أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-14
189
التاريخ: 2023-11-07
978
التاريخ: 2023-10-25
1024
التاريخ: 2023-10-25
951
|
وكان من الطبيعي جدًّا أن يؤدي دخول الفُرس إلى سورية ولبنان وفلسطين ومصر، وبقاؤهم فيها خمس عشرة سنة، إلى اضطهاد أبناء الكنيسة الأُم لعلاقتهم بالقسطنطينية وتمسُّكهم بعقائدها، كما كان طبيعيًّا أن يؤدي ذلك إلى تنشيط اليعاقبة وكل من قال بالطبيعة الواحدة، والواقع أنه لما عاد الروم إلى هذه الأقطار وجدوا أن جميع بطاركتها هم مِن أتباع الطبيعة الواحدة، فعَادوا إلى مُعالجة هذا الانشقاق في الكنيسة لتوحيد الكلمة وجمع الصفوف؛ خصوصًا لأن الأخطار كانت لا تزال تحيط بالإمبراطورية وتهدد كيانها. وكان طبيعيًّا أيضًا أن يشعر البطريرك سرجيوس صديق هرقل الأمين بالضعف الذي نجم عن هذا الاختلاف في العقيدة؛ ذلك بأن البطريرك كان يمارس الحكم ويطلع على خفايا الأمور في أثناء تغيب هرقل عن القسطنطينية في الحرب الفارسية، ويرى بعضُ الباحثين أن سرجيوس بدأ منذ السنة 616 يعرض على بعض الأساقفة القول بطبيعتين في السيد مع فعل واحد، وأن هرقل رأى في هذا القول مخرجًا من الأزمة اللاهوتية المستحكمة، ووسيلةً لتوحيد الصفوف، فلما كانت السنة 622 فاوض هرقل جملة من الأساقفة في قبرص وأرمينية، ثم في السنة 623 فاوض كيروس أسقف فاسيس في بلاد الأكراد، ونصح له أن يكتب إلى سرجيوس في هذا الموضوع، فقبل كيروس وكتب إلى سرجيوس، فأجابه هذا بأنه قد وجد بين رسائل أحد أسلافه ميناس رسالةً وجهها إلى فيجيليوس بابا رومة أشار فيها إلى فعلٍ واحد ومشيئة واحدة. وأضاف أنه لا يعرف أحدًا من الآباء يؤيد القول بالمشيئتين، وهكذا قال كيروس بالمشيئة الواحدة، وسرَّ به هرقل وازداد شجاعةً على المضي في هذه التسوية، ففاوض في السنة 629 أثناسيوس بطريرك أنطاكية، وكان هذا ممن يقول بالطبيعة الواحدة، فقبل، ثم التأم في السنة 630 مجمع ثيودوسيوبوليس فقبل كاثوليكوس الأرمن إسِز وأساقفته اعتناق القول الجديد، وثبَّت هرقل أثناسيوس على الكرسي الأنطاكي، وجعل كيروس بطريركًا وواليًا على مصر، وأصبح أمله بالاتحاد وطيدًا بعد أن قبل أربعة بطاركة بالحل الجديد، وعندئذٍ كتب سرجيوس بطريرك القسطنطينية إلى أونوريوس بابا رومة مبينًا ما تمَّ من توحيد الكلمة راجيًا منه إبداء الرأي، فجاءَ جواب البابا مبهمًا غامضًا ولكنه لم يكن سلبيًّا، فإنه أشار إلى عبارة بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس في الفصل الثاني عن «صلب ربِّ المجد.» كما اقتبس من كلام يوحنا الحبيب في الفصل الثالث من إنجيله أنه «ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء.» مبينًا أنه يجوز القول: إن الله قد تألم. وفي الوقت نفسه استدرك أونوريوس أن ليس من رأيه أن يصار إلى الكلام في الفعل الواحد والفعلين بعد أن تمَّ هذا الاتحاد في الكنيسة (1). وفي السنة 634 تبوأ العرش البطريركي في المدينة المقدسة راهبٌ شديد الشكيمة قوي القلب، صفرونيوس الشهير، وكان قد سبق له أن أمَّ القسطنطينية وهو لا يزال راهبًا، واحتج على القول بالمشيئة الواحدة، فلما أصبح بطريركًا عقد مجمعًا محليًّا في المدينة المقدسة وحرَّم التعليم بالمشيئة الواحدة، وكتب إلى إخوانه البطاركة الآخرين كتابة صارمة ضد التعليم الجديد، فاضطرب البابا أونوريوس وكتب إلى صفرونيوس وغيره كتابة بمعنى رسالته المُشار إليها آنفًا، فلم ينتج عنها أَيُّ اتفاق؛ لغموضها وقلة صراحتها. ولم يُوَفَّقْ كيروس كل التوفيق في مصر؛ فإن الساويريين وافقوه على القول بالمشيئة الواحدة، ولكن اليوليانيين والشيع الأُخرى اعترضوا، فضايقهم كيروس بما أُعطي من صلاحيات مدنية وسجنهم وعذَّبهم وقتل منهم فريقًا، ففرَّ رؤساؤُهُم إلى البراري ليعودوا إلى مصر مع العرب الفاتحين. وتُوُفي صفرونيوس في السنة 637، سنة دخول العرب إلى المدينة المقدسة، فأصدر الإمبراطور دستور إيمان جديد سنة 638 عرف بالإكثيسيس Ecthesis وحتَّم فيه القول بالمشيئة الواحدة (2)، وعقد سرجيوس مجمعًا في أواخر هذه السنة نفسها وصدق على الإكثيسيس، ثم أدركته الوفاة فخلفه بيرُّس ووافق على ما كان قد أقره سلفه. وفي هذه السنة نفسها تُوُفي البابا أونوريوس فخلفه سويرينوس (638–640) ومات دون أن يحرِّم القول بالمشيئة الواحدة، أما البابا يوحنا الرابع (640–642) فإنه حرَّم المشيئة الواحدة، وفي السنة 639 تَمَّ للعرب فتحُ الشام، فدخلوا أنطاكية، فصعبت الصلة وأوشكت تنقطعُ بين هذا المركز الديني والقسطنطينية، وفي السنة 641 تُوُفي هرقل — والحالة على ما وصفنا. وهنا يحسن التذكير بموقف الكنيستين الرئيستين من القول بالمشيئة الواحدة؛ فهذا القول — بحسب موقف الكنيستين — مردودٌ؛ لأنه يناقض كمال اللاهوت والناسوت في السيد المسيح؛ فالطبيعة لا يُمكن أن تكون كاملةً وهي ناقصةُ الإرادة والفعل، والاعتقاد بالطبيعيتين يلزمه الاعتقاد بالمشيئتين والفعلين باتحاد وبلا انفصال، والمسيح لم يُرد ولم يفعل شيئًا من حيث هو إنسان فقط، بل من حيث هو إله وإنسانٌ معًا، بلا اختلاط ولا انقسام (3).
.........................................
1- Duchesne, L., Hist. Anc. de l’Eglise, 407; Zananiri, G., Hist. de l’Eglise Byz., 144-145
2- Zananiri, G., Op. Cit., 147
3- جراسيموس متروبوليت بيروت، تاريخ الانشقاق، ج،1 ص،333 هامش.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|