في اليوم الذي رجع فيه النبي إلى المدينة ودخل كل واحد من المسلمين بيته يدعي المؤرخون والمؤلفون في السيرة النبوية ان جبريل جاء إلى النبي وقال له ان اللّه يأمرك ان تسير إلى بني قريظة ، فأمر رسول اللّه ( ص ) مناديا فأذن في الناس ان من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة واعطى النبي رايته لعلي ( ع ) وتبعه المسلمون بالرغم مما كانوا عليه من التعب والسهر خلال حصار قريش وغطفان لهم ، وسار علي والمسلمون إلى بني قريظة وهم في حصونهم حتى إذا دنا منهم سمعهم يشتمون النبي ويتكلمون فيه بأفحش ما يكون من الكلام ، فرجع ليطلب من النبي ان لا يدنو من حصونهم حتى لا يسمع مقالهم فيه ، ولكن النبي تابع مسيرته حتى إذا دنا من حصونهم قال كما جاء في رواية الطبري :
يا إخوان القردة هل اخزاكم اللّه وانزل فيكم نقمته ، فقالوا يا أبا القاسم ما كنت جهولا : ونزل على بئر من آبارهم حتى تكامل المسلمون وحاصرهم النبي ( ص ) نحوا من شهر تقريبا فلما اشتد عليهم الحصار قيل لهم : انزلوا على حكم رسول اللّه وكان الخوف قد استولى عليهم ودخل حيي بن اخطب معهم في حصونهم حين رجعت قريش وغطفان وفاء منه بالعهد الذي أعطاه لكعب بن أسد أحد زعمائهم ، ولما أيقنوا ان رسول اللّه ( ص ) غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ، قال لهم كعب بن أسد : يا معشر اليهود انه قد نزل بكم من الأمر ما ترون واني عارض عليكم خلالا ثلاثا فخذوا أيها شئتم ، قالوا وما هي : قال نتابع هذا الرجل ونصدقه ، فو اللّه لقد تبين لكم انه نبي مرسل ، وانه الذي تجدونه في كتابكم فتأمنوا على دمائكم وأموالكم وأبنائكم ونسائكم .
فقالوا لا نفارق حكم التوراة ولا نستبدل به غيره ، فقال لهم إذا أبيتم هذا فهلم نقتل أبناءنا ونساءنا ثم نخرج من حصوننا إلى محمد وأصحابه مصلتين سيوفنا وليس وراءنا ما يهمنا حتى يحكم اللّه بيننا وبينه ، فإن نهلك لا نكون قد تركنا وراءنا ما نخشى عليه وإن نظهر على محمد فالنساء كثير ، فقالوا : أنقتل النساء والذرية بلا ذنب فلا خير في العيش بعدهم ، قال فإذا أبيتم هذه علي ، فان الليلة ليلة السبت ولعل محمدا وأصحابه قد امنوا اننا لا نحاربهم فيها فانزلوا من حصونكم لعلنا نصيب من محمد وأصحابه غرة ، فقالوا إذا فعلنا ذلك فقد افسدنا سبتنا وأحدثنا فيه ما لم يحدثه أحد من قبلنا ، وقد علمت ما أصاب من احدث فيه من المسخ .
وظلوا داخل حصونهم والمسلمون قد أحاطوا فيهم من جميع الجهات ولم يقع بينهم غير التراشق بالنبل والحجارة بين الحين والآخر ، ولما يئسوا من تراجع المسلمين عنهم بعثوا إلى النبي ان أرسل لنا ابا لبابة بن عبد المنذر أخا عمرو بن عوف نستشيره في أمرنا ، فأرسله رسول اللّه ( ص ) فلما رأوه قام إليه الرجال والتف حوله النساء والأطفال يبكون في وجهه فرق لهم ، وقالوا له يا ابا لبابة : أترى ان ننزل على حكم محمد قال نعم وأشار بيده إلى حلقه يريد بذلك ، انه الذبح ان لم تنزلوا .
وندم أبو لبابة على اشارته هذه كما جاء في كتب السيرة واعتبرها خيانة للرسول ( ص ) فخرج من بني قريظة إلى المسجد وربط نفسه إلى عمود من أعمدة المسجد حتى يتوب اللّه عليه ، وأخيرا قبل اللّه توبته والرسول في بيت أمّ سلمة واذن لها الرسول ان تبشره بذلك ، فخرجت إليه وبشرته بقبول توبته كما جاء في رواية ابن إسحاق انزل فيه كما يدعي المؤلفون في السيرة وجماعة من المفسرين يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، وانزل في توبته :
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( التوبة 102 ) .
وكانت خيانته انه افشى ما كان يضمره رسول اللّه ( ص ) ، وقال لهم كعب بن أسد لم يبق لكم إذا الا ان تنزلوا على حكم محمد ( ص ) وقد سمعتم من أبي لبابة ما أعده محمد لكم ، وجعلوا يتشاورون فيما بينهم ، فقال بعضهم انكم لن تكونوا أسوأ من بني النضير مصيرا ، وان أولياءكم من الأوس سيدفعون عنكم الشر إذا أراده محمد بكم ، واعرضوا عليه ان ننزح عن حصوننا إلى اذرعات ولا نظنه يجد بأسا في ذلك .
وبعثت قريظة إلى النبي ( ص ) تعرض عليه الخروج إلى اذرعات تاركة وراءها ما تملك ، فأبى عليهم الا ان ينزلوا على حكمه فأرسل بنو قريظة إلى الأوس يطلبون إليهم التدخل مع النبي ( ص ) بقبول هذا العرض كما تدخل الخزرج معه في امر بني النضير فمشى جماعة من الأوس إلى النبي ( ص ) وقالوا يا رسول اللّه الا تقبل من حلفائنا مثل الذي قبلت من بني النضير حلفاء الخزرج ، فقال لهم النبي : ألا ترضون ان اجعل بيني وبين حلفائكم رجلا منكم ؟ قالوا بلى يا رسول اللّه : قال فقولوا لهم ان يختاروا من الأوس من شاءوا ، فاختار اليهود سعد بن معاذ ، ونسوا موقفهم مع سعد حينما نقضوا العهد وانضموا إلى الغزاة ، وتحذيره إياهم من الإقدام على هذا الأمر ، وكيف قابلوه بشتم رسول اللّه وأصحابه حتى اضطروه ان يقابلهم بالمثل .
وكان سعد بن معاذ قد أصيب بسهم في أكحله قطع عرقا منه خلال حصار الأحزاب للمسلمين نزف منه أكثر دمه وأصبحت حياته مهددة بالخطر ، وكان قد قال حين اصابه السهم : اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فابقني لها فإنه لا قوم أحب إلي من أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه ، اللهم ان كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة . وكان النبي بعد رجوعه من الخندق امرهم ان يضعوه في خيمة رفيدة في المسجد ليكون قريبا منه ، لأنها كانت تعالج الجروح الصعبة وتداوي الجرحى ، فلما اختارته قريظة ليكون حكما بينها وبين النبي ( ص ) اتاه قومه من الأوس واحتملوه وأقبلوا به إلى رسول اللّه ، وهم يقولون يا أبا عمرو أحسن في مواليك ، فإن رسول اللّه انما ولاك ذلك لتحسن فيهم ، فلما أكثروا عليه قال : لقد آن لسعد ان لا تأخذه في اللّه لومة لائم .
فرجع عند ذلك بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل ونعوا لهم رجال بني قريظة قبل ان يصل إليهم سعد بن معاذ ، وأيقن بنو عبد الأشهل ان سعدا لا ينسى لهم غدرهم برسول اللّه ونقضهم العهود التي كانت بينهم وبينه ، وانهم ان خرجوا من المدينة كما خرج بنو قينقاع والنضير سيحتلون الدور الذي مثلوه بالأمس ، وربما يشتد خطرهم ويستعصي على المسلمين بعد ذلك استئصالهم .
ولا شك ان النبي ( ص ) كان يرى فيهم هذا الرأي ، ولو كان يحتمل فيهم ان يهادنوا المسلمين ولو احتمالا خفيفا لم يقدم على ما أقدم عليه ، لأنه لم يكن يلجأ إلى السيف الا لعلاج أخير لا يرى بديلا عنه وهو القائل لذة العفو خير من لذة الانتقام وإذا ظفرت في خصمك فليكن العفو أحلى الظفرين ، ولكنه كان يائسا من مهادنتهم للمسلمين مهما صنع معهم من الخير والاحسان .
وإذا عفا عنهم اليوم فسيمثلون معه نفس الدور الذي مثلوه بالأمس حينما انضموا لأخصامه كما كان واثقا من أن سعدا لا يداري ولا يحابي أحدا على حساب الإسلام ، ومن سوء طالع بني قريظة انهم اختاروا زعيم حلفائهم ليكون حكما بينهم وبين رسول اللّه ( ص ) ، وهو الذي جاءهم بالأمس القريب يذكرهم فيما بينه وبينهم من تحالف وتعاون من عشرات السنين ويخوفهم عواقب غدرهم ونقضهم للعهد القائم بينهم وبين النبي ( ص ) ويستعطفهم بأن لا يتعاونوا مع الأحزاب ، وان يقفوا على الحياد ، في حين ان المعاهدة بينهم وبين النبي تنص على التعاون المتبادل لخير الطرفين ، فقابلوه بأفحش ما يكون من القول .
وكان لا بد لسعد وهو الذي شهدت له مواقفه في بدر وأحد والخندق وبقية الغزوات بالاخلاص والصلابة في الحق ، كان لا ينتظر منه ان يحكم فيهم بغير حكم اللّه سبحانه ، ما دام يعتقد بأن بقاءهم يهدد الاسلام بأشد الأخطار بعد المراحل التي مر فيها معهم .
ولما انتهى إلى النبي استقبله وقال لمن حوله من الأوس قوموا إلى سيدكم فقاموا إليه وأنزلوه عن دابته ، فلما جلس قالوا : يا أبا عمرو ان بني قريظة قد حكموك ورضي رسول اللّه بحكمك فيهم .
وجاء في رواية ابن إسحاق انه التفت إلى القوم ، وقال عليكم عهد اللّه وميثاقه ان الحكم سيكون ما حكمت عليكم قالوا نعم ، والتفت إلى الناحية الثانية التي فيها رسول اللّه وقال مثل مقالته فرد عليه رسول اللّه وقال نعم ، فقال سعد عند ذلك اني احكم فيهم بقتل الرجال وسبي النساء والذراري وتقسيم أموالهم على المسلمين ، فقال له النبي ( ص ) كما جاء في كتب السيرة : لقد حكمت فيهم بحكم اللّه فوق سبعة أرقعة .
وقال ابن هشام في سيرته : ان الذي اضطرهم إلى النزول على حكم سعد بن معاذ هو انهم رأوا عليا ( ع ) قد هاجمهم ومعه الزبير بن العوام وهو يقول : لأذوقن ما ذاق عمي حمزة أو لأفتحن حصونهم ، فلما رأوه يشتد إليهم اخذهم الخوف والرعب منه وأيقنوا بالهلاك ، وقالوا يا محمد رضينا بحكم سعد فينا .
ثم إن رسول اللّه خرج إلى سوق بالمدينة فحفر بها الخنادق وقتلهم عن آخرهم ودفنهم فيها ، وكان بينهم حيي بن أخطب وعليه حلة قد شققها من كل ناحية حتى لا يطمع فيها أحد ويداه مجموعتان إلى عنقه ، فلما نظر إلى رسول اللّه قال واللّه ما لمت نفسي في عداوتك ولكنه من يخذل اللّه يخذل .
ثم التفت إلى الناس وقال : أيها الناس لا بأس بأمر اللّه كتاب اللّه وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل ، ثم جلس وضربت عنقه ، ولم يقتل من نسائهم الا امرأة واحدة .
وجاء في كتب السيرة عن عروة بن الزبير ان خالته عائشة كانت تقول :
واللّه ان تلك المرأة كانت عندي تتحدث معي وتضحك ظهرا وبطنا ورسول اللّه يقتل رجالهم في السوق إذ هتف هاتف باسمها فقامت ، فقلت لها ويلك ما لك قالت : سأقتل ، قلت : ولم ؟ قالت : لحدث أحدثته .
وكان من امرها ان خلاد بن سويد أحد المسلمين كان جالسا بالقرب من دارها فألقت عليه الرحا وقتلته كما جاء في المؤلفات في سيرة الرسول ( ص ) .
وتشفع ثابت بن قيس بن شماس بأحد بني قريظة وكان شيخا كبيرا قد منّ على ثابت بن قيس في حرب وقعت بينهم يوم بغاث فأخذه أسيرا وجز ناصيته وأطلقه ، ويدعى الزبير بن باطا القرظي ، فلما حكم عليهم سعد بن معاذ بالقتل ، جاء ثابت بن قيس إلى الزبير بن باطا وهو يوم ذاك شيخ كبير ويكنى بأبي عبد الرحمن فقال له : هل تعرفني يا أبا عبد الرحمن ، قال : وهل يجهل مثلي مثلك فقال له : إني أريد ان أجزيك بيدك عندي ، فقال : ان الكريم يجزي الكريم ، فأقبل ثابت على رسول اللّه وقال قد كانت للزبير علي يد وله عندي منة وقد أحببت ان أجزيه بها فهب لي دمه يا رسول اللّه ، فقال النبي ( ص ) هو لك ، فأتاه واخبره بأن رسول اللّه قد عفا عنه .
فقال له الزبير : إني شيخ كبير وما اصنع بالحياة وانا على هذه الحالة بعد أهلي وأولادي ، فرجع ثابت إلى رسول اللّه واستوهبه أهله وولده وما له فوهبهم له النبي ، فرجع إلى الزبير واخبره بذلك ، فالتفت إليه الزبير وقال :
ما فعل الذي كان وجهه كالمرآة تتراءى فيها عذراء الحي ، يعني بذلك كعب بن أسد زعيم قريظة ، وأضاف ما فعل بنو عمرو بن قريظة ومضى يسأل عن جماعة من أعيانهم وشبابهم ، وثابت بن قيس يقول له قد قتلوا بحكم سعد بن معاذ ، فقال له عند ذلك : اني أسألك بيدي عندك ان تلحقني بهم ، فو اللّه ما في العيش بعد هؤلاء خير ، فقدمه ثابت وألحقه بقومه .
وكانت سلمى بنت قيس أم المنذر إحدى خالات الرسول ( ص ) قد تشفعت برفاعة بن سموأل القرظي بعد ان التجأ إليها ولاذ بها فوهبه لها رسول اللّه ( ص ) ولقائل ان يقول كيف أقر النبي حكم سعد فيهم مع ما فيه من العنف والقسوة كما قيل ذلك واستغله الأعداء للتشويش على الإسلام ولكنا نقول في الجواب بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقا ان سعدا حكم عليهم بشريعتهم التي يدينون بها ويحكمون على الناس بموجبها .
قال العقاد في كتابه العبقريات الإسلامية ص 219 طبع دار الفتوح :
انما دانهم سعد بنص التوراة التي يؤمنون بها كما جاء في الأصحاح 10 إلى 15 من التثنية ، حين تقترب من مدينة لكي تحاربها استدعاها إلى الصلح فان اجابتك إلى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك ، وان لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ، واما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمة تفتحها لنفسك وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك إلهك .
وجاء في الكاشف ج 6 ص 209 ان هذا النص موجود في التوراة اصحاح 20 من التثنية لا اصحاح 10 إلى 15 وأضاف إلى ذلك ان هذا النص يدل بوضوح على أكثر مما حكم به سعد بن معاذ على بني قريظة ، لأنه يقول بصراحة ان استجابت المدينة إلى الصلح فجميع أهلها عبيد مسخرون ، وإن أبت وجب ذبح جميع الذكور بحد السيف المقاتلين منهم وغير المقاتلين ونهب الأموال وسبي الأطفال والنساء والذراري ، ومضى صاحب الكاشف يقول : وهناك نص آخر في التوراة لم يذكره العقاد ، وهو أعظم جورا من النص الأول ، لأنه يأمر بقتل جميع السكان ولا يستثني النساء والأطفال كما يأمر بإحراق المدينة بجميع ما فيها بحيث لا يمكن بناؤها وتجديدها إلى الأبد .
فقد جاء في الأصحاح الثالث عشر من التثنية ما نصه بالحرف الواحد : فضربا تضرب سكان تلك المدينة بحد السيف وتحرقها بكل ما فيها مع بهائمها بحد السيف وتجمع كل أمتعتها إلى وسط ساحتها وتحرق بالنار المدينة ، وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك فتكون تلا إلى الأبد لا تبنى بعد .
وبعد هذه النصوص التي يدين بها اليهود ويطبقونها على الشعوب في تاريخهم الطويل تنفيذا لنصوص توراتهم وكتبهم المقدسة فيقتلون الرجال وينهبون الأموال ويسبون النساء والأطفال ويحرقون المدن والقرى من كل شعب يغتصبونه ولو لم ينكث لهم عهدا أو يعلن عليهم حربا ، فهل بعد تلك النصوص التي وردت في كتبهم المقدسة وتلك المعاملة التي يعاملون بها الشعوب التي يسيطرون عليها في ماضيهم وحاضرهم يكون ظالما لهم من حكم عليهم بما يدينون به وعاملهم بما عاملوا به الناس ولو لم ينقضوا لهم عقدا أو يعلنوا عليهم حربا ، مع العلم بأن النبي ( ص ) لم يقتل أحدا منهم الا بعد ان نقضوا العهد الذي ابرمه معهم وأعلنوا عليه الحرب مع قريش واحلافها الغزاة وبعد ان اعذر إليهم وأرسل إليهم زعماء احلافهم من الأوس يطلبون إليهم الالتزام بالعهود والمواثيق التي ابرموها مع النبي ( ص ) فقابلوهم بشتم الاسلام ونبي الاسلام وبعد ان اختاروا سعدا ليحكم عليهم بما يستحقون ، وقد اتفقت جميع الشرائع السماوية والوضعية على أن من دان بدين لزمته احكامه ، وهنا يكمن السر في قول الرسول الأعظم ( ص ) لسعد بن معاذ حكمت فيهم بحكم اللّه من سبعة ارقعة .
وفي رواية ابن إسحاق ان النبي قد ارسل سعيد بن زيد الأنصاري وارسل معه مما تركه بنو قريظة ليشتري له بها خيلا وسلاحا فذهب بالأموال واشترى بها وهكذا كان يصنع كلما سنحت له الفرصة ليشتري السلاح والخيل لتتوفر لديه أسباب القوة لمحاربة الظلم والفساد والطغيان ، ويعطي الأفضلية لهذه الناحية ، ويتحمل هو وأصحابه أشد ما يمكن من الحاجة والفقر في كثير من الأحيان كما تحدث بذلك كتب السيرة تنفيذا لأمر اللّه سبحانه :
وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ( الأنفال 60 ) .
ويدعي كتاب السيرة انه قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة فكانت عنده تخدم في بيته إلى أن توفي ، ويدعي بعضهم انه عرض عليها ان يتزوج بها ويضمها إلى نسائه فأبت عليه وأحبت ان تبقى في ملكه ، وأبت ان تسلم أولا ، ثم دخلت في الاسلام بعد ذلك .
وبمناسبة موقف بني قريظة من النبي ( ص ) وما أصابهم بعد ذلك قال اللّه سبحانه :
وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً . وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً ( الأحزاب 26 - 27 ) .
وبعد ان نفذ رسول اللّه حكم سعد في بني قريظة توفي سعد بن معاذ ، فلما اخبر رسول اللّه بوفاته قام يجر ثوبه إلى المسجد فوجده ميتا .
وجاء في بعض المرويات أنه قال : والذي نفسي بيده لقد استبشرت الملائكة بروح سعد ، ولما صلى عليه ودفنه قال : ان للقبر لضغطة لو كان أحد ناجيا منها لنجا سعد بن معاذ ، وأكثر من الترحم عليه وعلى من مضى ممن صدقوا ما عاهدوا عليه اللّه ورسوله .
ولما سمع أمه تندبه وتنوح عليه ونسوة من الأنصار قال : كل نائحة تكذب الا نائحة سعد بن معاذ .
مقتل سلام بن أبي الحقيق
ولما انتهى المسلمون من امر الأحزاب وبني قريظة وقتلوا حيي بن أخطب الذي اشترك هو وسلام بن أبي الحقيق في تحريض قريش وغطفان وبني قريظة على غزو المسلمين وكان قد استقر في خيبر والتجأ إلى بعض حصونها فاستأذنت الخزرج رسول اللّه في قتله بعد قتل بني قريظة وزعمائهم بحكم سعد بن معاذ فأذن لهم رسول اللّه بذلك فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر كما جاء في المؤلفات في السيرة خرجوا إليه بقيادة عبد اللّه بن عتيك ونهاهم رسول اللّه ان يقتلوا وليدا أو امرأة فخرجوا مستترين حتى انتهوا إلى دار ابن أبي الحقيق ليلا ، وكان في علية يصعد إليها بعجلة تشبه السلم في غرفنا اليوم فلما بلغوا باب البيت الذي هو فيه استأذنوا عليه فخرجت إليهم امرأته وقالت من أنتم قالوا من العرب نلتمس الميرة ، فقالت ذاك صاحبكم فأدخلوا عليه فدخلوا عليه وأغلقوا الأبواب حتى لا يحس أحد بما يجري بينهم فلما رأت منهم زوجته ذلك أحست بالشر فرفعت صوتها تحاول التشهير بهم فأسرعوا إليه بسيوفهم وهو نائم على فراشه ، وتعالى الصياح من زوجته ولكنهم لم يمسوها بسوء تنفيذا لوصية رسول اللّه ( ص ) ، ولما اجهزوا عليه خرجوا مسرعين مخافة ان يدركهم الطلب ، وتسامع الناس بالحادث من صياح زوجته وعويلها فأسرعوا إليه وأوقدوا النيران يفحصون عنهم ، وقد التجئوا إلى ناحية لم تدخل في حساب أحد ، ثم تسلل أحدهم إلى المجتمعين ليتأكد لهم من وفاته من حيث لا يشعر اليهود بذلك ، وسمع زوجته تقول لقد سمعت صوت ابن عتيك ، ثم تراجعت وقالت واين ابن عتيك من هذه البلاد ، ثم رجعوا إلى رسول اللّه وكل يدعي قتله .
الاكثر قراءة في حاله بعد الهجرة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة