أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-9-2016
1916
التاريخ: 24-5-2017
19564
التاريخ: 8-8-2022
1592
التاريخ: 1-12-2016
7292
|
التوازن العادل في القوة الفكرية هو الحكمة، والرذيلة التي تقابل الحكمة من جانب التفريط هي الحمق والبلاء ويعنون بها تعطيل القوة الفكرية عن العمل وكبت ما لها من مواهب واستعداد ، والخسيسة التي تضادها من جانب الإفراط هي المكر والدهاء ويريدون منه التجاوز بالفكر عن حدود البرهان الصحيح ، واستخدام قوة العقل في ما وراء الحق فقد تثبت نتائج ينكرها الحس وقد تنفى أشياء تثبتها البداهة.
ولست أرى أن لفظ المكر والدهاء يدلان على هذا المعنى لأنهما بمعنى الاحتيال والخداع ، وهو شيء آخر وراء الحكمة الباطلة التي يقصدها هؤلاء المفسرون ، أما الدهاء بمعنى جودة الرأي فهو يقرب من معنى الحكمة وإذن فلنسم هذه النقيضة الخلقية .
(بالحكمة الباطلة) كما يسميها علماء الأخلاق.
ونحن إذا فحصنا الفضيلة العقلية (الحكمة) وجدناها تتألف من عنصرين أساسيين لا غنى لهما عن أحدهما :
قوة فكرية في طريقها إلى التوازن.
وعلم يرشد هذه القوة إلى طريق الاعتدال.
ليس التوازن في القوة الفكرية من الاشياء التي تمنحها المصادفة ويكونها الأنفاق، وليس بالأمر السهل الذي تكفي في حصوله للإنسان خبرة قليلة وتجربة نادرة ، لأنه توازن في كل ما تعتقد ، وتوازن في كل ما يقول، وتوازن في كل ما يعمل، وأنى للقوة الفكرية بهذه الاستقامة التامة إذا هي لم تستعن بإرشاد العلم الصحيح ، وأنى للعقل بمفرده أن يبصر هداه في الطريق الشائك والملك الملتوي.
كلنا نتمنى التوازن العادل في طباعنا والاستقامة التامة في سلوكنا وأي أفراد البشر لا يتمنى الكمال لنفسه ولكن الجهل يقف بنا دون الحد ، وميول النفس تبعدنا عن الغاية ، والعقل هو القوة الوحيدة التي تشبع فيها جانب التفريط بين أفراد الانسان ، وذلك من تأثير الجهل ، فالجهل أول شيء يحاربه علم الأخلاق ، لأنه أول خطر يصطدم به الكمال الإنساني ، وأول انحطاط تقع فيه النفس البشرية ، وأول مجزئ لها على ارتكاب الرذيلة. بل هو أول خطيئة وآخر جرعة.
يرتكب الجاهل أخطاء خلقية تعود بالضرر على نفسه وقد يعود ضرره في امنه وشعبه أيضا، وعذره في ذلك أنه جاهل، وإذا كان الفقيه لا يعد الجهل عذرا في مخالفة النظام الشرعي، لأن الخلقي أجدر أن لا يقبل ذلك العذر لأن الفقه أساس القيادة، والفقيه أكثر تسامحا اما العالم الخلقي فأنه يطبق نظامه بعنف، ويقرر نتائجه بدقة ، ولا يجد في المخالفة عذرا لمعتذر ، ولا سيما إذا كان العذر احد المحضورات الخلقية كالجهل. وإذن فمن الرشد ان يكون العلم أول شيء يفرضه علم الأخلاق ، ومن الحكمة أن يقول النبي العربي (صلى الله وعليه واله وسلم):
(طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)
وان يقول وصيه الإمام الصادق (عليه السلام) : (أني لست أحب أن أرى الشاب منكم إلا غاديا في حالين : إما عالما أو متعلما، فإن لم يفعل فرطاً، فإن فرط ضيع ، فإن ضيع أثم ، فإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق).
الشباب دور القوة والعزيمة، وعهد الطموح والرغبة، وزمان الجد والعمل والشباب دور تكامل القوى ، وتوثب النزعات وبعد ذلك فالشباب هو الدور الأول الذي يتسلم فيه الإنسان قيادة نفسه، ويختص به تهذيب خلقه وتثقيف ملكاته ، ولعل المربي قد أساء الصنع بتربيته فأنجد في الطريق وأتهمت الغاية ، ولعل البيئة أعدت غرائزه لما لا يحمد عقباه فأضافت إلى النقص نقصا ، وجمعت إلى النار حطبا ، وللنفس في ظل الشباب أماني وأحلام ، ولذهاب دافع من الشهوة ومحفز من الطموح وقائد من العزيمة والقوة كما قيل مبدأ شرور أو مصدر خيرات.
القرة أداة عاملة للشر أو للخير وتنتج العادة إذا دبرتها الحكمة ، وقادتها المعرفة. وهي على الضد من ذلك إذا قادها الجهل وحركتها العاطفة واستخدمتها الميول. إما العقل الذي عهد إليه أتباعه فهو لا يزال في عهد فتوة جديد. وفي ابتداء سياسة مستحدثه. وهو في هذه الحكومة الفتيه قليل الأنصار والجند والحكمة. وضعف الحاكم عامل قوي يتخذ منه الطائش مبررا لعمله. وينتهزه القوي فرصة لتحكماته. فكيف يكون نتيجة هذا الشاب المسكين. وما الذي ينتهي إليه أمره.
سيسقط في أخلاقه ثم يسقط ، وسيخسر أعز شيء عليه في الحياة من حيث لا يعلم وألم هذه الخسارة لأنه يجهل وبالأحرى لانه لا يحس.
والحل الوحيد بهذه المشكلة ان يجعل لعقل ذلك الشاب من العلم الصحيح مسندا (١) ومن الحكمة الصالحة معيناً ليصبح قويا بعد ضعف ، وكثير بعد قلة. وعاملا بعد خمود، على أن التجربة والرجحان ومقررات علم النفس تشهد بأن التعلم في السن الباكر أبلغ في التأثير وأعظم في الاستفادة. ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) أيضا : (لا يفلح من لا يعقل ولا يعقل من لا يعلم وبين المرء والحكمة نعمة العلم والجاهل شقي بينهما) (2) وهذه الكلمة على قصرها تتضمن نتيجة البحث وصفوة القول في المورد ويقول أيضا ( لوددت أن أصحاباً ضربت رؤوسهم بسياط حتى يتفقهوا).
أرأيت كيف يفرض العلم على أصحابه فرضا ؟. ثم يتمنى أن يستعمل القوة في تطبيق ذلك الفرض ، ولكن العلم الذي يفرضه على أصحابه هو العلم الذي يأخذ بيد الإنسان إلي السعادة ويرقي به إلى الكمال النفساني. ويقول في حديث أخر (كثرة النظر في الحكمة تلقح العقل)(3) .
شجرة كريمة المنبت ، طيبة الإنتاج نمت جذورها وهيئات تربتها ، ولكنها لا تأتي بالثمر الطيب إذا ما تسعف باللقاح المناسب ، تلك الشجرة هي العقل ، وثمرها هي الأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن اما لقاحها فهو كثرة النظر في الحكمة: هكذا يقول الإمام الصادق (عليه اللام) في هذا الحديث.
وهكذا يكون العلم هو اليد الأولى في تأسيس الفضيلة الأولى والساعد القوي الذي يمهد قاعدة الخلق الكامل.
والجهل ما يسمونه بالجهل المركب وهو جهل يشبه العلم في الصورة وشؤمه على الإنسان اشد من الجهل البسيط وهو مؤلف من جهلين.
والجهل رذيلة كبرى إذا كان بسيطاً فكيف إذا كان مكرراً والجاهل المركب عالم في اعتقاده وعمله صحيح في رأيه ولذلك فهو يرتكب الأخطاء ويعمل القبائح ولا يسمع نصح ناصح ولا يصده عذل عاذل.
ليقل القائلون ما شاءوا وليخطئوه في عمله إذا أرادوا، وماذا عليه من نصح الناصحين وعذل العاذلين إذا هو أرضى عقيدته وأقنع ضميره ، إنهم هم المخطئون فيما يقولون.
بهذا يعلل الجاهل المركب أعماله وأخطائه من حيث لا يعلم أن على عينيه منظار يلون الحقائق وعدسة تقلب له الصورة من أين له بالمرشد الخبير الذي يعرفه أن هذا اللون الذي يراه هو بالمنظار لا للحقيقة. وأن الانقلاب إنما هو في العدسة لا في الصورة ، لينكشف له الحق على صورته أو - على الأقل - ليعلم أنه لا يعلم.
ويحدثون عن أحد الخبثاء أنه أشترى حمارا متأنقا لا يأكل غير النبات الطري وأن بلغ به الجهد وأمضى به الجوع ، فأعيى صاحبه منه ذلك لأنه لا يجد النبات الطري في كل وقت فأحتال على الحمار والبسه منظارا كبيرا أخضر ثم قدم له مقدارا من التبن المبلول ، فشرع الحمار يأكل وأخذ صاحبه يضحك.
ليأكل الحمار من النبات الأخضر الطري في عقيدته وماذا عليه إذا رآه الآخرون تبنا أصفر ما دام هو لا يرى ذلك ، إنهم واهمون وأنهم مخطئون.
لا يلام الإنسان إذا أرتكب عملا فاسدا وهو يعتقد بأنه عمل صالح إذا هو لم يقصر في البحث ، ولكن هذا لا يكفي لتثقيف نفسه وتهذيب ملكاته ، وإذن فالعلم الذي يكون مصدرا للأخلاق الفاضلة هو الذي يوافق الواقع المعلوم. وهو اليقين.
نعم هو اليقين (الذي يوصل العبد إلى كل حال سني ومقام عجيب)
كما يقول الإمام الصادق (عليه السلام) وهو النور الذي نال فيه (فإن كان تأييد عقله من النور كان عالما وحافظا) وهو الحكمة التي يقول فيها : (كثرة النظر في الحكمة تلقح العقل). ومن آثار هذا اليقين اطمئنان نفس الإنسان وخلوده إلى الكون، والرضا في كل ما يعطى وفي كل ما يمنع، فإن (من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضى الناس بسخط الله ولا يلومهم بما لم يؤته الله)(4).
سرد رائع جدا وتحديد مسند صوره لنا أحد الأفاضل الذي لم يذكر اسمه على مؤلفه لأنه نشره في عهد الظلام وكان حدادا جدا فلا يسعنا الا ام نقف له وقفة تقدير على هذا البحث الدقيق الذي تناول فيه التعقل والاتزان والحكمة الضرورية في تصرفات الفرد ومحاربة اللامبالاة مع النفس ايضا وان لا يقع العاقل في متاهات الجاهل الذي يريد الجاه والدنيا لأنه يشعر بنقص داخلي في تركيبه دائما.
__________________
(١) الكافي الحديث ٢٩ كتاب العقل والجهل.
(2) الكافي الحديث ٨ باب وجوب طلب العلم.
(3) تحف العقول ص٨٩
(4) نفس المصدر السابق.
|
|
تأثير القهوة على الصحة.. ماذا تقول الدراسات الحديثة؟
|
|
|
|
|
ثورة تكنولوجية.. غوغل تطلق شريحة كمومية "تنجز عمليات معقدة" في 5 دقائق
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية توزع المساعدات الإنسانية للعائدين إلى لبنان
|
|
|