نهاية عهد بطليموس السابع إيرجيتيس الثاني
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج16 ص 353 ــ 355
2025-12-17
32
تحدثنا النقوش التي على جدران معبد إدفو أن «إيرجيتيس الثاني» في آخر حياته؛ أي العام الرابع والخمسين من سني حكمه (11 بئونة = 28 يونيو عام 116ق.م)؛ قد وضع أسس الجدار الكبير الذي يحيط بالمعبد وكذلك بواباته. وفي خلال العمل في وضع هذه الأسس وافته المنية (1) وخلفه ابنه على عرش الملك كما سنرى بعد. وتدل الظواهر على أن «بطليموس» هذا قد عاش عيشة هنية لا مشقة فيها ولا تأنيب للضمير حتى عام 116ق.م وهو العام الذي حضرته فيه الوفاة وهو في حوالي الخامسة والستين من عمره؛ أي بعد أن حكم مع أخيه أو وحده مدة 54 عامًا، تاركًا وراءه ذكريات جرائمه البشعة التي لا مثيل لها في تاريخ الإنسانية إلا النزر اليسير. هذا إذا صدقنا كل ما قيل عنه. وقد أدهش علماء الأخلاق كيف أنه مات على فراشة دون أن تنتقم منه العناية الإلهية فيموت ميتة المجرمين، وقد ذهبوا في تفسير ذلك كل مذهب.
أما «كليوباترا الثانية» شريكته في الملك فلسنا على يقين من أنها قد حضرتها الوفاة قبله — كما يصرح بذلك المؤرخ «جوستن» دون شك. وقد كان هذا هو الرأي المحتمل على حسب ما جاء في بيان رسمي مُؤرَّخ 22 مايو عام 118ق.م؛ حيث لم يوجد اسمها فيه بوصفها شريكة له في الملك (2). غير أن اسم «كليوباترا الثانية» قد ظهر في أوراق «تبتنيس» بعد 28 أبريل و7 ديسمبر من عام 118ق.م، يُضاف إلى ذلك أنه قد اقْتُبِسَ من ورقة بردية مؤرخة 9 بابه السنة الثانية (29 أكتوبر عام 115ق.م) من عهد الملكة «كليوباترا» والملكة «كليوباترا» والملك «بطليموس سوتر»؛ وعلى ذلك فإن «كليوباترا» لم تَمُتْ قبل «بطليموس إيرجيتيس» اللهم إلا إذا كان هناك خطأ ارتكبه الكاتب في تكرار كلمة «كليوباترا».
هذا، وكان آخر عمل قام به «إيرجيتيس الثاني» لإرضاء طموح زوجه «كليوباترا الثالثة» — وهذا العمل كان في الوقت نفسه يُعْتَبَرُ خطأ سياسيًّا من حيث مبدأ أسرته — أنه ترك عرش البلاد تحت تصرف «كليوباترا» هذه؛ فقد أعطى لها حق اختيار من توليه من ولديها عرش البلاد ليكون لها شريكًا في الملك؛ ومعنى هذا أن «بطليموس إيرجيتيس الثاني» لم يتمسك بأية حال من الأحوال بالقاعدة التي كانت تحرم زواج ولي العهد قبل توليه الملك؛ فقد كان ابنه الأكبر «بطليموس سوتر الثاني» متزوجًا في حياة أبيه من أخته «كليوباترا الرابعة»، وعلى أية حال فإنه ترك ﻟ «كليوباترا» أن تختار من تشاء من ولديها لتولي عرش الملك دون تفرقة بين الصغير والكبير(3)؛ ويرجع السبب في ذلك إلى أنه هو نفسه كان في حرب على أخيه من جراء هذه الفكرة.
وقد امتد أجل هذه الحرب لهذا السبب مدة خمس وعشرين سنة، هذا فضلًا عن أنه كان يرجع في نظريته في أمر تولي الملك من يستحقه من أولاده إلى «بطليموس سوتر الأول»، وعلى ذلك كلفت «كليوباترا الثالثة» بأن تقرر إذا كان نظام الأحقية هو الذي يجب أن يُتبَع أو نظام السن هو الذي يؤخذ به. وقد كان من البدهي مهما كان اختيار «كليوباترا» أن الحرب الداخلية كانت لا بد آتية بعد فترة قصيرة. ولا شك أن اختيارها كان معناه الاستعداد لحرب داخلية. هذا، ويمكن القول — حتى بعد إقصاء الابن الأكبر إلى «قبرص» — أن المناوشات العدائية قد ابتدأت، والواقع أن «بطليموس إيرجيتيس الثاني» كان على مقدار عظيم من الذكاء لدرجة جعلته يتنبأ بهذا المستقبل القريب، وأن في ذلك ما يكفي للدلالة على أنه كان محبًّا لنفسه لدرجة جعلته لا يهتم بالعرش ومن سيتولاه بعده.
ومما زاد الطين بلة أنه قد ارتكب عملًا أكثر ضررًا؛ وذلك أنه في فقرة من فقرات وصيته التي كانت تتنافى مع الأخلاق ومع مصلحة البلاد في وقت واحد؛ أوصى هذا العاهل بملكه القديم في «سرنيقا» لابنه غير الشرعي المُسَمَّى «بطليموس إبيون» وهو ابن حظيته «إيرن» على ما يُظَن (4). والآن يتساءل الإنسان هل كانت «سرنيقا» قد مُنِحَتْ له بوصفها إقطاعًا لمدة الحياة أو بمثابة ملكية يمكن نزعها؟ والواقع أننا لا نعرف شيئًا عن هذا الموضوع من الوجهة القانونية، إلا ما جاء في تفسير رجال القانون في «روما»، وهؤلاء قد حكموا فيما بعد أن تكون «روما» هي الوريثة ﻟ «بطليموس إبيون». ولكن وجود نقود في «سرنيقا» مضروبة باسم «بطليموس سوتر الثاني» (117-116ق.م) يبرهن على أن الوصية — إذا كانت حقيقة موجودة — تترك بعض الشك في شروط الوصية التي عُمِلَتْ لصالح «بطليموس إبيون»، وأن ملك مصر كان في إمكانه التسلط على «سرنيقا» ما دام لم يقهره أخوه المناهض له.
ولا بد أن «إبيون» كان فعلًا حاكمًا أو نائب ملك على «سيريني» في مدة حياة والده «إيرجيتيس الثاني»، وأنه كان لا بد من إشعال نار حرب للاستيلاء منه على عرش «سرنيقا»، ولا بد أن «روما» التي كانت قد فرغت من حروبها الداخلية الطويلة، وهي التي كانت قد شغلتها بعض الوقت عن تنفيذ أطماعها في الخارج؛ قد أخذت تفكر في فتح بلاد الشرق، وذلك بعد أن أصبحت قدمها راسخة في «برجام» بوصفها الوارثة لملوكها.
ولا نزاع في أن الأحوال كانت مُهَيَّأة للرومان في تلك الفترة لتنفيذ أغراضهم؛ فقد كانوا في مصر هم الحاملين لمدة طويلة للملك «إيرجيتيس الثاني»، كما رأينا من قبل؛ ولا أدل على ذلك من أنهم قد تركوه هادئًا مطمئنًّا لمدة، وكانوا في خلال ذلك مصوبين أنظارهم إلى الجزء الذي يمكن فصله من المملكة البطلمية — أي «سرنيقا» — دون أن يقضوا على كل بنائها.
...............................................
1- راجع Dumichen. A. Z. VIII (1870) p. 4 & 11. حيث يقول المتن:
وفي نهاية حياته في السنة الرابعة والخمسين من حكم هذا الملك الحادي عشر من شهر بئونة وُضِعَتْ أسس جدار الحرم والبوابة، وفي أثناء العمل في ذلك من كل الجهات (في هذا الجزء من المعبد) مات الملك.
2- راجع: Strack. p. 200, 20.
3- راجع: B.L. II, p. 85 and note 3.
4- راجع: Justin, XXXIX, 5, 2.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة