أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-4-2017
3490
التاريخ: 2-4-2017
3055
التاريخ: 22-11-2015
3437
التاريخ: 2023-02-08
3795
|
1 - ملك دومة الجندل أكيدر بن عبد الملك
دُومة الجندل بضم الدال وفتحها : مدينة الجَوْف وضواحيها ، هي الآن محافظة في شمال المملكة السعودية . « والدَّوْم شجر يشبه النخل إلا أنه يثمر المُقْل « ليف أو مسد تصنع منه الحبال » وله ليف وخوص مثل ليف النخل . ودومة الجندل خمسة فراسخ ومن قبل مغربه عين تَثِجَّ فتسقى ما به من النخل والزرع . واسم حصنها مارد ، وسميت دومة الجندل لأن حصنها مبنى بالجندل » . لسان العرب : 12 / 218 .
« تتصل به عين التمر وبَرِّية خساف من بادية السماوة » . نزهة المشتاق : 1 / 352 .
وفى قاموس الكتاب المقدس / 381 : « آدوم : اسم مكان ذكر في إشعياء : 21 : 11 ، مع سعير أو أدوم . ويعتقد بعضهم أن هذا المكان هو الواحة التي تسمى دومة الجندل وتدعى الآن الجوف ، وهى في الشمال الغربى من شبه الجزيرة العربية على نحو مسافة مائة ميل من حدود الأردن . وربما سكن نسل دومة بن إسماعيل هذه البلاد » . وفى الصحيح من السيرة : 10 / 126 : « مدينة بينها وبين دمشق خمس ليال ، وتبعد عن المدينة خمس عشرة أو ست عشرة ليلة ، وهى بقرب تبوك » .
« أكيدر : صاحب دومة الجندل . وكودر : ملك من ملوك حمير » . لسان العرب : 5 / 135 .
وفى مكاتيب الرسول : 3 / 331 : « ذكر بعض الأخباريين أن كلباً كانت تحكم دومة الجندل ، وأن أول من حكمها منهم دجاجة بن قنانة بن عدي . وذكروا أيضاً أن الملك على دومة الجندل وتبوك كان لهم إلى أن ظهر الإسلام ، وأنهم كانوا يتداولون الحكومة مع السكون من كندة ، فلما ظهر الإسلام كان على دومة الجندل الأكيدر بن عبد الملك ، وكان سوق دومة الجندل يعشرها كلب تارة وأكيدر أخري . ويؤيد سلطة كلب وقوتها أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعث سرية إلى دومة مع عبد الرحمن بن عوف في السنة السادسة في شعبان فتزوج ابنة الأصبغ ، وهو رأسهم وملكهم . راجع الطبري : 2 / 642 .
أقول : كانت دومة الجندل « دولة » تابعة لهرقل ، وهى حدود بلاد الشام مع جزيرة العرب ، وهى حدود دولة المناذرة في العراق التي يحكمها الفرس . وقد انتشرت فيها المسيحية إلى جانب الوثنية العربية ، ومثلها تيماء ووادى القرى وتبوك . وعندما ضعف نفود الفرس بعد هزيمتهم على يد الروم ، زاد نشاط الغساسنة والروم في هذه المناطق ، وتعاظم خطر الروم على النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وكان الأكيدر ملك الدومة على صلة وثيقة بمَلك الشام الحارث بن أبي شمر ، وكان ذراعه داخل الجزيرة ، وكانا يحَضِّرَان لغزو المدينة بأمر هرقل من قديم .
وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يتجنب الاصطدام مع أي حاكم عربى مهما أمكن ليجمع العرب على الإسلام ضد الروم ، وتقدم في غزوة مؤتة أن ملك الشام قتل رسوله ( صلى الله عليه وآله ) إلى حاكم عمَّان ، واستخف برسوله اليه هو ، وعزم على غزو النبي فنهاه قيصر ، ولما بلغ النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما كان منه قال : بادَ ملكه » . السيرة الحلبية : 3 / 304 .
2 - غزوة النبي « صلى الله عليه وآله » لدومة الجندل في السنة الخامسة
في السنة الخامسة بلغ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن الأكيدر يجمع لغزو المدينة فغزاه بنفسه في وقت سوق دومة الجندل السنوي ، فهرب الأكيدر إلى صاحبه ملك الشام فقرر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن لا يهاجم السوق ، ورجع إلى المدينة .
قال الطبري : 2 / 232 : « وفيها « السنة الخامسة » غزا دومة الجندل في شهر ربيع الأول وكان سببها أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بلغه أن جمعاً تجمعوا بها ودنوا من أطرافه ، فغزاهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى بلغ دومة الجندل ، ولم يلق كيداً » .
وفى المحبر / 58 : « وكان تجار العرب شكوا إليه ظلم أكيدر بن عبد الملك السكوني فخرج ( صلى الله عليه وآله ) مستهل المحرم يوم الاثنين ، فبلغ أكيدر إقباله فهرب وخلَّى السوق ! ورجع ( صلى الله عليه وآله ) من الطريق في صدر صفر ، ولم يلق كيداً » .
وفى البدء والتاريخ / 332 : « وأحسَّ بذلك أكيدر فهرب ، واحتمل الرحل وخلى السوق ، وتفرق أهلها ، فلم يجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحداً ، فرجع » .
3 - الوضع السياسي للروم عند غزوة تبوك
ذكر المسعودي في التنبيه والإشراف / 134 ، وهو مؤرخ خبير بالروم : أن هرقل بدأ حكمه في سنة هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وحَكَم إلى السنة الثانية من خلافة عثمان ، فكان قائد الروم في حروبهم مع الفرس وانتصارهم عليهم ، وفى حروبهم مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمين ، وانتصار المسلمين عليهم .
أما كسرى أبرويزشاهنشاه الفرس فكان عند هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) في السنة الثالثة والثلاثين من حكمه . ولما ملك هرقل جَدَّ في حرب الفرس فكانت بينهم حروب في حوران انتصر فيها الفرس وقال الله تعالى عنها : ألَمِ . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِى أَدْنَى الأرض .
أما انتصار الروم على الفرس فكان في السنة السادسة لهجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما أرسل كسرى جيشاً إلى القسطنطينية وحاصرها ، وأثناء حصارها ساءت العلاقة بينه وبين قائد جيشه شهر براز ، فاتفق مع هرقل ضد كسرى وانسحب من حصار قسطنطينية ، فنشط هرقل في حرب جيوش كسرى في مصر وسوريا فهزمها ، وجمع جيشه في الجزيرة وسار بنفسه إلى الموصل ، وخرج كسرى اليه في جيشه الخاص فاقتتلوا فانهزم الفرس ! ولما رأى ذلك كسرى غضب على كبار قادته وعماله وحبسهم ليقتلهم ، وكان عددهم ثلاثين ألفاً ! فاتفق عليه شخصيات مملكته وخلعوه وملَّكوا ابنه شيرويه . راجع الأخبار الطوال / 106 .
وعاد هرقل منتصراً من الموصل ، وقد اطمأن إلى أن النظام الفارسي في حالة تفكك ، وصار له نفوذ على ابن كسرى وقادة الجيش الفارسي المتصارعين .
وقد صح تقدير هرقل ، فبعد حكم كسرى لمدة ثمانية وثلاثين عاماً حكم ابنه شيرويه ستة أشهر ، وأصابته الكآبة والأمراض بعد قتله أباه وإخوته الخمسة عشر ! ثم حكم ابنه أردشير سنة ونصفاً . ثم حكم شهر براز أربعين يوماً . ثم حكم كسرى بن قباذ ثلاثة أشهر . ثم حكمت بوران بنت كسرى سنة ونصفاً ، وفى عهدها قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن الفرس : لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة . ثم حكم فيروز جشنس بنده ستة أشهر . ثم حكمت آزر ميدخت بنت كسرى ستة أشهر .
ثم حكم فرخزاد خسرو بن أبرويز سنة . ثم حكم يزجرد بن شهريار بن كسرى عشرين سنة ، لكنه كان متخفياً هارباً من المسلمين حتى قتل في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين . التنبيه والإشراف / 89 ، المحبر / 362 ، اليعقوبي : 1 / 156 و 172 والطبري : 1 / 587 .
وبعد انتصاره على الفرس ، بقي هرقل في بلاد الشام يرتب أمورها ، وصار واضحاً أن معركته المقبلة ستكون مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأنه يعِدُّ العُدة لذلك .
كان هرقل يهاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويحسب لقوته حساباً أكثر مما يهاب كسري ، ولذلك أجاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) على رسالته بجواب لين وأنه يؤمن بأنه الرسول الأخير الذي بشر به عيسى ( عليه السلام ) ، وأنه دعا بطارقة الروم ليؤمنوا به ، لكنهم لم يطيعوه !
أراد بذلك أن كسب الوقت للإعداد لحرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان نهيه لملك الشام أن يغزو المدينة ، وقايةً من الهزيمة على يد النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وقد اتضحت سياسة هرقل وعداؤه للنبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما أمر الحارث ملك الشام أن يقتل حاكم عَمَّان ، لأنه بعث إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بإسلامه ، ثم جاء إلى تبوك بعد عودة النبي ( صلى الله عليه وآله ) منها ، وأمر بقتل يوحنا حاكم أيلة وصلبه ، لأنه كتب مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) عهد صلح ! كما كان أمر بقتل رسول النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى حاكم بصرى من قبله ، بينما أكرم هو رسول النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأجاب جواباً ليناً !
كان هرقل يحشد جيش الشام ، وجيش كندة عند الأكيدر ملك دومة الجندل ، ويهئ « طابوره الخامس » من متنصرة المدينة ومنافقيها ومنافقى قريش وبقايا اليهود ، بقيادة أبى عامر الفاسق . لكن كل ذلك مقدمة لجيشه الرومي من فرسان الروم المحترفين الذين سيزحف بهم إلى المدينة خلف هذا الجيش العربي !
وينبغي أن نشير إلى دولتي العرب في الشام والعراق ، اللتين كانتا تحت نفوذ الروم والفرس ، فقد ذكروا أن أول ملوك الشام التابعين للروم جفنة بن عمرو بن ماء السماء . وآخرهم جبلة بن الأيهم ، الذي لحق بالروم بعد فتح الشام .
أما في العراق فقد ملَّك الفرس على الحيرة : النعامنة والمناذرة وآخرين من تميم وكندة وغسان وطيئ ، وآخرهم النعمان بن المنذر الذي قتله كسرى وملَّك بعده أياس بن قبيصة الطائي وغيره ، ثم جاء الله بالإسلام . التنبيه والإشراف / 1589 .
4 - النبي « صلى الله عليه وآله » يعمل لنقل المعركة إلى الشام وحصرها بالروم
مقابل ذلك كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يرى أن هزيمة كسرى والصراع الداخلي على السلطة بعده ، تسهل على المسلمين فتح فارس . أما هرقل فيجب توجيه رسالة قوية اليه والمبادرة إلى الاشتباك معه في بلاد الشام ، لصرفه عن التفكير في غزو الجزيرة . وكان ( صلى الله عليه وآله ) حريصاً على أن يتجنب المعركة مع الحكام المحليين التابعين لهرقل ويحصر المعركة مع جيشه الرومي الخالص ليضغط عليه أن ينسحب من الشام ومصر ، ويضغط على الحكام المحليين ليكونوا على الحياد ، ويعقدوا معه معاهدات صلح .
وبهذه الرؤية أرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) جعفر بن أبي طالب « رحمه الله » وأمره أن يتوغل بجيشه إلى قريب القدس حيث الجيش الرومي المحترف ، ولم يأمره أن يثأر لرسوله من حاكم بصري ، أو يشتبك مع الحارث حاكم الشام ! وبذلك وجه رسالة إلى هرقل أن موضع الاشتباك معه في عقره بالشام ومع جيشه الرومي ، وليس في الجزيرة !
وبهذه الرؤية قصد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه مركزاً آخر لتجمع الجيش الرومي هو تبوك وكان يحث المسلمين على المعركة فيقول : « أغزوا الروم تنالوا بنات الأصفر » ! « تفسير القمي : 1 / 293 والاستيعاب : 1 / 266 » فهو يوجههم إلى المعركة المقبلة الطويلة مع الروم ، ويطمعهم ببناتهم البيض ، وليس ببنات المنطقة السمر !
وكان قيصر أيامها في حمص وقيل في دمشق ، وكانت قواته الرومية فضلاً عن العربية في حالة استنفار ضد النبي ( صلى الله عليه وآله ) منذ أن راسله في السنة السادسة ودعاه إلى الدخول في الإسلام ، أي قبل ثلاث سنوات من تبوك ، وكانت تبوك وحمص وأجنادين ومؤتة ، أهم نقاط تجمع الجيش الرومي .
وتبعد تبوك عن المدينة سبع مئة كيلو متر ، وهى الآن مدينة قرب الحدود السعودية الأردنية ، وتبعد عن عَمَّان أربع مئة وخمسين كيلو متراً ، وعن الشام نحو ذلك . وهى الأيكة التي ورد ذكرها في القرآن ، وقربها مَدْين التي بعث فيها شعيب ( عليه السلام ) . معجم البلدان : 1 / 291 .
وقد علم هرقل بحركة النبي ( صلى الله عليه وآله ) بجيش من ثلاثين ألفاً ، فقد أخبره جواسيسه في المدينة والجزيرة بحركته ، وأنه أعلن مقصده ودعا الناس إلى حرب الروم ! فأمر هرقل بسحب جميع قواته والقوات العربية من تبوك وأخلاها من أي قوة ، لأنه لم يستعد لخوض المعركة مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! وبلغه ما فعل النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالأكيدر ملك دومة الجندل ، وكتب معه معاهدة صلح ، فلم يحرك هرقل ساكناً .
وقد أقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) في تبوك نحو عشرين يوماً وأرسل إلى هرقل رسالة أو أكثر وتلقى جوابها ، وقد خلطها الرواة برسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) الأولي .
وقال المسعودي في التنبيه والإشراف / 236 : « وقد أتينا على ما كان بينه وبين هرقل ملك الروم من المراسلات في هذه الغزاة في حال مقامه بتبوك ، وهرقل يومئذ بحمص وقيل بدمشق ، فيما سلف من كتبنا » .
5 - تبوك والثأر لجعفر بن أبي طالب « رحمه الله »
قال اليعقوبي في تاريخه : 2 / 67 : « سار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في جمع كثير إلى تبوك من أرض الشأم يطلب بدم جعفر بن أبي طالب « رحمه الله » ، ووجه إلى رؤساء القبائل والعشائر يستنفرهم ويرغبهم في الجهاد ، وحض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أهل الغنى على النفقة ، فأنفقوا نفقات كثيرة وقووا الضعفاء » .
وفى تاريخ ابن خلدون : 2 ق : 1 / 224 : « وَجَد النبي « حَزِنَ » على من قتل من المسلمين ، ولا كوجده على جعفر بن أبي طالب لأنه كان تلاده ، ثم أمر بالناس في السنة التاسعة بعد الفتح وحنين والطائف أن يتهيؤا لغزو الروم ، فكانت غزوة تبوك » .
أي : كان حزنه ( صلى الله عليه وآله ) على جعفر « رحمه الله » عميقاً ، لأنه من ذخائره القديمة العزيزة .
6 - هرقل يحرك المنافقين والأكيدر لحرب النبي « صلى الله عليه وآله »
كان مسجد الضرار عملاً من جماعة أبى عامر الراهب ، الذي سماه النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبا عامر الفاسق ، وكانوا على صلة بقيصر الروم ، وقد بنوا « مسجدهم » في السنة التاسعة للهجرة ليكون مقراً لهم ، فكشفهم الله تعالى ، وأمر رسوله ( صلى الله عليه وآله ) فهدمه وجعله المسلمون موضع كناسة ! وقد رأيت موضعه قبل نحو أربعين سنة إلى يسار الداخل إلى مسجد قباء ، وكان محل قمامة ، لكن الوهابيين أزالوه .
قال القمي في تفسيره : 1 / 305 : « قوله : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا ، فإنه كان سبب نزولها أنه جاء قوم من المنافقين إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالوا : يا رسول الله أتأذن لنا أن نبنى مسجداً في بنى سالم للعليل والليلة المطيرة والشيخ الفاني ؟ فأذن لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو على الخروج إلى تبوك ، فقالوا : يا رسول الله لو أتيتنا فصليت فيه ؟ قال ( صلى الله عليه وآله ) : أنا على جناح سفر فإذا وافيت إن شاء الله أتيته فصليت فيه فلما أقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من تبوك نزلت عليه هذه الآية في شأن المسجد وأبى عامر الراهب . . . وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَينَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ ، يعنى أبا عامر الراهب كان يأتيهم في ذكر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأصحابه . وَلَيحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللهُ يشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لاتَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَلِ يوْمٍ : يعنى مسجد قبا ، أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يحِبُّونَ أَنْ يتَطَهَّرُوا وَاللهُ يحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ . قال كانوا يتطهرون بالماء .
وقوله : أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . وفى رواية أبى الجارود عن أبي
جعفر ( عليه السلام ) قال : مسجد ضرار الذي أسس عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ . فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مالك بن الدخشم الخزاعي وعامر بن عدي على أن يهدموه ويحرقوه ، فجاء مالك فقال لعامر : إنتظرنى حتى أخرج ناراً من منزلي ، فدخل فجاء بنار وأشعل في سعف النخل ثم أشعله في المسجد فتفرقوا ، وقعد زيد بن حارثة حتى احترقت البنية ، ثم أمر بهدم حائطه » .
أما أبو عامر الفاسق فهرب إلى القسطنطينية ، على أمل أن يعود بعد احتلال الأكيدر وأنصاره المدينة ، لكنه خاب وبقى هناك حتى مات ! « الإستيعاب : 1 / 381 » . راجع في قصة أبى عامر الراهب : شرح النهج : 14 / 219 و 244 ، ابن هشام : 4 / 956 ، قصص الأنبياء / 349 ، قصص الأنبياء للراوندي / 350 ، تفسير الطبري : 11 / 38 ، الفخر الرازي : 16 / 194 ، الدر المنثور : 3 / 277 ، تاريخ المدينة : 1 / 54 ، الصحيح من السيرة : 4 / 130 ونظرية عدالة الصحابة / 45 .
7 - أكبر جيش في تاريخ الجزيرة
كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يعرف خصمه هرقل جيداً ويتعامل معه بلغة يفهمها ، ولذا أعد جيشاً كبيراً ، فأرسل إلى القبائل والنواحي يدعوهم للسير معه إلى غزو الروم ، أراد بهذا الإعلان أن يجرئ العرب عليهم ولم تكن لهم جرأة قبل ذلك ، وأن يثبت لهرقل قوة المسلمين الذين رأى نموذجاً من بسالتهم في مؤتة !
قال المفيد في الإرشاد : 1 / 154 : « ثم كانت غزاة تبوك ، فأوحى الله تبارك وتعالى اسمه إلى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يسير إليها بنفسه ويستنفر الناس للخروج معه ، وأعلمه أنه لا يحتاج فيها إلى حرب ولا يمْنَى بقتال عدو ، وأن الأمور تنقاد له بغير سيف ، وتعبده بامتحان أصحابه بالخروج معه واختبارهم ، ليتميزوا بذلك وتظهر سرائرهم فاستنفرهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى بلاد الروم وقد أينعت ثمارهم واشتد القيظ عليهم ، فأبطأ أكثرهم عن طاعته رغبة في العاجل ، وحرصاً على المعيشة وإصلاحها ، وخوفاً من شدة القيظ وبعد المسافة ولقاء العدو ، ثم نهض بعضهم على استثقال للنهوض ، وتخلف آخرون » .
وفى إعلام الوري : 1 / 243 : « ثم كانت غزوة تبوك تهيأ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في رجب
لغزو الروم ، وكتب إلى قبائل العرب ممن قد دخل في الإسلام وبعث إليهم الرسل يرغبهم في الجهاد والغزو ، فكتب إلى تميم ، وغطفان ، وطيئ ، وبعث إلى عتاب بن أسيد عامله على مكة ، يستنفرهم لغزو الروم » . « وكتب كتباً إلى جميع القبائل التي أسلمت وقتئذ ، يدعوهم إلى غزو الروم » . مكاتيب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : 1 / 216 .
وفى الصحيح من السيرة : 29 / 144 : « عن زيد بن ثابت ومعاذ بن جبل قال : خرجنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفاً . . عن أبي زرعة قال : كانوا بتبوك سبعين ألفاً . وكانت الخيل عشرة آلاف فرس . وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كل بطن من الأنصار والقبائل من العرب أن يتخذوا لواء وراية . وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جيشه بالإستكثار من النعال وقال : إن الرجل لا يزال راكباً ما دام منتعلاً » .
وفى تفسير القمي : 1 / 295 : « وكان مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بتبوك رجل يقال له المضرَّب من كثرة ضرباته التي أصابته ببدر وأحُد ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عُدَّ لي أهل العسكر ، فعدهم فقال : هم خمسة وعشرون ألف رجل ، سوى العبيد والتُّبَّاع . فقال : عُدَّ المؤمنين ، فعدهم فقال : هم خمسة وعشرون رجلاً » .
أقول : يبدو أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قصد بالمؤمنين أصحاب الدرجات العالية في الإيمان ولا بد أن يكون هذا الصحابي « رحمه الله » من هؤلاء الأصحاب الخاصين للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد بحثت عن المُضَرَّب فلم أجد له ترجمة في المصادر ، وله أمثال في الصحابة الخاصين ، كأبى ذر ، وعمرو بن الحمق الخزاعي .
8 - أخبر النبي « صلى الله عليه وآله » المسلمين بمدة الغزوة ونتيجتها
من أساليب الإعجاز النبوي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر المسلمين عن نتيجة معاركه مسبقاً ، كما حصل في بدر وخيبر وحنين وتبوك .
وقد كشف الإمام الكاظم ( عليه السلام ) قصة مسجد الضرار وعلاقته بهرقل وغزوة تبوك ، فقال كما في تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) / 481 : « ولقد اتخذ المنافقون من أمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) بعد موت سعد بن معاذ ، وبعد انطلاق محمد ( صلى الله عليه وآله ) إلى تبوك ،
أبا عامر الراهب ، اتخذوه أميراً ورئيساً وبايعوا له وتواطؤوا على إنهاب المدينة ، وسبى ذرارى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وسائر أهله وصحابته ودبروا التبييت على محمد ( صلى الله عليه وآله ) ليقتلوه في طريقه إلى تبوك ، فأحسن الله الدفاع عنه وفضح المنافقين وأخزاهم .
وذلك أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : لتسلكن سبيل من كان قبلكم ، حَذْوَ النعل بالنعل والقُذَّة بالقذة حتى أن أحدهم لو دخل جُحْرَ ضب لدخلتموه !
قال : إعلموا أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان تأتيه الأخبار عن صاحب دومة الجندل ، وكانت تلك النواحي مملكة عظيمة مما يلي الشام ، وكان يهدد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأن يقصده ويقتل أصحابه ويبيد خضراءهم ! وكان أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خائفين وجلين من قبله حتى كانوا يتناوبون على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كل يوم عشرون منهم ، كلما صاح صائح ظنوا أن قد طلع أوائل رجاله وأصحابه !
وأكثرَ المنافقون الأراجيف والأكاذيب وجعلوا يتخللون أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) ويقولون : إن أكيدر قد أعد لكم من الرجال كذا ، ومن الكراع كذا ، ومن المال كذا ، وقد نادى فيما يليه من ولايته : ألا قد أبحتكم النهب والغارة في المدينة !
ثم يوسوسون إلى ضعفاء المسلمين يقولون لهم : وأين يقع أصحاب محمد من أصحاب أكيدر ؟ يوشك أن يقصد المدينة فيقتل رجالها ويسبى ذراريها ونساءها ! حتى آذى ذلك قلوب المؤمنين فشكوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما هم عليه من الجزع !
ثم إن المنافقين اتفقوا وبايعوا لأبى عامر الراهب الذي سماه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) « الفاسق » وجعلوه أميراً عليهم وبخعوا له بالطاعة فقال لهم : الرأي أن أغيب عن المدينة لئلا أتهم إلى أن يتم تدبيركم .
وكاتبوا أكيدر في دومة الجندل ليقصد المدينة ليكونوا هم عليه وهو يقصدهم فيصطلموه . فأوحى الله تعالى إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) وعرفه ما أجمعوا عليه من أمره ، وأمره بالمسير إلى تبوك ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كلما أراد غزواً وَرَّى بغيره إلا غزاة تبوك فإنه أظهر ما كان يريده ، وأمرهم أن يتزودوا لها ، وهى الغزاة التي افتضح فيها المنافقون وذمهم الله في تثبيطهم عنها ، وأظهر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما أوحى الله تعالى إليه أن الله سيظهره بأكيدر حتى يأخذه ويصالحه على ألف أوقية ذهب في صفر ، وألف أوقية ذهب في رجب ، ومائتي حلة في رجب ومائتي حلة في صفر وينصرف سالماً إلى ثمانين يوماً !
فقال لهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن موسى ( عليه السلام ) وعد قومه أربعين ليلة وإني أعدكم ثمانين ليلة ، أرجع سالماً غانماً ظافراً بلا حرب تكون ، ولا أحد يستأسر من المؤمنين ! فقال المنافقون : لا والله ولكنها آخر كرَّاته التي لاينجبر بعدها ، وإن أصحابه ليموت بعضهم في هذا الحر ورياح البوادي ومياه المواضع المؤذية الفاسدة ، ومن سلم من ذلك فبين أسير في يد أكيدر وقتيل وجريح !
واستأذنه المنافقون بعلل ذكروها : بعضهم يعتل بالحر ، وبعضهم بمرض جسده وبعضهم بمرض عياله ، فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يأذن لهم . فلما صح عزم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على الرحلة إلى تبوك ، عمد هؤلاء المنافقون فبنوا خارج المدينة مسجداً وهو مسجد ضرار ، يريدون الاجتماع فيه ويوهمون أنه للصلاة ، وإنما كان ليجتمعوا فيه فيتم تدبيرهم ، ويقع هناك ما يسهل لهم به ما يريدون .
ثم جاء جماعة منهم إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقالوا : يا رسول الله إن بيوتنا قاصية عن مسجدك وإنا نكره الصلاة في غير جماعة ويصعب علينا الحضوروقد بنينا مسجداً فإن رأيت أن تقصده وتصلى فيه لنتيمن ونتبرك بالصلاة في موضع مصلاك ، فلم يعَرِّفهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما عرفه الله تعالى من أمرهم ونفاقهم فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إئتونى بحمارى فأتى باليعفور فركبه يريد نحو مسجدهم ، فكلما بعثه هو وأصحابه لم ينبعث ولم يمش ، وإذا صرف رأسه عنه إلى غيره سار أحسن سير وأطيبه ! قالوا : لعل هذا الحمار قد رأى في هذا الطريق شيئاً كرهه ولذلك لا ينبعث نحوه !
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إئتونى بفرس ، فأتى بفرس فركبه فكلما بعثه نحو مسجدهم لم ينبعث ، وكلما حركوه نحوه لم يتحرك ، حتى إذا ولوا رأسه إلى غيره سار أحسن سير ! فقالوا : ولعل هذا الفرس قد كره شيئاً في هذا الطريق !
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تعالوا نمشى إليه ، فلما تعاطى هو ومن معه المشي
نحو المسجد جثوا في مواضعهم ولم يقدروا على الحركة ، وإذا هموا بغيره من المواضع خفت حركاتهم ، وخفت أبدانهم ، ونشطت قلوبهم ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن هذا أمر قد كرهه الله فليس يريده الآن ، وأنا على جناح سفر فأمهلوا حتى أرجع إن شاء الله ، ثم أنظر في هذا نظراً يرضاه الله تعالى .
وجدَّ في العزم على الخروج إلى تبوك وعزم المنافقون على اصطلام مخلفيهم إذا خرجوا ! فلما خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وشيعه على ( عليه السلام ) خاض المنافقون فقالوا : إنما خلفه محمد بالمدينة لبغضه له ولملالته منه ، وما أراد بذلك إلا أن يبَيته المنافقون فيقتلوه أويحاربوه فيهلكوه ، فاتصل ذلك برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال على ( عليه السلام ) : تسمع ما يقولون يا رسول الله ؟ فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أما يكفيك أنك جلدة ما بين عيني ونور بصرى وكالروح في بدني .
ثم سار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بأصحابه وأقام على ( عليه السلام ) بالمدينة فكان كلما دبر المنافقون أن يوقعوا بالمسلمين فزعوا من على ( عليه السلام ) وخافوا أن يقوم معه عليهم من يدفعهم عن ذلك ! وجعلوا يقولون فيما بينهم : هي كرَّة محمد التي لا يؤوب منها !
فلما صار بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبين أكيدر مرحلة ، قال تلك العشية : يا زبير بن العوام ويا سماك بن خرشة ، إمضيا في عشرين من المسلمين إلى باب قصر أكيدر فخذاه وأتيانى به ! فقال الزبير : يا رسول الله وكيف نأتيك به ، ومعه من الجيوش الذي قد علمت ، ومعه في قصره سوى حشمه ألف ومائتان عبد وأمة وخادم ؟ !
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تحتالان عليه فتأخذانه . قال : يا رسول الله وكيف نأخذه وهذه ليلة قمراء وطريقنا أرض ملساء ، ونحن في الصحراء لا نخفي ؟ !
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أتحبان أن يستركما الله عن عيونهم ، ولا يجعل لكما ظلاً إذا سرتما ، ويجعل لكما نوراً كنور القمر لاتتبينان منه ؟ قالا : بلي . قال : عليكما بالصلاة على محمد وآله الطيبين معتقدين أن أفضل آله علي بن أبي طالب ، وتعتقد أنت يا زبير خاصة أنه لا يكون على في قوم إلا كان هو أحق بالولاية عليهم ، ليس لأحد أن يتقدمه . فإذا أنتما فعلتما ذلك وبلغتما الظل الذي بين يدي قصره من حائط قصره ، فإن الله تعالى سيبعث الغزلان والأوعال إلى بابه فتحتك قرونها به فيقول : من لمحمد في مثل هذا ؟ ويركب فرسه لينزل فيصطاد ، فتقول امرأته : إياك والخروج فإن محمداً قد أناخ بفنائك ، ولست تأمن أن يكون قد احتال ودس عليك من يقع بك ! فيقول لها : إليك عنى فلو كان أحد انفصل عنه في هذه الليلة لتلقته في هذا القمر عيون أصحابنا في الطريق ، وهذه الدنيا بيضاء لا أحد فيها ، ولو كان في ظل قصرنا هذا إنسي لنفرت منه الوحوش !
فينزل ليصطاد الغزلان والأوعال فتهرب من بين يديه ويتبعها ، فتحيطان به وأصحابكما فتأخذانه ! فكان كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخذوه ! فقال : لي إليكم حاجة . قالوا : وما هي فإنا نقضيها إلا أن تسألنا أن نخليك .
فقال : تنزعون عنى ثوبي هذا وسيفي ومنطقتى وتحملونها إليه ، وتحملوننى إليه في قميصى لئلا يراني في هذا الزي ، بل يراني في زي التواضع فلعله يرحمني ، ففعلوا ذلك . فلما أتى به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال له : يا محمد أقلني وخلني على أن أدفع عنك من ورائي من أعدائك . فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فإن لم تف بذلك ؟ قال : يا محمد إن لم أفِ بذلك فإن كنت رسول الله فسيظفرك بي من منع ظلال أصحابك أن تقع على الأرض حتى أخذوني ، ومن ساق الغزلان إلى بابى حتى استخرجنى من قصرى وأوقعنى في أيدي أصحابك ! وإن كنت غير نبي فإن دولتك التي أوقعتنى في يدك بهذه الخصلة العجيبة والسبب اللطيف ستوقعنى في يدك بمثلها .
قال : فصالحه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على ألف أوقية ذهب في رجب ومائتي حلة ، وألف أوقية في صفر ومائتي حلة ، وعلى أنهم يضيفون من مرَّ بهم من المسلمين ثلاثة أيام ، ويزودونه إلى المرحلة التي تليها ، على أنهم إن نقضوا شيئاً من ذلك فقد برئت منهم ذمة الله وذمة محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وعاد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) غانماً ظافراً ، وأبطل الله تعالى كيد المنافقين ، وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بإحراق مسجد الضرار ، وأنزل الله تعالى : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَينَ الْمُؤْمِنِينَ . . . الآيات » . والبحار : 21 / 258 .
أقول : بعد معركة مؤتة ، رأى الروم أن جيش النبي ( صلى الله عليه وآله ) يتحفز ضدهم بجرأة وشجاعة وأنه سيعاود الكرة لأخذ ثأر جعفر ( عليه السلام ) ، فدبروا خطة أكيدر والمنافقين من قريش وأهل المدينة لاستئصال النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمسلمين بزعمهم ، ولهذا أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يبقى علياً ( عليه السلام ) في المدينة ، بينما أراد المنافقون أن يغادرها لتخلو لهم !
وبهذا تعرف أن محاولة قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) في رجوعه من تبوك ، ومحاولة قتل على ( عليه السلام ) في المدينة في تلك الفترة ، كانت خطة بديلة بعد فشل خطة هرقل في الأكيدر ملك دومة الجندل . وقد أنجى الله علياً ( عليه السلام ) في المدينة ، وأنجى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) منها وأمره أن يخفى أسماء المشاركين فيها ، لئلا تعلن قريش الردة ، كما سيأتي !
9 - عَسْكرَ النبي « صلى الله عليه وآله » في ثنية الوداع
قال المسعودي في التنبيه والإشراف / 235 : « ثم غزوة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في رجب تبوك مما يلي دمشق من أرض الشام ، وبين تبوك والمدينة تسعون فرسخاً ، وذلك مسيرة اثنتي عشرة ليلة ، وكان معه في هذه الغزاة ثلاثون ألفاً ، الخيل عشرة آلاف والإبل اثنا عشر ألف بعير ، ويسمَّى جيش العسرة لأنهم أمروا بالخروج لما طابت الثمار واشتد الحر وطاب لهم الظلال ، وشق عليهم الخروج لبعد المسافة وعسرة من الماء وعسرة من النفقة والظهر . وحث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الأغنياء على النفقة والحملان ، فصار إلى تبوك فأقام بها بضع عشرة ليلة وقيل عشرين ، يصلى ركعتين ركعتين ، وعاد إلى المدينة وكان استخلف عليها علي بن أبي طالب » .
وفى الإختصاص / 342 وتفسير القمي : 1 / 290 ، عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) قال : « خطب النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما أراد الخروج إلى تبوك بثنية الوداع فقال : بعد أن حمد الله وأثنى عليه : أيها الناس إن أصدق الحديث كتاب الله ، وأوثق العرى كلمة التقوى وخير الملل ملة إبراهيم وخير السنن سنة محمد ، وأشرف الحديث ذكر الله ، وأحسن القصص القرآن ، وخير الأمور عزائمها ، وشر الأمور محدثاتها ، وأحسن الهدى هدى الأنبياء ، وأشرف القتل قتل الشهداء ، وأعمى العمى الضلالة بعد الهدي ، وخير الأعمال ما نفع ، وخير الهدى ما اتبع وشر العمى عمى القلب ، واليد العليا خير من اليد السفلي ، وما قل وكفى خير مما كثر وألهي ، وشر المعذرة حين يحضر الموت ، وشر الندامة يوم القيامة ، ومن الناس من لا يأتي الجمعة إلا نزراً ، ومنهم من لا يذكر الله إلا هجراً ، ومن أعظم الخطايا للسان الكذوب ، وخير الغنى غنى النفس ، وخير الزاد التقوي ، ورأس الحكمة مخافة الله ، وخير ما ألقى في القلب اليقين ، والارتياب من الكفر ، والنياحة من عمل الجاهلية ، والغلول من جمر جهنم ، والسكر جمر النار ، والشعر من إبليس ، والخمر جماع الآثام ، والنساء حبالات إبليس ، والشباب شعبة من الجنون ، وشر المكاسب كسب الربا ، وشر المآكل مال اليتيم ، والسعيد من وعظ بغيره ، والشقي من شقى في بطن أمه ، وإنما يصير أحدكم إلى موضع أربعة أذرع ، والأمر إلى آخره ، وملاك العمل خواتيمه ، وأربى الربا الكذب ، وكل ما هو آت قريب ، وسباب المؤمن فسوق ، وقتال المؤمن كفر ، وأكل لحمه معصية ، وحرمة ماله كحرمة دمه ، ومن يبالي على الله يكذبه ، ومن يعفو يعف الله عنه ، ومن كظم الغيظ يأجره الله ، ومن يصبر على الرزية يعوضه الله ، ومن يبتغ السمعة يسمع الله به ، ومن يصم بصره ومن يعصى الله يعذبه الله . اللهم اغفر لي ولأمتى اللهم اغفر لي ولأمتي . أستغفر الله لي ولكم .
قال : فرغب الناس في الجهاد ، لما سمعوا هذا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . وقدمت القبائل من العرب ممن استنفرهم . وقعد عنه قوم من المنافقين ، ولقى رسول الله الجد بن قيس فقال له : يا أبا وهب ألا تنفر معنا في هذه الغزاة لعلك أن تستحفد من بنات الأصفر ! فقال : يا رسول الله والله إن قومي ليعلمون أنه ليس فيهم أحد أشد عجباً بالنساء مني ، وأخاف إن خرجت معك أن لا أصبر إذا رأيت بنات الأصفر ، فلا تفتنِّى وائذن لي أن أقيم !
وقال لجماعة من قومه : لا تخرجوا في الحر ، فقال ابنه : تردُّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتقول له ما تقول ، ثم تقول لقومك لا تنفروا في الحر ! والله لينزلن في هذا قرآناً تقرأه الناس إلى يوم القيامة ! فأنزل الله على رسوله في ذلك : وَمِنْهُمْ مَنْ يقُولُ ائْذَنْ لِى وَلاتَفْتِنِّي ، أَلا فِى الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ . ثم قال الجد بن القيس : أيطمع محمد أن حرب الروم مثل حرب غيرهم ، لا يرجع من هؤلاء أحد أبداً » !
10 - استخلف علياً « عليه السلام » وودعه وناجاه
في المسترشد لمحمد بن جرير الطبري الشيعي / 443 : « وكان سبب تخلف على ( عليه السلام ) عنه أن تبوك بعيدة عن المدينة فلم يأمن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) العرب أن يصيروا إليها ، إذ كان قد وترهم وسفك دماءهم . وأخرى أنه علم ( صلى الله عليه وآله ) أنه لا يكون هناك قتال . وخرج في جيش يروى أنهم كانوا أكثر من أربعين ألف رجل ، وخلَّف بالمدينة جيشاً وهو على ( عليه السلام ) وحده . فحصن الله عز وجل به المدينة وعفف به حرمهم ، فتكلم فيه المنافقون وقالوا ما خلفه إلا استثقالاً له ! فلحق على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله زعم المنافقون أنك خلفتني استثقالاً لي ؟ فتضاحك رسول الله ، ثم أمر فنودي في الناس كلهم فاعصوصبوا وتجمعوا ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : يا أيها الناس ما فيكم من أحد إلا وله خاصة من أهله ، ألا إن علياً منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ! فصار على من النبي ( عليه السلام ) بذلك المكان الذي أردوا أن يضعوا منه ، بمنزلة هارون من موسى في أسبابه كلها ، إلا ما استثناه من النبوة . ولا أحسبهم يأتون بمثلها في أحد من العالمين » .
وفى المناقب لمحمد بن سليمان : 1 / 523 : « عن الحارث بن ثعلبة قال : قلت لسعد بن أبي وقاص : هل شهدت لعلى منقبة ؟ قال : شهدت لعلى أربع مناقب لأن يكون لي إحداهن أحب إلى من الدنيا وما فيها ! والخامسة خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في غزوة تبوك فخلف علياً في أهله فقالت قريش استثقله ! فجاء على فأخذ بغرز الناقة وقال : يا رسول الله إني لخارج معك وتابعك ، زعمت قريش أنك استثقلتني ! فقال : هل منكم إلا وله خاصة من أهله ؟ أنت منى بمنزلة هارون من موسي » .
وقال المفيد « رحمه الله » في الإرشاد : 1 / 154 : « فاستخلفه ونص عليه بالإمامة من بعده نصاً جلياً وذلك فيما تظافرت به الرواية أن أهل النفاق لما علموا باستخلاف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) على المدينة حسدوه لذلك ، وعظم عليهم مقامه فيها بعد خروجه ، وعلموا أنها تُحرس به ولا يكون للعدو فيها مطمع ، فساءهم ذلك !
وكانوا يؤثرون خروجه معه لما يرجونه من وقوع الفساد والاختلاط عند نأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن المدينة وخلوها من مرهوب مخوف يحرسها ! وغبطوه ( عليه السلام ) على الرفاهية والدعة بمقامه في أهله ، وتكلف من خرج منهم المشاق بالسفر والخطر . فأرجفوا به وقالوا : لم يستخلفه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إكراماً له وإجلالاً ومودة ، وإنما خلفه استثقالاً له . فلما بلغ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إرجاف المنافقين به ، أراد تكذيبهم وإظهار فضيحتهم فلحق بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله إن المنافقين يزعمون أنك إنما خلفتني استثقالاً ومقتاً !
فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إرجع يا أخي إلى مكانك ، فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك ، فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي ، أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسي ، إلا أنه لا نبي بعدي . وأوجب له به جميع منازل هارون من موسى « عليهما السلام » إلا ما خصه العرف من الأخوة واستثناه هو من النبوة .
ألا ترى أنه ( صلى الله عليه وآله ) جعل له كافة منازل هارون من موسي ، إلا المستثنى منها لفظاً أو عقلاً . . . وكان له من الإمامة عليهم وفرض الطاعة كإمامته وفرض طاعته ، وأنه كان أحب قومه إليه وأفضلهم لديه . قال الله عز وجل حاكياً عن موسى ( عليه السلام ) : قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِى صَدْرِي . وَيسِّرْ لِى أَمْرِي . وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي . يفْقَهُوا قَوْلِي . وَاجْعَلْ لِى وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي . هَارُونَ أَخِي . اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي . وَأَشْرِكْهُ فِى أَمْرِي . فأجاب الله تعالى مسألته وأعطاه سؤله في ذلك وأمنيته حيث يقول :
قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسَي . . .
ولو علم الله تعالى أن نبيه ( صلى الله عليه وآله ) في هذه الغزاة حاجة إلى الحرب والأنصار لما أذن له في تخليف أمير المؤمنين ( عليه السلام ) » .
وفى خصائص الأئمة / 66 : « وروى أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما أجمع على المضي إلى تبوك ناجى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فأطال ، فقال أبو بكر لعمر : لقد أطال مناجاته لابن عمه فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ما أنا ناجيته ولكن الله ناجاه ، وفى ذلك يقول حسان :
ويوم الثنية عند الوداع * وأجمع نحو تبوك المضيا
تنحى يودعه خالياً * وقد وقف المسلمون المطيا
فقالوا يناجيه دون الأنام * بل الله أدناه منه نجيا
على فم أحمد يوحى إليه * كلاماً بليغاً ووحياً خفيا » .
وفى مناقب ابن سليمان : 1 / 333 ، عن أبي رافع قال : « لما خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى غزوة تبوك خلف علياً وكثرت فيه الأقاويل من الناس فقالوا : لم يخلقه إلا بغضاً له وكراهية أن يتبعه ! فبلغ ذلك علياً فلحقه على مرحلة أو مرحلتين فسار محادثه وهما على بعيرين لهما والناس ينظرون إليهما وأنا قريب منهما ، فجاءت عائشة لما رأت حالهما ومناجاة كل واحد منهما لصاحبه فأدخلت بعيرها بينهما ، فالتفت إليها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم قال : أما والله ما يومه منك بواحد ! ثم قال : أما ترضى يا علي أنك أخي في الدنيا والآخرة وأنك خير أمتي في الدنيا والآخرة ، وأن امرأتك خير نساء أمتي في الدنيا والآخرة ، وأن ابنيك سيدا شباب أهل الجنة في الدنيا والآخرة وأنك أخي ووزيري ووارثي . انصرف فلايصلح ما هناك إلا أنا أوأنت » .
11 - أبو ذر تأخر به بعيره
في تفسير القمي : 1 / 294 : « وتخلف عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قوم من أهل ثبات وبصائر لم يكن يلحقهم شك ولا ارتياب ، ولكنهم قالوا نلحق برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . منهم أبو خثيمة ، وكان قوياً وكانت له زوجتان وعريشتان ، فكانت زوجتاه قد رشتا عريشتيه وبردتا له الماء وهيئتا له طعاماً ، فأشرف على عريشته ، فلما نظر اليهما قال : والله ، ما هذا بإنصاف ! رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قد خرج في الصخ والريح وقد حمل السلاح مجاهداً في سبيل الله ، وأبو خثيمة قوى قاعد في عريشته وامرأتين حسناوتين ! لا والله ما هذا بإنصاف ! ثم أخذ ناقته فشد عليها رحله فلحق برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فنظر الناس إلى راكب على الطريق فأخبروا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بذلك فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كن أبا خثيمة ، فأقبل وأخبر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بما كان منه فجزَّاه خيراً ودعا له .
وكان أبو ذر « رحمه الله » تخلف عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثلاثة أيام ، وذلك أن جمله كان أعجف ، فلحق بعد ثلاثة أيام به ، ووقف عليه جمله في بعض الطريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره ، فلما ارتفع النهار نظر المسلمون إلى شخص مقبل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : كن أبا ذر ، فقالوا : هو أبو ذر ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أدركوه بالماء فإنه عطشان ! فأدركوه بالماء ، ووافى أبو ذر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه إداوة فيها ماء فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا ذر معك ماء وعطشت ؟ فقال : نعم يا رسول الله بأبى أنت وأمي انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السماء فذقته فإذا هو عذب بارد ، فقلت لا أشربه حتى يشربه حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! فقال رسول الله : يا أبا ذر رحمك الله تعيش وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك ، وتدخل الجنة وحدك ، يسعد بك قوم من أهل العراق ، يتولون غسلك وتجهيزك والصلاة عليك ودفنك » ! ونحوه ابن هشام : 4 / 950 ، الطبري : 2 / 371 والكشاف : 2 / 219 .
أقول : فسر بعضهم قول النبي ( صلى الله عليه وآله ) « كن أبا ذر » بأنه على نحو المعجزة ، فهو إعمال للولاية التكوينية التي أعطاها الله لرسوله ( صلى الله عليه وآله ) .
قال الشعراني الصوفي في الجواهر والدرر : 3 / 123 : « هل يعطى أحد من الأولياء التصرف بكن في هذه الدار ؟ فقال : نعم بحكم الإرث لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فإنه تصرف بها في عدة مواطن منها قوله في غزوة تبوك : كن أبا ذر ، فكان أبا ذر » .
وقال ابن عربى الصوفي في الفتوحات المكية : 2 / 126 : « جاء عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في غزوة تبوك أنهم رأوا شخصاً فلم يعرفوه فقال رسول الله : كن أبا ذر ، فإذا هو أبو ذر ، ولم يقل بسم الله فكانت كن منه كن الإلهية ، فإنه قال الله تعالى فيمن أحبه حب النوافل كنت سمعه وبصره ولسانه الذي يتكلم به . وقد شهد الله لمحمد ( صلى الله عليه وآله ) بأن له نافلة بقوله تعالي : ومن الليل فتهجد به نافلة لك . فلا بد أن يكون سمعه الحق وبصره الحق وكلامه الحق ، ولم يشهد بها لأحد من الخلق على التعيين . فعلامة من لم تستغرق فرائضه نوافله ، وفضلت له نوافل أن يحبه الله تعالى هذه المحبة الخاصة ، وجعل علامتها أن يكون الحق سمعهم وبصرهم ويدهم وجميع قواهم . ولهذا دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يكون كله نوراً فإن الله نور السماوات والأرض . ولهذا تشير الحكماء بأن الغاية المطلوبة للعبد التشبه بالإله وتقول فيه الصوفية التخلق بالأسماء ، فاختلفت العبارات وتوحد المعني ، ونحن نرغب إلى الله ونضرع أن لا يحجبنا في تخلقنا بالأسماء الإلهية عن عبوديتنا » .
وقال صدر المتألهين الشيرازي في الأسفار : 8 / 9 : « وإنا قد قدمنا إليكم يا إخواني في الطريق من أنوار الحكم ولطائف الكلم مبادئ عقليات وضوابط كليات وقوانين ميزانية وأحكاما ذهنية ، هي مقدمات ذوات فضائل جمة ودرجات للمسير إلى الله بقدم الفكر والهمة ، وهى معارج للارتقاء إلى معرفة الإلهية والإعتلاء إلى شهود جمال الأحدية وصفاته الواجبية ، ومجاورة المقدسين ومنادمة أهل الملكوت والعليين ، من مقاصد أصحاب الوحي والتنزيل ومحكمات أسرار أهل التأويل ، الآخذين علومهم عن الملائكة المقربين والحفظة الكرام الكاتبين . . . فهذا العلم يجعل الإنسان ذا ملك كبير ، لأنه الإكسير الأعظم الموجب للغنى الكلى والسعادة الكبري ، والبقاء على أفضل الأحوال ، والتشبه بالخير الأقصى والتخلق بأخلاق الله تعالى ، ولذلك ورد في بعض الصحف المنزلة من الكتب السماوية أنه قال سبحانه : يا ابن آدم خلقتك للبقاء وأنا حي لا أموت ، أطعني فيما أمرتك وانته عما نهيتك أجعلك مثلي حياً لا تموت . . فهذا مقام من المقامات التي يصل إليها الإنسان بالحكمة والعرفان ! وهو يسمى عند أهل التصوف بمقام كن ، كما ينقل عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في غزوة تبوك أنه قال : كن أبا ذر ، فكان أبا ذر . وله مقام فوق هذا يسمى بمقام الفناء في التوحيد ، المشار إليه بقوله تعالى في الحديث القدسي : فإذا أحببته كنت سمعه الذي به يسمع وبصره الذي به يبصر . . الحديث . وسينكشف لك في هذا السفر بيان هذا المطلب بالبرهان ويلقى إليك معرفة العلم الذي من أجله يستوجب من علمه وعمل بموجبه تلك البهجة الكبرى والمنزلة العظمي ، فافهم واغتنم به وكن به سعيداً ، ولا تلقه الا إلى أهله العامل بمقتضاه وموجبه » .
أقول : لا كلام في إمكان أن يكون النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال للسوادة : كن أبا ذر ، فكان على نحو الإعجاز . لكن الإشكال في زعمهم أن ذلك مقامٌ يمكنهم أن يبلغوه هم وأمثالهم ، ودعوتهم الناس أن يتبعوهم لكي يبلغوه ! ولم يكتفوا بذلك حتى اخترعوا مقاماً أعلى منه هو الفناء في التوحيد !
قال صدر المتألهين في الأسفار : 2 / 18 : « فإن المنازل اللائقة بالأولياء هذه ، وكذا يترقون من الواحدية إلى الفناء في الأحدية ، ويسافرون من الحق إلى الخلق » .
وقال في : 3 / 183 : « فالعشق الأكبر عشق الإله جل ذكره وهو لا يكون إلا للمتألهين الكاملين الذين حصل لهم الفناء الكلي . وهؤلاء هم المشار اليه في قوله تعالي : يحِبُّهُمْ ويحِبُّونه ، فإنه في الحقيقة ما يحب إلا نفسه لا غيره ، فالمحب والمحبوب في الطرفين شئ واحد .
والأوسط عشق العلماء الناظرين في حقائق الموجودات المتفكرين دائماً في خلق السماوات والأرض كما في قوله تعالي : الَّذِينَ يذْكُرُونَ اللهَ قِيامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . وهو عذاب الفرقة والإحتجاب عن رؤية الآثار وجنة الأفعال .
والأصغر عشق الإنسان الصغير ، لكونه أيضاً أنموذجاً مما في عالم الكبير كله والعالم كله كتاب الحق الجامع ، وتصنيف الله الذي أبرز فيه كمالاته الذاتية ومعانيه الإلهية ، وكتاب الإنسان مجموعة مختصرة ، فيه آيات الكتاب المبين ، فمن تأمل فيه وتدبر في آياته ومعانيه بنظر الاعتبار يسهل عليه مطالعة الكتاب الكبير وآياته ومعانيه وأسراره ! وإذا اتفق وأحكم معاني الكتاب الكبير يسهل معها العروج إلى مطالعة جمال الله وجلال أحديته ، فيرى الكل منطوياً في كبريائه مضمحلاً تحت أشعة نوره وضيائه » .
فهذا المذهب يدعى أولاً : أن مقامات الأنبياء والأئمة « عليهم السلام » ثمرة لسلوكية معينة .
ويدعى ثانياً : أن باستطاعة الإنسان أن يصل إلى تلك المقامات !
ونلاحظ أنهم جعلوا عشق الإنسان من عشق الله تعالى أو مقدمة له لأن الله : « أبرز فيه كمالاته الذاتية ومعانيه الإلهية » ! ولم يبينوا من هو ذلك الإنسان ، فإن قصدوا غير المعصوم فهو كلام باطل .
ويدعى ثالثاً : لأئمته وأساتيذه مقامات شبيهة بمقامات المعصومين « عليهم السلام » بل أعلى منهم ، وهذا واضح من هرم شخصياتهم الذي يزعمه ابن عربي ، وأعلاه أهل الظاهر وهم ستة منهم أبو يزيد البسطامي وهم الذين يتصرفون في الطبيعة . وفوقهم ستة هم الباطن الذين يتصرفون في الملكوت ، ورئيسهم ابن عربي !
قال في الفتوحات المكية : 1 / 187 : « قال الله تعالى : وعلى الأعراف رجال .
أهل الشم والتمييز والسراح عن الأوصاف فلا صفة لهم ، كان منهم أبو يزيد البسطامي ، ورجال إذا دعاهم الحق إليه يأتونه رجالاً لسرعة الإجابة لا يركبون :
وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً ، وهم رجال المطلع . فرجال الظاهر هم الذين لهم التصرف في عالم الملك والشهادة ، وهم الذين كان يشير إليهم الشيخ محمد بن قائد الأواني ، وهو المقام الذي تركه الشيخ العاقل أبو السعود بن الشبل البغدادي أدباً مع الله أخبرني أبو البدر التماشكى البغدادي رحمه الله قال : لما اجتمع محمد بن قائد الأواني وكان من الأفراد بأبى السعود هذا ، قال له : يا أبا السعود إن الله قسم المملكة بيني وبينك ، فلم لا تتصرف فيها كما أتصرف أنا فقال له أبو السعود : يا ابن قائد وهبتك سهمي ، نحن تركنا الحق يتصرف لنا » !
وكل ذلك أماني ومزاعم ولقلقة لسان ، لا أكثر .
12 - في ذهابه « صلى الله عليه وآله » إلى تبوك أسَرَ الأكيدر وأطلقه
تقدمت الرواية عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندما وصل إلى دومة الجندل أرسل الزبير وأبا دجانة الأنصاري ليلاً في سرية من عشرين شخصاً ، فأسروا الأكيدر بآية ربانية ، وأتوه به فكتب معه معاهدة وأطلقه .
لكن رواة السلطة أعطوا هذه السرية إلى خالد بن الوليد ، فقالوا إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسله من تبوك إلى الدومة فأسرالأكيدر ! لكن لا يصح إرساله من تبوك لأن الدومة في طريق النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى تبوك ! ولأن يوحنَّه حاكم إيلات ومن جاورها جاؤوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) في تبوك ، لمَّا سمعوا بما حدث للأكيدر . فالصحيح أنه أسره وصالحه وأطلقه ، في ذهابه إلى تبوك .
ونحن نرجح رواية تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) / 486 ، المتقدمة ، عن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل أبا دجانة والزبير .
وقد نص اليعقوبي : 2 / 67 على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) تحرك في غرة رجب ، ووصل إلى تبوك في شعبان أي بعد شهر أو أكثر ، والمسافة إلى تبوك على أكثر تقدير عشرون يوماً ، فالباقي كان في فرق الطريق إلى دومة الجندل ، حيث أسره النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وفى مغازى الواقدي / 615 : « وكانت دومة وأيلة وتيماء قد خافوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما رأوا العرب قد أسلمت . وقدم يحنة بن رؤبة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان ملك أيلة وأشفقوا أن يبعث إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما بعث إلى أكيدر ، وأقبل معه أهل جرباء وأذرح فأتوه فصالحهم ، فقطع عليهم الجزية جزية معلومة وكتب لهم كتاباً » .
13 - راسل النبي « صلى الله عليه وآله » هرقل من تبوك
أقام النبي ( صلى الله عليه وآله ) في تبوك نحو عشرين يوماً ، لأنه راسل هرقل وانتظر جوابه ، ففي الخرائج : 1 / 169 : « واختلفت الرسل بين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وملك الروم ، فطالت في ذلك الأيام حتى نفد الزاد فشكوا إليه نفاده فقال ( صلى الله عليه وآله ) : من كان معه شئ من دقيق أو تمر أو سويق فليأتنى به ، فجاءه رجل بكف تمر والآخر بكف سويق فبسط رداءه وجعل ذلك عليه ووضع يده على كل واحد منها ، ثم قال : نادوا في الناس : من أراد الزاد فليأت ، فأقبل الناس يأخذون الدقيق والتمر والسويق حتى ملؤوا جميع ما كان معهم من الأوعية ، وذلك الدقيق والتمر والسويق على حاله ، ما نقص من واحد منها شئ ولا زاد على ما كان » .
ويشعر قوله « واختلفت الرسل » أنهما تبادلا أكثر من رسالة ، لكن لم تذكر المصادر إلا رسالة واحدة ، شبيهة برسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى هرقل في السنة السادسة .
ففي مكاتيب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : 2 / 410 : « من محمد رسول الله إلى صاحب الروم : إني أدعوك إلى الإسلام ، فإن أسلمت فلك ما للمسلمين وعليك ما عليهم ، فإن لم تدخل في الإسلام ، فأعط الجزية ، فإن الله تبارك وتعالى يقول : قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيوْمِ الآخِرِ وَلا يحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يعْطُوا الْجِزْيةَ عَنْ يدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ . وإلا فلا تَحُل بين الفلاحين وبين الإسلام ، أن يدخلوا فيه ، أو يعطوا الجزية » .
لكن هذا النص للرسالة ناقص ، فجواب هرقل يدل على أنه كان فيها آية : وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . فقد رووا عن رجل تنوخى اسمه سعيد بن أبي راشد أنه قال : لما جاء كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دعا قسيسى الروم وبطارقتها ثم غلق عليه وعليهم الدار ، فقال : قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم ، وقد أرسل إلى يدعوني إلى ثلاث خصال : يدعوني إلى أن أتبعه على دينه ، أو على أن نعطيه ما لنا على أرضنا والأرض أرضنا ، أو نلقى إليه الحرب ، والله لقد عرفتم فيما تقرؤن من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي ، فهلم نتبعه على دينه أو نعطيه مالنا وأرضنا ! فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من برانسهم وقالوا : تدعونا إلى أن ندع النصرانية ، أو نكون عبيداً لأعرابى جاء من الحجاز ! فقال : إنما قلت ذلك لكم لأعلم صلابتكم على أمركم !
ثم دعا رجلاً من عرب تجيب كان على نصارى العرب فقال : « أدع لي رجلاً حافظاً للحديث عربى اللسان أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه ، فجاء بي ، فدفع إلى هرقل كتاباً وقال : إذهب بكتابي إلى هذا الرجل فما ضيعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال : أنظر هل يذكر صحيفته التي كتب إلى بشئ ، وانظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل وانظر في ظهره هل به شئ يريبك ، فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبياً على الماء فقلت : أين صاحبكم ؟ قيل ها هوذا فأقبلت أمشى حتى جلست بين يديه فناولته كتابي فوضعه في حجره ثم قال : ممن أنت ؟ فقلت : أنا أحد تنوخ . قال : هل لك في الإسلام الحنيفية ملة أبيك إبراهيم ؟ قلت إني رسول قوم وعلى دين قوم لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم ، فضحك وقال : إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء وهو أعلم بالمهتدين . يا أخا تنوخ إني كتبت بكتابي إلى كسرى فمزقه والله ممزقه وممزق ملكه ، وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فخرقها والله مُخرقه ومخرق ملكه ، وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها فلن يزل الناس يجدون منه بأساً ما دام في العيش خير . قلت : هذه إحدى الثلاثة التي أوصاني بها صاحبي ، وأخذت سهماً من جعبتى فكتبتها في جلد سيفي ، ثم إنه ناول الصحيفة رجلاً عن يساره . . فإذا في كتاب صاحبي : تدعوني إلى جنة عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ فأين النار ؟ فقال رسول الله : سبحان الله أين الليل إذا جاء النهار ؟ قال فأخذت سهماً من جعبتى فكتبته في جلد سيفي » . سبل الهدي : 11 / 356 .
وقد أجاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) على ادعاء هرقل أنه مسلم مؤمن بنبوته فقال : « كذب بل هو على نصرانيته » . مكاتيب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : 2 / 410 ، فتح الباري : 1 / 35 والروض الأنف : 4 / 302 .
وفى مغازى الواقدي / 608 : « وكان هرقل قد بعث رجلاً من غسان إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فينظر إلى صفته وإلى علاماته إلى حمرة في عينيه ، وإلى خاتم النبوة بين كتفيه ، وسأل فإذا هو لا يقبل الصدقة ، فوعى أشياء من حال النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم انصرف إلى هرقل فذكر له ذلك ، فدعا قومه إلى التصديق به فأبوا حتى خافهم على ملكه ، وهو في موضعه لم يتحرك ولم يزحف » . أي لم يحرك جيشه إلى تبوك !
14 - انتقم هرقل من يوحنا فقتله ولم ينتقم من الأكيدر !
كان انسحاب هرقل من تبوك حتى لايشتبك مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) تخاذلاً واضحاً ، وحتى لو لم تكن له قوات هناك ، فالواجب على أمبراطور أن يبادر إلى قتال جيش معادٍ من ثلاثين ألفاً دخل في عمق بلاده وعسكر في مكان قريب منه ، وأسر أحد الملوك التابعين له وهو الأكيدر ، وكتب معه معاهدة صلح يدفع بموجبها جزية كبيرة مرتين في السنة ، وخاف منه حكام محليون فجاؤوه طائعين أو مكرهين وكتبوا معه معاهدات ، يدفعون بموجبها الجزية .
لكن هرقل لم يفعل ، وواصل استعمال الدهاء الغربى لكسب الوقت ، وأجاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه مؤمن به ، لكن وزراءه وبطارقته لا يقبلون !
فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) عن هرقل : « كذب عدو الله إنه على نصرانيته » وصدق رسول الله فقد قتل هرقل حاكم عَمَّان لأنه أسلم ، وقتل رسول النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى حاكم بصري ، وقتل يوحنا حاكم إيلات ، لأنه وقع مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) معاهدة صلح !
قال الواقدي في المغازي / 615 : « وكانت دومة وأيلة وتيماء قد خافوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما رأوا العرب قد أسلمت ، وقدم يحَنَّه بن رؤبة على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان ملك أيلة ، وأشفقوا أن يبعث إليهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما بعث إلى أكيدر . وأقبل معه أهل جرباء وأذرح فأتوه فصالحهم ، فقطع عليهم الجزية جزية معلومة وكتب لهم كتاباً : بسم الله الرحمن الرحيم هذا أمَنَةً من الله ومحمد النبي رسول الله ، ليحَنَّهْ بن رؤبة وأهل أيلة لسفنهم وسائرهم في البر والبحر ، لهم ذمة الله وذمة محمد رسول الله ، ولمن كان معه من أهل الشام وأهل اليمن وأهل البحر . ومن أحدث حدثاً فإنه لا يحول ماله دون نفسه ، وإنه طيب لمن أخذه من الناس ، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماء يريدونه ، ولا طريقاً يريدونه من بر أو بحر » . ومكاتيب الرسول : 3 / 116 ، معجم البلدان : 1 / 292 والطبري : 2 / 372 ، ابن هشام : 4 / 952 والتبيان : 5 / 172 .
وجاء يوحنا بعد ذلك إلى المدينة فروى عن جابر « رحمه الله » أنه قال : « رأيت يحنة بن رؤبة يوم أُتى به إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) عليه صليب من ذهب وهو معقود الناصية ، فلما رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) كفَّرَ وأومأ برأسه « وضع يديه على بعضهما لأن ذلك من فعل الفرس والروم في الخضوع لملكهم » فأومأ إليه النبي ( صلى الله عليه وآله ) : إرفع رأسك ! وصالحه يومئذ وكساه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) برداً يمنية ، وأمر له بمنزل عند بلال .
وكتب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لأهل جر باء وأذرح هذا الكتاب : من محمد النبي رسول الله لأهل أذرح أنهم آمنون بأمان الله وأمان محمد ، وأن عليهم مائة دينار في كل رجبٍ وافية طيبة والله كفيل عليهم . . وكتب لأهل مقنا » . مغازى الواقدي / 615 .
وبلغ خبر يوحنا إلى هرقل فأمر بقتله وصلبه عند قريته ! » ابن خلدون : 2 / ق : 1 / 224 .
انتظر هرقل حتى انسحب النبي ( صلى الله عليه وآله ) من تبوك وجاء وقتل يوحنا !
قال الشيخ الغزالي في التسامح / 140 : « ما إن عاد المسلمون من تبوك حتى جاء هرقل ! فأمر بقتل يوحنا بن رؤبة أمير أيلة ، ثم صلبه أمام قريته لأنه رضى بعقد صلح مع المسلمين » .
لكن هرقل سكت عن معاهدة الأكيدر مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، لأن لقتله تداعيات !
15 - مؤامرة الصحابة العدول لقتل النبي « صلى الله عليه وآله » في عودته من تبوك !
1 . اعترفت كل المصادر بحصول هذه المؤامرة ، وتُعرف بليلة العقبة ، ويعرف منفذوها بأصحاب العقبة ! لكنهم اتفق الجميع على إخفاء أسماء « أبطالها » !
روى مسلم في صحيحه : 8 / 123 ، عن أبي الطفيل قال : « كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس ، فقال : أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة ؟ قال فقال له القوم : أخبره إذْ سألك ! قال : كنا نُخبر أنهم أربعة عشر ، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر ! وأشهد بالله أن اثنى عشر منهم حربٌ لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ! وعَذَرَ ثلاثة قالوا : ما سمعناه منادى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا علمنا بما أراد القوم ! » .
وتدل هذه الرواية الرسمية على أن المتآمرين كانوا بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بين المسلمين وكان حذيفة يعرفهم ، وكذا عمار ، وكذا أهل البيت « عليهم السلام » . وقد أبهمت الرواية الموضوع وذكرت أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) عَذَر ثلاثة منهم غير الأربعة عشر ، لأنهم قالوا إنهم كانوا في محل الجريمة صدفةً ، ولم يكونوا مع المتآمرين ، حيث لم يسمعوا منادى النبي ( صلى الله عليه وآله ) يطلب من المسلمين أن يمروا من الوادي ، ولا يصعدوا العقبة !
أما قصة الماء ونهى النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يشربوا منه إذا وصلوا اليه قبله ، فهي منفصلة عن مؤامرة العقبة ، فقد كان ذلك الماء قليلاً وأراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يباركه ويجريه بما يكفى الجيش والمنطقة ، فوصل اليه جماعة قبله وعصوا وشربوا منه ، وهم من أصحاب العقبة وغيرهم ! فلعنهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثانية بعد لعنة العقبة !
2 . روى المفسرون مؤامرة العقبة في تفسير قوله تعالي : يا أَيهَا النَّبِى جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . يحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ ينَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يتُوبُوا يكُ خَيرًا لَهُمْ وَإِنْ يتَوَلَّوْا يعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِى الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِى الأَرْضِ مِنْ وَلِى وَلا نَصِيرٍ . 73 - 74 .
قال البيضاوي في تفسيره : 3 / 158 : « وَهَمُّوا بِمَا لَمْ ينَالُوا ، من الفتك بالرسول وهو أن خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه من تبوك أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذ تسنم العقبة بالليل ! فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها ، فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح فقال : إليكم إليكم يا أعداء الله ، فهربوا » .
وفى الخصال / 499 ، عن حذيفة أنهم أربعة عشر ، ثم عدَّد أسماءهم كما يأتي ، وقال : « وهم الذين أنزل الله عز وجل فيهم : وَهَمُّوا بِمَا لَمْ ينَالُوا » .
3 . اتفقت روايتهم على أن المؤامرة كانت لقتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في نقطة معينة من العقبة ! قال الصحابي عامر بن واثلة كما في روايتهم الصحيحة : « أرادوا أن ينفروا برسول الله فيطرحوه » . « مسند أحمد : 5 / 453 » . كما اتفقوا على أن غزوة تبوك كانت في الصيف وكانوا يسيرون ليلاً اتقاء الحر ، وكان أمامهم طريق مختصر من العقبة لا يناسب جيشاً من ثلاثين ألفاً ، فسلك الجيش طريق الوادي ، وقرر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يسلك طريق العقبة ، وأحس بأن بعضهم يأتمر عليه فنادى مناديه أن لايسلك أحد العقبة ، فبادر المتآمرون وصعدوا الجبل ليدحرجوا صخوراً كبيرة عليه فتقتله ، أو تنفر ناقته ( صلى الله عليه وآله ) فتسقط في الوادي ، وكان مسلكاً ضيقاً يتسع في نقطة منه لجمل واحد ، وكان واديه عميقاً ، روى أنه مقدار ألف رمح ! البحار : 82 / 267 .
كما ورد ذكر الدِّبَاب ، وهى كراتٌ كبيرة من جلود أو خشب ، يلقونها فتصدر منها أصوات تنفر الناقة : « فسبق بعضهم إلى تلك العقبة وكانوا قد أخذوا دباباً كانوا هيأوها من جلد حمار ، وضعوا فيها حصى وطرحوها بين يدي الناقة » . الصحيح من السيرة : 30 / 143 .
وفى الإحتجاج : 1 / 64 : « ثم إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر بالرحيل في أول نصف الليل الأخير ، وأمر مناديه فنادي : ألا لا يسبقن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحد إلى العقبة ولا يطؤها حتى يجاوزها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم أمر حذيفة أن يقعد في أصل العقبة فينظر من يمر بها ويخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان رسول الله أمره أن يتشبه بحجر فقال حذيفة : يا رسول الله إني أتبين الشر في وجوه القوم من رؤساء عسكرك ، وإني أخاف إن قعدت في أصل الجبل وجاء منهم من أخاف أن يتقدمك إلى هناك للتدبير عليك يحس بي ويكشف عنى فيعرفنى ويعرف موضعي من نصيحتك ، فيتهمنى ويخافنى فيقتلني . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إنك إذا بلغت أصل العقبة فاقصد أكبر صخرة هناك إلى جانب أصل العقبة وقل لها : إن رسول الله يأمرك أن تنفرجى لي حتى أدخل جوفك ، ثم يأمرك أن تثقبى فيك ثقبة أبصر منها المارين وتدخل على منها الروح لئلا أكون من الهالكين ، فإنها تصير إلى ما تقول لها بإذن الله رب العالمين . فأدى حذيفة الرسالة ودخل جوف الصخرة وجاء الأربعة والعشرون على جمالهم وبين أيديهم رجالتهم يقول بعضهم لبعض : من رأيتموه هنا كائناً من كان فاقتلوه ، لئلا يخبروا محمداً أنهم قد رأونا هاهنا ، فينكص محمد ولا يصعد هذه العقبة إلا نهاراً ، فيبطل تدبيرنا عليه ! وسمعها حذيفة ، واستقصوا فلم يجدوا أحداً ، وكان الله قد ستر حذيفة بالحجر عنهم ، فتفرقوا فبعضهم صعد على الجبل وعدل عن الطريق المسلوك ، وبعضهم وقف على سفح الجبل عن يمين وشمال . . . فأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بما رأى وسمع فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أوَعرفتهم بوجوههم ؟ فقال : يا رسول الله كانوا متلثمين وكنت أعرف أكثرهم بجمالهم ، فلما فتشوا المواضع فلم يجدوا أحداً أحدروا اللثام ، فرأيت وجوههم وعرفتهم بأعيانهم وأسمائهم : فلان وفلان وفلان حتى عد أربعة وعشرين . فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا حذيفة إذا كان الله يثبِّت محمداً ، لم يقدر هؤلاء ولا الخلق أجمعون أن يزيلوه ، إن الله تعالى بالغ في محمد أمره ولو كره الكافرون . ثم قال : يا حذيفة فانهض بنا أنت وسلمان وعمار وتوكلوا على الله ، فإذا جزنا الثنية الصعبة فأذنوا للناس أن يتبعونا ، فصعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو على ناقته وحذيفة وسلمان أحدهما آخذ بخطام ناقته يقودها والآخر خلفها يسوقها ، وعمار إلى جانبها ، والقوم على جمالهم ورجالتهم منبثون حوالي الثنية على تلك العقبات ، وقد جعل الذين فوق الطريق حجارة في دباب فدحرجوها من فوق لينفروا الناقة برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويقع به في المهوى الذي يهول الناظر إليه من بعده ، فلما قربت الدباب من ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أذن الله لها فارتفعت ارتفاعاً عظيماً فجاوزت ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم سقطت في جانب المهوي ، ولم يبق منها شئ إلا صار كذلك ، وناقة رسول الله كأنها لا تحس بشئ من تلك القعقعات التي كانت للدباب . ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعمار : إصعد إلى الجبل فاضرب بعصاك هذه وجوه رواحلهم فارم بها ، ففعل ذلك عمار فنفرت بهم رواحلهم وسقط بعضهم فانكسر عضده » .
4 . وأمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن لا يعاقبهم ، كما أمره أن يكتم أسماءهم ، حتى لا ترتد قريش ! ففي الصحيح من السيرة : 30 / 141 ملخصاً : « فأخبر الله تعالى رسوله بمكرهم ، فلما بلغ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تلك العقبة نادى مناديه للناس : أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أخذ العقبة فلا يأخذها أحد ، واسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع ، فسلك الناس بطن الوادي إلا النفر الذين مكروا برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما سمعوا ذلك استعدوا وتلثموا . فبينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يسير من العقبة إذ سمع حسَّ القوم قد غَشَوْهُ ، فنفَّروا ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى سقط بعض متاعه . فغضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمر حذيفة أن يردهم فرجع حذيفة إليهم ، وقد رأى غضب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه محجن يضرب وجوه رواحلهم وقال : إليكم إليكم يا أعداء الله تعالى . فعلم القوم أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد اطلع على مكرهم ، فانحطوا من العقبة مسرعين حتى خالطوا الناس !
قالوا : أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاء الناس أن تضرب أعناقهم ؟ قال : أكره أن يتحدث الناس ويقولوا : إن محمداً قد وضع يده في أصحابه » .
أقول : هذا يدل على أن أولئك المجرمين كانوا صحابة ، وكانت خطتهم أن يقتلوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) سراً ثم يبكون عليه ، ويقدموا أحدهم ويصفقوا على يده لخلافته ! فأمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن يكتم عليهم ! لأن إعلان أسمائهم يؤدى إلى إعلان قريش الردة ومعها بعض القبائل ، وهذا أضر على الإسلام من الصبر عليهم !
5 - تراوح عدد المتآمرين في الروايات بين اثنى عشر وأربع وعشرين ، فكان فيهم أساسيون ومساعدون . وروى أنهم ثمانية من قريش وأربعة من غيرهم ، وروى أنهم اثنا عشر من بنى أمية وخمسة من غيرهم . وذكرت رواياتنا أن حذيفة « رحمه الله » كشف أسماءهم في خطبته في مرض وفاته في المدائن ، لما تحدث عن مؤامرة قريش على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعترته ، وقال في حديثه عن ليلة العقبة : « فبرقت برقة فأضاءت جميع ما حولنا وثبتت البرقة حتى خلتها شمساً طالعة ، فنظرت والله إلى القوم فعرفتهم رجلاً رجلاً ، وإذا هم كما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعدد القوم أربعة عشر رجلاً ، تسعة من قريش ، وخمسة من سائر الناس ، فقال له : سمهم لنا يرحمك الله ، فقال حذيفة : هم والله . . . قال حذيفة : ثم انحدرنا من العقبة وقد طلع الفجر ، فنزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فتوضأ وانتظر أصحابه حتى انحدروا من العقبة واجتمعوا ، فرأيت القوم بأجمعهم وقد دخلوا مع الناس وصلوا خلف رسول الله !
فلما انصرف من صلاته ( صلى الله عليه وآله ) التفت فنظر إلى أبى بكر وعمر وأبى عبيدة يتناجون فأمر منادياً فنادى في الناس : لا يجتمع ثلاثة نفر من الناس يتناجون فيما بينهم بسر » . البحار : 28 / 100 .
وفى تاريخ دمشق : 32 / 93 : « عن أبي تحيى حكيم قال : كنت جالساً مع عمار فجاء أبو موسى فقال : ما لي ولك ألست أخاك ؟ قال : ما أدري ، إلا أنى سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يلعنك ليلة الجبل ! قال : إنه قد استغفر لي ! قال عمار : قد شهدت اللعن ، ولم أشهد الاستغفار ! » .
وقال عنه ابن حجر في لسان الميزان : 5 / 290 : « قال ابن عدي : عند محمد بن علي هذا ، من هذا الضرب عجائب وهو منكر الحديث ، والبلاء فيه عندي منه لا من حسين . . وقال الخطيب قال محمد بن منصور : كان ثقة مأموناً حسن النقل » !
أقول : تعجبَ ابن حجر من كون أبى موسى الأشعري من أهل العقبة ، ولا قيمة لاستنكاره ، فالراوي ثقة ! وأبو موسى عند أهل البيت « عليهم السلام » كسامرى اليهود !
6 . استبدل رواة السلطة أسماء أصحاب العقبة بآخرين ، لاهم في العير ولا النفير ، ولا مصلحة لهم أو لمن وراءهم بقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ! فذكروا لائحتين بأسمائهم :
1 - معتب بن قشير بن مليل ، من بنى عمرو بن عوف . 2 - وديعة بن ثابت بن عمرو بن عوف . 3 - جدّ بن عبد الله بن نبتل من بنى عمرو بن عوف . 4 - الحارث بن يزيد الطائي . 5 - أوس بن قيظي ، من بنى حارثة . 6 - الحارث بن سويد . 7 - سعد بن زرارة ، من بنى مالك . 8 - قيس بن قهد ، من بنى مالك . 9 - سويد من بنى بلحبلي . 10 - داعس من بنى بلحبلي . 11 - قيس بن عمرو بن سهل . 12 - زيد بن اللصيت . 13 - سلامة بن الحمام . وهما من بنى قينقاع .
والثانية ذكرها ابن القيم والسيوطي والصالحي :
1 - عبد الله بن أبي « سعد » . 2 - سعد بن أبي سرح . 3 - أبوخاطر « حاضر » الأعرابي . 4 - عامر . 5 - أبو عامر « أبو عمر » . 6 - الجلاس بن سويد بن الصامت . 7 - مجمع بن حارثة « جارية » . 8 - فليح « مليح » التيمي . 9 – طعمة بن أبيرق . 10 - عبد الله بن عيينة . 11 - مرة بن الربيع . 12 - حصين بن النمير .
وذكرت لائحة أخرى بأسمائهم في مصادر لاتهتم برضا رموز السلطة ، وهم :
1 - أبو بكر . 2 - عمر . 3 - عثمان . 4 - طلحة . 5 - الزبير . 6 - أبو سفيان . 7 - معاوية . 8 - عتبة بن أبي سفيان . 9 - أبو الأعور السلمي . 10 - المغيرة بن شعبة . 11 - أبو موسى الأشعري . 12 - أبو قتادة . 13 - عمرو بن العاص . 14 - سعد بن أبي وقاص . وفى نص آخر : الثمانية من قريش هم : سعد بن أبي وقاص ، معاوية ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة . بالإضافة إلي : 15 - عبد الرحمن بن عوف . 16 - أبو عبيد بن الجراح . والذين هم من غير قريش : 17 - أوس بن الحدثان . 18 - أبو هريرة . 19 - أبو طلحة الأنصاري . 20 - أبو موسى الأشعري .
وزاد في نص آخر : 21 - سالم مولى أبى حذيفة . 22 - خالد بن الوليد . وأبا المعازف . 23 - وأباه . 24 - وأبا مسعود . وينتهى العدد انتهى إلى أربعة وعشرين ، وقد جمعناه من الروايات المختلفة وهو ما صرحت به بعض الروايات . الصحيح : 30 / 123 .
أقول : هذه الحادثة لا يكفى فيها التعليق ، فهي توجب ثورة في فهم الصحابة والسيرة !
16 - في تلك الفترة حاول المنافقون قتل علي « عليه السلام » في المدينة !
في الإحتجاج : 1 / 59 : « قال أبو محمد الحسن العسكري ( عليه السلام ) : لقد رامت الفجرة ليلة العقبة قتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على العقبة ، ورام من بقي من مردة المنافقين بالمدينة قتل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فما قدروا على مغالبة ربهم ! حملهم على ذلك حسدهم لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في علي ( عليه السلام ) لما فخَّمَ من أمره وعظَّمَ من شأنه .
من ذلك أنه لما خرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) من المدينة وقد كان خلفه عليها وقال له : إن جبرئيل أتاني وقال لي : يا محمد إن العلى الأعلى يقرأ عليك السلام ويقول لك : يا محمد إما أن تخرج أنت ويقيم على أو تقيم أنت ويخرج علي ، لا بد من ذلك ، فإن علياً قد ندبته لإحدى اثنتين لا يعلم أحد كنه جلال من أطاعني فيهما وعظيم ثوابه غيري . فلما خلفه أكثر المنافقون الطعن فيه فقالوا : ملَّه وسئمه وكره صحبته فتبعه على ( عليه السلام ) حتى لحقه وقد وجد غماً شديداً مما قالوا فيه فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما أشخصك يا علي عن مركزك ؟ فقال : بلغني عن الناس كذا وكذا . فقال له : أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ؟ فانصرف على ( عليه السلام ) إلى موضعه فدبروا عليه أن يقتلوه ، وتقدموا في أن يحفروا له في طريقه حفيرة طويلة قدر خمسين ذراعاً ثم غطوها بخص رقاق ، ونثروا فوقها يسيراً من التراب بقدر ما غطوا به وجوه الخص ، وكان ذلك على طريق على ( عليه السلام ) الذي لا بد له من سلوكه ، ليقع هو ودابته في الحفيرة التي قد عمقوها ، وكان ما حوالي المحفور أرض ذات حجارة ، ودبروا على أنه إذا وقع مع دابته في ذلك المكان كبسوه بالأحجار حتى يقتلوه ! فلما بلغ على ( عليه السلام ) قُرب المكان لوى فرسه عنقه . . فقال على ( عليه السلام ) : سر بإذن الله سالماً سوياً ، عجيباً شأنك ، بديعاً أمرك ، فتبادرت الدابة فإذا الله عز وجل قد متن الأرض وصلَّبها ولأَّم حفرها ، كأنها لم تكن محفورة وجعلها كسائر الأرض ، فلما جاوزها على ( عليه السلام ) لوى الفرس عنقه ووضع جحفلته على أذنه ثم قال : ما أكرمك على رب العالمين ، أجازك على هذا المكان الخاوي . . . فلما قرب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من العقبة التي بإزائها فضائح المنافقين والكافرين ، نزل دون العقبة ثم جمعهم فقال لهم : هذا جبرئيل الروح الأمين يخبرني أن علياً دُبِّرَ عليه كذا وكذا ،
فدفع الله عز وجل عنه من ألطافه وعجائب معجزاته بكذا وكذا » .
وفى تفسير الإمام العسكري ( عليه السلام ) / 560 : « فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ! تقيم يا علي فإن لك في مقامك من الأجر مثل الذي يكون لك لو خرجت مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولك مثل أجور كل من خرج مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) موقناً طائعاً ، وإن لك على يا علي أن أسأل الله بمحبتك أن تشاهد من محمد سمته في سائر أحواله ، إن الله يأمر جبرئيل في جميع مسيرنا هذا أن يرفع الأرض التي نسير عليها والأرض التي تكون أنت عليها ويقوى بصرك حتى تشاهد محمداً وأصحابه في سائر أحوالك وأحوالهم ، فلا يفوتك الأنس من رؤيته ورؤية أصحابه ويغنيك ذلك عن المكاتبة والمراسلة .
فقام رجل من مجلس زين العابدين ( عليه السلام ) لما ذكر هذا وقال له : يا ابن رسول الله كيف يكون هذا لعلي ، إنما يكون هذا للأنبياء لا لغيرهم ! فقال زين العابدين : هذا هو معجزة لمحمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا لغيره ، لأن الله تعالى لما رفعه بدعاء محمد ( صلى الله عليه وآله ) زاد في نوره أيضاً بدعاء محمد حتى شاهد ما شاهد ، وأدرك ما أدرك .
ثم قال الباقر ( عليه السلام ) : ما أكثر ظلم هذه الأمة لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وأقل إنصافهم له ! ؟ يمنعون علياً ما يعطونه سائر الصحابة وعلى ( عليه السلام ) أفضلهم ! فكيف يمنعون منزلة يعطونها غيره ؟ ! قيل : وكيف ذاك يا ابن رسول الله ؟ قال : لأنكم تتولون محبي أبى بكر بن أبي قحافة وتبرؤون من أعدائه كائناً من كان ، وكذلك تتولون عمر بن الخطاب وتبرؤون من أعدائه كائناً من كان ، وتتولون عثمان بن عفان وتبرؤون من أعدائه كائناً من كان . حتى إذا صار إلى علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) قالوا : نتولى محبيه ولا نتبرأ من أعدائه بل نحبهم !
وكيف يجوز هذا لهم ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول في علي : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ! فتراهم لا يعادون من عاداه وخذله ،
ليس هذا بإنصاف !
ثم أخري : أنهم إذا ذكر لهم ما اختص الله به علياً ( عليه السلام ) بدعاء رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وكرامته على ربه تعالى جحدوه ، وهم يقبلون ما يذكر لهم في غيره من الصحابة ! فما الذي منع علياً ( عليه السلام ) ما جعله لسائر أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
هذا عمر بن الخطاب إذا قيل لهم : إنه كان على المنبر بالمدينة يخطب إذ نادى في خلال خطبته : يا سارية الجبل ، وعجبت الصحابة وقالوا : ما هذا من الكلام الذي في هذه الخطبة ! فلما قضى الخطبة والصلاة قالوا : ما قولك في خطبتك يا سارية الجبل ؟ فقال : إعلموا أنى وأنا أخطب رميت ببصرى نحو الناحية التي خرج فيها إخوانكم إلى غزو الكافرين بنهاوند وعليهم سعد بن أبي وقاص ، ففتح الله لي الأستار والحجب ، وقوى بصرى حتى رأيتهم وقد اصطفوا بين يدي جبل هناك ، وقد جاء بعض الكفار ليدوروا خلف سارية وسائر من معه من المسلمين فيحيطوا بهم فيقتلوهم ، فقلت يا سارية الجبل ليلتجئ إليه فيمنعهم ذلك من أن يحيطوا به ثم يقاتلوا . . .
قال الباقر ( عليه السلام ) : فإذا كان هذا لعمر ! فكيف لا يكون مثل هذا لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ؟ ولكنهم قوم لا ينصفون بل يكابرون !
ثم عاد الباقر ( عليه السلام ) إلى حديثه عن علي ( عليه السلام ) قال : فكان الله تعالى يرفع البقاع التي عليهامحمد ( صلى الله عليه وآله ) ويسير فيها لعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) حتى يشاهدهم على أحوالهم » .
هذا ، وسيأتي أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر في تلك الأيام في طريق عودته من تبوك أن يعمل له منبر ، وبين للمسلمين مقام على والعترة الطاهرة « عليهم السلام » .
17 - نهاهم النبي « صلى الله عليه وآله » عن الشرب قبله ، فعصوْهُ فلعنهم
في معجم البلدان : 5 / 135 : « المشقَّق : قال ابن إسحاق في غزوة تبوك : وكان في الطريق ماء يخرج من وَشَل ، ما يروى الراكب والراكبين والثلاثة ، بواد يقال له المشقق ، فقال رسول الله : من سبقنا إلى هذا الماء فلا يستقين منه شيئاً حتى نأتيه ، قال : فسبقه إليه نفر من المنافقين فاستقوا ما فيه ، فلما أتاه رسول الله وقف عليه فلم ير فيه شيئاً فقال : من سبقنا إلى هذا الماء ؟ فقيل له : يا رسول الله فلان وفلان ، فقال : أوَلم أنههم أن يستقوا منه شيئاً حتى آتيهم ؟ ! ثم لعنهم رسول الله ودعا عليهم !
ثم نزل فوضع يده تحت الوشل فجعل يصب في يده ما شاء الله أن يصب ثم نضحه به ومسحه بيده ، ودعا رسول الله بما شاء أن يدعو به فانخرق من الماء كما يقول من سمعه أما إن له حساً كحس الصواعق ، فشرب الناس واستقوا حاجتهم ، فقال رسول الله : لئن بقيتم أو من بقي منكم لتسمعن بهذا الوادي وهو أخصب ما بين يديه وما خلفه » . وسيرة ابن هشام : 4 / 954 والطبري : 2 / 373 .
وفى إمتاع الأسماع : 2 / 71 : « وأقبل قافلاً حتى كان بين تبوك وواد يقال له وادى الناقة وهو وادى المشقق . . . فسبق إليه أربعة من المنافقين : معتب بن قشير والحارث بن يزيد الطائي حليف بنى عمرو بن عوف ، ووديعة بن ثابت ، وزيد بن اللصيت فقال : ألم أنهكم ؟ ! ولعنهم ودعا عليهم ثم نزل » . ونحوه قرب الإسناد للحميري / 327 ، الخرائج : 1 / 109 وجعله في طريق عودته ( صلى الله عليه وآله ) من الحديبية .
وفى الإمتاع : 5 / 112 ، عن عامر بن واثلة : « فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان ، والعين مثل الشراك تبض بشئ من ماء ، قال : فسألها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هل لمستما من مائها شيئاً ؟ قالا : نعم ، فسبهما النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقال لهما ما شاء الله أن يقول » !
وفى صحيح مسلم : 8 / 123 : » وقد كان في حَرَّة فمشى فقال : إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد ، فوجد قوماً قد سبقوه فلعنهم يومئذ » !
أقول : أراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) بالنهى عن الشرب قبل وصوله أن يمتحن المؤمنين بالطاعة كما امتحنهم طالوت ( عليه السلام ) بعدم شرب الماء في قوله تعالي : فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيسَ مِنِّى وَمَنْ لَمْ يطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّى إِلا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ » .
وقد أخفت الحكومات أسماء الذين لعنهم ( صلى الله عليه وآله ) ، وكانوا اثنين في رواية ، وقوماً في رواية ، وأقواماً في رواية ، ولا بد أنهم كانوا من كبارهم فأخفوهم !
وقد وقعت هذه الحادثة بعد محاولتهم قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فأخفوا أسماء الصحابة المجرمين ومنهم من أهل العقبة ! وسموا غيرهم ممن لاوزن لهم .
قال السيد شرف الدين في كتابه أبو هريرة / 97 : « وما كان للأمة أن تحتفظ بكرامة من لعنهم نبيها ( صلى الله عليه وآله ) لنفاقهم ونفاهم لإفسادهم ، فتضيع على أنفسها المصلحة التي توخاها ( صلى الله عليه وآله ) لها في لعنهم وإقصائهم ، وهم الذين دحرجوا الدباب ليلة العقبة لينفروا برسول الله فيطرحوه ، وكان إذ ذاك قافلاً من غزوة تبوك في حديث ثابت مستفيض وهو طويل ، وقد جاء في آخر فلعنهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يومئذ .
والعجب من المسلم ينتصر لهم وقد جرعوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) كل غصة ، وقعدوا له في كل مرصد ، ووثبوا عليه وعلى أهل بيته « عليهم السلام » من بعده كل وثبة ! وما لعنهم إلا ليطردهم الله من رحمته ويجتنبهم المؤمنون من أمته ، جزاء وفاقاً ، لا ليقربهم
إلى الله زلفي ، كما يخرِّفون » .
يقصد السيد شرف الدين بتخريفهم ، أنهم جعلوا لعنة الملعون على لسان النبي ( صلى الله عليه وآله ) منقبة له ! فروى مسلم في صحيحه : 8 / 25 : « أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : اللهم إني أتخذ عندك عهداً لن تخلفنيه ، فإنما أنا بشر ، فأي المؤمنين آذيته أو شتمته أو لعنته أو جلدته ، فاجعلها له صلاة وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة » . فصار الملعون أحسن حظاً من غيره » !
18 - نزول سورة التوبة في طريق العودة من تبوك
من المؤكد أن قسماً منها نزل في طريق العودة من تبوك ، وروى أنها نزلت كلها : « روى البراء بن عازب قال : آخر سورة نزلت كاملة ، براءة » . التبيان : 3 / 407 .
وسميت « براءة » لأن أولها : بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وهى السورة الوحيدة التي لاتبدأ بالبسملة ، لأنها غضب على المشركين والمنافقين .
قال الشافعي في الأم : 4 / 201 : « لما قوى أهل الإسلام أنزل الله عز وجل على رسوله ( صلى الله عليه وآله ) مرجعه من تبوك : بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ، فأرسل بهذه الآيات مع علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه فقرأها على الناس في الموسم ، وكان فرضاً أن لا يعطى لأحد مدة بعد هذه الآيات ، إلا أربعة أشهر » .
كما سميت الفاضحة لأنها فضحت المنافقين وخاصة محاولتهم قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) « قال سعيد بن جبير : سألت ابن عباس عن سورة براءة فقال : تلك الفاضحة ! ما زال ينزل : ومنهم . . ومنهم . . حتى خفنا ألا تدع أحداً » ! معاني القرآن : 3 / 179 .
وفى تفسير القرطبي : 8 / 61 : « وفى السورة كشف أسرار المنافقين . وتسمى الفاضحة والبَحُوث لأنها تبحث عن أسرار المنافقين ! وتسمى المبعثرة ، والبعثرة : البحث » .
وهى مئة وتسع وعشرون آية ، وفيها بحوث عديدة ، نكتفي ببعضها :
فقد بينت الآيات الأربع وعشرون الأولي ، تحريم دخول المشركين إلى مكة بعد
تلك السنة .
ثم تعرضت الآيات : 25 - 27 إلى معركة حنين وفرار المسلمين وثبات النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبنى هاشم ونصر الله تعالى لهم . ثم أكدت الآية : 28 تحريم مكة على المشركين .
ثم بينت الآيات : 29 - 35 ، الموقف من اليهود والنصارى وبعض صفاتهم .
ثم بينت الآيتان : 36 - 37 ، تحريم القتال في الأشهر الحرم ، وبطلان النسئ فيها .
أما بقية الآيات من آية : 38 ، إلى 129 ، فعالجت مواضيع عن الجهاد ، والمنافقين ، وغزوة تبوك . ونشير منها إلى ست مسائل تتعلق بالسيرة :
الأولي : قوله تعالي : عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يتَبَينَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ . « التوبة : 43 » فقد استأذن بعض المؤمنين وبعض المنافقين من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، مدعين أعذاراً ، فقبل منهم وأذن لهم . « والمستأذنون ثمانون رجلاً من قبائل شتي » . « تفسير القمي : 1 / 293 » . وزعم مفسروا الحكومات أن إذن النبي ( صلى الله عليه وآله ) للمنافقين معصية لربه ! وخففها بعضهم فجعلها ذنباً صغيراً ! وأطلقوا العنان لخيالهم في ذنوب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأخطائه التي عاتبه الله عليها فعفا عن بعضها وعاقبه على بعضها مثل ذنبه في أسر قرشيين في بدر ! الذي عاقبه الله عليه بجرحه وهزيمته في أحُد ! وقد بحثنا ذلك في كتاب « ألف سؤال وإشكال : 2 / 422 » .
والمسألة الثانية : قوله تعالي : لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِى وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . التوبة : 117 .
فقد سموا جيش تبوك جيش العسرة وفسروها بالضائقة المالية ، وجعلوا التوبة في الآية بسبب الإنفاق ، وجعلوا المنفقين أبا بكر وعمر وعثمان ، وزادوا من حصة عثمان في الإنفاق وسهمه في التوبة عليه ، وناقش ذلك صاحب الصحيح .
والمسألة الثالثة : قصة الذين تخلفوا عن تبوك في قوله تعالي : وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ التوبة : 118 . وستأتي .
والمسألة الرابعة : مسجد الضرار ، وتقدم شئ من تفسير آياته عن الإمامين الحسن العسكري والكاظم ( ( صلى الله عليه وآله ) ) .
والمسألة الخامسة : الآيتان في مؤامرتهم لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا أَيهَا النَّبِى جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . يحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ ينَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يتُوبُوا يكُ خَيرًا لَهُمْ وَإِنْ يتَوَلَّوْا يعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِى الدُّنْيا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِى الأَرْضِ مِنْ وَلِى وَلا نَصِيرٍ . « التوبة : 73 - 74 » . وتقدم شئ في تفسيرهما ، ونشير هنا إلى أن مرتكبى الجريمة هم الذين كانوا فقراء وأغناهم الله تعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) من فضله ، فهم قريبون من النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد شاركوه في حروبه لكن في الصف الخلفي ، ووصلت إليهم الغنائم وعطايا النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فأغناهم الله ورسوله من فضله !
والمسألة السادسة : قتال أهل الكتاب حتى يؤمنوا أو يعطوا الجزية ، وهذا بحث فقهى وحقوقى مهم ، لكنه خارج عن غرضنا هنا .
19 - عودة النبي « صلى الله عليه وآله » إلى المدينة
اتفقت المصادر على أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) خرج من المدينة إلى تبوك في رجب في يوم الخميس سنة تسع ، وعند اليعقوبي في أول رجب ، ورجع في شهر رمضان . ونصت رواية الإمام الكاظم ( عليه السلام ) على أنه واعد أمته ثمانين ليلة ، فيكون رجوعه في نحو العشرين من شهر رمضان .
وقال اليعقوبي : 2 / 67 : « واستخلف علياً على المدينة واستعمل الزبير على راية المهاجرين . . وقدم رسول الله تبوك في شعبان فأتاه يحَنَّة بن رؤبة أسقف أيلة فصالحه » . وفى مناقب آل أبي طالب : 1 / 27 : « أنشد العباس في النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
من قبلها طبت في الظلال وفى * مستودعٍ حيث يخصف الورقُ
ثم هبطت البلاد لا بشرٌ أنت * ولا مضغةٌ ولا علقُ
بل نطفةٌ تركب السفير وقد * ألجم نسراً وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم * إذا مضى عام بدا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من * خندف علياء نحلتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت الأرض * وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفى * النور وسبل الرشاد نحترق
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لايفضض الله فاك » .
وروى أنه لغيره ، وروى الحاكم : 3 / 326 أن ذلك كان منصرف النبي ( صلى الله عليه وآله ) من تبوك .
ومن مكذوباتهم في رجوع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من تبوك أنه لم يدخل بيت فاطمة « عليها السلام » على عادته ، لأنها اشترت ستراً ملوناً وسوارين من فضة للحسن والحسين ( صلى الله عليه وآله ) !
ففي مسند أحمد : 5 / 275 ، عن ثوبان قال : « كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا سافر آخر عهده بإنسان من أهله فاطمة « عليها السلام » ، وأول من يدخل عليه إذا قدم فاطمة « عليها السلام » فقدم من غزاة له فأتاها فإذا هو بمسح على بابها ورأى على الحسن والحسين قُلبين من فضة فرجع ولم يدخل عليها ! فلما رأت ذلك فاطمة ظنت أنه لم يدخل عليها من أجل ما رأي ، فهتكت الستر ونزعت القلبين من الصبيين فقطعتهما فبكى الصبيان فقسمته بينهما ، فانطلقا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهما يبكيان فأخذه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منهما فقال : يا ثوبان إذهب بهذا إلى بنى فلان أهل بيت بالمدينة ، واشتر لفاطمة قلادة من عصب وسوارين من عاج ، فإن هؤلاء أهل بيتي ، ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا » .
ورواه بلفظ آخر في فضائل سيدة النساء لعمر بن شاهين / 15 : « عن ابن عمر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان إذا خرج كان آخر عهده فاطمة « عليها السلام » وإذا رجع كان أول عهده فاطمة « عليها السلام » ، فلما رجع من غزوة تبوك وقد اشترت مقينعة وصبغتها بزعفران وعلقت على بابها ستراً ، وألقت في بيتها بساطاً ، فلما رأى ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) رجع فأتى المنزل فقعد فيه ، فأرسلت إلى بلال فقالت : إذهب فانظره ما رده عن بابي ؟ فأتاه فأخبره فقال : إني رأيتها صنعت كذا وكذا ! فأتاها فأخبرها فهتكت الستر وكل شئ أحدثته وألقت ما عليها ولبست أطمارها فأخبره ، فجاء حتى دخل عليها فقال : كذا كونى فداك أبي وأمي » . ورواه أبو داود : 2 / 291 ، البيهقي : 1 / 26 ، ابن حبان : 2 / 470 ، حماد بن زيد في تركة النبي ( صلى الله عليه وآله ) / 56 وأخذته بعض مصادرنا كذخائر العقبي / 51 ، البحار : 43 / 89 وكشف الغمة : 2 / 79 ، ظناً أنه فضيلة .
وسبب تكذيبنا لهذا الحديث : أن أهل البيت « عليهم السلام » لم يرووه ، وأن ما نسبه إلى الزهراء « عليها السلام » ليس حراماً ولا خلاف الأولي . وما نسبه إليها من أنها انتزعت السوارين بعنف حتى قطعتهما ، مما أبكى الحسن والحسين ( صلى الله عليه وآله ) ! ثم استكثاره على فاطمة « عليها السلام » أن يكون لها ستر لباب دارها ، وسواران من فضة لولديها ، وقوله عن ذلك : « ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في حياتهم الدنيا » !
هو من نوع التبرير لما فعلته السلطة من مصادرة فدك وكل أموالهم ، لتجويعهم وإخضاعهم ، فبرروا ذلك بأن أهل البيت « عليهم السلام » نصيبهم في الآخرة فقط !
وكأن القصة كانت مع إحدى زوجاته فجعلوها للزهراء « عليها السلام » ، قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو يصف النبي ( صلى الله عليه وآله ) « نهج البلاغة / 88 ح : 580 » : « ويكون السِّتر على باب بيته فتكون فيه التصاوير فيقول : يا فلانة لإحدى أزواجه غيبيه عني ، فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها » .
وينبغي الالتفات إلى أن حسد قريش تصاعد ضد على والعترة « عليهم السلام » في تلك الفترة ، فهم يريدون أن يقولوا إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) غيرَ عادته عند عودته من تبوك وذهب إلى المسجد ولم يذهب إلى بيت فاطمة « عليها السلام » ، لأنها أرادت زينة الدنيا !
20 - المتخلفون الثلاثة الذين تاب الله عليهم
قال الله تعالى : لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِى وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ . وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لامَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلا إِلَيهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيهِمْ لِيتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَالتَّوَابُ الرَّحِيمُ . سورة التوبة : 117 - 118 .
في تفسير القمي : 1 / 296 : « وقد كان تخلف عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قوم من المنافقين وقوم من المؤمنين مستبصرين لم يعثر عليهم في نفاق ، منهم كعب بن مالك الشاعر ، ومرادة بن الربيع ، وهلال بن أمية الواقفي ، فلما تاب الله عليهم قال كعب : ما كنت قط أقوى منى في ذلك الوقت الذي خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى تبوك ، وما اجتمعت لي راحلتان قط إلا في ذلك اليوم ، وكنت أقول أخرج غداً أخرج بعد غد ! فإني قوى وتوانيت ، وبقيت بعد خروج النبي ( صلى الله عليه وآله ) أياماً أدخل السوق فلا أقضى حاجة ! فلقيت هلال بن أمية ومرادة بن الربيع ، وقد كانا تخلفا أيضاً ، فتوافقنا أن نبكر إلى السوق ولم نقض حاجة ، فما زلنا نقول نخرج غداً وبعد غد ، حتى بلغنا إقبال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فندمنا !
فلما وافى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) استقبلناه نهنؤه بالسلامة فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام وأعرض عنا ، وسلمنا على إخواننا فلم يردوا علينا السلام ! فبلغ ذلك أهلونا فقطعوا كلامنا ! وكنا نحضر المسجد فلا يسلم علينا أحد ، ولا يكلمنا ! فلما رأى كعب بن مالك وصاحباه ما قد حل بهم قالوا : ما يقعدنا بالمدينة ولا يكلمنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ولا إخواننا ولا أهلونا ! فهلموا نخرج إلى هذا الجبل فلا نزال فيه حتى يتوب الله علينا أو نموت ! فخرجوا إلى ذناب جبل بالمدينة فكانوا يصومون وكان أهلوهم يأتونهم بالطعام فيضعونه ناحية ثم يولون عنهم فلا يكلمونهم ، فبقوا على هذا أياماً كثيرة يبكون بالليل والنهار ويدعون الله أن يغفر لهم . فلما طال عليهم الأمر قال لهم كعب : يا قوم قد سخط الله علينا ورسوله ، قد سخط علينا وأهلونا وإخواننا قد سخطوا علينا ، فلا يكلمنا أحد ، فلم لا يسخط بعضنا على بعض ؟ ! فتفرقوا في الليل وحلفوا أن لا يكلم أحد منهم صاحبه حتى يموت أو يتوب الله عليه ، فبقوا على هذه ثلاثة أيام ، كل واحد منهم في ناحية من الجبل لا يرى أحد منهم صاحبه ولا يكلمه ! فلما كان في الليلة الثالثة ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بيت أم سلمة نزلت توبتهم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقوله تعالي : لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِى وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِى سَاعَةِ الْعُسْرَةِ » . وابن هشام : 4 / 957 .
أقول : استثنى النبي ( صلى الله عليه وآله ) الذين تخلفوا عن تبوك لعذر فقال ، كما في الغارات للثقفي : 1 / 230 ، وغيره : « لقد كان بالمدينة أقوام ما سرتم من مسير ، ولا هبطتم من واد إلا كانوا معكم ! ما حبسهم إلا المرض . يقول : كانت لهم نية » .
وكان كبير المتخلفين كعب بن مالك الشاعر الأنصاري ، وقد ورد عن أهل البيت « عليهم السلام » قراءة تفسيرية : لقد تاب الله بالنبي على المهاجرين . الإحتجاج : 1 / 98 .
21 - النبي « صلى الله عليه وآله » يرد على حُسَّاد علي « عليه السلام » في طريق تبوك
بعد معركة بدر خاصة ، ظهر حسدهم لعلى ( عليه السلام ) لأن اسمه سطع في المعارك بطلاً وعضداً للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ووزيراً مقرباً منه . وصار حسدهم له بغضاً ، ثم صار اتجاهاً ، ثم صار حزباً ، ثم صار ديناً !
قال بريدة : « لم أجد من الناس أبغض على من علي بن أبي طالب ، حتى أحببت رجلاً من قريش ولا أحبه إلا على بغض علي » ! خصائص علي « عليه السلام » للنسائي / 102 .
ثم زاد بغضهم له ( عليه السلام ) حتى تركوا من أجله السنة ! قال ابن عباس : « اللهم العنهم فقد تركوا السنة من بغض علي » . سنن البيهقي : 5 / 113 .
ثم زاد بغضهم لعلى ( عليه السلام ) حتى بنوا مساجد خاصة بسبه ! « بنى عبيد الله بن زياد أربعة مساجد بالبصرة تقوم على بغض علي بن أبي طالب والوقيعة فيه : مسجد بنى عدي ، ومسجد بنى مجاشع ، ومسجد كان في العلافين على فرضة البصرة ، ومسجد في الأزد » ! شرح النهج : 4 / 94 .
وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يعلم نشاط المبغضين لعلى ( عليه السلام ) ، وقد اتخذ موقفاً حاسماً لوقف هذا الانحراف فقال : « لا يبغض علياً مؤمن ولا يحبه منافق » . ابن شيبة : 7 / 503 .
وتقدم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) واجه المنافقين الذين تكلموا على على ( عليه السلام ) عندما استخلفه على المدينة ، وأرادوا أن تخلو المدينة منهما ، فأعلن أن الله جعله منه بمنزلة هارون من موسى « عليهم السلام » ! وفى طريق عودة النبي ( صلى الله عليه وآله ) من تبوك وبعد فشل مؤامرتهم لقتله وفشل مؤامرتهم لقتل على في المدينة ، بلغ النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن جماعة يتكلمون على على والعترة « عليهم السلام » ، فأمر أن يعملوا له منبراً كمنبر غدير خم ، وخطب في المسلمين وأبلغ رسالة ربه ، وأتم عليهم الحجة !
قال أنس بن مالك : « رجعنا مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قافلين من تبوك ، فقال لي في بعض الطريق : ألقوا لي الأحلاس والأقتاب ، ففعلوا فصعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فخطب فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال : معاشر الناس ، مالي إذا ذكر آل إبراهيم تهللت وجوهكم ، وإذا ذكر آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) كأنما يفقأ في وجوهكم حب الرمان ! فوالذي بعثني بالحق نبياً لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال ولم يجئ بولاية علي بن أبي طالب ، لأكبه الله في النار » ! أمالي الطوسي / 308 .
وفى نوادر المعجزات لمحمد بن جرير الطبري الشيعي / 98 : « روى عبد الله بن مسعود عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : كنا في غزاة تبوك ونحن نسير معه فقال : يا بن مسعود إن الله عز وجل أمرني أن أزوج فاطمة من على ففعلت . وقال لي جبرئيل : إن الله عز وجل قد بنى جنة من قصب اللؤلؤ ، بين كل قصة إلى قصبة لؤلؤة من ياقوتة مشذرة بالذهب ، وجعل سقوفها زبرجداً أخضر ، فيها طاقات من اللؤلؤ مكللة بالياقوت ، وجعل عليها غرفاً ، لبنة من ذهب ولبنة من فضة ولبنة من در ، ولبنة من ياقوت ولبنة من زبرجد ، وقباباً من در قد شعبت بسلاسل الذهب ، وحفت بأنواع الشجر ، وبنى في كل قصر قبة ، وجعل في كل قبة أريكة من درة بيضاء ، فرشها السندس والإستبرق ، وفرش أرضها بالزعفران والمسك والعنبر ، وجعل في كل قبة مائة باب ، وفى كل باب جاريتان وشجرتان ، وفى كل قبة فرش وكتاب مكتوب حول القبة آية الكرسي . فقلت : يا جبرئيل لمن بنى الله عز وجل هذه الجنة ؟ فقال : هذه جنة بناها الله تعالى لعلي بن أبي طالب وفاطمة ابنتك « عليهما السلام » ، تحفة أتحفها الله بها وأقربها عينيك يا محمد » . ودلائل الإمامة / 142 .
وعندما رجع النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة رأى أن المنافقين ما زالوا ناشطين في معاداة على ( عليه السلام ) فغضب وأوضح لهم مقامه عند الله تعالى ، وأتم الحجة عليهم :
ففي الروضة في فضائل أمير المؤمنين / 169 والمسترشد / 615 ، قال : « مر على بنفر من قريش في المسجد فتغامزوا ، فدخل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وشكا له ، فخرج وهو مغضب فقال : أيها الناس مالكم إذا ذكرت إبراهيم وآل إبراهيم أشرقت وجوهكم ، وإذا ذكر محمد وآل محمد قست قلوبكم وعبست وجوهكم ؟ ! والذي نفسي بيده لو عمل أحدكم عمل سبعين نبياً ، لم يدخل على حتى يحب هذا أخي علياً وولده ! والذي نفسي بيده لو أن أحدهم وافى بعمل سبعين نبياً ، ما قبل الله منه حتى يوافى بولايتي وولاية أهل بيتي » .
22 - متفرقات من تبوك
1 . تقدم ذكر عدد من معجزات النبي ( صلى الله عليه وآله ) في تبوك ، وهى كثيرة ، وأولها أنه أخبر بأن الغزوة ستكون ثمانين يوماً ، وأخبر بما يقع له فيها ، وبتفصيل معاهدته مع الأكيدر ، فوقعت الأحداث كما أخبر .
ومن معجزاته ( صلى الله عليه وآله ) : إرواء جيش المسلمين بالماء وهو نحو ثلاثين ألفاً ، بدعائه بالمطر حيناً ، وبإنباع الماء حيناً ، وتكثير الماء القليل حتى يكفيهم .
وقد حدث ذلك بضع مرات ، ومنها نبع تبوك ونبع وادى المشقق الذي ما زال جارياً ، كما تقدم . الخرائج : 1 / 28 ، مجمع البيان : 5 / 138 والحاكم : 1 / 159 .
ومنها : معجزته في الإخبار عن أبي ذر وإحضاره ، كما تقدم .
ومنها : معجزته في كشف المؤامرة لقتله ( صلى الله عليه وآله ) .
ومنها إخبارهم بما حدث لعلى ( عليه السلام ) من محاولة الاغتيال
ومنها : مباركته الظهرالذى أجهده الطريق والحر ، فنشط . مجمع الزوائد : 6 / 193 .
ومنها : « أنه ضلت ناقته القصوى فقال عمارة بن حزم : يخبرنا محمد بخبر السماء ولا يدرى أين ناقته ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إني لا أعلم إلا ما علمني الله ، وقد أخبرني الآن أنها بشعب كذا وزمامها ملتف بشجرة . فكان كما قال ( صلى الله عليه وآله ) » ! الخرائج : 1 / 121 .
2 . كان ( صلى الله عليه وآله ) يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، ويصلى النافلة على راحلته ، ففي قرب الإسناد للحميري / 16 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى تبوك ، وكان يصلى على راحلته صلاة الليل حيثما توجهت به ويومئ إيماء » .
3 . أجرى مسابقة لخيل ، ومسابقة للإبل ، ففي قرب الإسناد / 134 ، عن علي ( عليه السلام ) : « أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أجرى الخيل وجعل فيها سبع أواق من فضة ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أجرى الإبل مقبلة من تبوك فسبقت العضباء وعليها أسامة ، فجعل الناس يقولون : سبق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ورسول الله يقول : سبق أسامة » .
« أهدى عُبيد للنبي ( صلى الله عليه وآله ) فرساً عتيقاً يقال له مراوح ، وقال : يا رسول الله سابق ! فأجرى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الخيل بتبوك فسبق الفرس ، فأخذه رسول الله منه ، فسأله المقداد بن عمرو الفرس ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أين سبحة ؟ فرس للمقداد قد شهد عليها بدراً . قال : يا رسول الله عندي وقد كبرت ، وأنا أضن بها للمواطن التي شهدت عليها ، وقد خلفتها لبعد هذا السفر وشدة الحر عليها ، فأردت أحمل هذا الفرس المعرق عليها فتأتينى بمهر . قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : فذاك إذاً ! فقبضه المقداد فخبر منه صدقاً ، ثم حمله على سبحة فنتجت له مهراً كان سابقاً يقال له الذيال سبق في عهد عمر وعثمان فابتاعه منه عثمان بثلاثين ألفاً » . الواقدي / 617 .
4 - أرسل النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يصل إلى المدينة رجلين ليهدما مسجد الضرار فهدماه ، قال الله تعالى : وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَينَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلا الْحُسْنَى وَاللهُ يشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لاتَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَلِ يوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يحِبُّونَ أَنْ يتَطَهَّرُوا وَاللهُ يحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ . أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِى نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لا يهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . لايزَالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِى بَنَوْا رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ إِلا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ
وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . سورة التوبة : 107 - 110 .
ففي التبيان : 5 / 297 و 598 : « قيل إنهم كانوا خمسة عشر رجلاً منهم عبد الله بن نفيل . . . وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل قدومه من تبوك عاصم بن عون العجلاني ومالك بن الدخشم وكان مالك من بنى عوف ، فقال لهما : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه ثم احرقاه ، فخرجا يشتدان سريعين على أقدامها ففعلا ما أمرهما به ، فثبت قوم من جملتهم زيد بن حارثة بن عامر حتى احترقت البتة » .
وفى تفسير القمي : 1 / 305 : « فجاء مالك فقال لعامر : إنتظرنى حتى أخرج ناراً من منزلي فدخل فجاء بنار وأشعل في سعف النخل ثم أشعله في المسجد فتفرقوا وقعد زيد بن حارثة حتى احترقت البلية ، ثم أمر بهدم حايطه » .
وفى فقه القرآن للقطب الراوندي : 1 / 159 : « وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ : هو أبو عامر الراهب لحق بقيصر متنصراً ، وكان يبعث إليهم : سآتيكم بجند فأخرج محمداً ، فبنوه يترقبونه ! وهو الذي حزب الأحزاب مع المشركين . فلما فتحت مكة هرب إلى الطائف ، فلما أسلم أهل الطائف خرج إلى الروم . وابنه عبد الله أسلم وقتل يوم أحد وهو غسيل الملائكة . ووجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند قدومه من تبوك عاصم بن عوف العجلاني ومالك بن الدخشم ، وكان مالك من بنى عوف الذين بنوا مسجد الضرار ، فقال لهما : انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدماه ثم احرقاه ، ففعلا ما أمر به » . وفى سيرة ابن هشام : 4 / 956 ، أنه بعثهما من أوان ، وهى قبل المدينة بساعة من نهار .
23 - تذكير ببعض مكذوبات الحكومات عن تبوك
كتب صاحب الصحيح من السيرة في غزوة تبوك أكثر من خمس مئة صفحة ، وفنَّد أكثر مكذوبات رواة السلطة فيها ! وتبدأ مكذوباتهم في أسباب الغزوة ، إلى ادعاء إنفاق عثمان وأبى بكر على جيش العسرة ، إلى تنقيصهم من أهمية حديث أنت منى بمنزلة هارون من موسي ، إلى زعمهم أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل بدل الزبير خالداً إلى الأكيدر ، إلى ادعائهم فضائل لعمر وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يخطئ وكان عمر يصيب مثل أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمرهم أن يذبحوا جمالهم فنهاه عمر !
ومنها مكذوباتهم في التغطية على أسماء المتآمرين لقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ليلة العقبة . . الخ .
24 - بعد تبوك مات ابن سلول كبير المنافقين المدنيين
بعد رجوع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من تبوك ، وقيل بعد رجوعه من فتح مكة ، مات عبد الله بن أُبى بن سلول رئيس المنافقين المدنيين . ففي تفسير القمي : 1 / 302 : « وكان ابنه عبد الله بن عبد الله مؤمناً ، فجاء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأبوه يجود بنفسه فقال : يا رسول الله بأبى أنت وأمي إنك إن لم تأت أبى كان ذلك عاراً علينا ! فدخل إليه رسول الله والمنافقون عنده ، فقال ابنه عبد الله بن عبد الله : يا رسول الله استغفر له فاستغفر له فقال عمر : ألم ينهك الله يا رسول الله أن تصلى عليهم أو تستغفر لهم ! فأعرض عنه رسول الله ، فأعاد عليه فقال له : ويلك إني خُيرْتُ فاخترت ! إن الله يقول : إسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاتَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يغْفِرَ اللهُ لَهُمْ » .
فلما مات عبد الله جاء ابنه إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : بأبى أنت وأمي يا رسول الله إن رأيت أن تحضر جنازته ، فحضره رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقام على قبره ، فقال له الثاني : يا رسول الله ألم ينهك الله أن تصلى على أحد منهم مات أبداً ، وأن تقوم على قبره ؟ فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ويلك وهل تدرى ما قلت ؟ إنما قلت : اللهم احش قبره ناراً وجوفه ناراً وأصله النار ، فبدا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما لم يكن يحب » ! وسبب خطأ عمر وتصوره أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخطأ ، أنه تخيل أن قبوله حضور جنازة ابن سلول وصلاته عليه ، يعنى الاستغفار له ، مع أن لا ملازمة بينهما ، فقد زاره وصلى على جنازته ولم يستغفر له ! فقد قال أهل البيت « عليهم السلام » إن الصلاة المنهى عنها في قوله تعالي : وَلاتُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلاتَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ . . هي الدعاء والاستغفار ، أما الصلاة عليهم بدون استغفار فليس
منهياً عنها . الكافي : 3 / 188 .
ومعناه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يستعمل التقية مع أتباع ابن سلول ليجذبهم إلى الإسلام ، ولكن فضول عمر أجبره على إظهار أنه دعا عليه لا له !
وفى الإستبصار : 1 / 476 : « عن أبي بصير قال : كنت عند أبي عبد الله ( عليه السلام ) جالساً فدخل رجل فسأله عن التكبير على الجنائز ، فقال : خمس تكبيرات ، ثم دخل آخر فسأله عن الصلاة على الجنائز ؟ فقال : له أربع صلوات ، فقال الأول : جعلت فداك سألتك فقلت خمساً ، وسألك هذا فقلت أربعاً ، فقال : إنك سألتني عن التكبير وسألني هذا عن الصلاة ، ثم قال : إنها خمس تكبيرات بينهن أربع صلوات ثم بسط كفه فقال : إنهن خمس تكبيرات ، بينهن أربع صلوات » .
فقد عبَّر الإمام الأدعية التي بين التكبيرات بالصلوات ليبين أن تحريم الصلاة على المنافق يخص الدعاء له ، الذي يقع بعد التكبيرة الرابعة ، فالصلاة هنا بمعناها اللغوي وليس الاصطلاحي . والحدائق : 10 / 417 والجواهر 17 / 359 .
وقد بينا مكذوباتهم وطعنهم بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) بأنه أخطأ وأصاب عمر ! في كتاب ألف سؤال وإشكال : 2 / 329 .
25 - وفد ثقيف بعد تبوك
في إعلام الوري : 1 / 233 : « سار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الطائف في شوال سنة ثمان فحاصرهم بضعة عشر يوماً ، وخرج نافع بن غيلان بن معتب في خيل من ثقيف فلقيه على ( عليه السلام ) في خيله ، فالتقوا ببطن وج فقتله على ( عليه السلام ) وانهزم المشركون .
ونزل من حصن الطائف إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جماعة من أرقائهم ، منهم أبو بكَرَة وكان عبداً للحارث بن كلدة المنبعث ، وكان اسمه المضطجع فسماه رسول الله المنبعث ووردان وكان عبداً لعبد الله بن ربيعة ، فأسلموا .
فلما قدم وفد الطائف على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأسلموا قالوا : يا رسول الله رد علينا رقيقنا الذين أتوك ، فقال : لا ، أولئك عتقاء الله .
وفى إعلام الوري : 1 / 249 : « ثم قدم على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عروة بن مسعود الثقفي مسلماً ، واستأذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الرجوع إلى قومه فقال : إني أخاف أن يقتلوك فقال : إن وجدونى نائماً ما أيقظوني ! فأذن له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرجع إلى الطائف ودعاهم إلى الإسلام ونصح لهم فعصوه وأسمعوه الأذي ، حتى إذا طلع الفجر نام في غرفة من داره فأذن وتشهد ، فرماه رجل بسهم فقتله !
وأقبل بعد قتله وفد ثقيف بضعة عشر رجلاً هم أشراف ثقيف فأسلموا فأكرمهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحباهم ، وأمَّر عليهم عثمان بن أبي العاص بن بشر ، وقد كان تعلم سوراً من القرآن . قال : قلت : يا رسول الله إن الشيطان قد حال بين صلاتي وقراءتي . قال : ذاك شيطان يقال له : خنزب ، فإذا خشيت فتعوذ بالله منه واتفل عن يسارك ثلاثاً . قال : ففعلت فأذهب الله عني » .
وقال الشيخ الأحمدي في مكاتيب الرسول ( صلى الله عليه وآله ) : 3 / 70 ملخصاً : « خلال تلك المدة رأت ثقيف ممن حولها من الأعراب ما يسوؤها في الأموال والأنفس ، إذ أسلم من حولهم وكانوا يستحلون أموال ثقيف لأنهم كفار ، فكانوا يسلبون أموالهم ويرعون زروعهم ولا يؤدون دَينهم ، فاضطرت ثقيف للدخول في الإسلام ، وقال بعضهم لبعض : أفلا ترون أنه لا يأمن لكم سرب ولا يخرج منكم أحد إلا اقتطع ! فأتمروا بينهم وأجمعوا أن يرسلوا إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رجلاً كما أرسلوا عروة ، فكلموا في ذلك عبد ياليل بن عمرو وكان في سن عروة بن مسعود فأبى لأنه خشي أن يفعل به كما فعل بعروة ، فكلموا شرحبيل بن غيلان وغيره من أشراف ثقيف فوفدوا في تسعة عشر رجلاً أو أقل ، فلما وصلوا إلى المدينة لقوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فحيوه بتحية الجاهلية : أنعم صباحاً ، فضربت لهم قبة في المسجد ليسمعوا القرآن ويروا الناس إذا صلوا ، فكان خالد بن سعيد بن العاص يمشى بينهم وبين رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى اكتتبوا كتابهم ، وكان خالد هو الذي كتب الكتاب بيده . » « راجع الطبقات : 4 / 96 » « فشرطوا أن يدع لهم الطاغية وهى اللات لايهدمها ثلاث سنين ، فأبى عليهم ذلك ، فما برحوا يسألونه سنة سنة ويأبى عليهم حتى سألوه شهراً واحداً فأبى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلا أن يرسل أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة فيهدماها .
وفيما شرطوا لأنفسهم أن يعفيهم عن الصلاة ، وأن لا يكسروا أوثانهم بأيديهم فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أما كسر أوثانكم بأيديكم فسنعفيكم عنه ، وأما الصلاة فإنه لا خير في دين لا صلاة فيه ! فقالوا : يا محمد فسنؤتيكها وإن كانت دناءة ! وسألوا أن يترك لهم الزنا والربا وشرب الخمر ، فأبى عليهم ذلك كله » .
أقول : وصفوا الصلاة بأنها دناءة لأن فيها سجوداً ! وكان عوام عرب الجزيرة يرون السجود كأنه انحناء لمن يفعل به الفاحشة ، فكان الذي يدعى إلى الإسلام يقول : لا أريد أن تعلوني إستي ! وقد أشاعت قريش هذه السخرية لتنفير الناس من الإسلام ، وافتروا على أبى طالب ( عليه السلام ) أنه قالها !
26 - خضوع العرب للنبي « صلى الله عليه وآله » بعد فتح مكة وتبوك
وذكر ابن إسحاق أن العرب كانت تتربص بالإسلام قريشاً ثم ثقيفاً فلما رأت أنهما أسلما وخضعا للنبي ( صلى الله عليه وآله ) توافدت قبائل العرب من أقصى الجزيرة إلى أقصاها إلى المدينة ، لإعلان إسلامها ومبايعة النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
قال الطبرسي في إعلام الوري : 1 / 250 : « فلما أسلمت ثقيف ضربت إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفود العرب ، فدخلوا في دين الله أفواجاً » .
وقال المحامي أحمد حسين يعقوب في كتابه المواجهة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) / 310 : « سقطت عاصمة الشرك رسمياً ، وتلقت عقيدة الشرك ضربة قصمت ظهرها تماماً وهدمت أركانها . . لقد احترقت راية الشرك والمعارضة التي كانت تلجأ إليها العرب ، فإذا سلَّم قادة البطون وأسلموا ، وأعطوا القيادة لمحمد وهم ألد أعدائه ، فما هي مصلحة الآخرين بمعارضة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! ومن الذي يقف بوجه محمد الذي قضى على الحركة اليهودية بكل قوتها ومكرها ، ودوَّخَ القبائل العربية وأذهب ريحها مع كثرتها ، ثم ركَّع قادة بطون قريش بكل فخرها وشرفها .
لقد كان فتح مكة إعلاناً وبخط عريض بأن محمداً سيد الجزيرة بغير منازع ، والمالك الحقيقي لخيراتها ، والمخول بتوزيع الأدوار كلها على سكانها ، وأن الدين الذي جاء به محمد هو الدين الرسمي للسكان ، فمن لم يوالِ محمداً أو يتظاهر بموالاته ، ومن لم يعتنق دين محمد أو يتظاهر باعتناقه ، فقد أسقط ضمنياً حقه بالرزق والملك والجاه والنفوذ وبالمستقبل له ، ورضى أن يعيش خائفاً في مجتمع موعود بالأمن والاستقرار .
وبفتح مكة وباستسلام هوازن والطائف سقطت آخر حصون المقاومة للنبوة والدين ، وأخذت قبائل العرب تتوافد على النبي ( صلى الله عليه وآله ) لتعلن قبولها بولايته واعتناقها لدينه ، حتى سمى عام الفتح بعام الوفود .
كان محمدٌ يبحث عن الناس والناس الآن يبحثون عن محمد ! كان محمد يركض خلفهم وصار العرب يركضون لمحمد ! وأخذ جباته يتحركون بين القبائل ويجبون الأموال ، ليوزعها محمد على الوجه الشرعي .
وباختصار فإنك لا تجد إلا مسلماً أو متظاهراً بالإسلام ، وموالياً للنبي ( صلى الله عليه وآله ) أو متظاهراً بالولاء ! لقد أصبحت الجزيرة دولة إسلامية واحدة قامت لأول مرة في التاريخ ، وحَّدها النبي ( صلى الله عليه وآله ) خلال مدة لا تتجاوز العشر سنين ، ونالت شرف رئاسة النبي لهذه الدولة ، فأعظم مظاهر وحدتها كانت رئاسة النبي المباركة فقد والته كل العرب أو تظاهرت بموالاته بدون إكراه ، ودخلت في دينه أو تظاهرت بالدخول في دينه ، وبدون إكراه أيضاً .
لقد أصبح محمد نظام وحدة العرب ونظام وحدة الدولة ونظام وحدة القانون . لقد اختلط محمد بالدين واختلط الدين بمحمد ، فهما وجهان لعملة واحدة ، فلو قمت بكل واجباتك الدينية من صلاة وصيام وحج وقراءة قرآن وصدقة وقيام ليل ولكنك لا توالى محمداً ( صلى الله عليه وآله ) ، فأنت كافر بلا خلاف . . لقد صار الرئيس بمثابة خيط سبحة إذا قطع الخيط تبعثرت حبات السبحة » .
ثم أكدت غزوة تبوك للعرب أن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) صار قوة تهابه الروم فها هو يقصدهم في تبوك بثلاثين ألفاً ، فينسحب هرقل خوفاً من مواجهته ويرسل اليه بأنه مؤمن به ، لكن بطارقته لا يقبلون !
27 - بعث النبي « صلى الله عليه وآله » أبا بكر بسورة براءة ثم سحبها منه
في تفسير القمي : 1 / 281 : « بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . عن الصادق ( عليه السلام ) قال : نزلت هذه الآية بعد ما رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من غزوة تبوك في سنة تسع من الهجرة ، قال : وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما فتح مكة لم يمنع المشركين الحج في تلك السنة ، وكان سنة في العرب في الحج أنه من دخل مكة وطاف بالبيت في ثيابه لم يحل له إمساكها وكانوا يتصدقون بها ولا يلبسونها بعد الطواف ، وكان من وافى مكة يستعير ثوباً ويطوف فيه ثم يرده ، ومن لم يجد عارية اكترى ثياباً ومن لم يجد عارية ولا كراءً ولم يكن له إلا ثوب واحد طاف بالبيت عرياناً ! فجاءت امرأة من العرب وسيمة جميلة فطلبت ثوباً عارية أو كراءً فلم تجده ، فقالوا لها إن طفت في ثيابك احتجت أن تتصدقى بها ! فقالت وكيف أتصدق بها وليس لي غيرها ؟ فطافت بالبيت عريانة ! وأشرف عليها الناس . . فلما فرغت من الطواف خطبها جماعة فقالت إن لي زوجاً !
وكانت سيرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل نزول سورة البراءة أن لا يقاتل إلا من قاتله ، ولا يحارب إلا من حاربه وأراده ، وقد كان نزل عليه في ذلك من الله عز وجل : فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيهِمْ سَبِيلاً . فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا يقاتل أحداً قد تنحى عنه واعتزله حتى نزلت عليه سورة البراءة ، وأمره الله بقتل المشتركين من اعتزله ومن لم يعتزله ، إلا الذين قد كان عاهدهم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم فتح مكة إلى مدة ، منهم صفوان بن أمية ، وسهيل بن عمرو ، فقال الله عز وجل : بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . فَسِيحُوا فِى الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ، ثم يقتلون حيثما وجدوا .
فهذه أشهر السياحة : عشرون من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشرة من شهر ربيع الآخر ، فلما نزلت الآيات من أول براءة دفعها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أبى بكر وأمره أن يخرج إلى مكة ويقرأها على الناس بمنى يوم النحر ، فلما خرج أبو بكر نزل جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد لا يؤدى عنك إلا رجل منك ، فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في طلبه فلحقه بالروحاء فأخذ منه الآيات ، فرجع أبو بكر إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا رسول الله أأنزل الله في شئ ؟ قال لا ، إن الله أمرني أن لا يؤدى عنى إلا أنا أو رجل مني . . .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمرني أن أبلغ عن الله أن لا يطوف بالبيت عريان ، ولا يقرب المسجد الحرام مشرك بعد هذا العام ، وأقرأ عليهم :
بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . فَسِيحُوا فِى الأرض أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ،
فأحل الله للمشركين الذين حجوا تلك السنة أربعة أشهر ، حتى يرجعوا إلى مأمنهم ، ثم يقتلون حيث وجدوا » !
وفى الإرشاد : 1 / 65 : « فركب أمير المؤمنين ناقة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) العضباء وسار حتى لحق أبا بكر ، فلما رآه فزع من لحوقه به واستقبله وقال : فيم جئت يا أبا الحسن أسائر معي أنت أم لغير ذلك ؟ فقال له أمير المؤمنين : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمرني أن ألحقك فأقبض منك الآيات من براءة وأنبذ بها عهد المشركين إليهم ، وأمرني أن أخيرك بين أن تسير معي أو ترجع إليه . فقال : بل أرجع إليه .
وعاد إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلما دخل عليه قال يا رسول الله إنك أهلتنى لأمر طالت الأعناق فيه إلي ، فلما توجهت له رددتني عنه ، ما لي أنزل في قرآن ؟ فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : لا ، ولكن الأمين هبط إلى عن الله جل جلاله بأنه لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك ، وعلى مني » .
وفى الخصال / 369 : قال على ( عليه السلام ) « فأتيت مكة وأهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا ولو قدر أن يضع على كل جبل منى إرباً لفعل ، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله ، فبلغتهم رسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقرأت عليهم كتابه ، فكلهم يلقاني بالتهدد والوعيد ويبدى لي البغضاء ويظهر الشحناء ، من رجالهم ونسائهم فكان منى في ذلك ما قد رأيتم » .
وفى تفسير العياشي : 2 / 74 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « فوافى الموسم فبلغ عن الله وعن رسوله بعرفة والمزدلفة ويوم النحر عند الجمار وفى أيام التشريق كلها ، ينادي : بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . . . لايطوفن بالبيت عريان . . الخ . خطب على بالناس واخترط سيفه وقال : لايطوفن بالبيت عريان ، ولا يحجن بالبيت مشرك ولا مشركة . . » .
وفى الإقبال : 2 / 39 : « وصعد على الجبل المشرف المعروف بالشعب ، فأذن ثلاث مرات : ألا تسمعون يا أيها الناس أنى رسول رسول الله إليكم ثم قال : بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . . تسع آيات من أولها ، ثم لمع بسيفه فأسمع الناس وكررها ، فقال الناس : من هذا الذي ينادى في الناس ؟ فقالوا : علي بن أبي طالب ، وقال من عرفه من الناس : هذا ابن عم محمد ، وما كان ليجترئ على هذا غير عشيرة محمد . فأقام أيام التشريق ثلاثة ينادى بذلك ، ويقرأ على الناس غدوةً وعشية ، فناداه الناس من المشركين : أبلغ ابن عمك أن ليس له عندنا إلا ضرباً بالسيف وطعناً بالرماح » !
وفى المناقب : 1 / 392 والإقبال : 2 / 41 : عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) أنه عندما تلا عليهم : بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ . « قام خداش وسعيد أخوا عمرو بن ود فقال : وما يسرُّنا على أربعة أشهر ، بل برئنا منك ومن ابن عمك ، فليس بيننا وبين ابن عمك إلا السيف والرمح وإن شئت بدأنا بك ! فقال على ( عليه السلام ) : أجل أجل إن شئت هلموا ! ثم قال : وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيرُ مُعْجِزِى اللهِ وَأَنَّ اللهَ مُخْزِى الْكَافِرِينَ » .
أقول : غضب جماعة أبى بكر من أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سحب منه سورة براءة ، فقالوا إنه بعثه أميراً على الحج وذهب على بالسورة معه ! فقد روى ابن كثير في سيرته : 4 / 72 ، عن أحمد بن حنبل : « لما أردف أبا بكر بعلى فأخذ منه الكتاب بالجحفة رجع أبو بكر فقال : يا رسول الله نزل في شئ ؟ قال : لا ولكن جبريل جاءني فقال لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك . وهذا ضعيف الإسناد ومتنه فيه نكارة والله أعلم » .
وعدَّ صاحب الغدير « رحمه الله » : 6 / 338 أكثر من ستين من علمائهم ، أوردوا الحديث ولم يطعنوا فيه كما فعل ابن كثير ! وينبغي التذكير بأن المشركين حجوا في السنة الثامنة وحدهم وحج بالمسلمين أمير مكة من قبل النبي ( صلى الله عليه وآله ) عتاب بن أسيد ، وفى السنة التاسعة لم يرو أي توثيق لحج أبى بكر بالمسلمين ، ولكنهم جعلوه أميراً على الحج وعلى على ( عليه السلام ) ! ومن الطبيعي عندما ذهب على ( عليه السلام ) أن يكون أميراً للحج ، لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لم يؤمِّر عليه أحداً أبداً ، بينما أمَّر على أبى بكر وعمر ، عمرو بن العاص .
ويظهر أن كذبتهم ظهرت في زمن الإمام الباقر ( عليه السلام ) فقال : « إنكم لتجعلون لآل أبى بكر شيئاً ما كان ! تقولون : إن أبا بكر أمَّ الناس عام براءة وما أمَّهم إلا علي » .
مناقب أمير المؤمنين « عليه السلام » لمحمد بن سليمان : 1 / 474 .
هذا ، وقد روينا بسند صحيح « أمالي الطوسي / 343 » : « قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لما أسرى بي إلى السماء ، ثم من سماء إلى سماء ثم إلى سدرة المنتهي ، أوقفت بين يدي ربي عز وجل فقال لي : يا محمد . فقلت : لبيك ربى وسعديك . قال : قد بلوتَ خلقي فأيهم وجدت أطوع لك ؟ قال قلت : رب علياً . قال : صدقت يا محمد فهل اتخذت لنفسك خليفة يؤدى عنك ويعلم عبادي من كتابي ما لا يعلمون ؟ قال قلت : إختر لي فإن خيرتك خير لي . قال : قد اخترت لك علياً فاتخذه لنفسك خليفةً ووصياً فإني قد نحلته علمي وحلمى وهو أمير المؤمنين حقاً ، لم يقلها أحد قبله ولا أحد بعده . يا محمد على راية الهدى وإمام من أطاعني ونور أوليائي ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتقين . من أحبه فقد أحبني ومن أبغضه فقد أبغضني ، فبشره بذلك يا محمد » .
وكشف اليقين / 278 ، عن مناقب الخوارزمي .
|
|
واجه خطر الخرف.. بمعادلة "الركائز الأربع"
|
|
|
|
|
دراسة: القلب يملك "دماغا صغيرا" خاصا به
|
|
|
|
|
مليكة الروم.. إصدارٌ جديد للهيأة العُليا لإحياء التراث
|
|
|