المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الحديث والرجال والتراجم
عدد المواضيع في هذا القسم 6538 موضوعاً
علم الحديث
علم الرجال

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



معرفة آداب طالب الحديث  
  
187   02:32 صباحاً   التاريخ: 2025-04-13
المؤلف : عثمان بن عبد الرحمن المعروف بـ(ابن الصلاح)
الكتاب أو المصدر : معرفة أنواع علوم الحديث ويُعرَف بـ(مقدّمة ابن الصلاح)
الجزء والصفحة : ص 353 ـ 362
القسم : الحديث والرجال والتراجم / علم الحديث / علوم الحديث عند العامّة (أهل السنّة والجماعة) /

النَّوْعُ الثَّامِنُ والعِشْرُونَ.

مَعْرِفَةُ آدَابِ طَالِبِ الحدِيْثِ (1).

وقَدِ انْدَرَجَ طَرَفٌ منهُ في ضِمْنِ ما تَقَدَّمَ.

فأوَّلُ ما عليهِ: تحقيقُ الإخْلاَصِ، والحَذَرُ مِنْ أنْ يَتَّخِذَهُ وُصْلَةً إلى شيءٍ مِنَ الأغراضِ الدُّنيويَّةِ. رُوِّيْنا عَنْ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ أنَّهُ قالَ: ((مَنْ طَلَبَ الحديثَ لغيرِ اللهِ مُكِرَ بهِ)(2)، وروِّيْنا عَنْ سُفْيانَ الثَّورِيِّ قالَ(3): ((ما أعلمُ عَمَلاً هُوَ أفضلُ مِنْ طَلَبِ الحديثِ لِمَنْ أرادَ اللهَ بهِ))(4). ورُوِّيْنا نحْوَهُ عِنِ ابنِ المبارَكِ ومِنْ أقربِ الوجوهِ في إصلاحِ النِّيَّةِ فيهِ ما رُوِّيْنا عَنْ أبي عَمْرٍو إسْماعِيلَ بنِ نُجَيْدٍ أنَّهُ سَأَلَ أبا جَعفَرٍ أحمدَ بنِ حَمْدانَ، وكانا عَبْدَيْنِ صالِحَيْنِ، فقالَ لهُ: ((بأيِّ نِيَّةٍ أكْتُبُ الحديثَ؟ فقالَ: ألَسْتُمْ تَرْوونَ (5) أنَّ عِنْدَ ذِكْرِ الصالِحِينَ تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ؟ قالَ: نَعَمْ. قالَ: فرسُول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلّم ـ رأسُ الصَّالِحينَ)).

وليسْأَلِ اللهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى التَّيْسِيْرَ والتَّأييدَ والتَّوْفيقَ والتَّسْديدَ، وليَأْخَذْ نَفْسَهُ بالأخلاقِ الزَّكِيَّةِ والآدابِ الرْضِيَّةِ (6). فَقَدْ رُوِّيْنا عَنْ أبي عاصِمٍ النَّبيلِ قالَ: ((مَنْ طَلَبَ هذا الحديثَ فقدْ طلبَ أعلى أمورِ الدِّينِ، فيجبُ أنْ يكونَ خَيْرُ النَّاسِ)) (7).

وفي السِّنِّ الذي يُسْتَحَبُّ فيهِ الابتداءُ بسماعِ الحديثِ وبِكِتْبتِهِ (8) اخْتِلافٌ سَبَقَ بيانُهُ في أوَّلِ النَّوعِ الرَّابِعِ والعِشْرِينَ. وإذا أخذَ فيهِ فَلْيُشَمِّرْ عَنْ ساقِ جُهْدِهِ واجْتِهادِهِ، ويَبْدأْ بالسَّماعِ مِنْ أسْنَدِ شُيوخِ (9) مِصْرِهِ ومِنَ الأوْلَى فَالأَوْلَى مِنْ حيثُ العِلْمُ أو الشُّهْرَةُ أو الشَّرَفُ أوْ غيرُ ذَلِكَ. وإذا فَرَغَ مِنْ سَماعِ العَوالِي والمهمَّاتِ التي ببلَدِهِ فَلْيَرْحَلْ إلى غيرِهِ.

رُوِّيْنا عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ أنَّهُ قالَ: ((أربَعَةٌ لاَ تُؤْنِسْ مِنْهُم رُشْداً: حارسُ الدَّرْبِ، ومُنادِي القاضي، وابنُ المُحدِّثِ، ورجلٌ يَكْتُبُ في بلدِهِ ولا يَرْحَلُ في طَلَبِ الحديثِ))(10). ورُوِّيْنا عَنْ أحمدَ بنِ حَنْبَلٍ أنَّهُ قيلَ لهُ: ((أيَرْحَلُ الرجلُ في طَلَبِ العِلُوِّ؟ فقالَ: بَلَى واللهُ شديداً، لقَدْ كانَ علقَمةُ والأسْودُ يَبْلُغُهُما الحديثُ عَنْ عُمَرَ فلا يُقْنِعُهُما حَتَّى يَخْرُجا إلى عُمَرَ فيَسْمعانَهُ (11) منهُ))، واللهُ أعلمُ.

وعنْ إبراهيمَ بنِ أدْهَمَ أنَّهُ قالَ: ((إنَّ اللهَ تَعَالَى يَدْفَعُ البلاءَ عَنْ هذهِ الأُمَّةِ برحلةِ أصْحابِ الحديثِ)) (12).

ولا يَحْمِلَنَّهُ الحرصُ والشَّرَهُ عَلَى التَّسَاهُلِ في السماعِ والتَّحَمُّلِ والإخلاَلِ بما يُشْتَرَطُ عليهِ (13) في ذَلِكَ عَلَى ما تَقَدَّمَ شَرْحُهُ.

ولْيَسْتَعْمِلْ ما يَسْمَعُهُ مِنَ الأحَادِيثِ الوارِدَةِ بالصَّلاةِ والتَّسْبيحِ وغيرِهِما مِنَ الأعمالِ الصَّالِحَةِ فذَلِكَ زَكاةُ الحديثِ عَلَى ما رُوِّيْناهُ (14) عَنْ العَبْدِ الصالِحِ بِشْرِ بنِ الحارِثِ الحافِي (15) - رضي الله عنه -، ورُوِّيْنا عنهُ أيضاً أنَّهُ قالَ: ((يا أصحابَ الحديثِ! أدُّوا زكاةَ هذا الحديثِ، اعْمَلُوا مِنْ كُلِّ مِئَتَي حديثٍ بِخَمْسةِ أحاديثَ)) (16). ورُوِّيْنا عَنْ عَمْرِو بنِ قَيْسٍ الْمُلائِيِّ (17) قالَ: إذا بَلَغَكَ شيءٌ مِنَ الخيرِ فاعْمَلْ بهِ - ولوْ مَرَّةً - تَكُنْ مِنْ أهلِهِ)) (18). ورُوِّيْنا عَنْ وكِيعٍ، قالَ: ((إذا أردْتَ أنْ تَحفظَ الحديثَ فاعْمَلْ بهِ))(19). وَلْيُعَظِّمْ شَيخَهُ ومَنْ يَسْمَعُ (20) منهُ، فذَلِكَ مِنْ إجْلالِ الحديثِ والعِلْمِ، ولاَ يُثْقِلُ عليهِ ولاَ يُطَوِّلُ بحيثُ يُضْجِرُهُ، فإنَّهُ يُخْشَى عَلَى فاعِلِ ذَلِكَ أنْ يُحْرَمَ الانْتِفاعَ. وقَدْ رُوِّيْنا عَنِ الزُّهْرِيِّ أنَّهُ قالَ: ((إذا طالَ المجْلِسُ، كانَ لِلشَّيْطانِ فيهِ نَصِيبٌ)) (21).

ومَنْ ظَفِرَ مِنَ الطَّلَبةِ بِسَماعِ شَيْخٍ فَكَتَمَهُ غيرَهُ لِيَنْفردَ بهِ عَنْهُم، كانَ جَدِيْراً بأنْ لا يَنْتَفِعَ بهِ، وذَلِكَ مِنَ اللُّؤْمِ الذي يَقَعُ فيهِ جَهَلَةُ الطَّلَبَةِ الوُضَعاءِ. ومِنْ أوَّلِ فائِدَةِ طَلَبِ الحديثِ الإفادةُ. رُوِّيْنا عَنْ مالِكٍ أنَّهُ قالَ (22): ((مِنْ بَرَكَةِ الحديثِ إفادَةُ بَعضِهِمْ بَعْضاً))(23). ورُوِّيْنا عَنْ إسْحاقَ بنِ إبراهِيمَ بنِ راهَوَيْهِ أنَّهُ قالَ لبعضِ مَنْ سَمِعَ منهُ في جماعَةٍ:((انْسَخْ مِنْ كِتابِهِم ما قدْ قَرَأْتُ، فقالَ: إنَّهُمْ لا يُمَكِّنُونَني، قالَ إذَنْ واللهِ لاَ يُفْلِحُونَ(24)، قدْ رأيْنا أقْواماً مَنَعُوا هذا السَّماعَ فواللهِ ما أفْلَحُوا ولا أنْجَحُوا)).

قُلْتُ: وقَدْ رأيْنا نحنُ أقواماً مَنَعُوا السَّماعَ فما أفْلَحُوا ولا أنْجَحُوا، ونَسْأَلُ اللهَ العافيةَ، واللهُ أعلمُ.

ولاَ يَكُنْ مِمَّنْ يَمْنَعُهُ الحياءُ أو الكِبَرُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الطَلَبِ. وقدْ رُوِّيْنا (25) عَنْ مُجَاهِدٍ أنَّهُ قالَ: ((لا يَتَعَلَّمْ مُسْتَحِيٍ (26) ولا مُسْتَكْبِرٌ)).

ورُوِّيْنا عَنْ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ وابنِهِ أنَّهُما قالا: ((مَنْ رَقَّ وَجْهُهُ رَقَّ عِلْمُهُ)) (27). ولا يأْنَفُ مِنْ أنْ يَكْتُبَ عَمَّنْ (28) دُونَهُ (29) ما يَسْتَفِيدُهُ منهُ. رُوِّيْنا عَنْ وكيعِ بنِ الجرَّاحِ أنَّهُ قالَ: ((لا يَنْبُلُ الرجُلُ مِنْ أصحابِ الحديثِ حَتَّى يَكْتُبَ عَمَّنْ هوَ فَوْقَهُ وعَمَّنْ هوَ مِثْلُهُ، وعَمَّنْ هوَ دُونَهُ)) (30)، وليسَ بِمُوَفَّقٍ مِنْ ضَيَّعَ شيئاً مِنْ وَقْتِهِ في الاسْتِكْثارِ مِنَ الشُّيُوخِ لِمُجَرَّدِ اسمِ الكَثْرَةِ وصِيْتِها. وليسَ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ أبي حاتِمٍ الرَّازِيِّ: ((إذا كَتَبْتَ فَقَمِّشْ (31)، وإذا حَدَّثْتَ فَفَتِّشْ))(32).

وَلْيَكْتُبْ وَلْيَسْمَعْ ما يَقَعُ إليهِ مِنْ كِتابٍ أوْ جُزْءٍ عَلَى التمامِ، ولاَ يَنْتَخِبْ، فقدْ قالَ ابنُ المبارَكِ: ((ما انْتَخَبْتُ عَلَى عالِمٍ قَطُّ إلاَّ نَدِمْتُ)) (33).

ورُوِّيْنا عنهُ أنَّهُ قالَ: ((لا يُنْتَخَبُ عَلَى عالِمٍ إلاَّ بِذَنْبٍ)). ورُوِّيْنا أو بَلَغَنا عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِينٍ أنَّهُ قالَ: ((سَيَنْدَمُ المنْتَخِبُ في الحديثِ حينَ لا تَنْفَعُهُ النَّدامةُ)) (34).

فإنْ ضاقَتْ بهِ الحالُ عَنِ الاستِيعابِ، وأُحْوِجَ إلى الانتِقَاءِ والانْتِخابِ تَوَلَّى ذَلِكَ بنفسِهِ إنْ كانَ أهْلاً مُمَيِّزاً عارِفاً بما يَصْلُحُ للانْتِقاءِ والاخْتِيارِ. وإنْ كانَ قاصِراً عَنْ ذَلِكَ اسْتَعانَ ببعْضِ الْحُفَّاظِ لِيَنْتَخِبَ لهُ. وقدْ كانَ جماعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ مُتَصَدِّيْنَ للانْتِقاءِ عَلَى الشُّيُوخِ والطَّلَبَةِ تَسْمَعُ وتَكْتُبُ بانْتِخابِهِمْ، مِنْهُم: إبراهيمُ بنُ أرُومَةَ (35) الأصْبَهانِيُّ، وأبو عبدِ اللهِ الْحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدٍ المعروفُ بِعُبَيْدٍ العِجْلِ (36)، وأبو الحسَنِ الدَّارقطْنيُّ، وأبو بكرٍ الجِعَابِيُّ (37) في آخَرِينَ. وكانتْ العَادَةُ جارِيَةً برَسْمِ الحَافِظِ علامةً في أصْلِ الشَّيْخِ عَلَى ما يَنْتَخِبُهُ، فكانَ النُّعَيْمِيُّ (38) أبو الحسَنِ يُعَلَّمُ بِصَادٍ مَمْدُودَةٍ، وأبو مُحَمَّدٍ الخلاَّلُ (39) بِطاءٍ ممدودةٍ، وأبو الفَضْل الفَلَكيُّ (40) بصورةِ همزتينِ، وكُلُّهُم يُعلِّمُ بِحِبْرٍ في الحاشيةِ اليُمنى من الورقةِ، وَعَلَّمَ الدارقطنيُّ في الحاشيةِ اليُسرى بِخَطٍ عريضٍ بالحمرةِ. وكانَ أبو القاسمِ اللالكائيُّ (41) الحافظُ يُعلِّمُ بخطٍّ صغيرٍ بالحُمرةِ عَلَى أوَّلِ إسنادِ الحديثِ (42) ولا حَجْرَ في ذلكَ ولِكُلٍّ الخيارُ.

ثُمَّ لا ينْبَغِي لطالبِ الحديثِ أن يقتصرَ عَلَى سَماعِ الحديثِ وكَتْبِهِ دونَ مَعْرِفَتِهِ وَفَهْمِهِ، فيكونَ قد أتعبَ نَفْسَهُ مِنْ غيرِ أن يظفرَ بطائلٍ، وبغيرِ أنْ يحصلَ في عدادِ أهلِ الحديثِ، بل لَمْ يَردْ عَلَى أنْ صارَ مِنَ المتشبِّهينَ المنقوصينَ المُتَحَلِّينَ بما هُمْ مِنهُ عاطِلُونَ. قُلْتُ: أنْشَدَنِي أبو المُظَفَّرِ بنُ الحافظِ أبي سعْدٍ السمعانيِّ لَفْظاً بمدينةِ مَرْوَ، قالَ: أنْشَدَنا والدِي لَفْظاً أو قِراءةً عليهِ، قالَ: أنْشَدَنا مُحَمَّدُ بنُ ناصرٍ السَّلاميُّ(43) منْ لفظِهِ، قالَ: أنْشَدَنا الأديبُ الفاضلُ فارسُ بنُ الحُسينِ لِنَفْسِهِ:

يا طَالبَ العِلْمِ الذي ... ذهبَتْ بِمُدَّتِهِ الرِّوايهْ

كُنْ في الرِّوايةِ ذَا العِنا ... يَةِ بالروايةِ والدِّرايهْ

وَاروِ القليلَ وراعِهِ ... فالعِلمُ لَيسَ لَهُ نِهَايهْ

وليُقَدِّمِ (44) العنايَةَ بـ"الصَحِيحَينِ"، ثُمَّ بـ" سُنَنِ أبي داودَ"، و"سُنَنِ النَّسائِيِّ" و" كتابِ التِّرمذِيِّ"، ضَبْطَاً لِمُشْكِلِها وَفَهْماً لِخَفيِّ مَعانيها، ولا يُخْدَعَنَّ عنْ كتابِ " السُنَنِ الكَبيرِ" للبيهقيِّ فإنا لا نعلمُ مِثْلَهُ في بابِه.

ثُمَّ بِسائرِ ما تَمَسُّ حاجةُ صاحِبِ الحديثِ إليهِ منْ كُتُبِ المساندِ (45)، كـ"مُسْنَدِ أحمدَ"، ومنْ كُتبِ الجوامِعِ المُصَنَّفةِ في الأحكامِ المشتمِلةِ عَلَى المسانيدِ وغيرها. و"مُوَطَّأُ مالكٍ" هوَ المُقَدَّمُ (46) منها. ومِنْ كتبِ عِللِ الحديثِ ومنْ أجودِها: كتابُ "العللِ" عَنْ أحمدَ بنِ حَنْبلٍ، وكتابُ "العللِ" عنِ الدارَقُطْنيِّ.

ومنْ كُتُبِ معرفةِ الرجالِ وتواريخِ المُحَدِّثينَ، ومِنْ أفْضَلِها: "تاريخُ البخاريِّ الكبيرِ"، و"كتابِ الجرحِ والتعديلِ" لابن أبي حاتِمٍ.

ومِنْ كُتُبِ الضَبْطِ لِمُشْكِلِ الأسماءِ، ومنْ أكملِها "كتابُ الإكمالِ" لأبي نَصْرِ بنِ مَاكُوْلا.

وليكُنْ كلّما مَرَّ بهِ اسمٌ مُشْكِلٌ، أو كلمةٌ منْ حديثٍ مشْكِلَةٌ بَحَثَ عنها وأودعَها قَلْبَهُ، فإنهُ يجتمِعُ لهُ بذلكَ عِلْمٌ كثيرٌ فيُ يُسْرٍ. وليَكُنْ تحفُّظُهُ (47) للحديثِ عَلَى التدريجِ، قَليلاً قليلاً معَ الأيّامِ والليالي فذلكَ أحرى بأنْ يُمَتَّعَ بِمحفوظهِ.

وممنْ وَرَدَ ذلكَ عنهُ منْ حُفَّاظِ الحديثِ المُتقدِّمينَ: شُعبةُ، وابنُ عُلَيَّةَ، ومَعْمَرٌ. ورُوِّينا عنْ مَعْمَرٍ، قالَ: سَمِعْتُ الزُّهريِّ يقولُ: ((منْ طلَبَ العِلْمَ جُمْلَةً، فاتهُ جُملةً، وإنَّما يُدْرَكُ العِلمُ حديثاً وحديثَينِ)) (48).

وليكنِ الإتقانُ منْ شأنهِ، فقدْ قالَ عبدُ الرحمنِ بنِ مَهْدِيٍّ: ((الحِفْظُ: الإتقانُ)) (49).

ثُمَّ إنَ المُذاكرةَ بما يتحفَّظُهُ منْ أقوى أسبابِ الإمتاعِ بهِ. رُوِّينا عنْ عَلْقمةَ النَّخَعيِّ قالَ: ((تَذَاكَروا الحديثَ، فإنَّ حياتَهُ ذِكرُهُ)) (50)، وعن إبراهيمَ النَّخَعيِّ قالَ: ((مَنْ سَرَّهُ أن يَحْفَظَ الحديثَ فليُحدِّثْ بهِ، وَلَوْ أنْ يُحَدِّثَ بهِ مَنْ لا يَشْتهيهِ)) (51).

وليَشْتَغِلْ بالتخريجِ والتأليفِ والتَّصنيفِ إذا استعدَّ لِذَلِكَ وتأهَّلَ لهُ، فإنَّهُ كما قالَ الخطيبُ الحافظُ: يُثَبِّتُ الحِفْظَ، ويُذَكِّي القلبَ، ويشْحَذُ الطَّبعَ، ويجيدُ البيانَ، ويكشِفُ المُلْتَبِسَ، ويُكسِبُ (52) جميلَ الذكرِ، ويُخَلِّدُهُ إلى آخرِ الدهرِ (53)، وقَلَّمَا يَمْهَرُ في عِلْمِ الحديثِ وَيَقِفُ عَلَى غوامِضِهِ ويَسْتَبينُ الخَفِيَّ مِنْ فوائِدهِ إلاَّ مَنْ فَعَلَ ذلكَ. وَحَدَّثَ الصُّوريُّ(54) الحافِظُ مُحَمَّدُ بنُ عليٍّ قالَ: رأيتُ أبا مُحَمَّدٍ عبدَ الغنيِّ بنَ سعيدٍ الحافظَ في المنامِ، فقالَ: يا أبا عبدِ اللهِ! خَرِّجْ وصَنِّفْ قَبْلَ أنْ يُحَالَ بَيْنَكَ وبَيْنَهُ. هذا أنا تَرانِي قَدْ حِيْلَ بَيْنِي وبينَ ذَلِكَ (55).

ولِلْعلماءِ بالحديثِ في تَصْنيفِهِ طَرِيقتانِ:

إحْداهُما: التَّصْنيفُ عَلَى الأبوابِ، وهو تَخريجُهُ عَلَى أحكامِ الفقهِ وغيرِها، وتَنْوِيْعُهُ أنواعاً، وجمعُ ما وَرَدَ في كُلِّ حُكْمٍ وكُلِّ نوعٍ في بابٍ فبابٍ.

والثَّانِيَةُ: تَصنيفُهُ عَلَى المسانِيدِ، وجمعُ حديثِ كُلِّ صَحابيٍّ وَحْدَهُ وإنِ اخْتَلَفتْ أنواعُهُ، ولِمَنِ اخْتارَ ذَلِكَ أنْ يُرَتِّبَهُمْ (56) عَلَى حروفِ المعجمِ في أسْمائِهِمْ، ولهُ أنْ يُرَتِّبَهُم عَلَى القبائِلِ، فَيَبْدأَ ببني هاشِمٍ ثُمَّ بالأقْرَبِ نَسَباً مِنْ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه [وآله] وسلم -، ولهُ أنْ يُرَتِّبَ عَلَى سَوَابِقِ الصَّحابَةِ، فَيَبْدأَ بالعَشَرَةِ، ثُمَّ بأهْلِ بَدْرٍ، ثُمَّ بأهلِ الْحُديْبِيَةِ، ثُمَّ بِمَنْ أسْلَمَ وهَاجَرَ بينَ الْحُديْبِيَةِ وفَتْحِ مَكَّةَ، ويَخْتِمُ بأصَاغِرِ الصَّحَابَةِ كأبي الطُّفَيْلِ ونِظرائِهِ، ثُمَّ بالنِّسَاءِ، وهذا أحْسَنُ، والأوَّلُ أسْهلُ. وفي ذَلِكَ مِنْ وُجوهِ التَّرْتيبِ غيرُ ذَلِكَ.

ثُمَّ إنَّ مِنْ أعلى المراتِبِ في تَصنيفِهِ تَصنيفَهُ مُعَلَّلاً (57)، بأنْ يَجْمَعَ في كُلِّ حديثٍ طُرُقَهُ واخْتِلافَ الرواةِ فيهِ، كما فَعَلَ يَعْقُوبُ بنُ شَيْبَةَ في "مُسندِهِ". ومِمَّا يَعْتَنُونَ بهِ في التَّأليفِ جَمْعُ الشُّيُوخِ، أي: جَمْعُ حديثِ شُيوخٍ مَخْصُوصِينَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُم عَلَى انفرَادِهِ. قالَ عُثمانُ بنُ سَعِيدٍ الدارميُّ: ((يُقَالُ مَنْ لَمْ يَجْمَعْ حديثَ هَؤُلاءِ الخمسَةِ فهوَ مُفْلِسٌ في الحديثِ: سُفْيَانُ، وشُعْبَةُ، ومالِكٌ، وحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وابنُ عُيينةَ، وهمْ أصُولُ الدينِ)) (58).

وأصْحابُ الحديثِ يَجْمَعُونَ حديثَ خَلقٍ كثيرٍ غيرَ الذينَ ذَكَرَهُمُ الدارميُّ، مِنْهُم: أيُّوبُ السّختيانيُّ، والزُّهْرِيُّ، والأوْزاعِيُّ، ويَجْمَعُونَ أيضاً التَّراجِمَ، وهيَ أسانِيدُ يَخصُّونَ(59) ما جاءَ بها بالجمْعِ والتأليفِ، مثلُ: تَرْجَمةِ مالِكٍ عَنْ نافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، وتَرْجَمةِ سُهَيْلِ بنِ أبي صَالِحٍ، عَنْ أبيهِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، وتَرجَمةِ هِشَامِ بنِ عُرْوةَ، عَنْ أبيهِ، عَنْ عائشَةَ، في أشباهٍ لِذَلِكَ كثيرةٍ، ويَجْمَعُونَ أيْضاً أبواباً مِنْ أبوابِ الكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ الجامِعَةِ للأحْكامِ فَيُفْرِدونَها بالتَّأْلِيفِ، فَتَصِيْرُ كُتُباً مُفْرَدَةً، نحوُ: بابِ رُؤْيةِ اللهِ – عَزَّ وَجَلَّ -، وبابِ رَفْعِ اليدينِ، وبابِ القراءةِ خَلْفَ الإمامِ، وغيرِ ذَلِكَ. ويُفْرِدونَ أحاديثَ فَيَجْمَعُونَ طُرُقَها في كُتُبٍ مُفْرَدةٍ، نحوُ: طُرُقِ حديثِ قَبْضِ العِلْمِ، وحديثِ الغُسْلِ(60) يَومَ الْجُمُعَةِ، وغيرِ ذَلِكَ. وكثيرٌ مِنْ أنواعِ كِتابنا هذا قَدْ أفرَدُوا أحاديْثَهُ بالْجَمْعِ والتَّصْنِيفِ.

وعليهِ في كُلِّ ذَلِكَ، تَصْحِيحُ القَصْدِ والْحَذَرُ مِنْ قَصْدِ المكاثَرَةِ ونَحْوِهِ. بَلَغَنا عَنْ حَمْزَةَ بنِ مُحَمَّدٍ الكِنانِيِّ (61) أنَّهُ خَرَّجَ حديثاً واحِداً مِنْ نَحوِ مِئتَي طريقٍ، فأعْجبَهُ ذَلِكَ، فرأى يَحْيى بنَ مَعينٍ في مَنامِهِ، فَذَكَرَ لهُ ذَلِكَ، فقالَ لهُ: ((أخْشَى أنْ يَدْخُلَ هذا تَحْتَ: {ألْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ})) (62).

ثُمَّ لِيحذَرْ أنْ يُخرِجَ إلى الناسِ ما يُصَنِّفُهُ إلاَّ بَعْدَ تَهْذِيْبِهِ وتَحْريرِهِ وإعادةِ النَّظَرِ فيهِ وتَكْرِيْرِهِ (63). وليتَّقِ أنْ يَجْمَعَ ما لَمْ يَتَأَهَّلْ بَعْدُ لاجْتِناءِ ثَمَرَتِهِ واقْتِنَاصِ فائِدةِ جَمْعِهِ؛ كَيْلا يَكونَ حُكْمُهُ مَا رُوِّيْناهُ (64) عَنْ عليِّ بنِ المدينِيِّ، قالَ: إذا رأيْتَ الْحَدَثَ أوَّلَ مَا يَكْتُبُ الحدِيثُ يجمعُ حديثَ ((الغُسْلِ)) وحديثَ: ((مَنْ كَذَبَ))؛ فاكْتُبْ عَلَى قَفَاهُ لا يُفْلِحُ)) (65).

ثُمَّ إنَّ هذا الكتابَ مَدْخَلٌ إلى هذا الشَّأنِ، مُفْصِحٌ عَنْ أُصُولِهِ وفُروعِهِ، شارِحٌ (66) لمصطلحاتِ أهلهِ ومقاصِدِهم ومُهمَّاتهِم التي ينْقُصُ المُحَدِّثُ بالجهلِ بها نقْصاً فاحِشَاً، فهو إن شاءَ اللهُ جديرٌ بأنْ تُقَدَّمَ العنايةُ بهِ، ونسألُ اللهَ سبحانَهُ فَضْلَهُ العظيمَ، واللهُ أعلمُ.

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر في ذلك:

الإلماع: 45 وما بعدها، والإرشاد 1/ 521 528، والتقريب: 146 - 149، والاقتراح: 280 - 284، والمنهل الروي: 108، واختصار علوم الحديث: 157 - 158، والشذا الفياح: 1/ 400 - 418، والمقنع 1/ 407 - 418، وشرح التبصرة 2/ 332، ونزهة النظر: 204، وفتح المغيث 2/ 311 - 346، والتدريب 2/ 140 - 158، وفتح الباقي 2/ 223، وقواعد التحديث: 233 - 236.

(2) أخرجه أبو نعيم في الحلية 6/ 251، وابن عبد البر في الجامع 1/ 191، والخطيب في الجامع (19).

(3) أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله 1/ 59، والخطيب في الجامع (14)، وفي شرف أصحاب الحديث: 81 بمعناه.

(4) انظر: نكت الزركشي 3/ 661 - 663.

(5) في الشذا والتقييد: ((ترون أنَّ عِنْدَ)).

(6) في (ع) والتقييد: ((المرضية)).

(7) أخرجه الخطيب في الجامع (6)

(8) في (جـ) و (م) والشذا: ((بكتبه)).

(9) انظر: نكت الزركشي 3/ 663 - 664.

(10) أخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث: 9، والخطيب في الجامع (1685)، وفي الرحلة، له: 47.

(11) هكذا في جميع النسخ.

(12) أسنده الخطيب في الرحلة: 47، وفيه: ((يرفع)) مكان: ((يدفع)).

(13) انظر: الجامع 2/ 245 (740).

(14) في (ع): ((روينا))، وما أثبتناه من النسخ و (م).

(15) هو الإمام العالم، والعبد الصالح، أبو نصر بشر بن الحارث بن عبد الرحمن المروزي المشهور بـ ((بشر الحافي))، كَانَ من كبار الصالحين والأتقياء والورعين، ولد سنة (150 هـ‍)، وقيل: (152 هـ‍)، وتوفي سنة (227 هـ‍). تاريخ بغداد 7/ 69، وسير أعلام النبلاء 10/ 471، وتهذيب التهذيب 1/ 444.

(16) الجامع لأخلاق الراوي 1/ 144 رقم (181)، وأدب الإملاء: 110.

(17) بضم الميم وتخفيف اللام والمد. التقريب (5100)، وانظر: الأنساب 5/ 318.

(18) أخرجه أبو نعيم في الحلية 5/ 102، والخطيب في الجامع (182).

(19) أخرجه الخطيب في الجامع (1788) و (1789).

(20) في (جـ): ((سَمِعَ)).

(21) أسنده الخطيب في الجامع (1385)، وانظر: أدب الإملاء: 68.

(22) انظر: نكت الزركشي 3/ 664.

(23) انظر: الجامع للخطيب 2/ 150.

(24) في (أ): ((لا يفلحون أبداً)).

(25) صحيح البخاري 1/ 44 عقيب (129) مجزوماً بهِ. قال الحافظ: ((وصله أبو نعيم في الحلية من طريق علي بن المديني، عن ابن عيينة، عن منصور، عنه، وهو إسناد صحيح على شرط البخاري)) (الفتح عقيب 130).

قلنا: وهو في سنن الدرامي (557)، وحلية الأولياء 3/ 287، والفقيه والمتفقه 2/ 144. والمدخل للبيهقي (410).

(26) في (م): ((لا يَتَعَلَّمْ العِلْمَ مُسْتَحِيٍ ولا مُسْتَكْبِرٌ)).

(27) أسنده إليه الدارمي 1/ 137 رقم (556)، والبيهقي في المدخل (408). وتفسير قول بعضهم: ((من رقّ وجهه عِنْدَ السؤال رقّ علمه عِنْدَ الرجال))، ومنه قول علي [عليه السلام]: ((قرنت الهيبة بالخيبة والحياء بالحرمان)). نكت الزركشي 3/ 666.

(28) في (أ): ((عمّن هو)).

(29) انظر: نكت الزركشي 3/ 666 - 667.

(30) أخرجه الخطيب في الجامع (1655).

(31) القَمْش: جمع الشيء من هاهنا وهاهنا، وكذلك التقميش. انظر: الصحاح 3/ 1016، وتاج العروس 17/ 340.

(32) أخرجه الخطيب في الجامع (1670).

(33) أسنده الخطيب في الجامع (1471).

(34) انظر: الجامع 2/ 187.

(35) في (أ) و(ب) و(م) و(ع) والتقييد والشذا الفياح ومطبوع الجامع 2/ 157: ((أرمة)). وكذا في (جـ) وكتب فوقها: ((أورمة))، ولكن في مصادر ترجمته: ((أورمة)). انظر: الجرح والتعديل 2/ 88، وتاريخ بغداد 6/ 42، وتذكرة الحفاظ 2/ 628، والسير 13/ 145، وذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي: 180، وطبقات الحفاظ: 281، وشذرات الذهب 2/ 151، وانظر: تعليقنا عَلَى شرح التبصرة 2/ 346.

(36) كلمة ((العجل)) نعت لعبيد، وليس مضافاً إليه، فهو لقب له عَلَى النعت لا الإضافة كما ضبطه ابن الصلاح في إملائه عَلَى مقدمته. انظر: النوع الثاني والخمسين: 529 هامش (1) طبعة بنت الشاطئ، وذكر من يعتمد قوله: 187 مع تعليق محققه.

(37) في (م) و (ع) والتقييد: ((الجعاني)) بالنون، وهو خلاف لما جاء في النسخ الخطية والشذا، وما في النسخ الخطية موافق لما جاء في مصادر ترجمته. انظر: تاريخ بغداد 3/ 26، وتذكرة الحفاظ 3/ 925، والسير 16/ 88، وميزان الاعتدال 3/ 670، وشذرات الذهب 3/ 17، وتاج العروس 2/ 164. قال في الأنساب 2/ 91: ((بكسر الجيم وفتح العين المهملة، وفي آخرها الباء الموحدة))، فقطعت جهيزة قول كل خطيب.

(38) بضم النون وفتح العين المهملة وسكون الياء المنقوطة باثنتين من تحتها، هذه النسبة إلى نعيم، وهو اسم لبعض أجداده. الأنساب 5/ 408، وترجمته في تاريخ بغداد 11/ 331، والسير 17/ 445.

(39) بفتح الخاء المعجمة، وتشديد اللام ألف، هذه النسبة إلى عمل الخل أو بيعه. الأنساب 2/ 482، وترجمته في تاريخ بغداد 7/ 425، والسير 17/ 593.

(40) بفتح الفاء واللام، وفي آخرها الكاف، هذه النسبة إلى الفلك ومعرفته وحسابه، وترجمته في تذكرة الحفاظ 3/ 1125، والسير 17/ 502.

(41) بفتح اللام ألف واللام والكاف بعدها الألف، وفي آخرها الياء آخر الحروف، هذه النسبة إلى بيع اللوالك، وهي التي تلبس في الأرجل. الأنساب 5/ 584، وترجمته في تاريخ بغداد 14/ 70، والسير 17/ 419.

(42) انظر هذه العلامات في الجامع 2/ 158 - 159.

(43) بفتح السين المهملة واللام ألف المخففة وبعدها ميم، هذه النسبة إلى مدينة السلام بغداد. انظر: الأنساب 3/ 374، ووفيات الأعيان 4/ 294، والسير20/ 265.

(44) في (ع) والتقييد: ((ولتقدم)).

(45) في (ب) و (جـ): ((المسانيد)).

(46) في (جـ): ((المتقدّم)).

(47) في (ب): ((حفظه))، والمثبت من باقي النسخ، جاء في أساس البلاغة: 133: ((احتفظ بالشيء، وتحفّظَ به: عُني بحفظه)).

(48) أخرجه الخطيب في الجامع (450).

(49) أخرجه الخطيب في الجامع (1037).

(50) أخرجه الرامهرمزي في الْمُحَدِّث الفاصل: 546، وابن عبد البر في بيان جامع العلم 1/ 101، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1821).

(51) أخرجه الخطيب في الجامع (1822)، وابن عبد البر 1/ 101 من جامع بيان العلم.

(52) في (أ): ((يكتب)).

(53) الجامع لأخلاق الراوي 2/ 280.

(54) توفي سنة (441 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 3/ 103، والأنساب 3/ 570، والسير 17/ 127.

(55) أخرجه الخطيب في الجامع (1861).

(56) في الشذا: ((يرتبه))، وكذا ما بعدها.

(57) في (أ) و (ع): ((في تصنيفه معللاً)).

(58) أخرجه الخطيب في الجامع (1907).

(59) في (ب): ((يحصون)).

(60) في (جـ): ((غسل)).

(61) في (ب) و (جـ): ((الكتاني)) بالتاء، وهو خلاف ما جاء في (أ) و(ع) و(م) والتقييد والشذا الفياح، ومصادر ترجمته. انظر: تاريخ دمشق 15/ 239، وتذكرة الحفاظ 3/ 932، والسير 16/ 179، وشذرات الذهب 3/ 23.

(62) أخرجه ابن عبد البر في بيان جامع العلم 2/ 132، وهو في تذكرة الحفّاظ 3/ 933، والسير 16/ 180.

(63) انظر: الجامع لأخلاق الراوي 2/ 283.

(64) في (ب): ((روينا)).

(65) أخرجه الخطيب في الجامع 2/ 301 (1912).

(66) في (م): ((شارع)).

 

 

 




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)