اية تقسيم الصدقات
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص139-144.
2025-10-19
41
اية تقسيم الصدقات
قال تعالى : {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (58) وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ (59) إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [التوبة : 58 - 60].
قال إسحاق بن غالب : قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام : « يا إسحاق ، كم ترى أصحاب هذه الآية : {فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ }؟ . ثمّ قال لي : « هم أكثر من ثلثي النّاس » « 1 ».
وقال عليّ بن إبراهيم : أنّها نزلت لمّا جاءت الصّدقات ، وجاء الأغنياء وظنّوا أن الرّسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقسّمها بينهم ، فلمّا وضعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في الفقراء تغامزوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولمزوه ، وقالوا : نحن الذين نقوم في الحرب ، ونغزو معه ، ونقوّي أمره ، ثمّ يدفع الصّدقات إلى هؤلاء الذين لا يعينونه ، ولا يغنون عنه شيئا ؟ ! فأنزل اللّه : {وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا ما آتاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ راغِبُونَ }.
ثمّ فسّر اللّه عزّ وجلّ الصّدقات لمن هي ، وعلى من تجب ، فقال :
{ إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فأخرج اللّه من الصّدقات جميع الناس إلّا هذه الثمانية أصناف الذين سمّاهم اللّه .
وبيّن الصادق عليه السّلام من هم ، فقال : « الفقراء : هم الذين لا يسألون وعليهم مؤمنات من عيالهم ، والدّليل على أنتم هم الذين لا يسألون قول اللّه في سورة البقرة : {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة : 273].
وَالْمَساكِينِ هم أهل الزمانة « 2 » من العميان والعرجان والمجذومين ، وجميع أصناف الزّمنى من الرّجال والنّساء والصّبيان . وَالْعامِلِينَ عَلَيْها هم السّعادة والجباة في أخذها وجمعها وحفظها حتى يؤدّوها إلى من يقسمها.
محمّدا رسول اللّه ، فكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يتألّفهم ويعلّمهم كيما يعرفوا ، فجعل اللّه لهم نصيبا في الصّدقات كي يعرفوا ويرغبوا ».
وفي رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : « المؤلّفة قلوبهم :
أبو سفيان بن حرب بن أميّة ، وسهيل بن عمرو ، وهو من بني عامر بن لوي ، وهمّام بن عمرو وأخوه ، وصفوان بن أميّة بن خلف القرشي ثمّ الجمحي ، والأقرع بن حابس التميمي ثمّ أحد بني حازم ، وعيينة بن حصن الفزاريّ ، ومالك بن عوف ، وعلقمة بن علاثة ، بلغني أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يعطي الرجل منهم مائة من الإبل ورعاتها ، وأكثر من ذلك وأقلّ ».
وَفِي الرِّقابِ قوم قد لزمهم كفّارات في قتل الخطأ ، وفي الظّهار ، وقتل الصّيد في الحرم ، وفي الإيمان ، وليس عندهم ما يكفّرون ، وهم مؤمنون ، فجعل اللّه لهم منها سهما في الصّدقات ليكفّر عنهم . وَالْغارِمِينَ قوم وقعت عليهم ديون أنفقوها في طاعة اللّه من غير إسراف ، فيجب على الإمام أن يقضي ذلك عنهم ويكفيهم من مال الصّدقات وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ قوم يخرجون إلى الجهاد وليس عندهم ما ينفقون ، أو قوم من المسلمين ليس عندهم ما يحجّون به ، أو في جميع سبل الخير ، فعلى الإمام أن يعطيهم من مال الصّدقات حتى يقووا به على الحجّ والجهاد وَابْنِ السَّبِيلِ أبناء الطّريق الذين يكونون في الإسفار في طاعة اللّه فيقطع عليهم ويذهب مالهم ، فعلى الإمام أن يردّهم إلى أوطانهم من مال الصّدقات .
والصّدقات تتجزّأ ثمانية أجزاء ، فيعطى كلّ إنسان من هذه الثمانية على قدر ما يحتاج إليه بلا إسراف ولا تقتير ، مفوّض ذلك إلى الإمام ، يعمل بما فيه الصّلاح » « 3 » .
وقال زرارة لأبي عبد اللّه عليه السّلام : أرأيت قول اللّه عزّ وجلّ : إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ أكلّ هؤلاء يعطى ، وإن كان لا يعرف ؟
فقال : « إنّ الإمام يعطي هؤلاء جميعا ، لأنّهم قرّون له بالطاعة » .
قال : قلت : فإن كانوا لا يعرفون ؟ فقال : « يا زرارة ، لو كان يعطي من يعرف دون من لا يعرف ما يوجد لها موضع ، وإنّما يعطي من لا يعرف ليرغب في الدّين فيثبت عليه ، فأمّا اليوم فلا تعطها أنت وأصحابك إلّا من يعرف ، فمن وجدت من أصحابك هؤلاء المسلمين عارفا فأعطه دون الناس ».
ثمّ قال : « سهم المؤلّفة قلوبهم وسهم الرّقاب عامّ ، والباقي خاصّ » .
قال : قلت : فإن لم يوجدوا ؟ قال : « لا تكون فريضة فرضها اللّه عزّ وجلّ ، إلّا يوجد لها أهل ».
قال : قلت : فإن لم تسعهم الصّدقات ؟ فقال : « إنّ اللّه فرض للفقراء في مال الأغنياء ما يسعهم ، ولو علم أن ذلك لا يسعهم لزادهم ، إنهم لم يؤتوا من قبل فريضة اللّه ، ولكن أتوا من منع من منعهم حقّهم لا ممّا فرض اللّه لهم ، ولو أنّ الناس أدّوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير » « 4 ».
______________
( 1 ) كتاب الزهد : ج 47 ، ص 126 .
( 2 ) الزمانة : العاهة . « لسان العرب - زمن - ج 13 ، ص 199 » .
( 3) تفسير القميّ : ج 1 ، ص 298 .
( 4 ) الكافي : ج 3 ، ص 496 ، ح 1 .
الاكثر قراءة في المعاملات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة