معنى المعجزة في اللغة والاصطلاح
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1، ص 239 – 242
2025-08-21
275
ان الإعجاز في اللغة بمعنى فعل أمر يعجز الناس عن الإتيان بمثله، وفي الاصطلاح كما هو في تجريد الاعتقاد: ثبوت ما ليس بمعتاد، أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة ومطابقة الدعوى (1).
قال الفاضل الشعراني في شرح العبارة : «أن المراد من ذكر خرق العادة هو اخراج نوادر الطبيعة كالطفل الذي له ثلاثة أرجل ، فإن النوادر وإن كانت خلاف المعتاد ولكنها موافقة للعادة في الجملة ، إذ قد يتفق وقوعها ، هذا بخلاف المعجزات ، فإنها مما لم يتفق وقوعها في الطبيعة ، وإنما أوجدها الله تعالى تصديقا للنبي ، فالمعجزة ثبوت ما ليس بمعتاد مع خرق العادة كصيرورة عصا موسى ثعبانا ، أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة كعجز شجاع في حال شجاعته وسلامته عن رفع سيف مثلا ، فإنهما مما لا يتفق عادة كما لا يخفى» (2).
ثم إن المراد من مطابقة الدعوى ، هو أن اطلاق الاعجاز بحسب الاصطلاح فيما إذا وقع خارق العادة عقيب دعوى النبي بعنوان شاهد صدق لدعواه ، وإلّا فإن لم يكن له دعوى أصلا فلا اعجاز ، نحو ما يظهر من الأولياء من دون دعوى للنبوة أو الإمامة ، فإنه كرامة أو ارهاص ولذا اشترطوا في اطلاق الاعجاز التحدي ، كما انه إن كانت الدعوى متحققة ، ولكن خارق العادة لا يكون مطابقا لما ادعاه ، فلا اعجاز ، لأنه حينئذ يكون شاهد كذب المدعى ، كما حكي في المسيلمة الكذاب ، حيث إنه أراد ازدياد ماء البئر ليكون معجزا على دعواه ، فتفل فيه فصار ماؤه غائرا.
ثم إن المراد من اشتراط التحدي ، هو أن يكون المعجز عقيب دعوى النبي ومطالبته للمقابلة ، أو الجاري مجرى ذلك ، ونعني بالجاري مجرى ذلك هو أن يظهر دعوة النبي بحيث لا يحتاج إلى اعادتها ، بل يكتفى فيه بقرائن الأحوال كما صرح به العلّامة المجلسي ـ رحمهالله ـ حيث قال : «ومن جملة الشرائط هو أن يكون مقرونا بالتحدي ولا يشترط التصريح ، بل يكفي قرائن الاحوال».
ثم علم مما ذكر ، خروج ما يظهر من السحرة ، من حقيقة الاعجاز ، فإن تلك الامور ليست بخارقة للعادات ، فإن لها أسبابا خاصة خفية يمكن تعلمها وسلوكها بحسب العادة ، كما يشهد له وجود السحرة وأهل الشعبدة في كل عصر وزمان كما لا يخفى.
وهكذا خرج عن التعريف ما قد يرى من الكهنة أو المرتاضين فإن تحصيل ذلك بالرياضة ونحوها ممكن عادة ، ولذا يكون معارضتهم في كل عصر وزمان ممكنة.
فهذه الامور خارجة بنفسها عن التعريف ، فلا حاجة إلى اضافة قيد آخر للاحتراز عنها كما زعمه بعض المحققين ، وزاد في التعريف قيودا اخرى لا يحتاج إليها ، حيث قال : «إن المعجزة هو فعل على خلاف مجاري العادة والطبيعة ، متكئا على قدرته تعالى ، وطريق معرفتها هو العلم بأنه لا يكون صادرا من جهة التعلم والتعليم ، ولا يصير مغلوبا عن ناحية اخرى» فإنه بعد تحقق العلم بكون ما يظهر منه خارقا للعادة ، لا حاجة إلى القيد الأخير في كلامه «وطريق معرفتها هو العلم بأنه لا يكون صادرا من جهة التعلم ، الخ» إذ هو بالعلم بكونه خارق العادة حاصل. وأما قيد الاتكاء على قدرته تعالى ، فهو أيضا حاصل بقاعدة اللطف ، بعد ظهور ما يعجز عنه الناس بيد مدعي النبوة إذ لو كان كاذبا وجب عليه تعالى تكذيبه ، وإلّا لزم الاغراء إلى الضلالة ، وهو قبيح عنه تعالى ، بل محال ، فمجرد إظهار المعجزة في يد مدعي النبوة مع التحدي ، يكفي لحصول العلم بأنه من ناحية الله تعالى فلا تغفل.
وأما عدم المغلوبية فهو لازم كون ما صدر عن النبي ـ صلى الله عليه وآلهوسلم ـ خارق العادة فلا حاجة إلى أخذه في التعريف أيضا.
ثم لا يخفى عليك أن العلّامة الحلي ـ قدس سره ـ زاد شروطا اخر لتمامية الاعجاز وقال : لا بد في المعجز من شروط (3).
الأول : أن يعجز عن مثله أو عما يقاربه الامة المبعوث إليها ، ولكن أورد عليه الفاضل الشعراني بأن فعل ما يقاربه إن كان معتادا ، فلا يكون خرقا للعادة ، فالقدرة عليه لا تكون دليلا على القدرة على المعجز ، فلا يكون العجز عن فعل المقارب شرطا.
الثاني : أن يكون المعجز من قبل الله تعالى أو بأمره ، ولكن أورد عليه الفاضل الشعراني ـ قدس سره ـ بقوله : «إني لم أعلم المقصود من هذا الشرط ؛ لأن كل شيء بإذنه وأمره ، فإن أراد منه أن المعجز هو الذي ليس له سبب ظاهر ، ففيه منع الاشتراط ، لجواز أن يكون المعجز مما له سبب ظاهر ، كدعاء النبي على معاند فسلط الله عليه أسدا أكله» انتهى. وإن أراد منه أن اللازم في صدق الاعجاز هو العلم بكونه من ناحيته تعالى فهو أمر تدل عليه قاعدة اللطف كما مر ، ولا دخل له في صدق الاعجاز وخارق العادة.
الثالث : أن يكون صدور المعجز في زمان التكليف ؛ لأن العادة تخرق عند أشراط الساعة ، ويمكن أن يقال : إن العادة وإن انتقضت عند أشراط الساعة ، ولكن المعجز لا يصير عاديا للإنسان في ذلك الحين كما لا يخفى ، نعم لو افاد ذلك وعلله بأن صدور المعجز في ذلك الحين بعد رفع التكليف لا فائدة فيه ؛ لانقضاء وقت الايمان كان صحيحا.
الرابع : أن يحدث عقيب دعوى المدعي للنبوة أو جاريا مجرى ذلك ، ونعني بالجاري مجرى ذلك أن يظهر دعوى النبي في زمانه ، وأنه لا مدعى للنبوة غيره ، ثم يظهر المعجز بعد أن ظهر معجز آخر عقيب دعواه ، فيكون ظهور الثاني كالمتعقب لدعواه ؛ لأنه يعلم تعلقه بدعواه ، وأنه لأجله ظهر كالذي ظهر عقيب دعواه. وفيه أن ذلك يفهم من قول المصنف حيث قال : ومطابقة الدعوى ؛ لأنه يدل على أمرين : أحدهما : وجود الدعوى وثانيهما : مطابقة المعجز لدعواه بحيث يكون شاهد صدق له ، فلا حاجة إلى اشتراطه.
الخامس : أن يكون المعجز خارقا للعادة ، وفيه أن الشرط الخامس من مقومات المشروط ، إذ المعجز لا يتحقق بدون خرق العادة ، فكيف يمكن أن يجعل من شرائطه ، مع أن صريح كلامه ـ قدس سره ـ هكذا «ولا بد في المعجزة من شروط أحدها ـ إلى أن قال ـ : الخامس : أن يكون خارقا للعادة».
______________
(1) راجع تجريد الاعتقاد : ص 350 الطبعة الحديثة.
(2) ترجمة وشرح تجريد الاعتقاد : ص 448.
(3) كشف المراد : ص 350 الطبع الجديد.
الاكثر قراءة في المعجزة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة