توصل صلح وستفاليا الى وضع حد للحروب الدينية التي شهدتها اوروبا طيلة قرن من الزمن وأدى إلى نهاية عصر عرف بعصر الاصلاح الديني. اما النزاعات الدولية التي شهدتها اوروبا بعد صلح وستفاليا فقد اتخذت صبغة سياسية قومية وهي النزاعات التي قامت بين السويد وبولندا ثم حروب لويس الرابع عشر التوسعية التي انتهت بمعاهدة اوترخت.

ويمكن تلخيص نتائج هذه الحروب كما يلي:

1- ادت حروب الثلاثين عاماً الى تهديم كيان المانيا سياسياً. فقد أصبح شمالها وشرقها بروتستانتياً خالصاً بينما بقي الجنوب على كاثوليكيته. وعلى هذا الاساس أصبح المجلس الامبراطوري يتكون من مجموعة متساوية من الولايات البروتستانتية والكاثوليكية مما أفقد الحكومة المركزية سلطانها المعنوي والمادي على أكثر المقاطعات الالمانية. فالصلح أكد استقلال الشؤون الخارجية لكيان ثلاثمائة وخمسين ولاية هذا الاستقلال اتاح الفرصة لتمكين قبضة الامراء الذين حافظوا على هذه التجزئة التي ادت الى تأخر قيام الوحدة الالمانية طيلة أكثر من قرنين من الزمن. يذكر حسن صبحي بهذا الصدد: "وعلى ذلك يميز صلح وستفاليا نهاية لتلك الاحلام التي راودت مكسميليان الاول وشارل الخامس التي كانت تدور حول اصلاح وتوحيد الامبراطورية، وهي احلام حاول ايضاً الامبراطور فرديناند الثاني جعلها حقيقة ابان حروب الثلاثين. وهكذا صارت الامبراطورية اتحاداً مفككاً من ولايات كثيرة العدد، تعد الامبراطورية - رغم انها بقيت إلى اوائل القرن التاسع عشر - زعيمة العالم المسيحي ولو اسمياً (1).

2- حصلت السويد من هذه الحرب على اهدافها السياسية بسيطرتها على بعض المناطق التي هيأت لها السيادة في بحر البلطيق. كما انها اصبحت عضوا في مجلس الديت الالماني ممثلة بثلاثة اصوات.

3- اما فرنسا فقد خرجت ظافرة من هذه الحرب اذ حصلت بموجب الصلح على مقاطعات المانية غنية. وسمعة عسكرية عالية حققها بعض قادتها اثناء سير المعارك. وأننا سوف نلمس مباشرة مدى اهمية الدور الذي ستلعبه فرنسا في تاريخ القارة الاوروبية الحديث منذ عهد لويس الرابع عشر وذلك بعد ان تحقق الحلم الفرنسي بفك عرى التحالف بين اسرتي الهابسبورغ النمساوية - الاسبانية اللذين كانا بمثابة فكي الكماشة تضغط بها الاسرتان على فرنسا منذ تأسيس الامبراطورية الرومانية المقدسة. (2).

4 - لقد كان تأثير صلح وستفاليا كبيراً على اسبانيا. اذ ان هذه الدولة بدأت تشهد منذ تاريخ الصلح ازمات اقتصادية وسياسية حادة. مما يعود الى تكاليف الحروب الدينية التي ارهقت موارد البلاد وأخر نمو التوسع الاسباني في العالم الجديد.

5- اما بالنسبة لهولندا فان الصلح الذي قدم لها اعترافاً رسمياً بالاستقلال، أدى إلى انتعاش التجارة الهولندية وبات السوق الهولندي مركزاً رئيسياً للعمليات التجارية العالمية التي كانت تحصل في ذلك الوقت.

6- اما ايطاليا التي كانت مركزاً اقتصادياً وحضارياً مهماً في أوروبا

فقد عطلت الحروب الدينية مركزها وأضحت منذ هذا التاريخ مجزأة سياسياً واقتصادياً طيلة أكثر من قرنين من الزمن.

7- ادت الحروب الدينية ايضاً الى تأكيد وحدة المذاهب المعارضة للكاثوليكية المؤلفة من ارثوذكس روسيا والقسطنطينية إلى الكلفينيين واللوثريين رغم بعض الخصومات المحلية التي ظلت تتحكم بين الطرفين اللوثري والكالفيني.

.............................................
1- حسن صبحي : اوروبا من فتح القسطنطينية حتى قبيل الثورة الفرنسية. مكتبة الجامعة العربية بيروت 1967. ص 106.

2- كانت الامبراطورية الرومانية المقدسة تتكون من مناطق عديدة منها: في ايطاليا: دوقية ميلان وسافوي وبارما ومانتوا ومودن. وفي الشرق من بوهيميا ومورافيا وسيليزيا التي يعتبر ملكها أحد امراء الامبراطورية المنتخبين. وكذلك من بورغونيا والبلاد المنخفضة ومقاطعة فرانش - كونته بالإضافة الى مجموعة الكنتونات السويسرية.