المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



القيود الواردة على مبدأ الاقتناع الذاتي للقاضي الإداري  
  
53   01:04 صباحاً   التاريخ: 2025-04-27
المؤلف : زينب سعيد جاسم
الكتاب أو المصدر : مبدأ الاقتناع الذاتي للقاضي الإداري
الجزء والصفحة : ص57-66
القسم : القانون / القانون العام / القانون الاداري و القضاء الاداري / القضاء الاداري /

هناك عدة ضوابط وقيود تحد من قناعة القاضي الإداري وهي تتمثل في الآتي:
1- الابتعاد عن الوقوع في الخطأ عند تقدير الادلة
إن ما يعطي للقاضي الإداري من الحرية لا ينبغي أن تفسر على أنها حرية مطلقة يكون للقاضي في نطاقها أن يصدر أي قرار ولو كان خاطئاً، إذ إن لجوء القاضي إلى التقدير بمساعدة قناعته الذاتية واحكام ضميره وفكرة والخبرة لديه كان من اجل أن يقلل من الوقوع في الخطأ الظاهر أو الضمني عند بحث أدلة الدعوى، اما الإخطاء التي من الممكن ان يقترفها القاضي في التقدير عائدة لعدة اسباب منها ما هو متعلق بسرعة حسم ملف القضية، وعدم الإحاطة بكل عناصر الملف، أو عدم كفاية التحقيق بشأنها، كذلك القناعة المسبقة والمتسرعة من غير أن يعطى للعقل الوقت الكافي في التمحيص والتحليل للأمور بكافة جوانبها، أيضاً قد تكون الأخطاء التي يقع فيها القاضي الإداري راجعة إلى بعض المؤثرات الخارجية التي من الممكن أن تؤثر على نفسيته، أو إن هنالك من الظروف المرتبطة بفترة الخدمة الطويلة، والكم الهائل من القضايا التي يتوجب عليه ان يبت فيها، إذ يوجد من الأخطاء ما يقع فيها القضاة البسيط منها والجسيم، إذ أن الخطأ البسيط غير المقصود قد يعرض الحكم القضائي للطعن أما إذا كان الخطأ جسيماً ومقصوداً فهنا يُعرض القاضي الإداري للملاحقة التأديبية (1) .
ويتبين مما سبق ذكرة أن من أهم الضوابط التي يجب على القاضي مراعاتها وتجنب الوقوع فيها الاخطاء اء التي يقع فيها عندما يمارس عملية تمحيص الأدلة الاثباتية والاختيار بينها، إذ قد يهمل أحد الأدلة المهمة لكونه يتمتع بحرية الاختيار بين هذه الأدلة ويكون هذا الدليل مهماً ترتب على إهماله الطعن بالحكم.
2- استلزام مراعاة قواعد المنطق والاستدلال :
تعتبر قواعد المنطق من القواعد المهمة والمفيدة في تكوين قناعة القاضي، ويعرف المنطق بأنه العاصم للذهن من الخطأ أو إنه اتفاق الأفكار (2) ، وللمنطق صلة وثيقة بالقانون، إذ تستخدم أدوات المنطق في صنع القرار القضائي الصادر من القاضي، حيث يوفر أدوات تحليلية عند صياغة الأحكام القضائية، ويمكن أن يستخدم في مجال القانون وبالأخص عند الاستدلال (3) القانوني، إذ يقدم وسيلة دقيقة للاستدلال، فالحكم القضائي محدود بحدود زمانية ومكانية باعتباره فعل صادر من خلال قاضي معين أو مجموعة من القضاة وفقاً لإجراءات معينة، ولا ريب أن المنطق يعطي من الاختيارات لتصبح الحجج التي يصدر من خلالها الحكم القضائي تتميز بجملة من الصفات والتي تعد الأساس لتقييم هذه الحجج باعتبارها صحيحة أو غير صحيحة (4).
ومما لا شك فيه أن المنطق الاستدلالي له دور مهم في التقييد من حرية القاضي الإداري في تكوين قناعته، اوجبت عليه أن يبني حكمة القضائي وفق قواعد منطقية معينة لا يحيد عنها.
3- تسبيب الاحكام القضائية
إن تسبيب الأحكام القضائية يعد من أهم ما يجب أن يشتمل عليه الحكم القضائي، ويقصد بالتسبيب هو تضمين الحكم القضائي الحجج الواقعية والقانونية المبني عليها القرار والمنتجة فيه مثل بيان ظروف الدعوى وملابساتها، ودحض الدفوع الواردة من الخصوم والتي يكون لها النقل الأكبر في الدعوى، وبيان الأسباب التي دفعت الجهة القضائية إلى الأخذ بها دون غيرها، وقبول البينة أو رفضها، وأسباب القبول والرفض، إضافة الى ذكر المادة القانونية التي استند إليها القاضي في حكم الواقعة (5)، ومما تجدر الإشارة إليه أن هنالك اختلافاً بين تسبيب الأحكام القضائية وتسبيب القرار الإداري، إذ إن القانون قد يشترط أن يشتمل القرار الإداري على السبب الذي دفع الإدارة لاتخاذه وهنا يكون هذا الاجراء اجراء شكلياً أساسياً في القرارات الإدارية يترتب على اهماله بطلان القرار، أما إذا لم يلزم القانون الإدارة بذكر السبب فهنا يكون بإمكان الإدارة عدم ذكر السبب في صلب قرارها، ويعتبر تسبيب القرارات الإدارية أمراً بالغ الأهمية لأنه يعطي الضمانة الكافية للأفراد، إذ يسمح لهم وللقضاء على حدٍ سواء بمراقبة مدى توفر المشروعية في تصرفات الادارة (6).
وفي كثير من الأحيان يلجأ القاضي إلى استخدام بعض التعابير التي تتصف بالعمومية وهذه التعابير غالباً ما تنطبق على أكثر قراراته، وهذا الأمر متأتي من واجب التحفظ المفروض عليه، وحرصاً من القاضي على عدم الوقوع في الخطأ تراه يستخدم في أغلب الأحيان العبارة الآتية ( حيث إنه يتبين من التحقيق .....) فهذه الصيغة المبهمة والعامة من الممكن أن تعطي صورة لما جرى العمل به من التحقيق بصورة وجاهية أو ما توصل إليه من معلومات إن استعمال تلك الصيغة تعطي للقاضي الإداري أكبر قدر ممكن من الحرية فيما سوف يصدره من قرارات في المستقبل، وفي الوقت نفسه تمكنه أن يقدر الحالات المتشابهة بشكل مستقل كل حالة عن الأخرى دون أن يتقيد بما طرحه من الحلول السابقة، أيضاً لا يمكن للقاضي أن يستند في تسبيبه للإحكام القضائية إلى معلوماته الشخصية ويبني حكمة على أساسها وإلا كان حكمه باطلا (7).
ومن كل ما سبق يتضح أن تسبيب الأحكام القضائية والزام القاضي الإداري بإيراد ما استند إليه الحكم القضائي من اسباب جعل منه قيداً على حرية القاضي في تكوين قناعته الذاتية.
4- واجب الالتزام بما تفرضه الوظيفة القضائية:
أوجبت الوظيفة القضائية على من يتقلدها جملة من الواجبات الجسيمة في مقابل ما يمنح من سلطات ذات أهمية كبيرة، إذ يتوجب على القاضي أن يكون على مستوى المهمة الملقاة على عاتقة وهي توزيع العدل بين أفراد المجتمع وجعل الجميع سواسية أمام القانون من أجل اعطاء كل ذي حق حقة، إذ يكون الأمر أكثر دقة بالنسبة للقاضي الإداري الذي يقع عليه أن يحكم بين الإدارة من جهة وبين الفرد العادي من جهة أخرى، إضافة إلى ذلك عليه أن يراعي خصوصية ودقة المرافعات الإدارية (8)، وعلية هنالك واجبات عدة املتها الوظيفة القضائية على القاضي الإداري وهي واجب التجرد واجب الحياد واجب التواضع، وسوف نبحث هذه الواجبات وفق الآتي :-
أ- واجب التجرد
من المتعارف عليه أن القضاء الإداري بحسب ما يسند إليه من اختصاصات قضاء متطوراً بصورة واضحة، وهذا أمر يتميز به هذا القضاء عن غيره من أنواع القضاء الأخرى؛ ولذا يعتبر مبدأ تجرد القاضي الإداري شرطاً أولياً مفروضاً فيه؛ لأن العدالة من غيره لا تكون إلا تنظيماً شكلياً للمرفق لا يتجاوب . مع الهدف الرئيسي لتنظيم القضاء ومنحه الولاية للفصل في المنازعات بين أفراد المجتمع أو بين هؤلاء والسلطة(9).
وهذا المبدأ قد يعرف من جانب اجرائي بأنه عدم إقرار القاضي لحكم وقتي أو نهائي إلا بعد أن تبدأ اجراءات الدعوى واحاطته بشكل كامل لجميع عناصر القضية وبما يضمن إبعاد الاجراءات عن ما يعتقد من تصور مسبق للقضية وبما لا يخل بالمساواة بين أطرافها، أما تعريفه من جانب وظيفي فيقصد به صلاحية القاضي الوظيفية الممنوحة له طبقاً للأسس العامة المباشرة والتي توفر الضمانات الكافية من أجل ابعاد كل صور الشك في نزاهة القضاء (10).
هذا وقد خلت دساتير كل من فرنسا ومصر والعراق من النص الصريح على مبدأ التجرد كواجب من الواجبات المفروضة على القضاة، إلا أن ذلك لا يمنع من إقامة الحماية الدستورية التي تندرج تحت ما يوفره الدستور من الحماية لاستقلال القضاء، أما إشارة القانون الفرنسي لهذا الواجب فقد بينته المادة (1-721L) من القسم التشريعي لمدونة القضاء الإداري، إذ فرض المشرع على القاضي الإداري لأجل ضمان سلامة الاجراءات القضائية من شائبة التحيز لأي المتقاضين، أن يعطي صلاحية الأطراف الدعوى في تقديم طلب تنحية القاضي عن النظر في الدعوى.
في حين أن المشرع المصري ولعدم ايراد قانون مجلس الدولة نصاً يبين واجب التجرد، وعند النظر لقانون المرافعات المدنية والتجارية رقم (13) لسنة 1986 المعدل نجد أن هذا القانون قد أشار في المادة (148) إلى الحالات التي تدعو القاضي إلى عدم الخوض في غمار القضية المعروضة عليه عندما تكون هنالك مصلحة له أو عداوة مع أحد أطراف الدعوى، وذلك حفاظاً على هيبة الوظيفة وضماناً لمبدأ التجرد وتحقيق الغرض منه.
ولأجل أن لا يكون للقاضي مصلحة شخصية عند نظر الدعوى أوجب عليه المشرع العراقي في قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل الإعراض عن نظر الدعوى وذلك في المادة (91) والتي بينت ( لا يجوز للقاضي نظر الدعوى في الاحوال الاتية - إذا كان زوجاً أو صهراً أو قريباً لأحد الخصوم الى الدرجة الرابعة - إذا كان له أو لزوجة أو لأحد أولاده أو احد أبوية خصومة قائمة مع أحد الطرفين أو مع زوجه أو أحد أولاده أو أحد أبوية... ).
ويوجد هنالك من المبررات لهذا الواجب بالنسبة للقاضي الإداري، منها أن القضاء الإداري خاضع من حيث المبدأ للقواعد الموضوعية والاجرائية المطبقة على النزاعات المدنية.
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن مبدأ التجرد لا يفترض انطباقه على السلطة القضائية دون غيرها، بل يفترض الالتزام به لكل من اسند إليه ولاية عامة بمقتضى القانون والدستور، والتجرد الذي يفترض بالقاضي الإداري الالتزام به هو الذي يرتبط بضمير القاضي حيال القضية التي ينظرها، وهو هنا التجرد الشخصي ومدى تعلقه بما يدور بمكنونات القاضي الداخلية، إذ يمكن الوصول إلى عقيدة القاضي واقتناعه من خلال سلوكه تجاه الاجراءات والخصوم والمنازعة، وأيضاً يعتبر عدم انشغال القاضي الإداري بالسياسة من الأمور المهمة التي تجسد واجب التجرد الوظيفي (11).
ب- واجب الحياد
يشكل الحياد جانباً مهماً بالنسبة للقرارات التي يصدرها القاضي سواء أكان قاضياً عادياً أم قاضياً ادارياً، والحياد قد يتمثل في عدم التحيز وعدم التأثير على القرار الصادر من القاضي في الدعوى، ويقصد به هو استطاعة القاضي الإداري أن يحكم في الدعوى دون التحيز المسبق لأي طرف، أو هو التحرر من جميع المؤثرات والضغوط عدا حكم القانون (12).
إذ يجب على القاضي أن يتحلى بصفة الحيدة والتجرد عندما ينظر في الدعوى وعدم التفريق بين الخصوم المتقاضين ،أمامه، وان لا يفضل خصم على آخر، أو يقرب أحد الخصوم إليه، ولا يخضع للمؤثرات أو الضغوط أو التهديدات، أو التدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأي جهة أخرى في عمل القاضي، وأيضاً على القاضي أن ينأى بنفسه عن المشاركة في أي دعوى قضائية لا يستطيع أن يتخذ القرار فيها دون تحيز، أو له مصلحة شخصية فيها أو منفعة مادية أو معنوية، وفي مقابل ذلك فان القانون يكفل الحياد للقاضي من خلال تحديد الحصانة المدنية وأيضاً الحصانة الجنائية، إلا أن القاضي يبقى مسؤولاً أمام القانون عما يصدر منه فحصانة القاضي تكون في أثناء نظر الدعوى المعروضة عليه وليس خارجها (13) ، والحصانة الممنوحة للقاضي والمتمثلة بعدم العزل قد تكون غير كافية أمام القضاء الإداري بالمقارنة مع ما هو عليه الحال أمام القضاء العادي، إضافة إلى ذلك فإن طبيعة الأصول الإدارية استقصائية تتطلب تدخل القاضي الإداري في التحقيق وأن يكون له دور ايجابي لا سلبي، اذ يكون هو المحرك الأساسي في إدارة وتوجيه التحقيق وفي تقصي الأدلة وتوزيع عبنها بين الفرقاء (14).
ولأجل أن يضمن المشرع الفرنسي هذا الواجب الملقى على عائق القاضي الإداري فقد أشار إليه في القسم التشريعي من مدونة القضاء الإداري الفرنسي في المادة (1-L721) بقوله (إن رد أحد قضاة المحكمة يتم النطق به بناءً على طلب من أحد الأطراف، إذا كان هناك سبب جدي يدعو للشك في حيادة)(15).
في حين المشرع المصري أشار في قانون مجلس الدولة رقم (47) لسنة 1972 المعدل إلى ما يحظر على القاضي إضافة إلى الضمانة اللازمة لأداء عمله وذلك في المادة (91) التي بينت أن القضاة غير قابلين للعزل وضرورة توفير ما يكفي من الضمانات لأداء عملهم، مقابل ذلك أي قاضي اتضح عدم توفير الأسباب المطلوبة فيه أصبح عليه ترك الوظيفة القضائية بقرار من الجهة المختصة.
أما المشرع العراقي فقد حرص هو الآخر على ضمان حياد القاضي الإداري لأهمية ذلك، فقد أشار قانون مجلس الدولة العراقي في الأسباب الموجبة له ( تنفيذاً لأحكام المادة (101) من الدستور، ولغرض استقلال القضاء الإداري عن السلطة التنفيذية وجعل مجلس الدولة هيأة مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية الذي يضم القضاء الإداري ومحاكم قضاء الموظفين والمحكمة الإدارية العلياء وهو يفصل في القضايا المعروضة علي بصورة حيادية ومستقلة أسوة بمجالس الدول المتمدنة...) (16) أيضاً بين قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل في الباب الثامن منه إلى بعض المواد القانونية التي تضمن حياد القاضي منها المادة (93) التي أشارت إلى الأحوال التي يجوز فيها رد القضاة، كذلك بينت المادة (94) من نفس القانون إلى أنه ( يجوز للقاضي إذا استشعر الحرج من نظر الدعوى لأي سبب أن يعرض أمر تنحية على رئيس المحكمة للنظر في إقراره على التنحي)، هنا بينت هذه المادة أن القاضي مالك أمره عندما يرى أن أمر تنحيه ورفع يده عن الدعوى يصب في مصلحة الجميع، وفي هذا دفع الحرج عن القاضي وما قد يتعرض له من اشكالات قد تصيب النزاهة المفترضة له في الدعوى.
وأخيراً فان حياد القاضي الإداري يجب أن يتوفر في جميع أعماله القضائية ابتداء من ادارته للإجراءات وعدم التلاعب فيها، وصولاً إلى أعمال التحقيق التي يجب أن تجري بتجرد وعدم تقرير أو قبول أو رفض أي طلب بأجراء إلا على أساس مدى أهميته بالنسبة للدعوى، وصولاً إلى مرحلة تكوين الاقتناع الذاتي التي يجب أن تجري بحيادية وتجرد واستقلال تام حتى تأتي النتائج أقرب ما تكون إلى الحقيقة المبتغاة وهي اصدار الحكم القضائي العادل في الدعوى الإدارية (17).
ج- واجب التواضع
أن طبيعة عمل القاضي أوجب عليه أن يتحاشى المبالغة في تقديره لنفسه، إذ يتمثل في شخصه احترام القانون وحماية الشرعية، فالقاضي مهما بلغ ما يحمله من العلم والمعرفة لا يمكن أن يكون على من صحة أحكامه وبالطرق التي يتبناها في إدارة ملفة وما ينتج عنها من قناعة ذاتية التأكد قدر من لدية، وعليه أن يؤدي واجبه بمسؤولية وشجاعة بأن يقر باحتمالية وقوعه في الخطأ عند التقدير، وأن يتعلم من اخطائه واخطاء غيره ليتجنب الوقوع فيها مستقبلاً، وكنتيجة لما يتحمله القاضي الإداري في حماية المصلحة العامة والحفاظ على حقوق الأفراد وحرياتهم، كل ذلك أوجب عليه ان يكون شجاعاً بالتصدي لمنع الافراد من التعرض للتعسف وأن يكون السد المنيع في مقابل الإدارة فيما يصدر عنها من أعمال قد تمس حقوق أو حريات الأفراد (18).
5- وجوب انشاء القناعة الذاتية في حدود ملف الدعوى
جاء هذا القيد كنتيجة منطقية لما تتمتع به اجراءات الدعوى الإدارية من الصفة الكتابية في جميع مراحلها ابتداءً من الايداع لعريضة الدعوى وانتهاء بصدور الحكم، فالنظام القضائي الإداري يقوم على مبدأ المرافعات التحريرية، أما المرافعات الشفوية فهي مقتصرة على الإيضاح لما ورد ذكرة بالمذكرات التحريرية من دون إضافة أي أمر آخر (19).
6- تقيد قناعة القاضي الإداري بالمبادئ القضائية
المبادئ القضائية يقصد بها الحكم الصادر من المحكمة في القضية لأول مرة والذي يؤسس لقاعدة قانونية تأخذ بها المحكمة نفسها والمحاكم الأخرى الأقل منها درجة الواقعة ضمن اختصاصها للحكم في قضايا مشابهة للقضية الأولى (20)، فالمحكمة الإدارية العليا قد تستقر على بعض المبادئ القضائية المهمة لبعض الوقت، إلا أن هذا لا يعني أن تبقى لفترة طويلة على ذلك، إذ قد تعزف عما قررته من قبل من المبادئ القضائية إذا ظهرت ظروف مستجدة تدعو إلى هذا الأمر، وهذا يظهر بصورة جلية بالنسبة للقضاء الإداري الذي يواكب تطور الحياة وظهور مستجدات جديدة يتطلب منه أن يغير ما سبق اقراره من مبادئ (21) ، ومن التطبيقات القضائية للمحكمة الإدارية العليا التي بينت فيها التزامها المبادئ القضائية، فقد قالت .. طالما أن الموظف أقيل من منصبة بقرار أداري، وأعيد الى الوظيفة بحكم قضائي بعد إلغاء قرار الإقالة لثبوت مخالفته للقانون، فإن قرار الإلغاء ينسحب بأثاره إلى تاريخ صدور قرار الإقالة ويعاد الحال إلى ما كان عليه، ويستحق الموظف التعويض عن رواتبه للفترة التي أبعد فيها عن الوظيفة، وهو مبدأ أستقر عليه قضاء هذه المحكمة، لذا على محكمة قضاء الموظفين مراعاة ما تقدم عند إصدار حكمها والالتزام بوحدة المبادئ القضائية التي استقر عليها قضاء المحكمة الإدارية العليا، لاسيما وأن محكمة قضاء الموظفين لا تملك صلاحية الإصرار على حكمها المنقوض استناداً إلى حكم المادة (7/ تاسعاً/د) من قانون مجلس الدولة، لذا يكون الحكم المميز غير صحيح فقرر نقضة، وحيث أن موضوع الدعوى صالح للفصل فيه لذا قررت المحكمة إلغاء الأمر الإداري...)(22)، وفي قرار آخر للمحكمة الإدارية العليا والذي يجب الالتزام به من قبل جميع المحاكم الأقل درجة هي إن الموظف لا يتحمل خطأ الإدارة، إذ جاء في حيثيات إحدى القرارات ( لدى التدقيق والمداولة من المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة... وجدت أن المميز قد امتنع عن ترويج المعاملة التقاعدية بدعوى فقدان الاضبارة الشخصية للمميز عليه، وإن محكمة قضاء الموظفين أصدرت حكمها بالزام المميز بترويج المعاملة التقاعدية بما يتوفر من الأوليات بما فيها سجلات الإدارة والرواتب وإرسال المعاملة التقاعدية إلى هيئة التقاعد الوطنية، فالموظف لا يتحمل خطأ الإدارة في المحافظة على إضبارة الموظف الشخصية وحيث أن محكمة قضاء الموظفين قد التزمت بوجهة النظر هذه فيكون حكمها صحيحاً وموافقاً للقانون...) (23)، ففي هذا القرار أوضحت المحكمة الإدارية العليا إن قناعة القاضي الإداري لا يجب أن تخالف مبدأ استقرت عليه هذه المحكمة في أحكامها، ولذا تعتبر المبادئ القضائية المقرة من قبل المحكمة الإدارية العليا قيداً واضحاً على قناعة القاضي الإداري.
أيضاً أشارت المحكمة الإدارية العليا إلى هذا المبدأ في قرار آخر لها ( لدى التدقيق والمداولة من المحكمة الإدارية العليا وجد إن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية فقرر قبوله شكلاً، ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد أن المدعي يطعن في الأمر الإداري الصادر من دائرته ... المتضمن احالته الى التقاعد ويطلب حذف تسلسل اسمه من هذا الأمر، فحكمت المحكمة بإلغاء الأمر المذكور آنفاً للأسباب التي استندت عليها التي تتلخص بأن القانون اشترط لأحالة الموظف إلى التقاعد اكماله السن القانونية للإحالة إلى التقاعد، ويعني اكمال اتمام اليوم الاخير من سن الستين سنة، ولان المدعي من مواليد 1961/8/9 فلم يكمل سن الستين في 2021/8/9، انما يكمل في 2022/8/9 لاحظت المحكمة الادارية العليا أن محكمة قضاء الموظفين سببت حكمها على نحو يتفق وحكم والقانون، واستر شدت في ذلك بقرار المحكمة الادارية العليا الصادر بتاريخ 2021/7/28 بالدعوى رقم (217 قضاء موظفين تمييز / 2021) الذي اعتمد مبدأ إحالة الموظف إلى التقاعد عند إكماله السن القانونية للإحالة إلى التقاعد، وهي اكمال اليوم الأخير من سن الستين سنة، لكن وقعت المحكمة في خطأ حين احتسبت السن القانونية للمدعي وانسحب ذلك على الحكم ... لذلك يكون الحكم المميز غير صحيح قرر نقضة ...)(24).
يتبين مما سبق بحثه من الضوابط التي ترد على حرية القاضي الإداري في تكوين اقتناعه الذاتي إن هناك اطاراً عاماً يتمثل بجملة من الحريات الممنوحة له في مقابل جملة من القيود تحتم على القاضي مراعاتها حتى يحيد بنفسه والدعوى التي ينظرها من الطعن فيها.
___________
1- د. جوزف رزق الله النظرية العامة للأثبات أمام القضاء الاداري، ط1، مطبعة صادر، لبنان، 2001 ، ص 319 - 320.
2- د. شامل الشاهين مدخل الى علم المنطق، ط1، دار النهضة للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2006، ص 12.
3- يعرف الاستدلال: هو فعل او الية استنتاج منطقي بناءً على فرضية تعتبر صحيحة وتسمى النتيجة، وهنالك عدة انواع للاستدلال منها الاستقرائي والذي ينتقل من الجزئي الى الكلي، والاستنباطي وهو احد انواع الاستنتاج، والانساني وهو دراسة كيفية قيام الشخص بالاستنتاجات والاحصائي وهو اعتماد الارقام في الاستنتاجات، تعريف الاستدلال، بحث منشور على الموقع الالكتروني https://ar.m.wikipedia . تاريخ الزيارة 2021/3/16 ساعة pm12:30
4-Bench Capon, Introduction the Logic and Law Corner, Journal of Logic and Computation,p18,2008.
5- احمد محمود الربيعي تسبيب الاحكام الادارية ص 96 بحث منشور على موقع الالكتروني .https://ar.almerja.com تاريخ الزيارة 2021/3/17 ساعة 3:30 pm
6- د. سعيد حسين علي القضاء الاداري، ط1، المركز القومي للأصدارات القانونية، القاهرة، 2018، ص 228
7- د. جوزف رزق الله النظرية العامة للأثبات أمام القضاء الاداري، ط1، مطبعة صادر، لبنان، 2001 ، 322-323
8- د. جوزف رزق الله النظرية العامة للأثبات أمام القضاء الاداري، ط1، مطبعة صادر، لبنان، 2001 ، ص 323-324.
9- د. رجب محمود طاجن مبدأ تجرد القاضي الاداري ( دراسة مقارنة )، ط ا ، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010، ص 15.
10- د. رجب محمود طاجن مبدأ تجرد القاضي الاداري ( دراسة مقارنة )، ط ا ، دار النهضة العربية، القاهرة، 2010، ، ص 22 24.
11- يعقوب عبدالعزيز الصانع، مبدأ تجرد القاضي الاداري مقال منشور على الموقع الالكتروني www.algabas.com تاريخ الزيارة 2021/3/21 ساعة 3:30 pm
12- حيدر حسن شطاوي حياد القاضي الاداري في الدعوى التي ينظرها، بحث منشور في مجلة القادسية للقانون والعلوم السياسية، جامعة القادسية، العراق، المجلد الرابع، العدد الأول، 2.11، ص32.
13- حيدر حسن شطاوي، المصدر نفسه، ص 304.
14- د. جوزف رزق الله ، مصدر سابق، ص 325.
15- مدونة القضاء الإداري الفرنسي، مصدر سابق، ص 160.
16- ينظر : قانون مجلس الدولة رقم (71) لسنة 2017 ، نشر في الوقائع العراقية بالعدد (4456) في 2017/8/7.
17- د. جوزيف رزق الله ، مصدر سابق، ص 327.
18- د. جوزف رزق الله، مصدر سابق، ص 328.
19- د. محمد احمد ابراهيم المسلماني، الاجراءات الادارية امام مجلس الدولة (دراسة مقارنة)، ط1، دار الفكر الجامعي، الاسكندرية، 2018، ص22.
20- د. عامر زغير محيسن - ورود لفتة مطير ، دور المحكمة الادارية العليا في توحيد المبادئ القانونية (دراسة مقارنة) طاء المركز العربي للنشر والتوزيع، القاهرة، 2021، ص 247
21- مقابلة شخصية اجريت من الباحثة مع المستشار د. جعفر عبد السادة، مجلس الدولة العراقي، 2021/11/10.
22- ينظر: قرار المحكمة الادارية العليا رقم (106 /قضاء موظفين/تمييز /2017) في (15/11/2018 (قرار غير منشور).
23- ينظر : قرار المحكمة الإدارية العليا رقم الطعن (1326 /قضاء موظفين تمييز)، في 2017/9/28 (قرار غير منشور).
24- ينظر : قرار المحكمة الادارية العليا رقم (1402 قضاء الموظفين تمييز / 2021) في 2021/12/8 (قرار غير منشور).




هو قانون متميز يطبق على الاشخاص الخاصة التي ترتبط بينهما علاقات ذات طابع دولي فالقانون الدولي الخاص هو قانون متميز ،وتميزه ينبع من أنه لا يعالج سوى المشاكل المترتبة على الطابع الدولي لتلك العلاقة تاركا تنظيمها الموضوعي لأحد الدول التي ترتبط بها وهو قانون يطبق على الاشخاص الخاصة ،وهذا ما يميزه عن القانون الدولي العام الذي يطبق على الدول والمنظمات الدولية. وهؤلاء الاشخاص يرتبطون فيما بينهم بعلاقة ذات طابع دولي . والعلاقة ذات الطابع الدولي هي العلاقة التي ترتبط من خلال عناصرها بأكثر من دولة ،وبالتالي بأكثر من نظام قانوني .فعلى سبيل المثال عقد الزواج المبرم بين عراقي وفرنسية هو علاقة ذات طابع دولي لأنها ترتبط بالعراق عن طريق جنسية الزوج، وبدولة فرنسا عن طريق جنسية الزوجة.





هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم كيفية مباشرة السلطة التنفيذية في الدولة لوظيفتها الادارية وهو ينظم العديد من المسائل كتشكيل الجهاز الاداري للدولة (الوزارات والمصالح الحكومية) وينظم علاقة الحكومة المركزية بالإدارات والهيآت الاقليمية (كالمحافظات والمجالس البلدية) كما انه يبين كيفية الفصل في المنازعات التي تنشأ بين الدولة وبين الافراد وجهة القضاء التي تختص بها .



وهو مجموعة القواعد القانونية التي تتضمن تعريف الأفعال المجرّمة وتقسيمها لمخالفات وجنح وجرائم ووضع العقوبات المفروضة على الأفراد في حال مخالفتهم للقوانين والأنظمة والأخلاق والآداب العامة. ويتبع هذا القانون قانون الإجراءات الجزائية الذي ينظم كيفية البدء بالدعوى العامة وطرق التحقيق الشُرطي والقضائي لمعرفة الجناة واتهامهم وضمان حقوق الدفاع عن المتهمين بكل مراحل التحقيق والحكم , وينقسم الى قسمين عام وخاص .
القسم العام يتناول تحديد الاركان العامة للجريمة وتقسيماتها الى جنايات وجنح ومخالفات وكما يتناول العقوبة وكيفية توقيعها وحالات تعددها وسقوطها والتخفيف او الاعفاء منها . القسم الخاص يتناول كل جريمة على حدة مبيناً العقاب المقرر لها .