طرق تعزيز السلوك الجيد عند الأبناء / الحوار والحديث
المؤلف:
عيسى محسني
المصدر:
أساليب تعديل سلوك الأبناء رؤية إسلامية
الجزء والصفحة:
ص199ــ204
2025-12-07
63
يعتبر الحوار والحديث والإنصات إلى الطفل والإستماع إلى مشكلاته ومعاناته، من أبرز أساليب تعزيز السلوك الإيجابي، ولكي يكون تواصل وحوار الآباء مع الأبناء مثمرا ومنتجا ينبغي أن يلاحظ فيه عدة أمور:
الأول: يجب أن يشعر الولد في حوارك معه أنك مهتم به وبالموضوع الذي تريد أن تتحدث عنه ولذلك يجب علينا أن نتجنب جميع الحركات والأفعال التي تقلل من أهمية حوارنا مع ولدنا مثل الإلتفات بوجهنا أو بأنظارنا إلى الأطراف الأخرى حين الحديث معه، أو عند إستماع حديثه، ولا ننظر إلى الساعة أو ...
كما يجب علينا أن نرفض الإتصالات الهاتفية عند الحديث والحوار معه، والأفضل أن نغلق الهاتف المحمول حين الحوار فإن ذلك يوحي إلى الطفل أننا نعير للحوار معه أهمية كبيرة وهذا ما يجعل الحوار بيننا هادفا ومنتجا كما ينبغي علينا أن نعلّق على كلامه حين الحوار ببعض الحركات مثل حركة الرأس أو الإبتسام بوجهه بإستمرار أو بكلمة نعم، صحيح، و.... وبذلك نوحي إليه أننا فهمنا - إليه أننا فهمنا جميع ما يقوله وندرك حقيقة ما يريده بحديثه...
الثاني: من الأفضل أن نستخدم في حوارنا مع ولدنا لغة الجسد أيضاً وذلك من خلال لمسه بكل حنان وعطف وتشابك الأيدي وإحتضانه أو أن نربت على الكتف و... فإنّ هذا النوع من الحوار والتواصل يزيد في علاقة الآباء مع الأبناء ويجعل التواصل والحوار عاطفيا وأكثر تأثيراً في نفس الطفل ما يؤدي به إلى قبول نصائح الآباء وبالتالي يزيد في تعزيز السلوك الجيد الذي أكد عليه الآباء والمربون ولعلنا نجد هذه الخطوات بكل وضوح في سيرة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وتعاملهم مع أولادهم كما نجد ذلك في حديث الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) حيث قال: ((أَخَذَ أَبِي بِيَدِي ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنَّ أَبِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ (عليه السلام) أَخَذَ بِيَدِي كَمَا أَخَذْتُ بِيَدِكَ وَقَالَ إِنَّ أَبِي عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ (عليه السلام) أَخَذَ بِيَدِي وَقَالَ يَا بُنَيَّ افْعَلِ الْخَيْرَ إِلَى كُلِّ مَنْ طَلَبَهُ مِنْكَ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ فَقَدْ أَصَبْتَ مَوْضِعَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ كُنْتَ أَنْتَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنْ شَتَمَكَ رَجُلٌ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى يَسَارِكَ فَاعْتَذَرَ إِلَيْكَ فَاقْبَلْ عُذْرَهُ))(1).
نرى في هذا الحديث أن الإمام (عليه السلام) إستعمل في كلامه ونصيحته لغة الجسد حين أخذ بيد إبنه، ثم خاطبه بكلمة مملوءة بالعطف والشفقة والحنان فقال له ((يابني)) وبعد استخدام هذه الخطوات التي تعد من أهم آداب الحوار الهادف بدأ بإلقاء نصائحه وتعاليمه التربوية والأخلاقية فقال له: إفعل الخير إلى كل من طلبه منك...
فوائد الحوار مع الأولاد
للحوار مع الأبناء فوائد كثيرة نشير إلى بعضها:
الأول: إن الحوار مع الأبناء يعزز قدرة الولد على بناء العلاقات الإجتماعية ويعلمه كيف يتواصل مع الآخرين لاسيما إذا كان الولد أكثر حديثاً حينما يدور الحوار بينه وبين والده فسوف تتكون لديه الشجاعة والجرأة للحديث مع الآخرين خصوصا إذا وجد نفسه طلق اللسان فصيحا يستطيع أن يتكلم بسهولة فتصبح عنده القابلية والجرأة للحديث مع الآخرين وبذلك تزداد علاقته الإجتماعية مع الأصدقاء والأقران.
الثاني: إن الحوار بين الآباء والأبناء ينمي شخصية الولد ويجعله شخصا غنياً بذاته واثقاً بنفسه مقتنعاً بمهاراته وقدراته وهذا ما يدفعه إلى العطاء والإبداع.
إنّ الولد كلما إزداد ثقة بنفسه وشخصيته إزداد إيماناً بقدراته التي وهبها الله تعالى له فيجد نفسه أنه قادر على الإبداع في الكثير من الأمور التي تدور حوله ومن ثم يندفع إلى إستخدام تلك القدرات لإكتشاف أمور لم يسبقه أحد بها.
الثالث: من جملة الفوائد التي تترتب على الحوار بين الآباء والأبناء هو إشتداد العلاقة بينهم ذلك أنّ الطفل إذا وجد أن والده يمتدحه على سلوكه وتصرفاته الفردية والإجتماعية ويسمع كلامه بكل شفقة وحنان سوف تشتد علاقته به ويزداد حبه له فتصبح المودة والحنان أمرا مألوفا بينهما وهذا ما يدفع الولد الى الاصغاء لأبويه مطيعا لهما قال الله تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ} [آل عمران: 159].
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): ((مَنْ كَانَ رَفِيقاً فِي أَمْرِهِ نَالَ مَا يُرِيدُ مِنَ النَّاسِ))(2).
وعنه (عليه السلام): ((رَحِمَ اللَّهُ عَبْداً أَعَانَ وَلَدَهُ عَلَى بِرِّهِ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَالتَّأَلْفِ لَهُ
وَتَعْلِيمِهِ وَتَأْدِيبِه))(3).
مهارات الحوار الناجح
الاول: أن أبدأ حواري معه بثنائي عليه ومدحه لما صدر عنه من السلوك الجميل والفعل الحسن وينبغي أن أذكره بأنني فخور به وأحمد الله تعالى على أن أعطاني إياك يا لها من نعمة عظيمة، وأشكره على ذلك، ثم نشجعه على التواصل والإستمرار على ذلك العمل الجيد الذي صدر منه وأن لا ينقطع عنه، فإنّ القيام بالأعمال الصالحة من مصاديق السعادة التي لا يوفق لها إلا خيار عباد الله الصالحين يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): من السعادة التوفيق لصالح الأعمال(4).
وقد كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) يطلب من الله تعالى أن يوفقه للأعمال الصالحة وأن يجري للناس على يديه الخير فقد جاء في الدعاء العشرين من الصحيفة السجادية ((اللَّهُم... أَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى يَدِيَ الْخَيْرَ وَلَا تَمْحَقْهُ بِالْمَن))(5).
الثاني: أن يحاور ولده وهو مبتسم بشوش ويدعوه بأحب الأسماء إليه ذلك لما لهذا من أثر مهم في نظرة الولد فإنّ الابتسام في وجه الولد لاسيما في اللحظات الأولى حينما يجلسان ويتحاوران يترك في نفسه إنطباعاً أوليا يشير إلى القناعة الكاملة من وراء الحديث والحوار الذي سيجري بينهما ولذا دعت الأحاديث الشريفة إلى التعبير عن السعادة بطلاقة الوجه وحسن البشر وأنه يضمن الود والمحبة بين الأفراد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ((ثَلَاثٌ يُصْفِينَ وُدَّ الْمَرْءِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ يَلْقَاهُ بِالْبِشْرِ إِذَا لَقِيَهُ وَيُوَسِّعُ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ إِذَا جَلَسَ إِلَيْهِ وَيَدْعُوهُ بِأَحَبِّ الْأَسْمَاءِ إِلَيْهِ)).
وعنه أيضاً: ((يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِنَّكُمْ لَنْ تَسَعُوا النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ فَالْقَوْهُمْ بِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَحُسْنِ الْبِشْرِ))(6).
وقد كان (صلى الله عليه وآله) يمتاز بالأخلاق الإنسانية السامية وحسن معاشرة الآخرين ومعاملتهم بالرفق واللين ويلاقيهم بالإبتسامة وحسن البشر وطلاقة الوجه فقد روى الإمام الحسن (عليه السلام) قال: ((كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخّاب ولا فحّاش، ولا عيّاب ولا مدّاح...))(7).
الثالث: إن السماح للولد بالتعبير عن احتياجاته ورغباته وإصغاء الوالدين لحاجات الطفل المشروعة والمعقولة، وتلبية احتياجاته ومتطلباته تنمي شخصيته.
طبعاً لا بد للوالدين من وضع ضوابط لتلك الرغبات والحاجات ويجب عليهما أن يسلكا في ذلك الطريق السوي بعيدا عن الإفراط بحيث أن لا يعير الولد لتلبية حاجاته أي إهتمام لكثرة إستجابة الوالدين له ولا التفريط والحرمان بحيث تصبح من أمنياته تلبية حاجة من حاجاته قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ((الا اخبركم بخير رجالكم؟ قلنا بلى يا رسول الله. قال. انّ من خير رجالكم التقي النقي السمح الكفّين النّقي الطرفين البر بوالديه ولا يلجئ عياله الى غيره))(8).
وعلى أية حال فإن مصادرة حريته في التعبير عن حاجاته أو رغباته يضعف شخصيته ويدفعه إلى إخفاء تلك الاحتياجات وإشباعها بعيدا عن الوالد والمنزل وبلا ضوابط.
____________________________
(1) الكافي ج 8 ص 152.
(2) الكافي: ج 2 ص 120.
(3) مستدرك الوسائل: ج 15 ص 169.
(4) غرر الحكم ودرر الكلم: ص 467.
(5) الصحيفة السجادية: دعاء 20 ص 92.
(6) الكافي: ج 2 ص 643.
(7) معاني الأخبار: ص83.
(8) تهذيب الأحكام: ج 7 ص 400.
الاكثر قراءة في الآباء والأمهات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة