية كتنظيم البلاد والأمور الاجتماعية، لأن الانسان المحتاج إلى نبي ورسول لا ينحصر في الإنسان المدني الاجتماعي، بل كل فرد من أفراد الانسان يحتاج إلى البعثة والرسالة، ولو كان وحيدا فريدا، حتى ينال إلى كماله اللائق به في الدنيا والآخرة، ولذا نقول بأن اللازم هو كون أول فرد من أفراد الإنسان نبيا أو مصاحبا للنبي ولا حاجة في لزوم البعثة إلى تحقق الاجتماع والتغالب كما يظهر من بعض، اللهم إلا أن يكون مقصودهم بيان أحد موارد لزوم البعثة وإرسال الرسل، لا اختصاص مورد البعثة وإرسال الرسل بما إذا كان الاجتماع محققا، وبمثل ذلك يوجه ما في الشفاء حيث اكتفى في إثبات النبوة بحفظ النوع الإنساني، حيث قال: " فصل في إثبات النبوة وكيفية دعوة النبي إلى الله تعالى والمعاد إليه، ونقول الآن: من المعلوم أن الإنسان يفارق سائر الحيوانات بأنه لا يحسن معيشته لو انفرد وحده شخصا واحدا، يتولى تدبيره أمره من غير شريك يعاونه على ضروريات حاجاته، وأنه لابد من أن يكون الإنسان مكفيا بآخر من نوعه، يكون ذلك الامر (الاخر) أيضا مكفيا به وبنظيره، فيكون هذا ثملا يبقل لذلك، وذاك يخبز لهذا، وهذا مخيط للآخر، والآخر يتخذ الإبرة لهذا، حتى إذا اجتمعوا كان أمرهم مكفيا، ولهذا ما اضطروا إلى عقد المدن والاجتماعات - إلى أن قال -: فإذا كان هذا ظاهرا، فلا بد من وجود الإنسان وبقائه من مشاركة، ولا يتم المشاركة إلا بمعاملة، كما لا بد في ذلك من سائر الأسباب التي تكون له، ولا بد من المعاملة من سنة وعدل، ولا بد للسنة والعدل من سان ومعدل، ولا بد من أن يكون هذا بحيث يجوز أن يخاطب الناس ويلزمهم السنة ولا بد من أن يكون هذا إنسانا، ولا يجوز أن يترك الناس وآراءهم في ذلك، فيختلفون ويرى كل منهم ماله عدلا وما عليه ظلما، فالحاجة إلى هذا الإنسان في أن يبقى نوع الناس ويتحصل وجوده أشد من الحاجة إلى إنبات الشعر على الأشفار وعلى الحاجبين، وتقعير الأخمص من القدمين، وأشياء أخرى من المنافع التي لا ضرر فيها في البقاء، بل أكثر مالها أنها تنفع في البقاء ووجود الإنسان الصالح لأن يسن ويعدل ممكن، كما سلف منا ذكره، فلا يجوز أن يكون العناية الأولى تقتضي تلك المنافع ولا تقتضي هذه التي هي اسها " (31).
إذ الاكتفاء بذلك في تعليل الرسالة في قوة حصر لزوم الرسالة والبعثة في الإنسان الاجتماعي، مع أنه محتاج إليها قبل صيرورته اجتماعيا كما عرفت، على أنه إهمال لأمر آخرته، لأن تمام الكلام عليه في بقاء النوع الإنساني في الدنيا، بحيث يصل حق كل ذي حق إليه، ولا توجه فيه إلى سعادته الأخروية، هذا مضافا إلى أن النبوة والرسالة مقام عظيم تكون الحكومة وإقامة العدل شأنا من شؤونه، فلا ينبغي حصرها فيها كما لا يخفى، ولذا قال في " العقائد الحقة " بعد نقل الطريق المذكور عن الحكماء: " والعجب قصر النظر في هذا البيان إلى اصلاح معاش الناس، وعدم التوجه إلى الآخرة، مع أن الدنيا دار المجاز والآخرة دار القرار " (32).
نعم ربما يقال: إن البحث عن النبوة حيث كان قبل اثبات المعاد ومقدما عليه فلا مجال في مقام اثبات النبوة لمراعات سعادة الانسان في المعاد، وعليه فالأحسن هو طريقة الشيخ وغيره من الفلاسفة في اثبات النبوة، ولكن الجواب عنه بكفاية احتمال وجود الآخرة في جواز ملاحظة السعادة الأخروية في الدليل الذي أقيم لإثبات النبوة بأن يقال مثلا: إن الإنسان الذي يحتمل أن يكون له وجود أبدي وله معاد أخروي والسعادة الأبدية كيف يمكن أن يهتدي بنفسه إلى طريق السلوك، بل يحتاج إلى تعليمات سماوية هذا مضافا إلى إمكان جعل شئ متأخر أصلا موضوعيا في البحث المتقدم كما لا يخفى.
سادسها: في أمر تعيين النبي والرسول، قد صرح المصنف بكونه بيد الله تعالى حيث قال: " كما نعتقد أنه تعالى لم يجعل للناس حق تعيين النبي أو ترشيحه أو انتخابه، وليس لهم الخيرة في ذلك، بل أمر كل ذلك بيده تعالى، لأنه أعلم حيث يجعل رسالته " وهو واضح، لأن التعيين أو الانتخاب فرع علم المعين بوجود من يصلح للنبوة والرسالة، مع أنه لا علم لاحد بذلك إلا بتعيين الله تعالى، مع إقامة البينات والمعجزات، كما أنه لا مجال لتربيته، لأن تأديب شخص للنبوة لا يتأتى عن الناس، الذين لا يعلمون بموقع النبوة والرسالة، فالنبوة والرسالة سفارة إلهية تتعين من ناحيته تعالى، ولا سبيل للعلم بها إلا من جانبه تعالى.
وأيضا بعد تعيين الله تعالى لا خيرة لغيره فيما اختاره الله عز وجل: لأنه أعلم بمن يكون قابلا لذلك المقام، فعلى الناس الطاعة والتبعية.
وبالجملة إن النبوة سفارة، والنبي سفير، وأمر السفير لا يكون إلا بيد من أرسله ولا خيرة لأحد فيه.
قال الصادق - عليه السلام - في جواب زنديق سأله من أين أثبت الأنبياء والرسل؟ قال: " إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا، وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه، ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشروه، ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه، يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ويدلونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، والمعبرون عنه جل وعز، وهم الأنبياء - عليهم السلام - وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس - على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب - في شئ من أحوالهم، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمام مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين، لكي لا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته، وجواز عدالته " (33).
قال المحقق اللاهيجي في ذيل الرواية: " فليعلم أن هذا الكلام الشريف مع وجازته واختصاره، يحتوي خلاصة الآراء والأنظار من الحكماء السابقين والعلماء اللاحقين، بل فيه إشارات إلى حقائق لم يصل إليها منتهى نظر أكثر المتكلمين، ولو سمعها الفلاسفة الأقدمون لأقروا بإعجاز هذا الكلام الإلهي " (34).
___________
(1) تفسير الميزان: ج 14 ص 58.
(2) راجع شرح الباب الحادي عشر ص 34 الطبعة الحديثة - قواعد المرام: ص 122.
(3) النساء: 162، راجع تفسير الميزان: ج 2 ص 147.
(4) الشورى: 51.
(5) تفسير الميزان: ج 18 ص 76.
(6) النحل: 68.
(7) تفسير الميزان: ج 2 ص 145.
(8) مريم: 51.
(9) تفسير الميزان: ج 14 ص 429، أصول عقائد (2) راهنما شناسى: ص 13 - 18 وص 268.
(10) الأحزاب: 7.
(11) الشورى: 23.
(12) البراهمة قوم انتسبوا إلى رجل يقال له: براهم وقد مهد لهم نفي النبوات أصلا وهم كما في المنجد خدمة إله الهنود.
(13) راجع الملل والنحل: ج 2 ص 251.
(14) شرح تجريد الاعتقاد: ص 346 الطبعة الحديثة.
(15) الملل والنحل للشهرستاني: ج 2 ص 251.
(16) البقرة: 151.
(17) النساء: 17.
(18) آل عمران: 164.
(19) ص: 45 - 48.
(20) لقمان: 12.
(21) البقرة: 269.
(22) تفسير آلاء الرحمن: ص 237.
(23) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 287.
(24) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 287.
(25) تفسير نور الثقلين: ج 1 ص 287.
(26) تفسير الميزان: ج 2 ص 418.
(27) راجع كتاب " راه سعادت ": ص 61.
(28) الحديد: 25.
(29) النحل: 26.
(30) الأعراف: 104 - 105.
(31) الإلهيات من كتاب الشفاء: ص 556، وص 242 و 441 من طبع مصر.
(32) العقائد الحقة: ص 11 - 12.
(33) الأصول من الكافي: ج 1 ص 168.
(34) راجع گوهر مراد: ص 253.
الاكثر قراءة في مواضيع متفرقة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
