الهيئات المركزية المختصة بتحصيل الديون الحكومية
المؤلف:
محمد عبد عودة المسعودي
المصدر:
التنظيم القانوني لتحصيل الديون الحكومية
الجزء والصفحة:
ص39-46
2025-10-02
185
اولا- تعريف المركزية الادارية :
لم تأتي التشريعات في الدول محل المقارنة بتعريف محدد للمركزية الادارية ، كما ان القضاء في هذه الدول هو الآخر لم يبين أي تعريف عند نظره للمنازعات التي تتعلق بالمركزية الادارية ، ولكن بالرجوع الى شروحات الفقهاء في القانون الاداري نجد ان الفقه عرفها بعدة تعريفات منهم من عرفها بانها "حصر ممارسة الوظيفة الادارية في الدولة بالحكومة المركزية فهي تعني التوحيد وعدم التجزئة . فتقوم الاجهزة الادارية التابعة للحكومة في المركز مباشرة بممارسة الوظائف والاختصاصات الادارية في جميع اقليم الدولة" (1).
كما عرفت المركزية الادارية بانها جعل ممارسة الوظيفة الادارية والقرارات النهائية والسلطات في الدولة في يد الحكومة المركزية ولكون المركزية الادارية من اهم خواصها الحفاظ على وحدة الدولة التي من خلالها تتمكن السلطة المركزية من بسط نفوذها على كافة ارجاء الدولة ، وتمنع الترهل الاداري وحيث ان الانظمة والتعليمات التي تصدر من المركز تكون موحدة ولامجال للاجتهاد في العمل الاداري فيها وتسري وفق سياق منتظم تسير به الدوائر الخاضعة لها" (2)، ومنهم من عرف المركزية الادارية بانها ترمي الى احتكار مجموعة من المهام والوظائف الادارية بيد الحكومة او السلطة المركزية ، فالمركزية الادارية هي الوحدة الادارية في العراق تباشرها سلطة واحدة هي السلطة المركزية في العاصمة وممثلوها في الاقاليم والمقاطعات والتقسيمات الادارية الأخرى وان هذه السلطة المركزية هي التي تصدر الاوامر الادارية وهي التي تسهر على تنفيذها" (3).
ويمكن تعريف المركزية الادارية في مجال تحصيل الديون الحكومية بانها حصر صلاحية اصدار القرارات الادارية المتعلقة بتحصيل هذه الديون بيد الهيئات المركزية التي نص عليها المشرع وممثليها في المحافظات وذلك لبسط سيطرتها على هذه الاموال و سرعة تحصيلها .
ثانيا - صور المركزية الادارية
تظهر المركزية الادارية على صورتين فقد تأخذ صورة التركيز الاداري او وصورة عدم التركيز الاداري وهذا ما سنتناوله تباعاً.
1 - التركيز الاداري :
قد تظهر المركزية الادارية على نحو تجمع في السلطة المركزية جميع الصلاحيات والاختصاصات المتعلقة بالوظيفة الادارية دون ان يكون لممثليها أو وكلائها أية صلاحية لاتخاذ اي قرار ، وهكذا تتركز مهام الوظيفة الادارية جميعاً في يد الوزراء في العاصمة ولا يكون لممثلي السلطة المركزية أية اختصاصات في اتخاذ القرارات او تصريف الأمور ، ويجب عليهم الرجوع في كل صغيرة وكبيرة الى المركز لاتخاذ القرار النهائي منه (4) ، ويعني التركيز الاداري ان يستأثر الرئيس الاداري وحده بسلطة اتخاذ القرارات والبت في الامور الداخلة في اطار اختصاصه من دون ان يشاركه في ذلك احد من اعضاء السلطة الادارية الاخرين ، سواء اكان هذا الرئيس رئيسا للجمهورية ام رئيسا للوزراء ام وزيرا أم غير ذلك من الرؤساء الكبار (5).
ولقد اطلق على هذا النوع من المركزية الادارية اسم المركزية الوزارية ابرازا لدور الوزارة فيها ، وهيمنة الوزير المختص هيمنة تامة على شؤون وزارته (6) ، وينحصر دور الموظفين في الجهاز الاداري على تقديم المقترحات والآراء في المسائل المطروحة عليهم وانتظار ما يقرره الوزير المختص بشأنها ، وتنفيذ هذه القرارات ، ولا شك ان هذه الصورة من التركيز الشديد تضر بمصالح الافراد وتعرقل عمل الادارة وبالخصوص عند صدور القرارات الخاصة بتحصيل ديون الدولة المترتبة بذمة الأفراد ، فمن غير المتصور أن تتخذ الجهة الادارية المختصة بتحصيل الديون الحكومية كافة القرارات في كل انحاء الدولة وتكون هذه القرارات ملائمة ومناسبة لظروف العمل الاداري وتوفر حلا لمشاكل الافراد ، ولتزايد الديون الحكومية وكبر حجمها نلاحظ ان اغلب الدول هجرت هذا النوع من المركزية الادارية واخذت بالمركزية المعتدلة وهي عدم التركيز الاداري (7) .
2- عدم التركيز الاداري :
وقد تنطوي المركزية على المرونة التي تتطلبها ضرورات التطور واتساع نشاط الادارة وتعدد وظائفها ، فتعطي لموظفيها ووكلائها بعض الاختصاصات في ممارسة وظائفهم المحلية والمرفقية مع بقائهم خاضعين للمركز بشكل مباشر ، وهكذا اخذت القوانين الحديثة بفكرة عدم التركيز الاداري فأصبح لموظفي الادارة في مختلف الاقاليم والوحدات الادارية سلطة تصريف بعض شؤون المرافق العامة المحلية والاشراف عليها تحت رقابة واشراف السلطة المركزية، ويترتب على ذلك الاعتراف لهؤلاء الموظفين بحق اصدار القرارات الادارية لتأدية واجباتهم (8) ، ونظام عدم التركيز الاداري بهذا المعنى يمكن أن يوجد بغض النظر عن مركزية او لا مركزية النظام الاداري المطبق ، مادامت سلطة اتخاذ القرار تنتقل من يد الرئيس الاعلى الى عضو اخر من اعضاء نفس السلطة الادارية ، مركزية كانت ام لا مركزية (9).
وقد أخذ دستور جمهورية العراق بالنظام المركزي في الادارة عندما نص على الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية إذ نص على تختص السلطات الاتحادية بالاختصاصات الحصرية الاتية ... ثالثاً - رسم السياسة المالية و الكمركية واصدار العملة وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الاقاليم والمحافظات في العراق ووضع الميزانية العامة للدولة ورسم السياسة النقدية وانشاء البنك المركزي وادارته (10) ،وقد أولى المشرع اهمية خاصة للهيئات المختصة بتحصيل الديون الحكومية فجاء بها على سبيل الحصر اذ نص تطبق احكام هذا القانون من قبل :
1 - الوزراء ووكلاء الوزارات
2- امين العاصمة ومدراء البلديات في مراكز المحافظة
3- المحافظين
4- رؤساء المؤسسات والمدراء العاميين
5- اي موظف اخر لا تقل درجته عن الدرجة الرابعة من قانون الخدمة المدنية او ما يقابلها في قوانين وقواعد الخدمة الاخرى بتخويل من الوزير المختص .
6- مدير النواحي بالنسبة لتوجيه الانذار (11).
ولهذا نجد أن هناك هيئات ادارية مركزية تتولى عملية تحصيل الديون الحكومية وممثلوها في المحافظات والاقاليم ، فالوزير الذي يتمتع بصلاحيات ادارية واسعة يقوم بها بصفته رئيس الهرم الاداري للوزارة منها الاشراف على اعمال الوزارة وسلطة التعيين والتعاقد واصدار الانظمة والتعليمات والامور الانضباطية فضلاً عن صلاحيته في اعداد الموازنة لوزارته ، وهناك بعض القوانين من عرفت الوزير بانه هو الرئيس الأعلى للوزارة والمسؤول الأول عن اعمالها وتوجيه سياستها وتصدر باسمه القرارات والأوامر والتعليمات في كل ما له علاقة بمهمات الوزارة وتقسيماتها وصلاحياتها ووسائل شؤونها الفنية والمالية والادارية والتنظيمية ضمن الحدود المبينة قانوناً ، وله ان يخول ما يراه من الصلاحيات الى وكيل الوزارة او اي من موظفيها" (12).
ان هذه الصلاحيات التي منحتها القوانين للوزراء الذين يديرون وزاراتهم ، وتكون هناك دوائر ومؤسسات تابعة لهم ، وان هذه الصلاحيات التي منحها المشرع لا تمنح لوزير الدولة من دون حقيبة وزارية رغم انه عضو في مجلس الوزراء وله حق التصويت ويرتبط مباشرة برئيس الوزراء ، لانه في هذه الحالة مجرد مستشار قانوني او سياسي لمجلس الوزراء ولا يتمتع بصلاحيات دستورية، ومن ثم فقد يكون وزير الدولة بلا حقيبة وزارية ولا يعهد اليه بمهمة وزارية (13) .
ويرى الباحث ان وزير الدولة لا يمكن ان يطلق عليه وصف مستشار لمجلس الوزراء وذلك لوجود هيئة مستشارين في جميع المجالات ولو كانوا مستشارين لتم الحاقهم بهذه الهيئة ، وبالتالي فان هذه الحقيبة الوزارية تعد من الجانب العملي وزارة زائدة تم منحها لبعض الجهات لاعتبارات معينة ، حتى ان تعريف مجلس الدولة للوزير جاء مطلقاً ولم يفك اللبس الحاصل اذ انه لم يبين الفرق بين الوزير الذي يرأس حقيبة وزارية وبين وزير الدولة ( الوزير من دون حقيبة وزارية) إذ عرف الوزير بانه .... وحيث ان الوزير هو احد اعضاء مجلس الوزراء الذي يتم تشكيله وفقاً لأحكام الدستور " (14)، فاخذ مجلس الدولة في تعريفه للوزير بالمفهوم العضوي من دون ان يبين المفهوم الموضوعي فكان حرياً بمجلس الدولة ان يردف هذا المفهوم بشق يتعلق بنشاط الوزير وطبيعة عمله .
كما عُرِفَ وكيل الوزارة بانه وكيل الوزارة ويكون مسؤولاً امام الوزير عن تنفيذ سياسة الوزارة وخطتها في ما يتعلق بالتقسيمات التي يقرر الوزير ارتباطها به (15) ، ولهذا نجد ان وكيل الوزارة يستمد صلاحيته من الوزير و يكون مسؤولاً امامه عن اي تقصير قد يصدر منه في حال تحويل الوزير له بعض الصلاحيات بموجب القانون غير ان المشرع اعطى لوكيل الوزارة صلاحية تحصيل الديون الحكومية (16).
وجاء تعريف امين العاصمة بانه امين بغداد هو الرئيس الأعلى للأمانة يتولى توجيه دوائرها والتنسيق بينها والتخطيط لنشاطاتها وتصدر باسمه القرارات والبيانات والاوامر (17)، اولى المشرع العراقي اهمية خاصة للعاصمة بأن خول امينها صلاحيات واسعة ومنها تحصيل الديون الحكومية (18)، ويرأس امانتها ويكون بدرجة وزير ، ويتولى مجلس الوزراء امر تعيينه ، ويرتبط به ثلاثة وكلاء ، يشغل كل واحد منهم منصبه ويكون بدرجة مدير عام ، وقد اشترط القانون ان يكون حاصلاً على شهادة جامعية اولية على الاقل ذات علاقة بمهام الدائرة الذي يشغل منصبها (19).
اما المشرع المصري فقد تبنى الاتجاه الذي سار عليه المشرع العراقي من انه اخذ بنظام المركزية الادارية واخذ بنظام اللامركزية الادارية في توزيع السلطات في الدولة ، ولهذا نجد ان المشرع المصري لم يقسم الجهات المختصة بتحصيل الاموال العامة المستحقة للخزينة المالية الى هيئات مركزية وهيئات لامركزية ولكن كل ما اشار اليه هو انه لا يجوز اتخاذ اجراءات الحجز الا بناء على امر مكتوب صادر من الوزير أو رئيس المصلحة (20)، ولهذا نجد ان المشرع المصري اعطى للهيئات المركزية المتمثلة بالوزراء ومن بدرجتهم سلطة اصدار الأوامر والقرارات المتعلقة بالحجز الاداري لتنفيذ احكام القانون .
وفي التشريع الاردني اتجه هو الاخر ايضاً الى الاخذ بالنظام المركزي الى جانب اللامركزية الادارية في توزيع السلطات في الدولة ولهذا نجد ان الدستور الاردني نص على يتولى مجلس الوزراء مسؤولية ادارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية باستثناء ما قد عهد او يعهد به تلك الشؤون بموجب هذا الدستور او أي قانون الى أي شخص أو هيئة أخرى (21) ، واعطى المشرع لوزير المالية صلاحية اصدار التعليمات اللازمة اذ نص اذا كانت الاموال العامة مقررة بموجب قانون او نظام فتؤدى في التاريخ المعين في القانون او النظام الذي فرضت بموجبه تلك الأموال وان لم يعين تاريخ دفعها في القانون او النظام الذي فرضت بموجبه او كانت متحققة للخزانة المالية بموجب عقد او خلافه فتؤدى وفقاً للتعليمات التي يصدرها وزير المالية (22) .
يهدف هذا النص الى تحديد مواعيد دفع الاموال العامة بوضوح سواء كانت مفروضة بقانون ام نظام ام بموجب عقد مما يساهم في تنظيم عملية التحصيل وتحديد التزامات المكلفين بدقة .
____________
1- د. ماهر صالح علاوي : الوسيط في القانون الاداري دار ابن الاثير للطباعة والنشر، جامعــة الموصل، 2009 ، ص 79 .
2- مروان واحد علي : ادارة البلديات في العراق بين المركزية واللامركزية ، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة كركوك، 2021، ص 7.
3- د. علي محمد بدير ود. عصام عبدالوهاب البرزنجي ود. مهدي ياسين السلامي : مبادئ واحكام القانون الاداري، مصدر سابق ،ص106.
4- د. ماهر صالح علاوي الجبوري: الوسيط في القانون الاداري، مصدر سابق ،ص81.
5- د. ماجد راغب الحلو : القانون الاداري، دار المطبوعات الجامعية ، الاسكندرية، 2000، ص 102.
6- د. علي محمد بدير ود. عصام عبدالوهاب البرزنجي ود. مهدي ياسين السلامي مبادئ واحكام القانون الاداري مصدر سابق ، ص112.
7- د. مازن راضي ليلو : القانون الاداري، ط3 ، من دون مطبعة ، من دون سنة نشر، ص 48.
8- د. ماهر صالح علاوي الجبوري: الوسيط في القانون الاداري ، مصدر سابق ، ص 82.
9- د. ماجد راغب الحلو : القانون الاداري ، مصدر سابق ، ص103.
10- البند (ثالثا) من المادة (110) من دستور جمهورية العراق لعام 2005.
11- المادة (2) من قانون تحصيل الديون الحكومية رقم (56) لسنة 1977 المعدل.
12- المادة (3) من قانون وزارة المالية العراقية رقم (92) لسنة 1981 المعدل منشور في الوقائع العراقية بالعدد (2847) ، في 1981/8/31.
13- ربيع مفيد الغصيني : الوزير في النظام السياسي، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت ، 2003 ، ص 124 وما بعدها.
14- قرار مجلس الدولة رقم (48) في 2007/5/7 ، قرارات وفتاوى مجلس الدولة لعام 2007، ص 134.
15- المادة (5) من قانون وزارة المالية العراقية رقم (92) لسنة 1981المعدل.
16- الفقرة (1) من المادة (2) من قانون تحصيل الديون الحكومية رقم (56) لسنة 1977 المعدل.
17- المادة (4) من قانون امانة بغداد رقم (16) لسنة 1995 ،المعدل، منشور في الوقائع العراقية بالعدد (3583)، في -1995/10/2
18- الفقرة (2) من المادة (2) من قانون تحصيل الديون الحكومية رقم (56) لسنة 1977 المعدل.
19- المادة (19) من قانون امانة بغداد رقم (16) لسنة 1995 المعدل.
20- المادة (2) من قانون الحجز الاداري المصري رقم (308) لسنة 1955 المعدل.
21- الفقرة (1) من المادة (45) من دستور المملكة الاردنية الهاشمية لعام 1952 المعدل.
22- المادة (3) من قانون تحصيل الاموال العامة الأردني رقم (1) لسنة 1952 المعدل .
الاكثر قراءة في القانون المالي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة