الأساسيـات الفكـريـة للقـواعـد المعـرفـيـة
المؤلف:
د . سعد علي حمود العنزي د . احمد علي صالح
المصدر:
إدارة رأس المال الفكري في منظمات الاعمال
الجزء والصفحة:
ص202 - 206
2025-09-22
225
الأساسيات الفكرية للقواعد المعرفية:
تعد المعرفة (Knowledge) في ظل التوجهات الفكرية المعاصرة، على أنها المادة الفعالة لتوليد الثروة الصافية لمنظمة الأعمال (العنزي ، 2001). وفي إطار ذلك، طرح( 1999 ,Stewart) سؤالاً مفاده، ما الذي يسيطر على مكنون الفكر الحقيقي للمورد البشري، وأجاب بالقول طبعاً أنه يكتمل بالجسد أو الجزء المركزي للمعرفة (Body of Knowledge) الذي يفترض وجوده في المنظمة، وتكون له قواعد صقل وضبط وتهذيب وتحديث باستمرار. وإذا ما تحقق ذلك، يمكن بالفعل أن يساهم رأس المال الفكري في تحقيق القيمة المضافة (Value-Added) للمنتجات التي تقدمها. وفي إطار ذلك نؤكد بصدد رأس المال البشري الذي يمكن عده من وجهة نظرنا مورداً معرفياً، إذا ما تحققت في العاملين القواعد المعرفية الخمسة الآتية: (العنزي، 2001).
1- معرفة ماذا (Know What): وهي معرفة إدراكية أو مفاهيمية (Cognitive Knowledge)، تتجلى بالبراعة العالية حول مبادئ تهذيب سلوك العاملين والسيطرة عليه في إطار ما يحققونه من تحسين مهارات وزيادة معارف من خلال البرامج التدريبية المنظمة لهم والموجهة لتطويرهم، فضلاً عن الحصول على شهادات علمية متخصصة والتثقيف المستمر في إطار مواجهة المشكلات العامة والخاصة التي تواجههم في حياتهم العملية والحياتية الأخرى.
2- معرفة كيف (Know-How): وهـي مهارات تخصص متقدمة (Advanced specialised skills)، يمكن أن تتحقق من عملية تحويل تعلم النظريات والنماذج والمفاهيم والمداخل المطروحة في البحوث والدراسات إلى واقع تطبيقي فعلي ملموس يفيد في إضافة أفضل قيمة مقبولة في خلق المهارات المهنية للعاملين.
3- معرفة لماذا (Know-Why): وهي اتجاهات معمقة حول فهم الأنظمة (Understanding Systems) ذات الصلة بعمل المنظمة وأجزائها، بحيث يتم التعمق في نسيج العلاقات السببية بين الأشياء والمشكلات والمواقف، والتي يمكن أن تتحقق من خلال التطوير المنهجي المنظم لوظائف العاملين وعمليات الإدارة والتنظيم، وصقل مهاراتهم بحيث يساعدهم في التحرك بشكل أبعد نحو المهمات التي تفيد في معالجة المشكلات المعقدة التي تواجه المنظمة ذاتها، وأفرادها، وجماعاتها وفرقها، وكذلك التعامل مع حالات اللاتأكد البيئي بدقة متناهية.
4- الرعاية لماذا (Care Why) وهي معارف مرتبة تتوجه نحو تحريك إبداع العاملين ذاتياً (Self Motivated Creativity)، بحيث تتناول المعرفة حول حالات الاستعداد والتحفيز والتمكين بغرض التكيف مع النجـاح والتفوق المنظمي.
5- معرفة التآلف (Know-Belonging) (*) : وتعني تلك القابليات المتطورة لمديري المنظمات التي يتمتعون بها في خلق الصفات الضرورية لتحقيق اندماج الأفراد في فرق مبدعة وجماعات متماسكة وشبكات عمل تهدف الوصول إلى بناء رأس المال الاجتماعي Social Capital. وقد يعني في كثير من الأحوال أن المنظمة قد تخسر الكثير من الأموال بسبب سوء الاستفادة من رأس المال البشري، الناجم عن تدني معنويات العاملين فيها، نتيجة لسوء العلاقات الاجتماعية وضعف تحقيق التوافق بين الخبرات والمهارات المجتمعة وتحويلها إلى ممارسات تنفيذية فاعلة تصب في الميزة التنافسية المستدامة للمنظمة. ولعل من نافلة القول أن نشير إلى أن مثل هذا التطور في حقل إدارة الموارد البشرية، قد جعل الحالة مرتبكة عند استعمال الطرق المحاسبية التقليدية في قياس أداء المنظمات، وبالأخص عند الإفصاح عن رأس المال البشري (في إطار ما طرح آنفاً) الذي أصبح إلى جانب المعرفة يشكل على حسب قول (1998 ,Ulrich) القيمة الاقتصادية المضافة، لا بل حتى ميزة إستراتيجية تنافسية لها. فعلى سبيل المثال، أنه على مدى الخمس سنوات القليلة الماضية حقق قطاع أشباه الموصلات الكهربائية والحرارية، المرتبة الأولى بمعدل عائد على حق الملكية مقداره (45%)، وتلاه قطاع البرمجيات والمعلومات، إذ نال المرتبة الثانية بمعدل (39.8%)، ثم جاء القطاع المالي بالمرتبة الثالثة ليسجل معدلاً قدره (36.3%). ولقد ظهر للمختصين أن جميع القطاعات الثلاثة قد اشتركت بسمة مميزة، تمثلت بتوفيرها منتجات وخدمات طورت بفعل ذكاء الفرد العامل Human Intelligence، وليس بفعل المكائن والمعدات المستعملة في إنتاجها. وبعبارة أخرى، يمكن القول أن القيمة المضافة التي تتحقق من رأس المال البشري، تفوق بقوتها على ما يتحقق عن طريق الموجودات الملموسة (Tangible Assets) مثل المكائن والأجهزة والمعدات والتسهيلات الإنتاجية الأخرى.
وحقاً من يدخل في عمق المجلات سابقة الذكر، يجد كثرة البحوث والدراسات النوعية التي تناولت رأس المال البشري، والمساهمات الدقيقة لآراء المختصين والمفكرين أمثال:
(Quinn, Anderson& Finkelstein 1996; Sveiby, 1997; Edvinsson & Malone, 1997; Kelley, 1998; Miller, 1998; Ulrich, 1998; Broker, 1999; Drucker, 1999; Hansen, 1999; Stewart, 1999; Brennan & Connil, 2000; Dzinkowski, 2000; Koening, 2000; Petty & Guthrie, 2000; Bonits, 2001; Christopher, 2001; Rose & Rose, 2002; Muintra, 2003)
والتي ينبغي الغوص في طروحاتهم، وأخذها على محمل الجد والاهتمام، وخصوصاً ذلك الذي يتعلق بتوكيداتهم على أثر الموجودات غير الملموسة (Intangible Assets مثل رأس المال البشري أو العقول البشرية (Brains Human) والذكاء الشعوري (Intelligence، ورأس المال الفكري Intellectual Capital) في زيادة القيمة الاقتصادية للمنظمات، وذلك من خلال ما يمتلكه العاملون من (KSA) وهي المعارف (Knowledges)، والمهارات (Skills)، والقابليات Abilities) )على حد قول (1996 ,Youndt et al). وفي هذا الشأن أكد (1999 ,Stewart) أن العناصر البارزة التي تساهم هنا في تحقيق كل ذلك، هي:
* رأس المال الهيكلي (Structural Capital)، ويتكون من أنظمة فرعية تشمل:
ـ براءات الاختراع والابتكار والاكتشاف، وتأخذ شكل امتياز يحصل عليه الفرد من جراء مبادرته باختراع شيء ما.
ـ حقوق النشر والتأليف، وتأخذ شكل امتياز يحصل عليه الفرد من جراء تأليفه ونشره فكرة ما أو بحث أو كتاب.
ـ العلامة التجارية، وتمثل شخصية المنظمة وقيمتها وهويتها الموضوعة على منتجاتها أو خدماتها.
ـ قاعدة البيانات وأنظمة المعلومات والتي تعد كمجموعة مكونات مترابطة (برامجيات حواسيب ، أنظمة تقنيات) تتفاعل فيما بينها للحصول على مخرجات مهمة تخدم صالح المنظمة وارتباطها بزبائنها.
ـ رأس المال الزبائني أو العلاقاتي Customer or Relation Capital، ويتكون بعدد من الأجزاء التي تتعلق برضا الزبون بتلبية حاجاته ورغباته، وولائه بتمسكه واعتزازه بالتعامل مع المنظمة، والاحتفاظ به باستمرارية التعامل مع المنظمة وقدرتها على استبقائه لديها، وتمكينه بالاهتمام بآرائه ومقترحاته والأخذ بها عند التخطيط للمنتجات الجديدة والقائمة، وحذف بعضها لانخفاض حصتها السوقية، وإشراكه في أعمال المنظمة وصفقاتها التجارية وتبادل المعلومات والأفكار معه.
ـ رأس المال البشري Human Capital، ويتمثل بجميع الموارد البشرية ذات الإمكانيات المتميزة على شغل الوظائف الإدارية والفنية، والتي لديها القدرات الإبداعية والابتكارية والتفوقية. وتشتمل هذه على معارف العاملين المتطورة، وخبراتهم المتراكمة على التجارب الحياتية والعملية، ومهاراتهم التقانية والفنية، فضلاً عن رضاهم ومعنوياتهم وتماسكهم كفريق عمل متكامل.
من يتمعن النظر في العناصر الثلاثة أعلاه، يجد التركيز على كون البشر (Human) هو المميز الذي منحه الله جلت قدرته العقل والتفكير والجوهر لكل أنواع رؤوس الأموال هذه. وعلى أي حال، أن البحوث المحاسبية التي تناولت تعريف رأس المال البشري، وأنواعه، وتصنيفاته، ما تزال محدودة للغاية، حتى في تلك الدول الصناعية المتقدمة التي رعته وكتبت عنه الكثير، هذا من جهة ومن جهة أخرى، أنه من الصعوبة بمكان الحصول على بيانات إحصائية تتناول نوع رأس المال البشري المراد قياسه في النظام المحاسبي وحسابه بدقة، وخصوصاً إذا ما علمنا أن المواقف الإدارية والتنظيمية القائمة تعكس وجود حاجة ملحة للمديرين في تحديد مثل تلك البيانات المهمة وتطبيقها بالشكل الذي يتلاءم أهميته، كونه أداة قيمة لوجود المنظمات وبقائها في الأسواق التنافسية، ومفتاح الإدارة الإستراتيجية المحدد للتنمية المستدامة (Sustainable Development).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) في بحثنا المنشور عام 2001 والمشار له بقائمة المصادر أفاد بالكلام عن أربع قواعد معرفية، وهي التي جاءت بالأرقام ،1 ، 2 ، 3 ، 4 في حين القاعدة (5) هي إضافة جديدة لنا لمكونات المقدرات الأساسية لرأس المال الفكري.
الاكثر قراءة في استراتيجية ادارة الموارد البشرية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة