أهميـة رأس المال الفـكري للمجتمـع ولمـنظمـات الاعـمـال
المؤلف:
د . سعد علي حمود العنزي د . احمد علي صالح
المصدر:
إدارة رأس المال الفكري في منظمات الاعمال
الجزء والصفحة:
ص152 - 156
2025-09-19
346
2- أهمية رأس المال الفكري
تبين المعايير الآتية أهمية رأس المال الفكري للمجتمع ولمنظمات الاعمال.
أ- المنزلة الرفيعة
لقد فضّل الخالق جلت قدرته بني البشر على سائر المخلوقات الأخرى ومنحهم نعمة العقل والتفكير، وافرد لأصحاب العقول والألباب في القرآن الكريم موقعاً مهماً، اذ ذكرت هاتان الكلمتان في (61) آية موزعة على (43) سورة كريمة، أي بنسبة (38%) من مجموع سور القرآن الكريم البالغة (114) سورة، وهي نسبة ليست بالقليلة. وتشير الى أهمية الدور الذي يؤدونه وحجم المسؤولية الملقاة عليهم ازاء الدين والدنيا، عن طريق نعمة العقل التي تعمل بفعل جزء لا زال غامضاً للكثيرين ولا يعرف معجزته الا القليلين. وتقول (بربارة دويل) المتخصصة في تخطيط وظائف الدماغ عن ذلك «لقد بقي الدماغ غامضاً، لأن من الصعب الدخول اليه، والدماغ عبارة عن (1.4) كيلو من الأنسجة الدقيقة الوردية والرمادية المرتبطة بقشرة صلبة تبطن ممراً نسيجياً فقرياً مرناً مكسواً بهيكل عظمي يعرف بالمجتمع، ولم يستطع احداً رؤية الدماغ، وهو يعمل بأستثناء نخبة من جراحي الأعصاب والعلماء(1993:3,Trout)». ان نعمة العقل ومن خلالها التفكير، تعد الان السلاح الاقوى والمؤشر الأكثر موضوعية لتقرير تقدم المجتمعات والمنظمات.
وعلى هذا الاساس شددت لجنة اعادة بناء اليابان بعد الحرب العالمية الثانية على ان الهدف الكبير، هو استعادة اليابان موقعها التجاري العالمي، وهذا يتم عن طريق اعتمادها على علمائها ومفكريها ومهندسيها لاختراع، وانتاج سلع جديدة وتوليد افكار مبدعة (1976 ,Trurni). ويتفق (جواهر لال نهرو) مع المقولة السابقة بقوله لا ارى طريقاً اكثر فاعلية لمحاربة الفقر غير طريق استثمار العقول والقدرات المتميزة التي تعمل على خلق التكنولوجيا والتقدم (1965 ,Nehru )ويؤكد هذا السياق (ماوتسي تونغ) اذ يرى لا توجد بلاد غير منتجة، بل توجد عقول غير منتجة (عبيد، 2000). وكما يعضد الاراء السابقة رئيس مجلس الادارة والمدير العام للصندوق العربي للأنماء الاقتصادي والاجتماعي، اذ رأى «لم يعد امتلاك الثروات هو العامل الوحيد المحدد لمكانة الدول وقدرتها على المفاضلة بل القدرات العلمية، أو امتلاك وسائل المعرفة" (الحمد، 2004: 545).
ب- تأسيس المنظمات الذكية
ان المنظمات الذكية هي المنظمات التي تهتم في استثمار العقول الموجودة لديها، وتكنولوجيا المعلومات المتوافرة لها، من خلال نظام قيمي راق يعتمد الشفافية والافصاح المعلوماتي، وينبذ الهياكل الهرمية والمراكز الوظيفية كمبادئ أساسية له. وبذلك فأن كل ما يوجد في المنظمات الذكية هو تحديد مسؤوليات ومهمات وتنوع خبرات وتعدد مهارات الشخص الواحد، ومكاتب بسيطة خالية من الزخرفة والتعقيدات (2001:158,Heisig & Runeson) وقد عبرت شركة (Skandia) عن المنظمة الذكية، بصيغة معادلة على النحو الآتي: (العلي والعمري (9:2004
المنظمة الذكية = رأس المال الفكري + تكنولوجيا المعلومات + القيم
ويستخلص من الطروحات آنفة الذكر ان بناء المنظمات الذكية يستلزم بالدرجة الاساس توافر العقول المتميزة بذكائها وقدرتها على استثمار باقي الموارد وتسخيرها لصالح توسيع مساحة التميز لمنظماتهم، لأن تلك العقول لها قابلية التكيف مع الظروف المتغيرة، وهذا هو رأس المال الفكري.
ويعطي (وليام غيتس) المدير التنفيذي لشركة ميكروسوفت الدليل على ذلك بقوله «في مجتمع بزوغ المعلومات الحال أصبحت الموارد الطبيعية كالذكاء الانساني، والمهارة، والقيادة. وفي كل منطقة من العالم وفرة منها. وهذا يعد بأن تكون المرحلة القادمة في التاريخ الإنساني ذات اهمية خاصة» (2001:15,Devlin) ، ويعبر (2003,Treacy, et al )عن السياق التنافسي المحتدم فيما بين المنظمات حالياً وسعي كلا منها لتوسع حصتها السوقية على حساب الأخرى بما يلي: «ان الحرب بين المنظمات حالياً حرب عقول بعقول»، ومثل هذه الأسباب هي التي ولدت الميل الكبير في نمو الوظائف ذات الطابع المعرفي وزيادة الطلب عليها. اذ تشير الاحصاءات في مختلف دول العالم، الى ان هناك ميل كبير في نمو
الوظائف ذات الطابع المعرفي، لأن هذه الوظائف تشكل قوة عظيمة للمنظمات وعامل مساعد في بقائها ومنافستها في السوق الذي يتسم بحركة تطويرية سريعة. الغالبي والعامري، 2004).
ويعتقد اذن ان هذا النمو في الوظائف المعرفية فرضته ظاهرة العالمية، لأن سوق العمل في ظلها ستشهد اتجاهاً متزايداً للطلب على رأس المال الفكري، الذي يتصف بخبرات متنوعة ومهارات متعددة. ودعماً لما تقدم، تطلب شركة (Corning )الأمريكية المتخصصة بصناعة قطع غيار السيارات من موظفيها ان يتعلموا ثلاث مهارات أو مجاميع من المهارات الفنية في غضون سنتين للاحتفاظ بوظائفهم والا يستغنى عنهم (Krajewski & Ritzman, 1999: 512) .
ج- استثمارات ناجحة وعوائد عالية
بحلول ما يسمى بـ مجتمع المعرفة (Knowledge Society) تغيرت لغة الادارة من تركيزها على القابليات البشرية الى القابليات الذهنية. ففي عصر الحرفة العقلية (Mind Crafting )يؤلف الفكر رأس مالاً ذو قيمة عالية وكنزاً مدفوناً (العنزي، 2001: 117) يحتاج الى من يبحث عنه ويستخرجه وينشره في ارجاء المنظمة، للافادة منه في تطوير الانتاج والانتاجية. وأكد (Stewart) في هذا الصدد ان الفكر الموجود في يصبح رأس مالاً فكرياً، عندما يمكن نشره للقيام بشئ لا يمكن اجراءه لأن رأس المال الفكري يحوي معرفـة مفيدة( 2 :1998,Brown). ويؤيد الرأي السابق (422 :2004 ,Awad & Ghaziri) بقولهما» أن السؤال الاساس للمدير الذكي هو - ماذا نفعل؟ وليس ماذا نصنع؟ ( What are we ?doing? not what we make)، الذي يجعلنا على ما نحن عليه؟ وهذا السؤال يخاطب جرد الشركة المستمر للمهارات والمناقشات والموهوبين، لأن المعرفة وقابلية الناس على انتاجها واستخدامها تعد رأس المال الوحيد الذي تمتلكه المنظمة.
وبالاستناد الى ما تقدم يبدو ان الاستثمار في رأس المال الفكري تعد عملية ناجحة، ولكن لماذا ؟ هذا ما كان لا يعرفه وبالرجوع الى بعض الوقائع الميدانية الموثقة في المراجع العلمية، تأكد له انها عملية ناجحة لأنها تحقق عوائد عالية تصل حد الخيال في بعض الاحيان. ففي سبيل المثال، في اواخر آب (1999) اشترت شركة (Cerent) شركة معرفية من قبل شركة (Cisco) للاطعمة والبروتينات وتمت تسوية الشراء بأصدار (100) مليون سهم لنظم (Cisco) لصالح حملة اسهم شركة (Cerent)، ونظراً لأن قيمة السوق الاسهم نظم (Cisco) كانـت وقـت الشراء تعادل (68.95) دولار أمريكي، فأن ذلك اضاف قيمة سوق بمقدار (5.9) مليار دولار (1) على على الشركة التي شكلت في كانون الثاني (1997) وعند وقت الشراء عام (1999) كان مجموع موظفي شركة (Cerent) هو (287) موظفاً، وبالتالي فأن قيمة كل موظف كانت تعادل (24) مليون دولار(2). وهذا يعني أن شركة (Cerent) كانت ثرية جداً برأس مالها الفكري (5 :2000,Caddy).
وفي عام (2000) حققت شركة (IBM) اكثر من بليون دولار (3) كعوائد البراءات الاختراع (1 :2000,Koeing). وأما شركة (ميكروسيستمز) الأمريكية لانتاج الحواسيب ، وعلى لسان مديرها التنفيذي (John Gage) حققت ارباح تزيد على (6) مليارات دولار بواسطة (6) الى (8) موظف فقط يمثلون رؤوس مال فكرية (مارتن وشومان (2003 :24 )وتراوحت قيمة رأس المال الفكري لشركة (Microsoft) ما بين 6 الى 91.6 بليون دولار. وحققت شركة (Coca cola) أفضل تقييم وتوليد لرأس مالها الفكري، اذ قال (Strasmann) الخبير المتخصص بحساب الموجودات غير الملموسة، ان هذه الشركة التي تبيع الماء والسكر وقليل من الفقاعات، تحقق ثروة عالية عن طريق معرفتها الحميمة في السوق، واسم علامتها التجارية وعلاقتها منافذ التوزيع. (نجم، 2004: 424).
د- مورد ستراتيجي وسلاح تنافسي
في ظل الاقتصاد المعرفي أصبح رأس المال الفكري مورداً ستراتيجياً يشكل فوة فاعلة لهذا الاقتصاد والمصدر الرئيس للثروة والازدهار، وحدد (العنزي، 2006) خصائص المورد الستراتيجي، بما يأتي:
- ان يكون ثميناً ويضيف قيمة للمنظمة.
- ان يتسم بالندرة.
- لا يمكن تقليده بسهولة ومضاهاته.
- لا يمكن احلال بديل عنه.
وعند تأمل هذه الخصائص يتبادر الى الذهن تساؤل مفاده، كيف تنطبق هذه الخصائص على رأس المال الفكري؟ وتجيب الدراسة على ذلك بما يأتي:
(1) انه مورد ثمين لأنه يحمل معرفة متفردة ساهمت في اكتشاف تطبيقات واساليب جديدة في الانتاج والخدمات ابرزها تقليل معدلات استعمال المواد الخام بنسبة كبيرة من الطاقة. فاليابان مثلاً استهلكت عام (1984) ما يعادل (60%) فقط من المواد الخام التي استهلكت عام (1973) لانتاج الكمية نفسها من المنظمات الصناعية، وكذلك فأن المعرفة مكنت من استعمال (50) الى (70) رطل من الألياف الزجاجية لتقوم بتوصيل عدد من المكالمات الهاتفية لما يقوم به استعمال (طن واحد من الاسلاك النحاسية (مرسي، 1999: 16).
(2) انه مورد يتسم بالندرة لأنه يحمل خبرات ومهارات متعددة ومتنوعة تمكنه من زيادة الابتكارات والابداعات المتسارعة وفي وقت قياسي، وهذا ما أكدته الاحصاءات العالمية من ان هناك اختراعاً جديداً (كل دقيقتين)، وهذا هو أحد اسباب تزايد بر اءات الاختراع المسجلة، فقد بلغت عام (1997) ما يزيد عن (30) مليون براءة اختراع (البرواري، 2001: 66).
(3) انه مورد لا يمكن تقليده بسهولة، لأن المعرفة في أي منظمة تكون خاصة بها ولها بصماتها المميزة والتي استطاعت بنائها خلال مدة زمنية وبأنفاق كلف عالية، فعلى سبيل المثال تبلغ كلف بناء المعرفة في ثلاث دول هي الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والمانيا، ما يقارب (612) مليون دولار يومياً، وبالتالي فأن صعوبة التقليد تكون في اختلاف معرفة منظمة عن منظمة أخرى ودولة عن دولة أخرى.
(4) انه مورد لا يمكن احلال بديل عنه مرتبط بالقدرة المميزة للمجاميع والتعاون بين العاملين الذي لا يمكن نسخه واحلاله محل المعرفة السابقة. لذلك قيل في الأوساط الادارية: لا مستقبل للشركات ان لم تقم وبشكل جدي، بإدارة رأس مالها الفكري بشكل متقن. (Yakhelf (Morling,1999: 6.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (100) مليون # 68.95 = 6895000000 = 6.9 مليار دولار تقريباً.
(2) 6.9 مليار: 287 موظف = 24 مليون دولار.
(3) بليون دولار = (10)12 = 1.000.000.000.000 دولار.
الاكثر قراءة في استراتيجية ادارة الموارد البشرية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة