المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16459 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ولوطا اذ قال لقومه اتاتون الفاحشة ما سبقكم بها من احد من العالمين}
2024-05-19
{فاخذتهم الرجفة فاصبحوا في دارهم جاثمين}
2024-05-19
{فعقروا الناقة وعتوا عن امر ربهم}
2024-05-19
{وتنحتون الـجبال بيوتا}
2024-05-19
{هـذه ناقة اللـه لكم آية}
2024-05-19
معنى الرجس
2024-05-19

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


اختلاف القرآن عن الكتب العلمية في تبيين المعارف  
  
791   02:54 صباحاً   التاريخ: 2023-03-30
المؤلف : الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الكتاب أو المصدر : تسنيم في تفسير القرآن
الجزء والصفحة : ج1،ص72-83.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-12-2015 1885
التاريخ: 2023-04-26 1387
التاريخ: 2023-08-07 558
التاريخ: 17-1-2016 4084

اختلاف القرآن عن الكتب العلمية في تبيين المعارف

 

إن للقرآن الكريم وكما مر آنفا أساليبه الخاصة في بيان المعارف الإلهية. وفيما يلي نبحث اختلاف القرآن عن الكتب العلمية في تبيين المعارف: إن الله سبحانه في مقام بيان الوظائف الرسالية للنبي الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) يتحدث تارة عن تلاوة الآيات على الناس وتعليم الكتاب والحكمة وتزكية الأنفس {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة: 2] ، وتارة أخرى يتحدث عن إخراج الناس من ظلمات الجهل ومفاسد الضلالة إلى نور الهدى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1] ويعد القرآن الكريم هو الزاد الذي يحتاجه الرسول في طريق أداء وظيفته الرسالية والأداة التي يستخدمها في تعليم وتزكية الناس: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق: 45] ،  {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الشورى: 7] ، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].

وعلى هذا الأساس فإن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون مثل الكتب العلمية المحضة حتى يتصدى لبيان المسائل العلمية ومعرفة العالم فحسب، ولا أن يكون كالكتب الأخلاقية التي تكتفي بالموعظة، ولا أن يكون كالكتب الفقهية والأصولية التي تكتفي بذكر الأحكام الفرعية ومبانيها وأصولها، وبنحو عام فإن القرآن لا يمكن أن يتبع الأساليب المتداولة والمعتادة في الكتب البشرية. فالقرآن الكريم - ولأجل تحقيق أهدافه المتطابقة والمتحدة مع أهداف رسالة النبي(صلى الله عليه واله وسلم) العالمية - قد اختار أساليب خاصة تشير فيما يلي إلى بعضها:

1. الاستخدام الواسع للتمثيل لأجل تنزيل المعارف الثقيلة والرفيعة وقد مر البحث في ذلك.

2. الاستفادة من أسلوب الجدال الأحسن والاعتماد على النظريات والآراء المفروضة الصحة والمقبولة عند الخصم في الاحتجاج مع الأفراد الذين يظهرون عنادا في مقابل أصل الدين أو القرآن خاصة.

3. مزج (المعارف والأحكام) مع (الموعظة والأخلاق)، و(تعليم الكتاب والحكمة) مع (تربية وتزكية الأنفس)، وربط المسائل النظرية و بالعملية والمسائل التنفيذية بالأهداف الضامنة لتنفيذها؛ كإشارته إلى التقوى باعتبارها هدفا للصيام بعد الأمر به في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [البقرة: 183] ، أو بعد ذكر خلق اللباس الذي يواري بدن الإنسان ويحفظ جسده، تجد القرآن يتحدث عن لباس التقوى كأفضل حلة تحفظ روح الإنسان: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: 26].

وعندما يدور الحديث في أجواء الحج والعمرة لبيت الله، وحيث إن الحج والعمرة يستلزمان السفر، والسفر يحتاج إلى الزاد والمتاع، تراه يذكر زاد التقوى ويصفه بأنه خير زاد في السير والسلوك إلى الله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ...* الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ... وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [البقرة: 196-197].

كما جاء إلى جانب ذكر بعض أحكام الصيام التوصية والتأكيد على حفظ الحدود ورعاية التقوى الإلهية { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [البقرة: 187] ، وكما يذكر القرآن الكريم تطهير وتزكية النفس الإنسانية مقترنة بالأمر بأخذ الزكاة: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } [التوبة: 103]. وحتى إلى جانب أبسط الأوامر المتعلقة بالعشرة والتعامل الاجتماعي، كالضيف غير المدعو الذي لم ينسق لقاءه مع صاحب البيت ولم يتفق معه في وقت سابق، ففي حال رفض المضيف واعتذاره عن قبوله يجب عليه الرجوع. هنا يتكلم أيضا عن تزكية الروح فيقول تعالى {... وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور: 28].

4. الحكم القاطع بالنسبة إلى الأقوال والآراء التي ينقلها عن الآخرين. فالقرآن الكريم ليس كمثل بعض الكتب المتداولة يكون جامعة الأقوال بحيث ينقل الأقوال والآراء المختلفة ولا يدلي بحكمه حولها، بل إن نقله لها يكون مقترنة ببيان حكمه عليها، ولذلك فإنه إذا نقل قولا أو رأيا ما ولم يتحدث عن رده أو إبطاله، فإن عدم الرد علامة على الإمضاء والقبول؛ كما ينقل عن الولد الصالح لآدم * قوله إن الميزان في قبول العمل عند الله هو التقوى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] ولا يرد هذا القول، ولذلك جاء في بعض الروايات بأن هذه الجملة سميت (قول الله)(1)، كما وذكرت أيضا في الكتب الفقهية بعنوان أنها قول الله، وبناء على هذه الخصوصية سمي القرآن بأنه "قول فصل"، قال تعالى: { إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} [الطارق: 13، 14].

ولكن بعد نقله لقول المنافقين، فإنه يبطل هذا القول: { يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8]

فقد كان قول المنافقين يتضمن أنهم يحسبون أنفسهم أعزة وأن المؤمنين أذلاء، فتصدى القرآن لقولهم بعد نقله و أبطله، كما رد من قبل * كلامهم الباطل حول المحاصرة الاقتصادية للمؤمنين، وعدم الإنفاق على من عند رسول الله كي ينفضوا ويتفرقوا عن النبي الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) فنقل كلامهم هذا وانتقده وأبطله.(2)

إن الكتاب الذي تنزل من جهة الله الحكيم الحميد وامتدح بصفة و العزة وهي (عدم القابلية للنفوذ والاختراق)، لا يمكن للباطل أن يجد له طريقا إليه من أية جهة كانت: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 41، 42].

تنويه: إن المواعظ والنصائح القرآنية التي تذكر إلى جانب الأحكام والمعارف تارة تكون متأخرة كما في الأمثلة السابقة، وتارة متقدمة كما في قوله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء: 32].

5. الربط بين مسائل معرفة العالم ومعرفة الله. فمن أهم الميزات التي يختلف بها القرآن الكريم عن الكتب العلمية هو أن الكتب العلمية تبحث فقط وتبين الحركة الأفقية للأشياء وظواهر العالم، فمثلاً ترى خبير المعادن يقول: إن ما يوجد الآن في جوف الأرض وبطون الجبال معادن معينة قد كانت موجودة منذ ملايين السنين، وكم مر عليها من تطورات عديدة خلال تلك الفترة، وكم تنتظر في مستقبلها من التغيرات، لكن القرآن الكريم الذي هو كتاب هدى ونور، وليس كتاباً علمياً محضاً، يتحدث عن الحركة العمودية لظواهر العالم وارتباطها بالمبدأ من جهة وبالمعاد من جهة أخرى  أي إنه يتحدث عن المبدأ الفاعلي والمبدأ الغائيّ في حركة الموجودات وتحولها  كما في قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} [فاطر: 27] ، وقوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ } [الأنعام: 141] ، وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} [الأنبياء: 30]. ففي هذا النوع من الآيات جاء الحديث عن المبدأ الفاعلي لهطول الأمطار، والسبب الفاعلي لحركة البذور الهامدة وتحولها إلى سنابل وأغصان تتمتع وتنبض بالحياة النباتية، كما ذكر أيضاً المبدأ الأصلي لإيجاد الطرق في سلاسل الجبال البيضاء والحمراء والسوداء، ومن هو الموجد لأنواع الثمار والفواكه والحبوب الغذائية.

والمقصود هو أن الدراسات العلمية والفلسفية المتداولة حول أية 78 ظاهرة معينة في العالم، كالنجم أو الجبل أو... أو حول كل العالم دون تخصيص جزء منه، لها سير أفقي محض، فهي تبحث عن هذا الموجود المعين أو عن مجموع العالم، ماذا كان من قبل، وما هي حقيقته الآن، وماذا سيكون فيما بعد، ولا يوجد فيها ذكر للسير والحركة العمودية للأشياء، خلافا للقرآن الكريم الذي يحرص في بيانه العلمي للأشياء (بالمقدار الذي تعرض له) وفي تحريره الفلسفي لأصل العالم أن يضيف ذكر المسير العمودي للأشياء، أي انه يقول: من هو المبدأ الفاعلي لهذا مع الأمر، وما هو مبدأه الغائي والهدف النهائي المقصود منه؟

6. انتخاب المقاطع التاريخية ذات العبرة عند بيان القصص: فالقرآن الكريم ليس كتابة تاريخيا حتى يسجل وقائع كل قصة، ويسرد كل ما حدث فيها، بل إنه يتصدى لبيان مشاهد القصة المرتبطة والمنسجمة مع هدفه وهو (الهدى)، ثم يتحدث عنها بعنوان آنها سنة إلهية أو (فلسفة التاريخ).

مثلا نرى أن القرآن قد ذكر اسم الكليم موسى (عليه السلام) أكثر من مائة مرة وقصته ذكرت في 28 سورة وبنحو مفصل، لكن لم تذكر فيها الأمور ذات الطابع التاريخي والقصصي المحض، كتثبيت تاريخ مولده ووفاته الذي لم يرد له ذكر في القرآن، بل إنه يركز على الجوانب الحساسة وذات العبرة في القصة، فمثلا ترى القرآن الكريم لا يتحدث عن تاريخ ولادة موسى وطول فترة رضاعته، لكن يتحدث عن الحادثة المهمة في الوحي الإلهي لأم موسى في أن تقذفه في اليم، و إيجاد الاطمئنان في قلبها، والبشارة لها بعودة ولدها إليها بعد أن يبلغ ويكبر ويحظى بكرامة الرسالة، كما لم يذكر القرآن الكريم تاريخ هجرة موسى من مصر إلى مدين ولا زمان رجوعه من مدين إلى مصر، لكن تحدث القرآن عن خدمة موسى المجانية في سقي أغنام بنات شعيب واشتغالهن برعي الأنعام، وكذلك الحديث عن عفافهن وشرفهن، وعن الطريقة التي تعرف بها موسى على شعيب، وعن كيفية اختيار الشخص للوظائف والأعمال - حيث إنه يجب أن يكون أمينة في وظيفته وقويا ومتمكنا من السيطرة . على عمله. وكذلك تحدث القرآن عن رؤية النار والذهاب إليها ومشاهدة النور واستماع الكلام التوحيدي الإلهي من الشجرة.

7. إن أحد الأمور المهمة التي يمتاز بها القرآن الكريم عن الكتب - العلمية البشرية هو أن المحور الأصلي للتعليم في الكتب البشرية هو العلوم التي يمكن الحصول عليها بسهولة، ولكن محور التعليم في القرآن الكريم هو العلوم والمعارف التي لا يمكن للبشرية أن تنالها دون الاستمداد من نور الوحي قال تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 151] ، وقال تعالى {فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 239].

وصحيح أن الأنبياء قد قاموا بتفعيل وترشيد استعداد البشرية في العلوم التي يتيسر الحصول عليها والمستقلات العقلية: "يثيروا لهم دفائن العقول"(2) ولكن محور تعليم الأنبياء هو كشف حجب الغيب والابتكار العلمي والمعرفي للبشر. والقرآن الكريم بتعبيره الدقيق {ما لم تكونوا تعلمون} يشعر بهذه النكتة، لأن معنى هذه الجملة ليس هو مالم تعلموا، بل إنها تعني أنكم ما كنتم لتعلموا ذلك بالطرق المعتادة. كما أن الله سبحانه يقول لنبيه الأكرم(صلى الله عليه واله وسلم) على رغم ما له من الاستعداد والنبوغ الفائق: {وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا } [النساء: 113] ، يعني أن الله قد علمك معارف لم يكن باستطاعتك أن تتعلمها بالطرق المتعارفة، ولذلك فإن هذه الميزة في القرآن الكريم لا تختص بعصر التخلف والانحطاط العلمي، بل هي دائمة إلى الأبد، فالقرآن معلم لعلوم ليس للبشرية إليها من سبيل.

كما وقد نبه القرآن أيضاً في مواضع خاصة إلى هذه الحقيقة وهي أن الأسرار الكامنة والمخفية في العالم لا يمكن رؤيتها إلا بنور الوحي، كما في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216] ، وهذا الخطاب شامل لجميع الأفراد، أعم من الضعفاء والمتوسطين والاوحدي من أهل العلم والعمل.

8. بيان المصداق وتجنب الكلام بالعموميات. ليس متعارفاً في الكتب العلمية وفي مقام تبيين حقيقة ما أن تذكر مصاديقها، مثلاً أن يذكر الأبرار في تعريف البر، ولكن القرآن الكريم استعمل هذا الأسلوب، فهو مثلاً يقول في تعريف البر: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَ...} [البقرة: 177]

فالمفسرون الذين يحسبون أن القرآن كباقي الكتب العلمية، يبحثون في مثل هذه الموارد عن محذوف أو يقومون بتبريرات أخرى كي يثبتوا انسجام ومطابقة الأسلوب البياني للقرآن الكريم مع الأساليب المتداولة في الكتب العلمية، وقد فاتهم أن القرآن الكريم ليس كتابة علمية محضة حتى يتبع الطرق المتعارفة للكتب العلمية البشرية. ولذلك تراه أحيانا يذكر الموصوف بدلا من الصفة، وهذا يعد من الطرق المهمة في القرآن.

والمثال الآخر قوله تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89] فهاهنا يقتضي الانسجام بين المستثنى والمستثنى منه أن يقول "إلا سلامة القلب"، ولكن القرآن يترك ذكر الصفة ويتحول إلى ذكر الموصوف. والهدف هو كما في الآية السابقة حيث إنه كان يريد ترغيب المجتمع في عمل البر، لا أن يفسر لهم فقط معنى البر، كذلك هنا أيضا فهو يريد للأمة الإسلامية أن تبلغ درجة القلب السليم، لا أن يذكر لهم فقط بأن سلامة القلب عامل للنجاة في يوم القيامة.

تنويه: إن تبيين المصداق يكون أحيانا في آيات أخرى لا في نفس الآية التي هي محل البحث، كما في الآية الكريمة {... فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: 17، 18] فالكلام هنا عن أحسن الأقوال، ولكن مصداقه ذكر في موضع آخر، وذلك في قوله تعالى: { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ } [فصلت: 33] . . وكذا في سورة الحمد حيث جاء ذكر مجمل وكلي عن المنعم عليهم: { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ...} ولكن في سورة النساء بين مصداق المنعم عليهم بقوله تعالى: {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ...} [النساء: 69].

9. تكرار المواضيع: إن سر التكرار في القرآن الكريم هو أن القرآن كتاب نور وهدى، وفي مقام الهداية يصبح من اللازم أن يؤدي المعنى الواحد في كل مناسبة بتعبير خاص حتى تكون له صفة الموعظة، خلاف للكتب العلمية التي يذكر فيها الموضوع في مكان واحد ولا يكون تكراره مفيداً. والسر في لزوم التكرار في كتاب الهدى هو أن الشيطان والنفس الأمارة؛ بما أنهما سببان للضلالة والعذاب، يكونان دائما منهمكين في إضلال الإنسان، ونشاطهما وإن خفّ أحيانا ولكنه لا يتوقف، ولذلك كان تكرار الهداية والإرشاد ضروريا.

10. إن إحدى الظرائف الأدبية والفنية في القرآن الكريم هو التغيير المفاجئ في السياق، فمثلا ترى في جملة ما وبعد ذكر عدة كلمات مرفوعة، وفي الأثناء تفاجأ بذكر كلمة منصوبة وذلك حتى يتوقف القارئ ويدفعه ذلك إلى التأمل والتدبر، كما في قوله تعالى: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 162]، حيث إنه في هذه الآية الكريمة ذكرت خمس صفات، والسياق الأدبي" يقتضي أن تكون هذه الصفات مرفوعة كما هو الحال في الصفتين المقدمتين (الراسخون والمؤمنون) وفي الصفتين المؤخرتين (المؤتون والمؤمنون)، ولكن نرى بين هذه الصفات الأربع المرفوعة صفة واحدة منصوبة وهي صفة (المقيمين)، وذلك لأجل أن يلفت نظر المتدبرين والتالين لكتاب الله إلى أهمية الصلاة التي هي عمود الدين، كما هو متعارف في كتابة اليافطات والإعلانات حيث تكتب بعض الكلمات مثل كلمة "شهيد" باللون الأحمر كي تلفت نظر المشاهد. فإذا بتغيير الأسلوب وتبديل السياق يتم التنبيه على أهمية وخصوصية المحتوى لذلك اللفظ.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. تفسير نور الثقلين، ج 1، ص615

2. نهج البلاغة، الخطبة 1، الفقرة 37.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



بمشاركة 60 ألف طالب.. المجمع العلمي يستعدّ لإطلاق مشروع الدورات القرآنية الصيفية
صدور العدد الـ 33 من مجلة (الاستغراب) المحكمة
المجمع العلمي ينظّم ورشة تطويرية لأساتذة الدورات القرآنية في كربلاء
شعبة التوجيه الديني النسوي تختتم دورتها الثانية لتعليم مناسك الحجّ