زراعة الزيتون والنباتات الأخرى التي غُرست في عهد بطليموس الثاني
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 535 ــ 537
2025-08-11
487
كانت أشجار الزيتون تُزرع في مصر في العهود المصرية القديمة لاستخراج الزيت منها،1 غير أنها كانت تُزرع على نطاق ضيق، ولكن لما جاء البطالمة والسكان الإغريق الذين وفدوا معهم إلى مصر قاموا بعمل يعد فتحًا جديدًا في زراعة الزيتون في مصر، ولا غرابة في ذلك فقد كان ولا يزال الزيتون وزيته يعدان من أهم المواد الغذائية عند الإغريق ولا يرضون عنه بديلًا، وذلك لأنهم منذ نعومة أظفارهم قد اعتادوا على استعمال زيت الزيتون الأصيل، وقد صمموا على أن يكون لديهم الكمية الكافية منه في مصر، حقًّا كانت تُزرع في مصر بعض أشجار زيتون كما قلنا من قبل، ولكن كان المقصود منها الحصول على زيت الطعام، هذا ونجد في بعض الأماكن أن زراعة أشجار الزيتون كانت ثابتة، ومن ثم يحدثنا «ثيوفراستوس» (الفيلسوف الإغريقي مواطن أرسوس Eresus إحدى مدن جزيرة «لربوس»، وقد عاصر كلًّا من «أفلاطون» و«أرسطوطل» وله كتب في الخطابة والشعر) أنه عُرِفَتْ زراعة الزيتون في إقليم «طيبة»، ويحتمل كذلك في الواحة الخارجة بوجه خاص حيث لا تزال زراعة الزيتون باقية حتى الآن، ثم يحدثنا أن زيت الزيتون الذي كانت تنتجه مصر لم يكن أقل جودة من الذي ينبت في بلاد الإغريق.
وعلى أية حال كان للبطالمة الفضل في زيادة مساحة الأرض التي تُزرع أشجار زيتون وتكثير مقدار الزيت الذي يُستخرج من ثمارها، وليس لدينا من القرن الثالث ق.م بيان كافٍ عن زراعة الزيتون، ولكن نعلم من مراسلات «زينون» أي في عهد بطليموس الثاني أن «أبوللونيوس» غرس أشجار زيتون في ضيعته وأراد أن يزيد فيها شيئًا فشيئًا،2 وكانت نتيجة هذا المجهود أن أصبح بلا ريب أحد المنتجين لزيت الزيتون في السوق، ومن الجائز أن هذا الوزير حرر لزينون رسالة في هذا الصدد،3 وفي هذه الرسالة يقول «أبوللونيوس» الوزير لوكيله «زينون» أن يفرغ شحنة زيت الزيتون عند وصولها إلى ميناء الإسكندرية من قرية «أيكوس» Oikoe وأن يحافظ عليها بقوة في مخزن حصين إلى أن يصبح في مقدور «أبوللونيوس» الحضور بنفسه بمصر ويباشرها، ويظن الأثري «إدجار» أن زيت الزيتون قد جيء به من ضيعة سورية ملك «أبوللونيوس» وهذا جائز، ولكن يجوز كذلك أن تكون رسالة صدرت من الفيوم إلى الميناء النهرية للإسكندرية وفُرغت هناك.
والواقع أن «أبوللونيوس» عندما زرع أشجار الزيتون بكثرة لم يكن قد أتى بعمل استثنائي، فقد حدثنا «إسترابون»4 أن مقاطعة «أرسنوي» (الفيوم قديمًا) كانت تنتج في أيامه مقادير وفيرة من زيت الزيتون، في حين أن الأراضي التي كانت حول الإسكندرية كانت مغروسة بأشجار الزيتون لتغذي المدينة بما تحتاج إليه من هذه المادة، وهذا دليل على أن الزيتون كان يُزرع في مصر في العهد الهيلانستيكي بمقدار كبير وبخاصة في العهود المتأخرة عن عصر البطالمة، وقد عزز بيان «إسترابون» هذا وثائق عدة تثبت كثرة أشجار الزيتون في «الفيوم» في العهد الروماني كما كانت تُزرع في جهات أخرى من مصر، ولا بد أن نلحظ هنا على أية حال أن زيت الزيتون الذي كان يُستخرج في مصر من صنف رديء جدًّا.
هذا ولا نعرف إلى أي حد كانت الحكومة المصرية في عهد البطالمة تراقب إنتاج زيت الزيتون المصري وبيعه، ولم تتناول «قوانين الإيرادات» التي سنها «بطليموس الثاني» زيت الزيتون، على أن هذا لا يعني أن الكمية التي كانت تنتج من هذا الزيت في مصر كانت قليلة بحيث إنها لم تلفت نظر الحكومة، ومن المحتمل أن موضوع زيت الزيتون قد عولج في لوائح خاصة به، وعلى أية حال قد يجوز على حسب ما جاء في الرسالة السالفة الذكر أنه قد فُرضت بعض تحفظات على توريد زيت الزيتون إلى الإسكندرية من مصر، وذلك لأن «أبوللونيوس» على ما يظهر قد أراد أن يحضر بنفسه لعمل الإجراءات الرسمية والمبالغ الخاصة بتوريد كمية عظيمة من زيت الزيتون الذي يعد أمرًا مستحدَثًا (هذه الوثيقة مؤرخة بعام 254ق.م) هذا وليس لدينا معلومات عما إذا كان زيت الزيتون يخضع لنفس القواعد التي كانت تخضع لها النباتات الأخرى الدهنية، ولم يكن ثمن زيت الزيتون أقل من ثمن الزيوت النباتية المحددة، وعلى أية حال لم نعرف حتى الآن ثمن زيت الزيتون، وكانت الضريبة التي تُجبى على زيت الزيتون المستورد كبيرة جدًّا؛ فقد بلغت 50٪ من ثمنه. وكان الغرض من ذلك حماية الزيت الوطني بما في ذلك زيت الزيتون، يضاف إلى ذلك أننا لا نعرف إلى أي زمن بقيت حماية الزيت، وفي خلال القرن الثاني لم تكن هذه الحماية شديدة كما كانت في القرن الثالث.5
وعلى أية حال نعلم على وجه التأكيد أنه قد عُملت محاولة في عهد البطالمة الأول لإمداد السكان الإغريق في مصر بزيت وطني، وبذلك أصبحت مصر من هذه الوجهة كذلك مستقلة عن الوارد الأجنبي من هذه السلعة.
..............................................
1- راجع مصر القديمة الجزء الثاني.
2- راجع مصر القديمة الجزء الثاني.
P. Cairo-Zenon 59072, 59125, 59157, 59148, 59244, 59737, 59788, II, 18 & 27; P. Mich-Zen. 45. I, 26
3- راجع: P. Col. Zen. 14; Arch. Pap. XI (1935). P. 218.
4- راجع: Strab. XVIII, I, 35.
5- راجع: Tebt. 728.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة