النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
من معجزات الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام )
المؤلف:
الشيخ علي الكوراني
المصدر:
الإمام الحسن العسكري "ع" والد الإمام المهدي "عج"
الجزء والصفحة:
ص73-126
2025-08-13
30
شخصية الإمام ( عليه السلام ) بكلها معجزة !
تقرأ عن الإمام العسكري ( عليه السلام ) من كلامه أو كلام غيره ، فتجد أنه شخصية ربانية مليئة بالإعجاز . ملكَ إعجاب المسلمين وغير المسلمين ، فأسلم على يده راهب مسيحي وقال : وجدت المسيح وأسلمت على يده !
وظهرت معجزاته وكراماته في صغير الأمور وكبيرها ، فهو يعرف ما في ذهنك ، ويجيبك على سؤال فكرت فيه ، ويستجيب الله تعالى دعاءه فوراً ، وتعرفه الحيوانات وتخضع له . وعلمه الرباني يتجدد ولا ينضب .
وقد رأيت في الفصلين السابقين عدداً من معجزاته وكراماته ، صلوات الله عليه وعلى آبائه . ونختار في هذا الفصل مجموعة أخرى ، وكلها نماذج ، ولا يتسع الكتاب لاستقصائها أو لتحليها إلا بتعليقات بسيطة .
مع أنوش النصراني
روى في الهداية الكبرى / 334 : ( عن جعفر بن محمد القصيرالبصري قال : حضرنا عند سيدنا أبي محمد ( عليه السلام ) المكنى بالعسكري فدخل عليه خادم من دار السلطان جليل القدر ، فقال له : أمير المؤمنين يقرؤك السلام ويقول لك : كاتبُنا أنوش النصراني ، يريد أن يُطّهِّرَ ابنين له ، وقد سألنا مسألتك أن تركب إلى داره ، وتدعو لابنيه بالسلامة والبقاء ، فأُحِبُّ أن تركب وأن تفعل ذلك ، فإنا لم نجشمك هذا العناء إلا لأنه قال : نحن نتبرك بدعاء بقايا النبوة والرسالة .
فقال مولانا : الحمد لله الذي جعل اليهود والنصارى أعرف بحقنا من المسلمين ! ثم قال أسرجوا الناقة فركب وورد إلى دار أنوش ، فخرج مكشوف الرأس حافي القدم وحوله القسيسون والشمامسة والرهبان ، وعلى صدره الإنجيل ، وتلقاه على باب داره وقال : يا سيدنا أتوسل إليك بهذا الكتاب الذي أنت أعلم به مني ، إلا غفرت لي ذنبي في عنائك . وحق المسيح عيسى بن مريم وما جاء به من الإنجيل من عند الله ما سألت أمير المؤمنين مسألتك هذه ، إلا لأنا وجدناكم في هذا الإنجيل مثل المسيح عيسى بن مريم عند الله .
فقال مولانا ( عليه السلام ) : الحمد لله ، ودخل على فراشه والغلامان على منصة ، وقد قام الناس على أقدامهم ، فقال : أما ابنك هذا فباقٍ عليك ، والآخر مأخوذٌ منك بعد ثلاثة أيام ، وهذا الباقي عليك يُسلم ويحَسن إسلامه ويتولانا أهل البيت ! فقال أنوش : والله يا سيدي قولك حق ، ولقد سهل عليَّ موت ابني هذا لما عرفتني أن ابني هذا يسلم ويتوالى أهل البيت . فقال له بعض القسيسين : وأنت مالك لا تُسلم . فقال له أنوش : أنا مسلم ومولاي يعلم هذا ، فقال مولانا : صدق أنوش ، ولولا أن يقول الناس إنا أخبرناك بوفاة ابنك ، ولم يكن كما أخبرناك ، لسألنا الله بقاءه عليك . فقال أنوش : لا أريد يا مولاي إلا كما تريد .
قال جعفر بن أحمد القصير : مات والله ذلك الابن لثلاثة أيام ، وأسلم الآخر بعد ستة أيام ، ولزم الباب معنا إلى وفاة سيدنا الحسن ( عليه السلام ) ) .
ملاحظات
1 . كان الختان من شريعة إبراهيم ( عليه السلام ) وموسى وعيسى ( عليهم السلام ) حتى زعم بولس أن المسيح رفعه عن أتباعه ! والظاهر أن أنوش الكاتب هذا كان مسيحياً ، ثم اسلم وكتم إسلامه بتوجيه الإمام العسكري ( عليه السلام ) . ويدل احتفاله بختان ابنيه أو تطهيرهما ، على أنه لم يكن مسيجياً على مذهب بولس ، بل على مذهب بطرس ( عليه السلام ) الذي كان يوجب الختان . وبطرس هو شمعون الصفا ( عليه السلام ) وصي المسيح ( عليهما السلام ) ، وهو نبي رسول ، أما بولس فهو عندنا مذموم .
2 . يدل ركوب الإمام ( عليه السلام ) على جمل إلى دار أنوش ، أنها كانت خارج المدينة ، وقد كان في شواطئ دجلة مسيحيون قبل الإسلام ، وكانت سامراء قرية مسيحية ، وقد اشترى الإمام الهادي ( عليه السلام ) بيته من مسيحي .
3 . كان كثير من المحاسبين وكتاب الخلافة شيعة أو مسيحيين ، بسبب تميزهم بالكفاءة والأمانة ، ومنهم أنوش الكاتب ، ويظهر أنه كان مسلماً باطناً .
4 . يدل طلب الخليفة من الإمام ( عليه السلام ) حضور احتفال رئيس كُتَّابه والدعاء له ، على عقيدة كاتبه أنوش بأن الإمام ( عليه السلام ) بقية النبوة .
لا بد أن يكون الخليفة زاره وهنأه الحفلة أيضاً ، لكن الرواية لم تذكر ذلك .
قصة فَصْد الإمام ( عليه السلام ) ومعجزة الدم الأبيض !
الحجامة والفصد : إخراج الدم من أماكن في البدن ، وفائدته التخلص من أمراض قد يحملها الدم الذي يتجمع هناك . وهو علمٌ له أصوله وفروعه .
وقد روى القطب الراوندي ( رحمه الله ) في الخرائج ( 1 / 422 ) : ( عن طبيب نصراني بالري يقال له مَرْعَبْدَا ، وكان أتى عليه مائة سنة ونيف ، قال : كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل وكان يصطفيني ، فبعث إليه الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ( عليهم السلام ) أن يبعث إليه بأخص أصحابه عنده ليفصده فاختارني وقال : قد طلب مني ابن الرضا من يفصده فصِْر إليه ، وهو أعلم في يومنا هذا من تحت السماء فاحذر أن تعترض عليه فيما يأمرك به .
فمضيت إليه فأمر بي إلى حجرة ، وقال : كن هاهنا إلى أن أطلبك . قال : وكان الوقت الذي دخلت إليه فيه عندي جيداً محموداً للفصد ، فدعاني في وقت غير محمود له وأحضر طشتاً عظيماً ففصدت الأكحل ، فلم يزل الدم يخرج حتى امتلأ الطشت . ثم قال لي : اقطع فقطعت ، وغسل يده وشدها ، وردني إلى الحجرة ، وقدم من الطعام الحار والبارد شئ كثير . وبقيتُ إلى العصر ثم دعاني فقال : سَرِّحْ ودعا بذلك الطشت ، فسرحت وخرج الدم إلى أن امتلأ الطشت ، فقال : اقطع ، فقطعت ، وشد يده ، وردني إلى الحجرة ، فبتُّ فيها .
فلما أصبحت وظهرت الشمس دعاني وأحضر ذلك الطشت ، وقال : سرِّح فسرحت ، فخرج من يده مثل اللبن الحليب ، إلى أن امتلأ الطشت ثم قال : اقطع فقطعت ، وشد يده .
وقدم إليَّ تخت ثياب وخمسين ديناراً ، وقال : خذها واعذر ، وانصرف .
فأخذت وقلت : يأمرني السيد بخدمة ؟ قال : نعم ، تحسن صحبة من يصحبك من دير العاقول ! فصرت إلى بختيشوع ، وقلت له القصة . فقال : أجمعت الحكماء على أن أكثر ما يكون في بدن الإنسان سبعة أمنان من الدم ، وهذا الذي حكيت لو خرج من عين ماء لكان عجباً ، وأعجب ما فيه اللبن ! ففكر ساعة ، ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها نقرأ الكتب ، على أن نجد لهذه الفصدة ذكراً في العالم ، فلم نجد !
ثم قال : لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من راهب بدير العاقول .
فكتب إليه كتاباً يذكر فيه ما جرى ، فخرجت وناديته ، فأشرف عليَّ فقال : من أنت ؟ قلت : صاحب بختيشوع . قال : أمعك كتابه ؟ قلت : نعم ، فأرخى لي زبيلاً فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ، ونزل من ساعته فقال : أنت الذي فصدت الرجل ؟ قلت : نعم . قال : طوبى لأمك ! وركب بغلاً ، وسرنا ، فوافينا سر من رأى ، وقد بقي من الليل ثلثه ، قلت : أين تحب : دار أستاذنا أم دار الرجل ؟ قال : دار الرجل . فصرنا إلى بابه قبل الأذان الأول ، ففُتح الباب وخرج إلينا خادم أسود ، وقال : أيكما راهب دير العاقول ؟ فقال : أنا جعلت فداك . فقال : إنزل ، وقال لي الخادم : إحتفظ بالبغلين ، وأخذ بيده ودخلا ، فأقمت إلى أن أصبحنا وارتفع النهار . ثم خرج الراهب وقد رمى بثياب الرهبانية ، ولبس ثياباً بيضاء وأسلم ، فقال : خذني الآن إلى دار أستاذك !
فصرنا إلى باب بختيشوع ، فلما رآه بادر يعدو إليه ثم قال : ما الذي أزالك عن دينك ؟ ! قال : وجدت المسيح وأسلمت على يده ! قال : وجدت المسيح ! قال : أو نظيره ، فإن هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلا المسيح ، وهذا نظيره في آياته وبراهينه . ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات ) !
ورواه في الكافي ( 1 / 513 ) بتفاوت ، وفيه : ( فقال لي : أفصد هذا العرق قال : وناولني عرقاً لم أفهمه من العروق التي تفصد ، فقلت في نفسي : ما رأيت أمراً أعجب من هذا ، يأمر لي أن أفصد في وقت الظهر ، وليس بوقت فصد ، والثانية عرق لا أفهمه ، ثم قال لي : إنتظر وكن في الدار ، فلما أمسى دعاني وقال لي : سَرِّحِ الدم ، فسرحت ، ثم قال : لي أمسك فأمسكت ، ثم قال لي : كن في الدار ، فلما كان نصف الليل أرسل إليَّ وقال لي : سرح الدم ، قال : فتعجبت أكثر من عجبي الأول ، وكرهت أن أسأله قال : فسرحت فخرج دم أبيض كأنه الملح !
قال : ثم قال لي : إحبس ، قال : فحبست . قال ثم قال : كن في الدار ، فلما أصبحت أمر قهرمانه أن يعطيني ثلاثة دنانير ، فأخذتها وخرجت حتى أتيت ابن بختيشوع النصراني فقصصت عليه القصة ، قال فقال لي : والله ما أفهم ما تقول ولا أعرفه في شئ من الطب ، ولا قرأته في كتاب ولا أعلم في دهرنا أعلم بكتب النصرانية من فلان الفارسي فأخرج إليه . قال : فاكتريت زورقاً إلى البصرة ، وأتيت الأهواز ، ثم صرت إلى فارس إلى صاحبي فأخبرته الخبر ، قال وقال : أنظرني أياماً فأنظرته ، ثم أتيته متقاضياً قال : فقال لي : إن هذا الذي تحكيه عن هذا الرجل فعله المسيح في دهره مرة ) !
ملاحظات
1 . العاقول : شوك صحراوي ، ودير العاقول متعدد ، وذكر الزبيدي في تاج العروس أنه ثلاثة أماكن ، والمشهور منه قرب بغداد جنب النعمانية : ( بينه وبين بغداد خمسة عشر فرسخاً على شاطئ دجلة ) . ( معجم البلدان : 2 / 520 ) .
وعنده قتل المتنبي الشاعر . والمذكور في الرواية يقع في بلاد فارس بعد الأهواز .
2 . توجد فروقات بين رواية الكافي والخرائج ، والكافي أدق منه ، وهي تذكر أن دير العاقول في فارس ، وأن الفصد الذي ظهر فيه دم أبيض كان في الليل ، وفيها فروقات أخرى .
3 . تعرض فقهاؤنا للدم الأبيض ، وهل أنه محكوم بالنجاسة كالدم الأحمر . لكن القضية الأهم فيه : هل يوجد في بدن الإنسان كمية كبيرة من الدم الأبيض ، وهل يمكن تفريغها بالفصد ؟
وقد قرأت مصادر طبية وسألت عدة أطباء عن ذلك ، فذكروا أن الكريات البيضاء موجودة في كل البدن ، ويتركز وجودها في عدد من الغدد .
وأن وظيفتها الدفاع عن الجسم ومقاومة الأجسام الغريبة ، ومعدلها 7000 في كل ملم مكعب . وذكروا أن حجم الدم عند الإنسان البالغ 5 . 5 لتر تقريباً .
وقالوا هناك عدة أنواع من كرات الدم البيضاء ، منها كثيرات النوى وتبلغ نسبتها حوالي 47 - 77 % من تعداد كرات الدم البيضاء . والخلايا الليمفاوية وتبلغ نسبتها بين 16 - 43 % ، ثم وحيدات النوى وتتراوح نسبتها بين 1 - 10 % ثم كرات الدم البيضاء المحبة بلايوزين ، وتبلغ نسبتها 0 . 3 - 7 % ، وكرات الدم البيضاء القلوية ونسبتها بين 0 . 3 - 2 % .
ولعل أفضل جواب سمعته عن فصد الإمام العسكري ( عليه السلام ) ما قاله أستاذ في جامعة عين شمس المصرية ، قال : يمكننا أن نفرغ الكريات البيض من الغدد المنتشرة في بدن إنسان ، وذلك يحتاج إلى عدة أطباء يعملون عدة ساعات ، لكن معرفة شبكة العروق التي تربط هذه الغدد ببعضها ، وطريقة تفريغها دفعة واحدة ، لا يعرفها الطب ، فهي من مختصات صاحب ذلك الفصد !
على أن هناك احتمالاً في رأيي أرجح ، وهو أن أحجام هذه الكريات متفاوت وأحجام منافذ عروق البدن متفاوتة كذلك ، وقد توجد عروق تسمح لنوع من الكريات بالعبور منها دون الباقي ، فإذا فصدتها خرجت تلك الكريات دون غيرها ! وتقدم أن في الكريات البيض نوع يسمى كثيرات النوى ، وتبلغ نسبتها حوالي 47 - 77 % من تعداد كرات الدم البيضاء ، فقد يكون نوع منها هو المقصودة بالفصد والإخراج من البدن لتجديده .
صلوات الله على أهل البيت معدن العلم والوحي ، ولا غفر الله لمن حرم الأمة من علومهم وبركاتهم .
صلاة الاستسقاء
في الخرائج ( 1 / 442 ) : ( عن علي بن الحسن بن سابور قال : قُحط الناس بسر من رأى في زمن الحسن الأخير ( عليه السلام ) فأمر المعتمد بن المتوكل الحاجب وأهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء ، فخرجوا ثلاثة أيام متوالية إلى المصلى يستسقون ، ويدعون فما سقوا . فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء ومعه النصارى والرهبان ، وكان فيهم راهب ، فلما مد يده هطلت السماء بالمطر ! وخرج في اليوم الثاني فهطلت السماء بالمطر ، فشك أكثر الناس وتعجبوا وصَبَوْا إلى النصرانية ، فبعث الخليفة إلى الحسن وكان محبوساً فاستخرجه من حبسه وقال : إلحق أمة جدك فقد هلكت !
فقال له : إني خارج في الغد ، ومزيلٌ الشك إن شاء الله .
فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه ، وخرج الحسن ( عليه السلام ) في نفر من أصحابه فلما بصر بالراهب وقد مد يده ، أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ، ويأخذ ما بين إصبعيه ، ففعل وأخذ من بين سبابته والوسطى عظماً أسود ، فأخذه الحسن ( عليه السلام ) بيده ثم قال له : إستسق الآن . فاستسقى وكانت السماء متغيمة فتقشعت وطلعت الشمس بيضاء ! فقال الخليفة : ما هذا العظم يا أبا محمد ؟ فقال : هذا رجل مر بقبر نبي من أنبياء الله ، فوقع في يده هذا العظم ، وما كشف عن عظم نبي إلا هطلت السماء بالمطر ) !
وروى ابن حجر المكي في الصواعق المحرقة / 208 ، وابن حمزة في الثاقب في المناقب / 575 ، والقطب في الخرائج : 1 / 442 : ( لما حُبِسَ ، قُحِط الناس بسر من رأى قحطاً شديداً ، فأمر الخليفة المعتمد بن المتوكل بالخروج للإستسقاء ثلاثة أيام فلم يُسقوا ! فخرج النصارى ومعهم راهب كلما مد يده إلى السماء هطلت ، ثم في اليوم الثاني كذلك ، فشك بعض الجهلة وارتد بعضهم ، فشق ذلك على الخليفة ، فأمر بإحضار الحسن الخالص ( عليه السلام ) وقال له : أدرك أمة جدك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يهلكوا !
فقال الحسن ( عليه السلام ) : يخرجون غداً وأنا أزيل الشك إن شاء الله ، وكلَّم الخليفة في إطلاق أصحابه من السجن فأطلقهم ، فلما خرج الناس للإستسقاء ورفع الراهب يده مع النصارى غيمت السماء ، فأمر الحسن بالقبض على يده فإذا فيها عظم آدمي فأخذه من يده ، وقال : إستسق ، فرفع يده فزال الغيم وطلعت الشمس ، فعجب الناس من ذلك !
فقال الخليفة للحسن ( عليه السلام ) : ما هذا يا أبا محمد ؟ فقال : هذا عظم نبي ظفر به هذا الراهب من بعض القبور . وما كشف عظم نبي تحت السماء إلا هطلت بالمطر ! فامتحنوا ذلك العظم فكان كما قال ، وزالت الشبهة عن الناس ! ورجع الحسن إلى داره ، وأقام عزيزاً مكرماً ، وصلات الخليفة تصل إليه كل وقت ، إلى أن مات بسر من رأى ودفن عند أبيه وعمه ، وعمره ثمانية وعشرون سنة ، ويقال إنه سُمَّ أيضاً . ولم يخلف غير ولده أبي القاسم محمد الحجة ، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين ، لكن آتاه الله فيها الحكمة ، ويسمى القائم المنتظر ، قيل لأنه ستر بالمدينة ، وغاب فلم يعرف أين ذهب ) .
أقول : نلاحظ أن ابن حجر السني يروي هذه المعجزة للإمام العسكري ( عليه السلام ) بإعجاب ، فهو يشير إلى أن القحط والجفاف حصل بمجرد أن حبست السلطة الإمام ( عليه السلام ) ، ثم ذكر رواية قتل السلطة له بالسم رغم احترامهم له في الظاهر ! كما ذكر ولادة ابنه المهدي المنتظر صلوات الله عليهم .
ويوجد إشكال في هذه الرواية هو أن أجساد الأنبياء ( عليهم السلام ) لا تبلى ولا تنفصل عنها عظامها ، فقد روى الحاكم ( 4 / 560 ) : ( إن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ) . وصححه على شرط الشيخين ، ورواه غيره أيضاً .
لكن يظهر أنه مخصوص ببعض الأنبياء ( عليهم السلام ) . قال السيد الخوئي ( قدس سره ) : ( ثبت نقل عظام بعض الأنبياء غير أولي العزم ( عليهم السلام ) كما ورد بالنسبة إلى بعض آخر منهم ، وهذا معناه أنه لم يبق من جسدهم عند النقل إلَّا العظام ، وأما بالنسبة إلى الأنبياء أولي العزم ( عليهم السلام ) فلا يحضرني الآن شئ ، لكن ورد بالنسبة إلى الأئمة أن أجسادهم لا تبقى في القبر بل ترفع إلى السماء ولو بعد أيام ، وهذا يقتضي أن يكون الأمر بالنسبة إلى النبي الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) أيضاً كذلك ، ونفس الأمر بالنسبة إلى الأنبياء أولي العزم أيضاً كذلك ) . ( صراط النجاة : 5 / 286 ) .
مسجد الإمام العسكري ( عليه السلام ) ومقامه في جرجان
قال الراوندي في الخرائج ( 1 / 424 ) وابن حمزة في الثاقب / 215 : ( عن جعفر بن الشريف الجرجاني ، حججت سنةً فدخلت على أبي محمد ( عليه السلام ) بسر من رأى ، وقد كان أصحابنا حملوا معي شيئاً من المال ، فأردت أن أسأله إلى من أدفعه ؟ فقال قبل أن قلت له ذلك : إدفع ما معك إلى المبارك خادمي . قال : ففعلت وخرجت ، وقلت : إن شيعتك بجرجان يقرؤون عليك السلام . قال : أولستَ منصرفاً بعد فراغك من الحج ؟ قلت : بلى ! قال : فإنك تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة وسبعين يوماً ، وتدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال يمضين من شهر ربيع الآخر في أول النهار ، فأعلمهم أني أوافيهم في ذلك اليوم آخر النهار ، فامض راشداً ، فإن الله سيسلمك ويسلم ما معك ، فتُقْدَمُ على أهلك ووُلدك ، ويولد لولدك الشريف ابنٌ فَسَمِّهِ الصلت بن الشريف بن جعفر بن الشريف ، وسيبلغه الله ويكون من أوليائنا .
فقلت : يا ابن رسول الله إن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني وهو من شيعتك ، كثير المعروف إلى أوليائك ، يخرج إليهم في السنة من ماله أكثر من مائة ألف درهم ، وهو أحد المتقلبين في نعم الله بجرجان .
فقال : شكر الله لأبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل صنيعته إلى شيعتنا ، وغفر له ذنوبه ، ورزقه ذكراً سوياً قائلاً بالحق ، فقل له : يقول لك الحسن بن علي : سم ابنك ، أحمد .
فانصرفت من عنده وحججت وسلمني الله حتى وافيت جرجان في يوم الجمعة في أول النهار من شهر ربيع الآخر على ما ذكر ( عليه السلام ) ، وجاءني أصحابنا يهنؤوني ، فأعلمتهم أن الإمام وعدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم ، فتأهبوا لما تحتاجون إليه ، وأعدوا مسائلكم وحوائجكم كلها .
فلما صلوا الظهر والعصر اجتمعوا كلهم في داري ، فوالله ما شعرنا إلا وقد وافانا أبو محمد ( عليه السلام ) ! فدخل إلينا ونحن مجتمعون فسلم هو أولاً علينا فاستقبلناه وقبلنا يده . ثم قال : إني كنت وعدت جعفر بن الشريف أن أُوافيكم في آخر هذا اليوم ، فصليت الظهر والعصر بسرَّ من رأى وصرت إليكم لأجدد بكم عهداً ، وها أنا جئتكم الآن ، فاجمعوا مسائلكم وحوائجكم كلها . فأول من انتدب لمسائلته النضر بن جابر ، قال : يا ابن رسول الله إن ابني جابراً أُصيب ببصره منذ أشهر ، فادع الله له أن يرد عليه عينيه . قال : فهاته ، فمسح بيده على عينيه فعاد بصيراً .
ثمّ تقدم رجل فرجل يسألونه حوائجهم ، وأجابهم إلى كل ما سألوه حتى قضى حوائج الجميع ، ودعا لهم بخير ، وانصرف من يومه ذلك ) !
ملاحظات
1 . مدينة جرجان جزء من طبرستان ، وكان فيها شيعة لأهل البيت ( عليهم السلام ) من أول الفتح الإسلامي ، وكانت في عهد الإمام العسكري ( عليه السلام ) تحت حكم الحسن بن زيد العلوي المعروف بالداعي الكبير ، فقد ثار سنة 250 على الخلافة العباسية ، وتغلب على آمل وسارية وجرجان وبقية طبرستان ، وحكم بعده محمد بن زيد العلوي إلى سنة 287 ، فأرسلت الخلافة الأمير إسماعيل الساماني فغلب محمداً وقتله وحكم طبرستان ، حتى قام الناصر الكبير الحسن بن علي الأطروشي في سنة 301 ، فاستعاد طبرستان وحكمها حتى توفي سنة 304 ، فقام بعده صهره الداعي الصغير محمد بن القاسم ، حتى قتل سنة 316 . وبموته انتهت الدولة الزيدية من طبرستان .
2 . وردت رواية في مقدمة التفسير المنسوب للإمام العسكري ( عليه السلام ) عن يوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن سيار ، فقد قالا إن أبويهما كانا إماميين ، وكانت الزيدية غالبين بأستراباذ ، وكان الحسن بن زيد العلوي يصغي إليهم ويقتل الناس بسعايتهم ، فهربا منه إلى سامراء فطمأنهما الإمام العسكري ( عليه السلام ) وأخبرهما بتغير الحال ، فاكتشف الحاكم الزيدي كذب الساعين على الشيعة الجعفرية ، فعاقبهم ونذر لله عز وجل أن لا يعرض للناس في مذاهبهم .
وذكر الراويان أن الإمام العسكري ( عليه السلام ) طلب من أبويهما إبقاءهما عنده ليدرسها تفسير القرآن ، ثم رويا كتاب التفسير .
وقد ضَعَّفَ السيد الخوئي هذه الرواية في شرح العروة ( 1 / 184 ) بأن الراويين مجهولان ، وتفسيرالإمام العسكري ( عليه السلام ) كما ذكر ابن شهرآشوب في معالم العلماء / 70 : كتبه عنه الحسن بن خالد البرقي أخو محمد بن خالد في ماية وعشرين مجلدة ! فهو غير هذا التفسير المنسوب اليه ، الذي يقع في مجلد واحد .
وسيأتي بحث ذلك في فصل خاص .
3 . كان الأئمة ( عليهم السلام ) يسافرون بنحو الإعجاز ، وهذا معروفٌ في سيرتهم ( عليهم السلام ) ، بواسطة طيِّ الأرض أو غيره ، فقد ذهب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى المدائن وصلى على جنازة سلمان الفارسي ( رحمه الله ) ، ورجع إلى المدينة في نفس اليوم !
وكل المعصومين ( عليه السلام ) عندهم القدرة على ما يريدون ، لأنهم لا تُرّدُّ لهم دعوة ، لكنهم لا يستعملون هذه القدرات إلا أن يأمرهم الله تعالى .
وقد ذكرنا في سيرة الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أن رجلاً شكى اليه فأعطاه قوت يومه قرصيْن ، وأمره أن يبيعهما في السوق ويشتري بهما شيئاً ، فاشترى سمكتين غير مرغوبتين ، فوجد في جوفها لؤلؤتين ثمينتين : ( وباع الرجل اللؤلؤتين بمال عظيم قضى منه دينه ، وحسنت بعد ذلك حاله ، فقال بعض المخالفين : ما أشد هذا التفاوت ! بينا علي بن الحسين لا يقدر أن يسد منه فاقة إذ أغناه هذا الغناء العظيم ! كيف يكون هذا وكيف يعجز عن سد الفاقة من يقدر على هذا الغناء العظيم ؟ فقال علي بن الحسين ( عليه السلام ) : هكذا قالت قريش للنبي ( صلى الله عليه وآله ) : كيف يمضي إلى بيت المقدس ويشاهد ما فيه من آثار الأنبياء ( عليهم السلام ) من مكة ويرجع إليها في ليلة واحدة ، مَن لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوماً ! وذلك حين هاجر منها .
ثم قال ( عليه السلام ) : جهلوا والله أمر الله وأمر أوليائه معه ! إن المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه ، وترك الاقتراح عليه ، والرضا بما يدبرهم به .
إن أولياء الله صبروا على المحن والمكاره صبراً لمَّا يساوهم فيه غيرهم ، فجازاهم الله عز وجل عن ذلك بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم ، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم ) ! ( أمالي الصدوق / 539 ) .
4 . حفظ أهل جرجان ذلك المكان المبارك الذي زارهم فيه الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) . ففي وسط مدينتهم مسجد باسم : مسجد وقدمگاه إمام حسن عسكري ( عليه السلام ) . ومعنى قدمگاه : موطئ قدم . وهم يفتخرون به ويحيون يوم زيارة الإمام ( عليه السلام ) لهم في الثالث من شهر ربيع الثاني كل سنة ، لأنه ( عليه السلام ) قال لجعفر بن الشريف : ( وتدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال يمضين من شهر ربيع الآخر في أول النهار ، فأعلمهم أني أوافيهم في ذلك اليوم آخر النهار ) .
5 . لنا أن نتصور سرعة الحركة وسعة التواصل بين الناس ، في عصرالإمام المهدي ( عليه السلام ) . فقد وردت أحاديث عن تطور التواصل والتنقل بين الناس في الأرض ، ومع سكان الكواكب الأخرى .
كان يخرج من السجن لملاقاة شيعته ويعود !
في عيون المعجزات / 126 : ( حدثني أبو التحف المصري يرفع الحديث برجاله إلى أبي يعقوب إسحاق بن أبان قال : كان أبو محمد ( عليه السلام ) يبعث إلى أصحابه وشيعته : صِيروا إلى موضع كذا وكذا ، والى دار فلان بن فلان العشاءَ والعتمةَ في ليلة كذا ، فإنكم تجدوني هناك !
وكان الموكلون به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيه ( عليه السلام ) بالليل والنهار ، وكان ( الخليفة أو المسؤول ) يعزل في كل خمسة أيام الموكلين ويولى آخرين بعد أن يجدد عليهم الوصية بحفظه والتوفر على ملازمة بابه ، فكان أصحابه وشيعته يصيرون إلى الموضع ، وكان ( عليه السلام ) قد سبقهم إليه فيرفعون حوائجهم إليه ، فيقضيها لهم على منازلهم وطبقاتهم وينصرفون إلى أماكنهم بالآيات والمعجزات ) !
معجزة حصاة أم غانم وأخواتها !
روى ابن حمزة في الثاقب / 561 ، والإربلي في كشف الغمة ( 3 / 228 ) : ( عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت عند أبي محمد الحسن فاستؤذن لرجل من أهل اليمن ، فدخل رجل طويل جسيم جميل وسيم ، فسلم عليه بالولاية فرد عليه بالقبول وأمره بالجلوس فجلس ملاصقاً بي ، فقلت في نفسي : ليت شعري من هذا ؟ فقال أبو محمد ( عليه السلام ) : هذا من ولد الأعرابية صاحبة الحصاة التي طبع فيها آبائي بخواتيمهم فانطبعت ، فقد جاء بها معه يريد أن نطبع فيها . ثم قال : هاتها فأخرج حصاة من جانب منها موضع أملس فأخذها ثم أخرج خاتمه ، فطبع فيها فانطبع ، وكأني أقرأ نقش خاتمه الساعة : الحسن بن علي .
فقلت لليماني : أرأيته قبل هذا ؟ قال : لا والله ، وإني منذ دهر لحريص على رؤيته حتى كان الساعة أتاني شاب لست أراه فقال لي : قم فادخل ، فدخلت ، ثم نهض اليماني وهو يقول : رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ، ذريةٌ بعضها من بعض . أشهد أن حقك لواجب كوجوب حق أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والأئمة من بعده ، وإليك انتهت الحكمة والإمامة ، وأنك ولي الله ، لا عذر لأحد في الجهل بك .
فسألته عن اسمه فقال : اسمي مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم بن أم غانم ، وهي الأعرابية اليمانية صاحبة الحصاة التي ختم فيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) . وقال أبو هاشم الجعفري في ذلك :
بدربِ الحصا مولىً لنا يختمُ الحَصَا * له الله أصفى بالدليل وأخلصَا
وأعطاه آياتِ الإمامة كلِّهَا * كموسى وفَلْقَ البحر واليدَ والعصا
وما قَمَّصَ الله النبيين حجةً * ومعجزةً إلا الوصيينَ قَمَّصَا
فمن كان مرتاباً بذاك فقَصْرُه * من الأمر أن يتلوالدليل ويفحصا ) .
وأم غانم هذه صاحبة الحصاة ، غيرصاحبة الحصاة المشهورة ، وهي أم الندى بنت جعفر حبابة الوالبية الأسدية ، من أسد بن خزيمة بن مدركة من بني سعد بن بكر بن زيد مناة .
وأما ثالثتهن وأولهن فهي أم مسلم وقيل أم أسلم ، جاءت إلى منزل أم سلمة فسألتها عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقالت : خرج في بعض الحوائج ، الساعة يجئ ، فانتظرته عند أم سلمة حتى جاء .
روى حديثها في الكافي ( 1 / 355 ) : ( جاءت أم أسلم يوماً إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو في منزل أم سلمة فسألتها عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت خرج في بعض الحوائج والساعة يجيئ ، فانتظرته عند أم سلمة حتى جاء ( صلى الله عليه وآله ) ، فقالت أم أسلم : بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني قد قرأت الكتب وعلمت كل نبي ووصي ، فموسى كان له وصي في حياته ووصي بعد موته ، وكذلك عيسى ، فمن وصيك يا رسول الله ؟ فقال لها : يا أم أسلم وصيي في حياتي وبعد مماتي واحد ، ثم قال لها : يا أم أسلم من فعل فعلي هذا فهو وصيي ، ثم ضرب بيده إلى حصاة من الأرض ففركها بأصبعه فجعلها شبه الدقيق ثم عجنها ثم طبعها بخاتمه ، ثم قال : من فعل فعلي هذا فهو وصيي في حياتي وبعد مماتي ، فخرجتُ من عنده فأتيت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقلت : بأبي أنت وأمي أنت وصي رسول الله ؟ قال : نعم يا أم أسلم ، ثم ضرب بيده إلى حصاة ففركها فجعلها كهيئة الدقيق ، ثم عجنها وختمها بخاتمه ، ثم قال : يا أم أسلم من فعل فعلي هذا فهو وصيي ! فأتيت الحسن ( عليه السلام ) وهو غلام فقلت له : يا سيدي أنت وصي أبيك ؟ فقال : نعم يا أم أسلم ، وضرب بيده وأخذ حصاة ففعل بها كفعلهما ، فخرجت من عنده فأتيت الحسين ( عليه السلام ) وإني لمستصغرة لسنه فقلت له : بأبي أنت وأمي ، أنت وصي أخيك ؟ فقال ، نعم يا أم أسلم إيتيني بحصاة ، ثم فعل كفعلهم ! فعمرت أم أسلم حتى لحقت بعلي بن الحسين بعد قتل الحسين في منصرفه ، فسألته أنت وصي أبيك ؟ فقال : نعم ، ثم فعل كفعلهم ، صلوات الله عليهم أجمعين ) .
ملاحظات
1 . نلاحظ أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) فتَّ الحصاة بيده فجعلها طحيناً ، ثم عجيناً ، ثم ياقوتةً ، ثم طبعها ! قالت الرواية : ( ثم ضرب بيده إلى حصاة من الأرض ففركها بأصبعه فجعلها شبه الدقيق ، ثم عجنها ، ثم طبعها بخاتمه ) .
2 . قال القطب الراوندي ( رحمه الله ) في الخرائج ( 1 / 428 ) : ( وصاحبات الحصى ثلاث : إحداهن هي وتكنى أم غانم . والثانية : أم الندى حُبابة بنت جعفر الوالبية ، والأولى : اسمها سعاد من بني سعد بن بكر بن عبد مناف . والثالثة : تدعى أم سليم كانت قارئة الكتب ، ولكل واحدة خبر ) .
3 . أما أم الندى حبابة بنت جعفر الوالبية الأسدية ، فقد روى خبرها الطوسي في الغيبة / 75 ، وذكر أنها عاشت إلى زمن الإمام الرضا ( عليه السلام ) قال : ( وقصته مع حبابة الوالبية صاحبة الحصاة التي طبع فيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقال لها : من طبع فيها فهو إمام ، وبقيت إلى أيام الرضا ( عليه السلام ) فطبع فيها ، وقد شهدت من تقدم من آبائه ( عليهم السلام ) وطبعوا فيها ، وهو آخر من لقيتهم وماتت بعد لقائها إياه ، وكفنها في قميصه .
وكذلك قصته مع أم غانم الأعرابية صاحبة الحصاة أيضاً التي طبع فيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وطبع بعده سائر الأئمة إلى زمان أبي محمد العسكري معروفة مشهورة . فلو لم يكن لمولانا أبي الحسن الرضا والأئمة من ولده ( عليهم السلام ) غير هاتين الدلالتين في نص أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على إمامتهم ، لكان في ذلك كفاية لمن أنصف من نفسه ) .
4 . وروى ابن عياش الجوهري في مقتضب الأثر / 18 ، حديث أم سليم بتفصيل بسندين من طريقنا وطريق مخالفينا ، قال : ( حدثا أبو صالح سهل بن محمد الطرطوسي القاضي ، قدم علينا من الشام في سنة أربعين وثلاث مائة قال : حدثنا أبو فروة زيد بن محمد الرهاوي قال : حدثنا عمار بن مطر قال : حدثنا أبو عوانة ، عن خالد بن علقمة ، عن عبيدة بن عمرو السلماني قال : سمعت عبد الله بن خباب بن الأرت قتيل الخوارج يقول : حدثني سلمان الفارسي والبراء بن عازب قالا : قالت أم سليم .
ومن طريق أصحابنا : حدثني أبو القاسم علي بن حبشي بن قوني قال : حدثنا جعفر بن محمد بن ملك الفزاري قال : حدثني الحسين بن أحمد المنقري التميمي قال : حدثني الحسن بن محبوب قال : حدثني أبو حمزة الثمالي ، عن زر بن حبيش الأسدي ، عن عبد الله بن خباب بن الأرت قتيل الخوارج ، عن سلمان الفارسي والبراء بن عازب ، قالا : قالت أم سليم ، وبين الحديثين خلاف في الألفاظ ، وليس في عدد الاثني عشر خلاف ، إلا أني سقت حديث العامة لما شرطناه في هذا الكتاب .
قالت أم سليم : كنت امرأة قد قرأت التوراة والإنجيل ، فعرفت أوصياء الأنبياء ، وأحببت أن أعرف وصيَّ محمد ( صلى الله عليه وآله ) فلما قدمت ركابنا المدنية أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وخلفت الركاب مع الحي فقلت له : يا رسول الله ما من نبي إلا وكان له خليفتان ، خليفة يموت قبله وخليفة يبقى بعده ، وكان خليفة موسى في حياته هارون فقبض قبل موسى ، ثم كان وصيه بعد موته يوشع بن نون . وكان وصيُّ عيسى في حياته : كالب بن يوفنا ، فتوفى كالب في حياته عيسى ، ووصيه بعد وفاته شمعون بن حمون الصفا ابن عمة مريم . وقد نظرت في الكتب الأولى فما وجدت لك إلا وصياً واحداً في حياتك وبعد وفاتك ، فبين لي بنفسي أنت يا رسول الله من وصيك ؟ فقال رسول الله : إن لي وصياً واحداً في حياتي وبعد وفاتي ، قلت له : من هو ؟ فقال : إيتني بحصاة ، فرفعت إليه حصاةً من الأرض فوضعها بين كفية ثم فركها بيده كسحيق الدقيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ختمها بخاتمه ، فبدا النقش فيها للناظرين ، ثم أعطانيها وقال : يا أم سليم من استطاع مثل هذا فهو وصيِّي . قالت : ثم قال لي : يا أم سليم وصيي من يستغنى بنفسه في جميع حالاته كما أنا مستغن !
فنظرت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد ضرب بيده اليمنى إلى السقف وبيده اليسرى إلى الأرض قائماً لاينحنى في حالة واحدة إلى الأرض ، ولا يرفع نفسه بطرف قدميه . قالت : فخرجت فرأيت سلمان يكنف علياً ويلوذ بعقوته ، دون من سواه من أسرة محمد ( صلى الله عليه وآله ) وصحابته ، على حداثة من سنه ، فقلت في نفسي هذا سلمان صاحب الكتب الأولى قبلي صاحب الأوصياء وعنده من العلم ما لم يبلغني ، فيوشك أن يكون صاحبي ، فأتيت علياً فقلت : أنت وصيُّ محمد ؟ قال : نعم وما تريدين ؟ قلت له : وما علامة ذلك ؟ فقال : إيتيني بحصاة ، قالت : فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ، ثم فركها بيده ، فجعلها كسحيق الدقيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ، ثم ختمها فبدا النقش فيها للناظرين ، ثم مشى نحو بيته فاتبعته لأسئله عن الذي صنع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فالتفت إليَّ ففعل مثل الذي فعله فقلت : من وصيك يا أبا الحسن ؟ فقال : من يفعل مثل هذا ، قالت أم سليم : فلقيت الحسن بن علي ( عليه السلام ) فقلت : أنت وصى أبيك ؟ هذا وأنا أعجب من صغره وسؤالي إياه ، مع أني كنت عرفت صفته الاثني عشر إماماً وأبوهم سيدهم وأفضلهم ، فوجدت ذلك في الكتب الأولى ، فقال لي : نعم أنا وصيُّ أبي . فقلت : وما علامة ذلك ؟ فقال إيتيني بحصاة ، قالت : فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفية ثم سحقها كسحيق الدقيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ، ثم ختمها فبدا النقش فيها ثم دفعها إليَّ فقلت له : فمن وصيك ؟ فقال : من يفعل مثل هذا الذي فعلت ، ثم مد يده اليمنى حتى جاوزت سطوح المدينة وهو قائم ، ثم طأطأ يده اليسرى فضرب بها الأرض من غير أن ينحنى أو يتصعد ، فقلت في نفسي : من يرى وصيه ؟ فخرجت من عنده فلقيت الحسين ( عليه السلام ) وكنت عرفت نعته من الكتب السالفة بصفته وتسعة من ولده أوصياء بصفاتهم ، غير أني أنكرت حليته لصغر سنة ، فدنوت منه وهو على كسرة رحبة المسجد فقلت له : من أنت يا سيدي ؟ قال : أنا طلبتك يا أم سليم ، أنا وصيُّ الأوصياء ، وأنا أبو التسعة الأئمة الهادية ، أنا وصيُّ أخي الحسن وأخي وصيُّ أبي علي ، وعليٌّ وصيُّ جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فعجبت من قوله فقلت : ما علامة ذلك ؟ فقال : إيتني بحصاة فرفعت إليه حصاة من الأرض ، قالت أم سليم : لقد نظرت إليه وقد وضعها بين كفيه ، فجعلها كهيئة السحيق من الدقيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ، فختمها بخاتمه فثبت النقش فيها ، ثم دفعها إليَّ وقال لي : أنظري فيها يا أم سليم فهل ترين فيها شيئاً ؟
قالت أم سليم : فنظرت فإذا فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعليٌّ والحسن والحسين وتسعة أئمة صلوات الله عليهم أوصياء من ولد الحسين ( عليه السلام ) ، قد تواطأت أسماؤهم إلا اثنين منهم أحدهما جعفر والآخر موسى ، وهكذا قرأت في الإنجيل فعجبت ثم قلت في نفسي : قد أعطاني الله الدلائل ولم يعطها من كان قبلي ، فقلت يا سيدي أعد على علاةً أخرى ! قالت : فتبسم وهو قاعد ثم قام فمد يده اليمنى إلى السماء ، فوالله لكأنها عمود من نار تخرق الهواء حتى توارى عن عيني ، وهو قائم لا يعبأ بذلك ولا يتحفز ، فأسقطت وصعقت فما أفقت إلا به ، ورأيت في يده طاقة من آس يضرب بها منخري ، فقلت في نفسي : ماذا أقول له بعد هذا ؟
وقمت وأنا والله أجد إلى ساعتي رائحة هذه الطاقة من الآس ، وهي والله عندي لم تذو ولم تذبل ولا تنقص من ريحها شئ ، وأوصيت أهلي أن يضعوها في كفني . فقلت : يا سيدي من وصيك ؟ قال : من فعل مثل فعلى ، قالت : فعشت إلى أيام علي بن الحسين ( عليه السلام ) .
قال زرّ بن حبيش خاصة دون غيره : وحدثني جماعة من التابعين سمعوا هذا الكلام من تمام حديثها ، منهم مينا مولى عبد الله بن عوف وسعيد بن جبير مولى بني أسد ، سمعاها تقول هذا ، وحدثني سعيد بن المسيب المخزومي ببعضه عنها . قالت : فجئت إلى علي بن الحسين ( عليه السلام ) وهو في منزله قائماً يصلي ، وكان يطول فيها ولا يتحوز فيها ، وكان يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة ، فجلست ملياً فلم ينصرف من صلاته ، فأردت القيام فلما هممت به حانت مني التفاتة إلى خاتم في إصبعه : عليه فص حبشي ، فإذا هو مكتوب مكانك يا أم سليم أنبأك بما جئتني له .
قالت : فأسرع في صلاته فلما سلم قال لي : يا أم سليم أنبؤك بما جئتني له إيتني بحصاة ، من غير أن أسأله عما جئت له ، فدفعت إليه حصاة من الأرض فأخذها فجعلها بين كفيه فجعلها كهيئة الدقيق السحيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ، ثم ختمها فثبت فيها النقش ، فنظرت والله إلى القوم بأعيانهم كما كنت رأيتهم يوم الحسين ( عليه السلام ) فقلت له : فمن وصيك جعلني الله فداك ؟ قال : الذي يفعل مثل ما فعلت ولا تدركين من بعدي مثلي . قالت أم سليم : فنسيت أن أسأله أن يفعل مثلما كان قبلة من رسول الله وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم .
فلما خرجت من البيت ومشيت شوطاً ناداني : يا أم سليم ، قلت : لبيك ، قال : إرجعي ، فرجعت فإذا هو واقف في صرحة داره وسطاً ، ثم مشى فدخل البيت وهو يتبسم ، ثم قال : اليَّ يا أم سليم ، فجلست فمد يده اليمنى فانخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة ، وغابت يده عني ، ثم قال : خذي يا أم سليم ، فناولني والله كيساً فيه دنانير وقرطان من ذهب وفصوص كانت لي من جَزْع ، في حُقٍّ لي كانت في منزلي ، فقلت يا سيدي أما الحُق فأعرفه ، وأما ما فيه فلا أدري ما فيه غير أني أجده ثقيلاً !
قال : خذيها وامض لسبيلك . قالت : فخرجت من عنده فدخلت منزلي وقصدت نحو الحق فلم أجد الحق في موضعه ، فإذ الحق حقي ، قالت : فعرفتهم حق معرفتهم بالبصيرة والهداية فيهم من ذلك اليوم ، والحمد لله رب العالمين .
قال الشيخ أبو عبد الله : سألت أبا بكر محمد بن عمر الجعابي ، عن هذه أم سليم ، وقرأت عليه إسناد الحديث للعامة ، واستحسن طريقها وطرىق أصحابنا فيه ، فما عرفت أبا صالح الطرطوسي القاضي فقال : كان ثقة عدلاً حافظاً ، وأما أم سليم فهي امرأة من النمر بن قاسط ، معروفة من النساء اللاتي روين عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . قال : وليست أم سليم الأنصارية أم أنس ابن مالك ، ولا أم سليم الدوسية ، فإنها لها صحبة ورواية ، ولا أم سليم الخافضة التي كانت تخفض الجواري على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا أم سليم الثقفية وهي بنت مسعود أخت عروة بن مسعود الثقفي ، فإنها أسلمت وحسن إسلامها ، وروت الحديث ) .
5 . كفى بالحديث المتقدم دليلاً على إمامة أئمة العترة الاثني عشر ( عليهم السلام ) . ويظهر من ألفاظه أن بعضهم طبع على نفس الحصاة ، وبعضهم أخذ حصاة أخرى وطبع عليها ، فظهر عليها خاتمه وخاتم من قبله من المعصومين ( عليهم السلام ) .
كما أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أعطى أم سليم جواهر ودنانير ، وأحضر حُقها أي صندوقها الذي تضع فيه حليها ، وأعطاها إياه وكان وزنه أثقل . . الخ .
مع يونس الصائغ
روى الطوسي في أماليه / 288 ، عن كافور الخادم قال : ( كان في الموضع مجاورَ الإمام من أهل الصنائع صنوفٌ من الناس وكان الموضع كالقرية ، وكان يونس النقاش يغشي سيدنا الإمام ويخدمه ، فجاءه يوماً يرعد فقال له : يا سيدي أوصيك بأهلي خيراً ، قال ( عليه السلام ) : وما الخبر ؟ قال : عزمت على الرحيل . قال ( عليه السلام ) : ولمَ يا يونس وهو يتبسم ( عليه السلام ) . قال قال يونس : ابن بغا : وجه إليَّ بفصٍّ ليس له قيمة ، أقبلت أنقشه فكسرته باثنين وموعده غداً وهو موسى بن بغا ، إما ألف سوط ، أو القتل !
قال ( عليه السلام ) : إمض إلى منزلك ، إلى غدٍ فَرَجٌ ، فما يكون إلا خيراً . فلما كان من الغد وافى بكرةً يَرْعُد فقال : قد جاء الرسول يلتمس الفص . قال ( عليه السلام ) : إمض إليه فما ترى إلا خيراً . قال : وما أقول له يا سيدي ! ؟ قال : فتبسم ، وقال : إمض إليه واسمع ما يخبرك به ، فلا يكون إلا خيراً !
قال : فمضى وعاد يضحك . قال : قال لي : يا سيدي ! الجواري اختصموا فيمكنك أن تجعله فصين حتى نغنيك ؟ فقال سيدنا الإمام ( عليه السلام ) : اللهم لك الحمد ، إذ جعلتنا ممن يحمدك حقاً ، فأي شئ قلت له ؟ قال قلت له : أمهلني حتى أتأمل أمره كيف أعمله ؟ فقال : أصبت ) .
مع الغفاري من ذرية أبي ذر ( رحمه الله )
في الخرائج ( 1 / 440 ) : ( روي عن علي بن جعفر الحلبي قال : اجتمعنا بالعسكر وترصدنا لأبي محمد ( عليه السلام ) يوم ركوبه ، فخرج توقيعه : ألا لا يسلمن عليَّ أحد ، ولا يشير إليَّ بيده ، ولا يومئ أحدكم ، فإنكم لا تأمنون على أنفسكم . قال : وإلى جانبي شاب ، قلت : من أين أنت ؟ قال : من المدينة . قلت : ما تصنع هاهنا ؟ قال : اختلفوا عندنا في أبي محمد ( عليه السلام ) فجئت لأراه وأسمع منه ، أو أرى منه دلالته ليسكن قلبي ، وإني من ولد أبي ذر الغفاري ، فبينا نحن كذلك إذ خرج أبو محمد ( عليه السلام ) مع خادم له ، فلما حاذانا نظر إلى الشاب الذي بجنبي فقال : أغفاري أنت ؟ قال : نعم . قال : ما فعلت أمك حمدويه ؟ فقال : صالحة . ومَرَّ !
فقلت للشاب : أكنت رأيته قط وعرفته بوجهه قبل اليوم ؟ قال : لا . قلت : فيقنعك هذا ؟ قال : وما دون هذا ) !
المعجزات التسع التي نقلها عنه الطبري
الطبري المشهور منسوبٌ إلى طبرستان في شمال إيران ، وهو من مدينة آمل ، واسمه محمد بن جرير بن يزيد ، وهو مشتركٌ في اسمه واسم أبيه ومدينته مع عالمين شيعيين : محمد بن جرير بن رستم الطبري ، مؤلف المسترشد ، ومحمد بن جرير بن رستم الطبري ، مؤلف دلائل الإمامة .
والطبري المشهور سنيٌّ لكن لا يبعد أنه تسنن بعد أن سكن في بغداد ، فقد كانت طبرستان على مذهب الشيعة ، اشتهر منهم آل رستم ، وقامت في طبرستان دولة زيدية من سنة 250 - 316 هجرية .
قال الحموي في معجم البلدان ( 1 / 57 ) : ( أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ المشهور ، أصله ومولده من آمل ، ولذلك قال أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي ، وأصله من آمل أيضاً ، وكان يزعم أن أبا جعفر الطبري خاله :
بآملَ مولدي وبنو جريرٍ * فأخوالي ويحكي المرءُ خالَهْ
فها أنا رافِضِيٌّ عن تُراثٍ * وغيري رافضيٌّ عن كَلَالَهْ
وكذبَ ، لم يكن أبو جعفر ( رحمه الله ) رافضياً ، وإنما حسدته الحنابلة فرموه بذلك فاغتنمها الخوارزمي ، وكان سباباً رافضياً ، مجاهراً بذلك متبجحاً به ، ومات ابن جرير في سنة 310 ) .
لكن تحاملَ الحموي على الخوارزمي تعصبٌ بلا موجب فقد شهد الخوارزمي بأن أخواله بني جرير رافضة ، أما الطبري المؤرخ فقد يكون أظهر التسنن عندما جاء إلى بغداد ، فقد كان له مع الحنابلة قصة ، ذكرها الحموي في معجم الأدباء : 9 / 18 / 57 ، قال : ( فلما قدم إلى بغداد من طبرستان بعد رجوعه إليها تعصب عليه أبو عبد الله الجصاص وجعفر بن عرفة والبياضي . وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع يوم الجمعة ، وعن حديث الجلوس على العرش فقال أبو جعفر : أما أحمد بن حنبل فلا يُعَدُّ خلافُه . فقالوا له : فقد ذكره العلماء في الاختلاف فقال : ما رأيته رويَ عنه ، ولا رأيت له أصحاباً يُعَوَّلُ عليهم . وأما حديث الجلوس على العرش فمحال ، ثم أنشد :
سبحان من ليس له أنيسُ * ولا له في عرشه جليسُ
فلما سمع ذلك الحنابلة منه وأصحاب الحديث وثبوا ورموه بمحابرهم ! وقيل كانت ألوفاً ، فقام أبو جعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتى صارت على بابه كالتل العظيم ! وركب نازوك صاحب الشرطة في ألوف من الجند يمنع عنه العامة ، ووقف على بابه يوماً إلى الليل ، وأمر برفع الحجارة عنه ، وكان قد كَتَبَ على بابه :
سبحان من ليس له أنيسُ * ولا لهُ في عرشه جليسُ
فأمر نازوك بمحو ذلك ، وكتب مكانه بعض أصحاب الحديث :
لأحمدَ منزلٌ لا شكَّ عالٍ * إذا وافى إلى الرحمن وافدْ
فيدنيه ويقعده كريماً * على رغم لهم في أنف حاسدْ
على عرش يغلفه بطيب * على الأكباد من باغ وعاند
له هذا المقام الفرد حقاً * كذاك رواه ليثٌ عن مجاهدْ
فخلا في داره وعمل كتابه المشهور في الاعتذار إليهم ، وذكر مذهبه واعتقاده ، وجرح من ظن فيه غير ذلك ، وقرأ الكتاب عليهم وفَضَّلَ أحمد بن حنبل ، وذكر مذهبه وتصويب اعتقاده ! ولم يزل في ذكره إلى أن مات ! ولم يخرج كتابه في الاختلاف حتى مات ، فوجدوه مدفوناً في التراب فأخرجوه ونسخوه ، أعني اختلاف الفقهاء ، هكذا سمعت من جماعة ، منهم أبي ( رحمه الله ) ) !
لكن موجة الحنابلة انحسرت فألف الطبري كتابه ضدهم وسماه : الرد على الحرقوصية ! فنسبهم إلى حرقوص إمام الخوارج ، لأن ابن حنبل من ذريته !
وغرضنا هنا ما رواه في دلائل الإمامة من معجزات الإمام العسكري ( عليه السلام ) عن محمد بن جرير ، فهل هو الطبري المعروف أم غيره ؟
وقد رويا هذه المعجزات في دلائل الإمامة / 426 ، قال : ( قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري : حدثنا عبد الله بن محمد قال : رأيت الحسن بن علي السراج ( عليه السلام ) كلم الذئب فكلمه ، فقلت له : أيها الإمام الصالح ، سل هذا الذئب عن أخ لي بطبرستان خلفته وأشتهي أن أراه . فقال لي : إذا اشتهيت أن تراه فانظر إلى شجرة دارك بسر من رأى !
وكان قد أخرج في داره عيناً تنبع عسلاً ولبناً ، فكنا نشرب منه ونتزود !
قال أبو جعفر : دخل على الحسن بن علي ( عليه السلام ) قوم من سواد العراق يشكون قلة الأمطار ، فكتب لهم كتاباً فأمطروا ، ثم جاءوا يشكون كثرته فختم في الأرض ، فأمسك المطر !
قال أبو جعفر : رأيت الحسن بن علي السراج ( عليه السلام ) يمشي في أسواق سُرَّ من رأى ولا ظلَّ له ، ورأيته يأخذ الآس فيجعلها ورقاً ، ويرفع طرفه نحو السماء ويده فيردها ملأى لؤلؤاً . قال أبو جعفر : قلت للحسن بن علي أرني معجزة خصوصية أحدث بها عنك ، فقال : يا ابن جريرلعلك ترتد ! فحلفت له ثلاثاً ، فرأيته غاب في الأرض تحت مصلاه ، ثم رجع ومعه حوت عظيم فقال : جئتك به من الأبحر السبعة ، فأخذته معي إلى مدينة السلام ، وأطعمت منه جماعة من أصحابنا !
قال أبو جعفر : ورأيت الحسن بن علي السراج ( عليه السلام ) يمر بأسواق سر من رأى ، فما مر ببابٍ مقفلٍ إلا انفتح ، ولا دارٍ إلا انفتحت ، وكان ينبؤنا بما نعمله بالليل سراً وجهراً !
قال أبو جعفر : أردتُ التزويج والتمتع بالعراق ، فأتيتُ الحسن بن علي السراج ( عليه السلام ) فقال لي : يا ابن جرير ، عزمت أن تتمتع فتمتع بجارية ناصبة معقبة تفيدك مائة دينار . فقلت : لا أريدها . فقال : قد قضيت لك بها ، فأتيت بغداد وتزوجت بها فأعقبتُ ، وأخذت منها مالاً ثم رجعت فقال : يا ابن جرير ، كيف رأيت آيةالإمام ) .
ملاحظات
1 . خلاصة هذه المعجزات : تكليم الإمام ( عليه السلام ) للذئب . وأن الإمام ( عليه السلام ) جعل الطبري يرى أخاه وهو بعيد عنه ، واستخرج عيناً تنبع عسلاً ولبناً وأرسل رسالة إلى أهل السواد فمطروا ، ثم أوقف المطر بختم الأرض .
وأنه كان يمشي ولا ظل له ، ويأخذ الآس فيجعله عملةً ، ويرفع طرفه نحو السماء ويده ، فيردها ملأى لؤلؤاً ، وما مر بباب مقفل إلا انفتح ، وكان ينبؤهم بما يعملون . وأنه أخبر عن جارية الطبري فكانت كما قال !
2 . من المستبعد أن يكون ابن جرير هذا هو الطبري المشهور ، وإن كان ذلك ممكناً لأن الطبري ولد سنة 224 ، وأكثر من الترحال في طلب العلم حتى استقر في بغداد . لكن لا يوجد مؤيد قوي لهذا الاحتمال ، فلا بد أن يكون أحد الطبريين الشيعيين .
وقد رجح في مقدمة عيون المعجزات لابن جرير الطبري الشيعي / 122 ، أن يكون هو المقصود ، وليس ابن جرير المعروف ، قال : ( من المحتمل جداً أن الطبري صاحب الترجمة كان معاصراً للطبري صاحب التاريخ والتفسير ، وأنه هو الطبري الكبير الذي أدرك أبا محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) ورأى منه تسع معجزات وعبر عنه بالحسن بن علي السراج ، وقد خاطبه الإمام ( عليه السلام ) بقوله : يا ابن جرير ، وأنه رأى خط الإمام بهلاك الزبير بن جعفر المتوكل بعد ثلاثة أيام ، وأنه روى عن علي بن محمد بن زياد الصيمري ، وهو من أصحاب الإمام الهادي ( عليه السلام ) ) .
3 . نلاحظ أنه روى المعجزة الأولى عن : عبد الله بن محمد ، وروى البقية عن الإمام ( عليه السلام ) مباشرة . ويظهر أن عبد الله بن محمد هذا هو البلوي الذي يروي عنه أبو جعفر بن جرير ، كما في دلائل الإمامة / 362 ، ونوادر المعجزات / 113 ، وو 163 و 166 ، وغيرها . وقد ضعفوه ، واتهموه .
دعاء الإمام ( عليه السلام ) على موظف كان يؤذيه
روى في الخرائج ( 2 / 784 ) : ( حدثنا أبو الحسن الموسوي : حدثنا أبي أنه كان يغشى أبا محمد العسكري ( عليه السلام ) بسر من رأى كثيراً ، وأنه أتاه يوماً ، فوجده وقد قدمت إليه دابته ليركب إلى دار السلطان ، وهومتغير اللون من الغضب ، وكان بجنبه رجل من العامة فإذا ركب دعا له وجاء بأشياء يشنع بها عليه ، فكان ( عليه السلام ) يكره ذلك . فلما كان في ذلك اليوم زاد الرجل في الكلام وألح ، فسار حتى انتهى إلى مفرق الطريقين ، وضاق على الرجل أخذهما من كثرة الدواب ، فعدل إلى طريق يخرج منه ويلقاه فيه . فدعا ( عليه السلام ) بعض خدمه وقال له : إمض فكفن هذا . فتبعه الخادم فلما انتهى ( عليه السلام ) إلى السوق ونحن معه ، خرج الرجل من الدرب ليعارضه فكان في الموضع بغل واقف ، فضربه البغل فقتله ! ووقف الغلام فكفنه كما أمره ، وسار ( عليه السلام ) وسرنا معه ) .
أقول : معناه أن ذلك الشخص كان ينتظر الإمام ( عليه السلام ) حتى يركب ليذهب إلى الخليفة أو غيره ، فيرافقه ، ويتكلم بكلام ويتصرف تصرفات لا يرضى بها الإمام ( عليه السلام ) ، ولم تذكر الرواية نوع تصرفات وكلامه .
ويظهر أن الإمام ( عليه السلام ) كان غاضباً منه ودعا عليه وعرف أنه استجيب له وأنه سيضربه بغل ويقتله ، فأرسل خادمه خلفه ليغطي جنازته !
حديث خادمه أبي الأديان ( رحمه الله )
روى الصدوق ( رحمه الله ) في كمال الدين / 475 ، عن أبي الأديان ، قال : ( كنت أخدم الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) وأحمل كتبه إلى الأمصار فدخلت عليه في علته التي توفي فيها صلوات الله عليه ، فكتب معي كتباً وقال : إمض بها إلى المدائن فإنك ستغيب خمسة عشر يوماً وتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر ، وتسمع الواعية في داري وتجدني على المغتسل !
قال أبو الأديان فقلت : يا سيدي فإذا كان ذلك فمن ؟ قال : من طالبك بجوابات كتبي فهو القائم من بعدي ، فقلت : زدني ، فقال : من يصلي علَّي فهو القائم بعدي ، فقلت : زدني ، فقال : من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي ، ثم منعتني هيبته أن أسأله عما في الهميان .
وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها ، ودخلت سر من رأى يوم الخامس عشر كما ذكر لي ( عليه السلام ) فإذا أنا بالواعية في داره ، وإذا به على المغتسل ، وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه بباب الدار ، والشيعة من حوله يعزونه ويهنونه ، فقلت في نفسي : إن يكن هذا الإمام فقد بطلت الإمامة لأني كنت أعرفه يشرب النبيذ ويقامر في الجوسق ( قصر ومحل للقمار ) ويلعب بالطنبور ، فتقدمت فعزيت وهنيت ، فلم يسألني عن شئ .
ثم خرج عقيد فقال : يا سيدي قد كُفِّنَ أخوك فقم وصلِّ عليه ، فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل المعتصم المعروف بسلمة ( أي أبوه قتله المعتصم ولعله الأطروش ) فلما صرنا في الدار إذا نحن بالحسن بن علي صلوات الله عليه على نعشه مكفناً ، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه ، فلما همَّ بالتكبير خرج صبي بوجهه سمرة ، بشعره قطط ، بأسنانه تفليج ، فجبذ برداء جعفر بن علي وقال : تأخر يا عم ، فأنا أحق بالصلاة على أبي ، فتأخر جعفر وقد ارْبَدَّ وجهه واصفرّ ، فتقدم الصبي وصلى عليه ! ودفن إلى جانب قبر أبيه ( عليهما السلام ) .
ثم قال : يا بصري هات جوابات الكتب التي معك ، فدفعتها إليه فقلت في نفسي : هذه بينتان ، بقي الهميان ، ثم خرجت إلى جعفر بن علي وهو يزفر ، فقال له حاجز الوشاء : يا سيدي من الصبي لنقيم الحجة عليه ؟ فقال : والله ما رأيته قط ولا أعرفه .
فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم فسألوا عن الحسن بن علي ( عليهما السلام ) فعرفوا موته فقالوا : فمن نعزي ؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلموا عليه وعَزَّوْهُ وهَنَّوْهُ وقالوا : إن معنا كتباً ومالاً ، فتقول ممن الكتب وكم المال ؟ فقام ينفض أثوابه ويقول : تريدون منا أن نعلم الغيب !
قال : فخرج الخادم فقال : معكم كتب فلان وفلان وفلان ، وهميان فيه ألف دينار وعشرة دنانير منها مطلية ، فدفعوا إليه الكتب والمال وقالوا : الذي وجه بك لأخذ ذلك هو الإمام ، فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك ، فوجه المعتمد بخدمه فقبضوا على صقيل الجارية فطالبوها بالصبي فأنكرته ، وادعت حبلاً بها لتغطي حال الصبي ، فسُلِّمَت إلى ابن أبي الشوارب القاضي ، وبَغَتَهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان فجأة ، وخروج صاحب الزنج بالبصرة ، فشغلوا بذلك عن الجارية ، فخرجت عن أيديهم ، والحمد لله رب العالمين ) .
ملاحظات
1 . سند الرواية علي بن محمد بن حباب أو خشاب ، عن أبي الأديان . ولم تذكرهما الكتب الخاصة بالرجال . لكن القرائن توجب الاطمئنان بروايته . وقد روى الصدوق ( كمال الدين / 474 ) عن أبي الحسن علي بن محمد بن حباب وعن أبي محمد بن خيرويه التستري ، وعن حاجز الوشاء ، وعن أبي سهل بن نوبخت ، كلهم عن عقيد الخادم أنه قال : ( ولد ولي الله الحجة بن الحسن ابن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، صلوات الله عليهم أجمعين ، ليلة الجمعة ، غرة شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين من الهجرة ، ويكنى أبا القاسم ويقال أبو جعفر ، ولقبه المهدي ، وهو حجة الله عز وجل في أرضه على جميع خلقه ، وأمه صقيل الجارية ، ومولده بسر من رأى في درب الراضة . وقد اختلف الناس في ولادته ، فمنهم من أظهر ، ومنهم من كتم ، ومنهم من نهى عن ذكر خبره ، ومنهم من أبدى ذكره والله أعلم به ) .
أقول : ورواية ابن حباب عن هؤلاء الجماعة الكبار يدل على مستواه العالي . أما قوله إنه المهدي ( عليه السلام ) ولد سنة 254 في أول شهر رمضان وأمه صقيل ، فهو خلاف المتفق عليه عند الشيعة ، وأنه ولد سنة 256 في ليلة النصف من شعبان والظاهر أن هذه رواية التقية التي كانت سائدة لتضليل السلطة وتسكيتها .
وروى عنه عمر بن شبة المعاصر له ، قال : ( وحدثنا علي بن محمد بن حباب بن موسى ) . ( الأغاني : 16 / 330 ) وتوفي ابن شبة سنة 262 ( تاريخ ابن الوردي / 229 ) .
كما ذكر الصفدي محمداً وقد يكون ابنه ، قال في الوافي ( 4 / 100 ) : ( محمد بن علي بن محمد بن حباب أبو عبد الله الصوري الشاعر ، كان فصيحاً توفي بطرابلس وقد نيف على السبعين ، وكانت وفاته سنة ثلاث وستين وأربع مائة ) .
ونقل التستري في قاموس الرجال ( 11 / 203 ) أن في نسخته من الإكمال ( محمد بن خشاب ) . وهو تصحيف .
والنتيجة : أنه شيخ الصدوق ( رحمه الله ) وصفاته تؤشر على وثاقته .
أما أبو الأديان ، فالقرائن على توثيقه أقوى ، لأن علو المتن ، ووعيه العقائدي وعقله الراجح كما تدل روايته ، يكفي لاطمئنان الإنسان بوثاقته .
واسم أبي الأديان مميز ، ولم أجد بهذا الاسم إلا أبا الأديان البغدادي ، وقد ترجم له الخطيب وابن عساكر ، وذكرا أنه شيخ الصوفية ، وأنه صاحب كرامات . وقد يكون من أولاد صاحبنا أبي الأديان السامرائي ، خاصة أن سامراء خربت بعد الإمام العسكري ( عليه السلام ) ونزح أكثر أهلها إلى بغداد .
قال الخطيب ( 5 / 380 ) وابن عساكر ( 5 / 490 ) : ( وكان أبو الأديان من شيوخ الصوفية ، سمع أحمد بن محبوب ، وأبا مسلم الكجي ، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة ، ومحمد بن يحيى المروزي ، ومحمد بن يوسف بن البركي ، والحسن بن علي بن المتوكل ، ومحمد بن الحسين الأنماطي ، وأبا السري محمد بن نعيم الأنصاري ، وأبا برزة الحاسب ، ويوسف بن يعقوب القاضي ، ومحمد بن عبد الله الحضرمي ، وأبا خليفة الجمحي ، وغيرهم من شيوخ الشام ومصر . حدثنا عنه محمد بن أحمد بن إسحاق البزاز وكان ثقة ، سكن مكة وحدث بها ) .
واشتهر أحد كبار الفقهاء الصوفية باسم : غلام أبي الأديان لقصة له معه .
قال الخطيب : ( 5 / 380 ) : ( أحمد بن محبوب بن سليمان ، أبو الحسن الفقيه الصوفي ، يعرف بغلام أبي الأديان ) . وذكر أنه توفي سنة 357 .
2 . كانت السلطة تعتقد أن أم الإمام المهدي ( عليه السلام ) هي صقيل جارية الإمام ( عليه السلام ) ويظهر من الأحاديث أنها أوثق جواري الإمام ( عليه السلام ) عنده ، وأنها كانت تطيع والدته رضي الله عنها ، وقد ادعت الحمل بأمرها لتسكيت السلطة عن البحث عن المهدي ( عليه السلام ) ، وعن مصادرة منزله .
وكذا يظهر أن غلامه النوبي المدعو عقيداً ( رحمه الله ) ، كان من أقرب الناس اليه ، وكان من خدام أبيه ، ومن تربيته هو ( عليهما السلام ) .
3 . في حديث أبي الأديان حقائق ودقائق عديدة عن علاقة الشيعة بالأئمة ( عليهم السلام ) ، وعن وضع الخلافة في سامراء ، ومكانة الإمام العسكري ( عليه السلام ) عند كبار القوم ، وعن ظهور الإمام المهدي ( عليه السلام ) وظهور معجزاته للناس في الفترات الحساسة وعن يقين السلطة بوجود ولد للإمام ( عليه السلام ) وعجزها عن القبض عليه .
رسالة الإمام "ع" إلى وفد قم وهم في الطريق
في الهداية الكبرى / 342 : « عن أحمد بن داود القمي ، ومحمد بن عبد الله الطلحي ، قالا : حملنا ما جمعنا من خمس ونذور وبِرّ ، من غير ورق وحلي وجوهر وثياب ، من بلاد قم وما يليها ، وخرجنا نريد سيدنا أبا محمد الحسن ( عليه السلام ) ، فلما وصلنا إلى دسكرة الملك تلقانا رجلٌ راكبٌ على جمل ، ونحن في قافلة عظيمة فقصد إلينا وقال : يا أحمد الطلحي معي رسالة إليكم ، فقلنا من أين يرحمك الله ، فقال : من سيدكم أبي محمد الحسن ( عليه السلام ) يقول لكم : أنا راحل إلى الله مولاي في هذه الليلة ، فأقيموا مكانكم حتى يأتيكم أمر ابني محمد ، فخشعت قلوبنا ، وبكت عيوننا ، وقرحت أجفاننا لذلك ، ولم نظهره . وتركنا المسير ، واستأجرنا بدسكرة الملك منزلاً وأخذنا ما حملنا إليه ، وأصبحنا والخبر شائع بالدسكرة بوفاة مولانا أبي محمد الحسن ( عليه السلام ) فقلنا لا إله إلا الله ، ترى الرسول الذي أتانا بالرسالة أشاع الخبر في الناس ، فلما تعالى النهار رأينا قوماً من الشيعة على أشد قلق لما نحن فيه فأخفينا أمر الرسالة ولم نظهره ، فلما جَنَّ علينا الليل جلسنا بلا ضوء حزناً على سيدنا الحسن ( عليه السلام ) نبكي ونشكي إلى الله فقده ، فإذا نحن بيد قد دخلت علينا من الباب فضاءت كما يضئ المصباح ، وهي تقول : يا أحمد هذا التوقيع إعمل به وبما فيه ، فقمنا على أقدامنا وأخذنا التوقيع فإذا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : من الحسن المسكين لله رب العالمين ، إلى شيعته المساكين : أما بعد ، فالحمد لله على ما نزل منه ، ونشكر إليكم جميل الصبر عليه ، وهو حسبنا في أنفسنا وفيكم ونعم الوكيل . ردوا ما معكم ، ليس هذا أوان وصوله إلينا ، فإن هذا الطاغي قد دنت غشيته إلينا ، ولو شئنا ما ضركم ، وأمرنا يرد عليكم .
ومعكم صرة فيها سبعة عشر ديناراً في خرقة حمراء ، إلى أيوب بن سليمان ، الآن فردوها ، فإنه حملها ممتحناً لنا بها بما فعله ، وهو ممن وقف عند جدي موسى بن جعفر ( عليه السلام ) فردوا صرته عليه ، ولا تخبروه !
فرجعنا إلى قم ، فأقمنا بها سبع ليال ، ثم جاءنا أمر ابنه : قد بعثنا إليكم إبلاً غير إبلكم ، إحملا ما قِبَلَكُما عليها واخليا لها السبيل فإنها واصلةٌ إليَّ ! وكانت الإبل بغير قائد ولا سائق ، على وجه الأول منها بهذا الشرح ، وهو مثل الخط الذي بالتوقيع التي أوصلته إلى الدسكرة ، فحملنا ما عندنا واستودعناه وأطلقناهم .
فلما كان من قابل خرجنا نريده ( عليه السلام ) فلما وصلنا إلى سامرا دخلنا عليه فقال لنا : يا أحمد ومحمد أدخلا من الباب الذي بجانب الدار ، وانظرا ما حملتماه على الإبل فلا تفقدا منه شيئاً . فدخلنا من الباب فإذا نحن بالمتاع كما وعيناه وشددناه لم يتغير ، فحللناه كما أمرنا وعرضنا جمعه ، فما فقدنا منه شيئاً ، فوجدنا الصرة الحمراء والدنانير فيها بختمها ، وكنا قد رددناها على أيوب ، فقلنا : إنا لله وإنا إليه راجعون ، فقلنا : إنها من سيدنا فصاح بنا من مجلسه : فما لكما بدت لكما سوءاتكما ! فسمعنا الصوت فأتينا إليه فقال : من أيوب وقتَ وردت الصرة عليه فقبل الله إيمانه وقبل هديته فحمدنا الله وشكرناه على ذلك ، فكان هذا من دلائله ( عليه السلام ) » .
ملاحظات
وصل وفدٌ من قم إلى سامراء قر ب وفاة الإمام العسكري ( عليه السلام ) ، وكان وفد آخر في الطريق ، وهذا يدل على أهمية قم وأن أكثر الشيعة في إيران كانوا يراجعون وكلاء الأئمة ( عليهم السلام ) فيها ، ويرسلون بواسطتهم مسائلهم وحقوقهم .
وقد يشكل على الرواية بأنها من كتاب الهداية ، وهو ومؤلفه محل بحث عند علمائنا ، وأكثرهم لا يقبلونه ، ويتهمونه بالغلو والانحراف .
والإشكال الآخر : أنه بعد أن أرجعهم الإمام ( عليه السلام ) إلى قم ، وأرسل لهم إبلاً أخرى وحملوها الهدايا والحقوق وأوصلتها إلى الإمام ( عليه السلام ) ، كيف أبقاها سنة حتى جاؤوا ، قالت الرواية : ( فلما كان من قابل خرجنا نريده ( عليه السلام ) فلما وصلنا إلى سامرا . . . فإذا نحن بالمتاع كما وعيناه وشددناه لم يتغير ) .
ومهما يكن ، فإن مقام الإمام ( عليه السلام ) ومعجزاته أبلغ من هذه وأكبر .
معجزاته التي رواها أبو هاشم الجعفري
قال السيد الخوئي في معجمه ( 8 / 122 ) : ( داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، أبو هاشم الجعفري ( رحمه الله ) : كان عظيم المنزلة عند الأئمة ( عليهم السلام ) شريف القدر ، ثقة ، من أهل بغداد ، وقد شاهد جماعة منهم : الرضا والجواد والهادي والعسكري وصاحب الأمر ، وقد روى عنهم كلهم ، وله أخبار ومسائل ، وله شعر جيد فيهم ) .
وفي المناقب ( 3 / 525 ) : ( ومن ثقاته علي بن جعفر ، قيَّمٌ لأبي الحسن ، وأبو هاشم داود بن القاسم الجعفري ، وقد رأى خمسة من الأئمة ) .
وقد ذكرنا في سيرة الإمام الهادي ( عليه السلام ) موقفه مع حاكم بغداد ابن طاهر ، عندما أراد صلب رأس الثائر يحيى بن عمر العلوي . قال الطبري ( 7 / 427 ) : ( فدخل عليه داود بن القاسم أبو هاشم الجعفري فيمن دخل ، فسمعهم يهنونه فقال : أيها الأمير إنك لتُهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حياً لعُزِّيَ به !
فما رد عليه محمد بن عبد الله شيئاً ، فخرج أبو هاشم الجعفري وهو يقول :
يا بني طاهر كُلُوهُ وَبِيّاً * إن لحمَ النبيِّ غيرُ مَرِيِّ
إن وتراً يكونُ طالبهُ الله * لوترٌ نجاحُهُ بالحرِيِّ ) .
وآل طاهر أسرة قديمة تنتسب إلى أمراء الفرس الأولين ، نبغ منها في عهد بني العباس طاهر بن الحسين ، قاد جيش المأمون ودخل بغداد وقتل أخاه ووطد ملكه ، فولاه خراسان وأطلق يده فيها .
ويظهر أن بني طاهر كانوا كالعباسيين يعتقدون بصدق النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقد روى أبو الفرج أن محمد بن طاهر والي بغداد تشاءم من قتل يحيى بن عمر العلوي ، فأرسل عائلته إلى خراسان : « وأمر محمد بن عبد الله حينئذ أخته ونسوة من حرمه بالشخوص إلى خراسان ، وقال : إن هذه الرؤس من قتلى أهل هذا البيت لم تدخل بيت قوم قط إلا خرجت منه النعمة ، وزالت عنه الدولة ، فتجهزن للخروج » ! « مقاتل الطالبيين / 423 » .
وبالفعل جاءهم الشؤم في الصراعات بين خلفاء بني عباس ، وانتهت دولتهم بعد قتلهم يحيى فما انتعشوا بعد ذلك ! « نثر الدرر : 1 / 265 » .
وفي مستدرك سفينة البحار ( 5 / 228 ) أن أبا هاشم الجعفري توفي سنة 261 ( رحمه الله ) ، بعد أن تشرف برؤية الإمام المهدي صلوات الله عليه .
وقد روى أبو هاشم عدداً من معجزات الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) ، منها :
في الكافي ( 1 / 512 ) : ( عن أبي هاشم الجعفري قال : دخلت على أبي محمد ( عليه السلام ) يوماً وأنا أريد أن أسأله ما أصوغ به خاتماً أتبرك به ، فجلست وأنسيت ما جئت له ، فلما ودعت ونهضت رمى إليَّ بالخاتم فقال : أردت فضة فأعطيناك خاتماً ، ربحت الفص والكرا ، هناك الله يا أبا هاشم .
فقلت : يا سيدي ، أشهد أنك ولي الله وإمامي الذي أدين الله بطاعته ، فقال : غفر الله لك يا أبا هاشم ) .
في الخرائج للقطب الراوندي ( 2 / 682 ) والثاقب لابن حمزة / 577 : ( عن أبي هاشم الجعفري قال : كنت في الحبس مع جماعة ، فحُبس أبو محمد ( عليه السلام ) وأخوه جعفر ، فحففنا به وقبلت وجه الحسن ، وأجلسته على مُضََّربَةٍ ( بساط مخطط ) كانت تحتي ، وجلس جعفر قريباً منه . فقال جعفر : واشطناه بأعلى صوته يعني جارية له ، فزجره أبو محمد وقال له : أسكت . وإنهم رأوا فيه أثر السكر ! وكان المتولي لحبسه صالح بن وصيف ، وكان معنا في الحبس رجل جُمحي يدعي أنه علوي ، فالتفت أبو محمد ( عليه السلام ) وقال : لولا أن فيكم من ليس منكم ، لأعلمتكم متى يفرج الله عنكم ، وأومأ إلى الجمحي فخرج ، فقال أبو محمد : هذا الرجل ليس منكم فاحذروه ، وإن في ثيابه قصة قد كتبها إلى السلطان يخبره بما تقولون فيه !
فقام بعضهم ففتش ثيابه فوجد فيها القصة يذكرنا فيها بكل عظيمة ، ويعلمه على أنا نريد أن ننقب الحبس ونهرب !
ومنها : ما قال أبو هاشم : إن الحسن ( عليه السلام ) كان يصوم ، فإذا أفطرأكلنا معه مما كان يحمله إليه غلامه في جونة مختومة ، وكنت أصوم معه ، فلما كان ذات يوم ضعفت فأفطرت في بيت آخر على كعكة وما شعر بي أحد ثم جئت وجلست معه فقال لغلامه : أطعم أبا هاشم شيئاً فإنه مفطر ، فتبسمت فقال : مايضحكك يا أبا هاشم ؟ إذا أردت القوة فكل اللحم فإن الكعك لا قوة فيه . فقلت : صدق الله ورسوله وأنتم عليكم السلام . فأكلت فقال : أفطر ثلاثاً فإن المنة ( القوة ) لا ترجع لمن أنهكه الصوم في أقل من ثلاث . فلما كان في اليوم الذي أراد الله أن يفرج عنا ، جاءه الغلام فقال : يا سيدي أحمل فطورك ؟ فقال : إحمل وما أحسبنا نأكل منه . فحمل طعام الظهر وأطلق عند العصر عنه وهو صائم فقال : كلوا هنأكم الله ) .
في كشف الغمة ( 3 / 220 ) : ( عن محمد بن حمزة السروري قال : كتبت على يد أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري ، وكان لي مواخياً ، إلى أبي محمد ، أسأله أن يدعو لي بالغنى ، وكنت قد أملقت ، فأوصلها وخرج الجواب على يده : أبشر فقد جاءك الله تبارك وتعالى بالغنى ، مات ابن عمك يحيى بن حمزه وخلف مائة ألف درهم ، وهي واردةٌ عليك فاشكر الله ، وعليك بالإقتصار وإياك والإسراف فإنه من فعل الشيطنة .
فورد عليَّ بعد ذلك قادم معه سفاتج من حران ، وإذا ابن عمي قد مات في اليوم الذي رجع إليَّ أبو هاشم بجواب مولاي أبي محمد ، فاستغنيت وزال الفقر عني كما قال سيدي ، فأديت حق الله في مالي وبررت إخواني وتماسكت بعد ذلك ، وكنت رجلاً مبذراً ، كما أمرني أبو محمد ( عليه السلام ) ) .
إثبات الوصية للمسعودي ( 1 / 248 ) : ( شكوت إلى أبي محمد ( عليه السلام ) ضيق الحبس وثقل القيد ، فكتب إليَّ : تصلي اليوم الظهر في منزلك ، فأخرجت في وقت الظهر ، فصليت في منزلي كما قال ( عليه السلام ) ) .
إثبات الوصية للمسعودي ( 1 / 249 ) : ( كتبت إلى أبي محمد ( عليه السلام ) حين أخذ المهتدي : يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنا ، فقد بلغني أنه يتهدد شيعتك ويقول والله لأجلينهم عن جديد الأرض ! فوقع بخطه ( عليه السلام ) : ذاك أقصر لعمره ، عُدَّ من يومك هذا خمسة أيام ، فإنه يقتل في يوم السادس بعد هوان واستخفاف وذل يلحقه ! فكان كما قال ( عليه السلام ) ) .
إثبات الوصية / 249 : ( قال : سأل محمد بن صالح الأرمني أبا محمد ( عليه السلام ) عن قول الله عز وجل : يَمْحُواْ اللَّه مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ، فقال : هل يمحوإلا ما كان ، وهل يثبت إلا ما لم يكن ؟ فقلت في نفسي : هذا خلاف ما يقول هشام الفوطي إنه لا يعلم الشئ حتى يكون . فنظر إليَّ شزراً وقال : تعالى الله الجبار العالم بالشئ قبل كونه ، الخالق إذ لا مخلوق ، والرب إذ لا مربوب ، والقادر قبل المقدور عليه . فقلت : أشهد أنك ولي الله وحجته ، والقائم بقسطه ، وأنك على منهاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ) .
في الثاقب في المناقب لابن حمزة / 217 ، والخرائج ( 1 / 421 ) : ( قال أبو هاشم : إن أبا محمد ( عليه السلام ) ركب يوماً إلى الصحراء فركبت معه ، فبينا نسير وهو قدامي وأنا خلفه ، إذ عرض لي فكر في دَيْن كان عليَّ قد حان أجله ، فجعلت أفكر من أي وجه قضاؤه . فالتفت إليَّ فقال : يا أبا هاشم ، الله يقضيه . ثم انحنى على قربوس سرجه فخط بسوطه خطة في الأرض وقال : إنزل فخذ واكتم ، فنزلت فإذا سبيكة ذهب ! قال : فوضعتها في خفي وسرنا ، فعرض لي الفكر فقلت : إن كان فيها تمام الدَّيْن وإلا فإني أرضي صاحبه بها ، ويجب أن ننظرالآن في وجه نفقة الشتاء وما نحتاج إليه فيه من كسوة وغيرها . فالتفت إليَّ ثم انحنى ثانيةً وخط بسوطه خطةً في الأرض مثل الأولى ، ثم قال : إنزل ، فخذ واكتم ، قال : فنزلت وإذا سبيكة فضة ، فجعلتها في خفي الآخر وسرنا يسيراً ، ثم انصرف إلى منزله وانصرفت إلى منزلي ، فجلست فحسبت ذلك الدين ، وعرفت مبلغه ، ثم وزنت سبيكة الذهب ، فخرجت بقسط ذلك الدين ، ما زادت ولا نقصت ! ثم نظرت فيما نحتاج إليه لشتوتي من كل وجه ، فعرفت مبلغه الذي لم يكن بد منه على الإقتصاد ، بلا تقتير ولا إسراف ، ثم وزنت سبيكة الفضة فخرجت على ما قدرته ما زادت ولا نقصت ) !
في الكافي ( 1 / 507 ) : ( عن أبي هاشم الجعفري قال : شكوت إلى أبي محمد ( عليه السلام ) فحك بسوطه الأرض ، قال : وأحسبه غطاه بمنديل وأخرج خمس مائة دينار ، فقال : يا أبا هاشم : خذ واعذرنا . .
حدثني أبو هاشم الجعفري قال : شكوت إلى أبي محمد ( عليه السلام ) ضيق الحبس وكتل القيد ، فكتب إلي أنت تصلي اليوم الظهر في منزلك ، فأخرجت في وقت الظهر فصليت في منزلي كما قال ( عليه السلام ) .
وكنت مضيقاً فأردت أن أطلب منه دنانير في الكتاب فاستحييت ، فلما صرت إلى منزلي وجه إلي بمائة دينار وكتب إلي : إذا كانت لك حاجة فلا تستحِ ولا تحتشم واطلبها ، فإنك ترى ما تحب إن شاء الله ) .
في الكافي ( 1 / 495 ) : ( عن داود بن القاسم الجعفري قال : دخلت على أبي جعفر ( عليه السلام ) ومعي ثلاث رقاع غير معنونة ، واشتبهت عليَّ فاغتممت فتناول إحداهما وقال : هذه رقعة زياد بن شبيب ، ثم تناول الثانية ، فقال هذه رقعة فلان ، فبهتُّ أنا ، فنظر إليَّ فتبسم .
قال : وأعطاني ثلاث مائة دينار وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمه وقال : أما إنه سيقول لك : دلني على حريف يشتري لي بها متاعاً ، فدله عليه ، قال : فأتيته بالدنانير فقال لي : يا أبا هاشم دلني على حريف يشتري لي بها متاعاً ، فقلت : نعم . قال : وكلمني جَمَّالٌ أن أكلمه له يدخله في بعض أموره ، فدخلت عليه لأكلمه له فوجدته يأكل ومعه جماعة ولم يمكني كلامه ، فقال ( عليه السلام ) : يا أبا هاشم كل ووضع بين يدي ثم قال ابتداء منه من غير مسألة : يا غلام أنظر إلى الجمال الذي أتانا به أبو هاشم ، فضمه إليك !
قال : ودخلت معه ذات يوم بستاناً فقلت له : جعلت فداك إني لمولع بأكل الطين فادع الله لي ، فسكت ثم قال لي بعد ثلاثة أيام ابتداءً منه : يا أبا هاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين . قال أبو هاشم : فما شئ أبغض إليَّ منه اليوم ) .
وفي إعلام الورى ( 2 / 142 ) : ( عن أبي هاشم قال : كتب إليه بعض مواليه يسأله أن يعلمه دعاءً فكتب إليه : أدع بهذا الدعاء : يا أسمع السامعين ، ويا أبصر المبصرين ، ويا أنظر الناظرين ، ويا أسرع الحاسبين ، ويا أرحم الراحمين ، ويا أحكم الحاكمين ، صلِّ على محمد وآل محمد وأوسع لي في رزقي ، ومُدَّ لي في عمري ، وامنن عليَّ برحمتك ، واجعلني ممن تنتصر به لدينك ، ولا تستبدل به غيري . قال أبو هاشم : فقلت في نفسي : اللهم اجعلني في حزبك وفي زمرتك .
فأقبل عليَّ أبو محمد ( عليه السلام ) فقال : أنت في حزبه وفي زمرته إن كنت بالله مؤمناً ، ولرسوله مصدقاً ، وبأوليائه عارفاً ، ولهم تابعاً ، فأبشر ، ثم أبشر ) .
وفي مناقب آل أبي طالب ( 3 / 528 ) : ( أبو هاشم الجعفري ، عن داود بن الأسود وَقَّاد حمام أبي محمد ( عليه السلام ) قال : دعاني سيدي أبو محمد فدفع إليَّ خشبة كأنها رجل باب مدورة طويلة ، ملء الكف ، فقال : صِرْ بهذه الخشبة إلى العمري ، فمضيت فلما صرت إلى بعض الطريق عرض لي سَقَّاءٌ معه بغل ، فزاحمني البغل على الطريق ، فناداني السقاء ضَحِّ على البغل فرفعت الخشبة التي كانت معي فضربت البغل فانشقت ، فنظرت إلى كسرها فإذا فيها كتب ، فبادرت سريعاً فرددت الخشبة إلى كمي فجعل السقاء يناديني ويشتمني ويشتم صاحبي ، فلما دنوت من الدار راجعاً استقبلني عيسى الخادم عند الباب فقال : يقول لك مولاي أعزه الله : لم ضربت البغل وكسرت رجل الباب ؟ فقلت له : يا سيدي لم أعلم ما في رجل الباب ، فقال : ولم احتجت أن تعمل عملاً تحتاج أن تعتذر منه ! إياك بعدها أن تعود إلى مثلها ، وإذا سمعت لنا شاتماً فامض لسبيلك التي أمرت بها ، وإياك أن تجاوب من يشتمنا أو تعرفه من أنت ، فإننا ببلد سوء ومصر سوء ! وامض في طريقك فإن أخبارك وأحوالك ترد الينا ، فاعلم ذلك ) !
ملاحظات
1 . معنى وَقَّاد الحمام : الخادم الذي يهئ حطب الحمام ويُحميه ، فقد كانت حماماتهم غرفة منفصلة عن مبنى البيت ، وكانوا يوقدون تحتها النار حتى تكون أرضها حارة ، مضافاً إلى حوض مائها .
2 . أرسل الإمام ( عليه السلام ) هذه الرسائل مع هذا الخادم إلى وكيله العمري ، ليرسلها إلى أصحابها في بلادهم . ومعناه أن رقابة الخليفة كانت شديدة على العمري ، ولم يكن يستطيع المجئ إلى بيت الإمام ( عليه السلام ) بحريته !
3 . لعل العَمْري أرسل الرسائل إلى الإمام ( عليه السلام ) في تلك العلبة التي تشبه رجل الباب لإخفائها عن رقابة الخليفة . ورِجْلُ الباب خشبة مدورة يغرز رأسها في عتبة الباب السفلى ، ومثلها في العليا ليدور عليها الباب عند فتحه وغلقه .
4 . متابعة الإمام لهذا الخادم يدل على أهمية تلك الرسائل ، وعلى الضرر الكبير لو انكشفت ووصلت أسماء أصحابها أو مضامينها إلى الخليفة .
5 . قول الإمام ( عليه السلام ) أو وكيله للخادم : ( وإياك أن تجاوب من يشتمنا ، أو تُعرفه من أنت ، فإننا ببلد سوء ومصر سوء ، وامض في طريقك ) .
يدل على أن البلد يستعمل بمعنى المدينة ، والمصر بمعنى المنطقة والدولة . وعلى أن سامراء ومحيطها كان سيئاً لا التزام عند أهله بقيم الدين ، ولا معرفة لهم بحق أهل البيت ( عليه السلام ) ، بل هم يتزلفون إلى السلطة . .
6 . قوله ( عليه السلام ) : ( فإن أخبارك وأحوالك تَرِدُ الينا ) ! يدل على أن الإمام ( عليه السلام ) يستطيع أن يراقب من يؤدي مهمته ، وهذه عقيدتنا في الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) .
ففي بصائر الدرجات / 325 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إن الإمام مؤيدٌ بروح القدس ، وبينه وبين الله عز وجل عمود من نور ، يرى فيه أعمال العباد ، وكلما احتاج إليه لدلالةٍ اطلع عليه ) .
( إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك ) . ( الخصال / 528 ) .
أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان
في الكافي ( 1 / 509 ) : ( عن الأقرع قال : كتبت إلى أبي محمد أسأله عن الإمام هل يحتلم ؟ وقلت في نفسي بعدما فصل الكتاب : الاحتلام شيطنة ، وقد أعاذ الله تبارك وتعالى أولياء ه من ذلك ، فورد الجواب : حال الأئمة في المنام حالهم في اليقظة ، لا يغير النوم منهم شيئاً ، وقد أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان ، كما حدثتك نفسك ) .
كن حلساً من أحلاس بيتك
في الخرائج ( 1 / 451 ) : ( قال علي بن محمد بن زياد : إنه خرج إليه توقيع أبي محمد ( عليه السلام ) فيه : فكن حلساً من أحلاس بيتك . قال : فنابتني نائبة فزعت منها ، فكتبت إليه : أهي هذه ؟ فكتب : لا ، أشد من هذه ! فطلبت بسبب جعفر بن محمود ونودي عليَّ : من أصابني فله مائة ألف درهم ) .
أقول : علي بن محمد بن زياد الصيمري ، من وجهاء الشيعة وشخصياتهم ، وكان صهر رئيس وزراء العباسيين .
قال عنه الوحيد في تعليقته / 258 : ( قوله علي بن محمد الصيمري : الآتي ترحم عليه الصدوق ، وفي كمال الدين أنه سأل من الصاحب كفناً فبعث اليه قبل موته بشهر ، وفي الكافي بدل بشهر بأيام ، وفيه أيضاً السائل علي بن زياد الصيمري ، وهو قرينة الاتحاد كما ذكره المصنف ، وفي مهج الدعوات لابن طاوس ( رحمه الله ) أن كتاب الأوصياء تأليف السعيد علي بن محمد بن زياد الصيمري ، إلى أن قال : ووجد هذا الكتاب في خزانة مصنفه بعد وفاته سنة ثمانين ومأتين ، وكان رضي الله عنه قد لحق مولانا الهادي ومولانا العسكري صلوات الله عليهما وخدمهما ، وكاتبا ودفعا اليه توقيعات كثيرة انتهى .
وربما يعبر عنه بعلي بن محمد الصيمري ، وفيه أيضاً أنه صهر جعفر بن محمود الوزير ، على ابنته أم أحمد وإنه كان رجلاً من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدماً في الكتابة والعلم والأدب والمعرفة ، فثبت توثيقه مضافاً إلى تجليله وتعظيمه وأنه من خدامهما ( عليهما السلام ) وقد أكثر من الترضي عليه ) .
وكان صهر جعفر بن محمود وزير المعتز والمهتدي ، وقد غضب عليه المعتز في صراعه مع الأتراك وعزله ، وغضب معه على صهره الصيمري ، وجعل جائزة لمن وجده مئة ألف درهم . ولهذا نبهه الإمام العسكري ( عليه السلام ) قبل الحادثة .
قال الصفدي في الوافي ( 11 / 118 ) : ( جعفر بن محمود أبو الفضل الإسكافي ولي الوزارة للمعتز حين خرج المستعين إلى بغداد ، وبايع الأتراك المعتز بسر من رأى في المحرم سنة إحدى وخمسين ومئتين ، ولم يكن للوزير أدبٌ وكان ثقيلاً على قلب المعتز ، وكان يصبر عليه لميل الأتراك إليه وكان وزيره أيام الفتنة ، وبعد أن صحت له الخلافة أشهراً ، وكان المغاربة يبغضونه لحب الأتراك إياه ، حتى وقعت بينهم حروب وشكوه إلى المعتز فقال جعفر يضرب بينكم ، فعزله في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وخمسين ومئتين ، ونفاه إلى تكريت . وكان جعفر من كبار الشيعة .
ثم إنه ولي الوزارة للمهتدي حين ولي الخلافة ، وأخذ له البيعة على الناس فوزر له مُدَيْدَةً ، ثم إن الهاشميين دخلوا على المهتدي وقالوا له إنه رافضي وإن أصحابه يكاتبون العلوية بخراسان بأخبار المملكة ، فنفاه إلى بغداد وحبسه . وفي جعفر يقول بعض الكُتاب :
لسنا نؤملُ جعفراً لسَدادِ * بل جعفرٌ أصلٌ لكلِّ فسادِ
مترفضٌ بالنقص لا ببصيرةٍ * لا يهتدي جهلاً لأمر رشاد
يُزري على لبس السواد فوجهه * من أجل ذاك مربَّدٌ بسواد
قل للخليفة يا ابن عم محمد * كن من خيانته على أرصاد
لا تركننَّ إلى لعينٍ مبغضٍ * يختص غيركم بصفو وداد
شرد به يا ابن الخلائف وانْفِهِ * لأشَطِّ قِطْرٍ نازعٍ وبلاد
وتوقَّ آراءً له معكوسةً * تمضي بأخبث نيةٍ وعناد
وكان إذا أراد أن يولي أحداً ناحية قال في مجلسه : أريد من أوليه ناحية كذا ، ثم يتقدم إلى أصحاب الأخبار أن يكاتبوه بقول الناس ومن الذي يرجفون له بها ، فإن أرجفوا لواحد ولاه ، وإن أرجفوا لجماعة اختار منهم واحداً ، وكان يقول : من مروءة الكاتب كمال آلة دواته . وتوفي في المحرم سنة ثمان وستين ومئتين ) .
أقول : الظاهر أن سبب عزل جعفر بن محمود الإسكافي سياسي ، وليس لأنه شيعي ، وذلك لأن المهتدي عينه بعدها رئيس وزرائه .
قال الذهبي في تاريخ الإسلام وهو يمدح المهتدي ( 19 / 328 ) : ( وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين ، يجلس بنفسه ، ويجلس الكتاب بين يديه فيعملون الحساب . وكان لا يخل بالجلوس الخميس والاثنين . وقد ضرب جماعة من الرؤساء . ونفى جعفر بن محمود إلى بغداد ، وكره مكانه لأنه نسب عنده إلى الرفض ) .
وكانت خلافة المعتز « 252 - 255 » والمهتدي « 255 - 256 » فإن كان القبض على صهره الصيمري بعد عزله الأول ، فهو في حياة الإمام الهادي ( عليه السلام ) ، وإن كان في عزله الثاني فهو في عصر المهتدي بعد وفاة الإمام الهادي ( عليه السلام ) .
وفي كلتا الحالتين فهي كرامة للإمام العسكري ( عليه السلام ) لأنه حذره قبل الحادثة .
إن أجاب عن كتاب بلا مداد !
في مناقب آل أبي طالب ( 3 / 538 ) : ( محمد بن عياش قال : تذاكرنا آيات الإمام فقال ناصبي : إن أجاب عن كتاب بلا مداد علمت أنه حق ! فكتبنا مسائل وكتب الرجل بلا مداد على ورق ، وجُعل في الكتب ، وبعثنا إليه ، فأجاب عن مسائلنا ، وكتب على ورقه اسمه واسم أبويه ، فدهش الرجل ، فلما أفاق اعتقد الحق ) .
أبرأ الأبرص
في نوادر المعجزات / 188 : ( قال أحمد بن علي : دعانا عيسى بن الحسن القمي أنا وأبا علي وكان أهوجاً ( كالأحمق ) فقال لنا : أدخلني ابن عمي أحمد بن إسحاق إلى أبي الحسن ( عليه السلام ) فرأيته وكلمه بكلام لم أفهمه . فقال له : جعلني الله فداك ، هذا ابن عمي عيسى بن الحسن وبه بياض في ذراعه كأمثال الجوز . قال : فقال لي : تقدم يا عيسى فتقدمت .
قال فقال لي : أخرج ذراعك ، فأخرجت ذراعي فمسح عليها ، وتكلم بكلام خفي طوَّل فيه ، ثم قال في آخره ثلاث مرات : بسم الله الرحمن الرحيم ، ثم التفت إلى أحمد بن إسحاق فقال له : يا أحمد ، كان علي بن موسى ( عليهما السلام ) يقول : بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلى الاسم الأعظم من بياض العين إلى سوادها . ثم قال : يا عيسى ، قلت : لبيك . قال : أدخل يدك في كمك ثم أخرجها ، فأدخلتها ثم أخرجتها وليس في يدي قليل ولا كثير من ذلك البياض ) !
كان يعرف لغات الناس
الكافي ( 1 / 509 ) : ( إسحاق ، عن أحمد بن محمد بن الأقرع قال : حدثني أبو حمزة نصير الخادم قال : سمعت أبا محمد غير مرة يكلم غلمانه بلغاتهم : ترك وروم وصقالبة ، فتعجبت من ذلك وقلت : هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن ( عليه السلام ) ولا رآه أحد فكيف هذا ؟
أحدث نفسي بذلك ، فأقبل علي فقال : إن الله تبارك وتعالى بين حجته من سائر خلقه بكل شئ ، ويعطيه اللغات ومعرفة الأنساب والآجال والحوادث ، ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق ) .
الاكثر قراءة في مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
