المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16347 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
مقطعات لابن الزقاق
2024-05-01
مقطعات لابن العطار
2024-05-01
خطوات استقبال وحضانة كتاكيت الرومي
2024-05-01
مقطعات لابن زيدون
2024-05-01
مقطعات ليحيى السرقسطي
2024-05-01
مقطوعتان لابن صارة
2024-05-01

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


المَثَل الأعلى في الإسلام  
  
2136   07:28 مساءاً   التاريخ: 5-11-2014
المؤلف : محمّد هادي معرفة
الكتاب أو المصدر : تلخيص التمهيد
الجزء والصفحة : ج2 ، ص558-588.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / مقالات قرآنية /

عنوان عنونَ به سيد مير علي الهندي مقاله بهذا الشأن ، فلنترك القلم بيده (1) :

قال : والمبادئ الأساسية التي أُنشئ النظام الإسلامي على  أساسها هي :

1 ـ الآيات بالوحدانية ، ولا مادّية الخالق وقدرته ورحمته وحبّه الشامل .

2 ـ المحبّة والإخاء بين الجنس البشري .

3 ـ قهر الشهوة وكسر صولتها والضبط من جموحها .

4 ـ تدفّق الشكر المتواصل من القلب ، لواهب النِعم والآلاء .

5 ـ مسؤولية الإنسان ومحاسبته على ما قدّمت يداه في الدنيا والآخرة .

والحقّ أنّ المفاهيم الرفيعة النبيلة ـ التي ورد ذكرها في القرآن الكريم ـ فيما يتعلّق بقدرة الخالق ولطفه وإنعامه لخلقه تفوق أيّة مفاهيم أُخرى من نوعها وردت في أيّة لغة أُخرى .

فوحدانية الله ولا ماديته وجلاله ورحمته تشكّل الموضوع الثابت الذي لا ينتهي لأفصح عبارة في آيات تستثير الروح وتهيّج الوجدان ، ويظلّ فيها تدفّق الحياة والروح زاخراً لا ينقطع جريانه ، وليس في ذلك أيّ أثر للتحكّم أو الجمود ضمن قواعد محدّدة .

فالدعوة موجّهة إلى الضمير الداخلي للإنسان وحده ، وهو الذي تناشده دعوة محمّد ( صلّى الله عليه وآله ) .

ولإدراك واقع الحال علينا أن نقلب بعض صفحات التاريخ . فلنلتفت إلى الماضي التفاتة قصيرة لنرى المبادئ الدينية التي كانت قائمة آنذاك ، أي عندما جاء نبيّ الإسلام مبشّراً برسالته .

ولنبدأ بفكرة الربوبية :

كانت هذه تختلف بين العرب الأقوياء ، وفقاً لثقافة الفرد أو القبيلة ، فهي ترتقي عند بعضهم إلى درجة الإلوهية أو تأليه الطبيعة ، بينما هي عند بعضهم الآخر تنحدر إلى مجرّد عبادة الأوثان وتقديس قطعة من العجين أو عصاً أو حجر .

كان بعضهم يؤمن بالحياة الأُخرى ، أمّا البعض الآخر فليست لديهم أيّة فكرة عنها من أيّ نوع كان .

وكذلك فإنّ العرب قبل الإسلام كانوا يعبدون غاباتهم الصغيرة وأشجار الوحي فيها ـ حسب زعمهم ـ وكان لهم كاهناتهم مثل خنيقي سوريا .

هكذا كان عالم الأعراب سابحاً في دوّامة من المبادئ التي لا يكاد يصدّقها العقل حول مثالية الإله سيّد الجميع .

أمّا اليهود ـ الذين حافظوا بعض الشيء على فكرة التوحيد ـ فإنّهم أنفسهم قد شوّهوا مقداراً من تلك الفكرة ومسخوها مسخاً (2) .

كان اليهود قد وفدوا إلى شبه جزيرة العرب على عدّة فترات ، ولا شكّ أنّ الصفات المميّزة ـ التي قادت الإسرائيليين مراراً إلى الميل ثمّ التردّي في عبادة الأوثان في دمارهم الأصلية ، قد ازدادت عند هجرتهم إلى الجزيرة بتأثّرهم بوثنية إخوانهم العرب ، وكان ذلك طبيعياً ، وقد كان لدى فكرة ربّ إبراهيم أن يضحّوا إليها مفهوماً مادّياً للخالق ، وكانت عبادة الناموس منحرفة إلى درجة الوثنية بين آخر مجموعة يهودية وفدت إلى الجزيرة ، وكانوا يحترمون الكَتَبة والأحبار ويقدّرونهم إلى حدّ تقديسهم (3) . وكان هؤلاء الأحبار ينظرون إلى أنفسهم على اعتبار أنّهم صفوة الشعب وأنّهم صلة الوصل بالله وأكثر الناس قربى من الله . 

وبالإضافة إلى ذلك ، فأنّ الجماهير اليهودية لم تترك عبادة الترافيم ، وهي عبارة عن آلهة كانوا يحتفظون بها في بيوتهم ، قد صنعوها على شكل بني البشر ، وكانوا يستشيرون هذه الآلهة في كلّ المناسبات ، على اعتبار أنّها آلهتهم الخاصّة التي تتلقى الوحي من الله ، ولابدّ أن تكون هذه العبادة قد تعزّزت وارتفع شأنها عن طريق الاتّصال مع الوثنيين العرب .

ونحن نرى أنّ الفلسفة الكلدوزرادشتية قد تركت أثرها الذي لا يُمحى على التقاليد اليهودية من جهة ، ومن جهة أُخرى فقد كان أعظم مفكّريهم ـ حين يحاولون إدخال الاعتقاد بالعلّة الأُولى إلى آراء وتصانيف فلاسفة اليونان والرومان ـ يشرّبون مدراس الفكر الاسكندرانية بمبادئ وأفكار لا يمكن أن تتّفق مع مذهبهم التوحيديّ الأصل .

وبالإضافة إلى هؤلاء كان هنالك الهندوس مع الحشد الضخم من آلهتهم والإهاتهم ، والزرادشتيون مع توأم آلهتهم اللذين يتخاصمان دوماً في سبيل الغلبة والسيادة .

ولن يغيب عن بالنا اليونان والرومان والمصريون ، مع هياكلهم التي تتراكم فيها الآلهة بأخلاقها التي لا ترقى إلى مستوى أخلاق عَبَدتها المنحلّين .
هكذا كان حال العالم المتحضّر في إبّان نشر دعوة المسيح ( عليه السلام ) .
وكان السيّد المسيح بالرغم من كلّ بشاراته وتعاليمه واتّجاهات فكرته فإنّه لم يدّعِ أنّه ( متمّم لله ) أو أنّه ( جوهر الله وذاته ) إطلاقاً ، ومن المؤسف حقّاً أنّه حتى المسيحية الحديثة قد ظلّت عاجزة عن انتزاع نفسها وتحريرها من الأساطير القديمة التي تركتها لها العصور الغابرة ذلك ؛ لأنّ أتباع المسيحية كانوا يتخلّصون جيلاً بعد جيل من كلّ ما هو بشري ، في تاريخ المسيح حتّى ضاعت شخصيّته في خضّم الأساطير .
وها هو ( العهد الجديد ) ذاته ـ بما تفرّع عنه خلال قرن كامل ـ يترك المسيح تلك الشخصية الجليلة غامضة يلفّها ضباب الشكّ والأسطورة أكثر ممّا ينيرها اليقين والتحقيق ، وهكذا مع كلّ يوم يمرّ ، كانت فكرة ( ذاتٍ وُلدت في قلب الأزلية ) تكتسب قوّة تظل تتزايد ، حتّى تحوّلت إلى عقيدة في صلب الدين .

وقد كانت تعاليم المسيح حريَّةً بأن ترقى إلى مفهوم عن الله أشدّ نقاءً وأعظم مجداً ، غير أنّ قروناً ستة قد مضت على عيسى ( عليه السلام ) ظلّت تلفه طوالها هذه الخزعبلات التي تتعارض مع رسالته ، فكان أن أَضفَت عليه صفة الإلوهية ، وهكذا فإنّ العبد قد احتلّ مكان مولاه في تقديس البشر .

ولمّا كانت جمهرة العامّة عاجزة عن أن تستوعب ـ أو حتّى تدرك ـ المزيج العجيب للفلسفات الفيثاغورية الجديدة والأفلاطونية واليهودية الهيلينية ، وكذلك تعاليم المسيح ، فقد عَبَدته كما لو كان إلهاً أصيلاً ، أو انقلبوا إلى عبادة الآثار وآلهة منحوتة تمثل أُمّه البتول .

وحيث كان المدى قد طال على هذه الخزعبلات فإنّ المسيحيين قد ابتعدوا كثيراً عن بساطة تعاليم المسيح ( عليه السلام ) . حتى لقد أصبحت عبادة الصور والقدّيسين والآثار جزءً لا يتجزأ من ديانة يسوع ، وكذلك فإنّنا نرى أنّ الشرور التي شجبها عيسى ( عليه السلام ) نفسه والطقوس التي أنكرها قد أخذت تدخل في صلب دينه ، واحدة تلو أُخرى .

وبعد ، فإنّنا نرى ضدّ كلّ هذه السخافات التي كانت سائدة طول عصور والتي ظلّت مستحكمة البنيان ذلك العهد ، كان هدف نبيّ الإسلام في حياته موجّهاً ومركّزاً على أُسس قويمة يدعمها العقل والفطرة السلمية ، فهو إذ يخاطب الناس يخاطبهم بحقّ ، وهو متأثّر باتصال وثيق مع الله ، الله الذي خَلق الكون جملةً وتفصيلاً ، ولم يحد محمدٌ ( صلّى الله عليه وآله ) عن طريق العقل الرشيد . ورغم قيام عبدة الأوثان من أبناء القبائل العربية من جهة ، وأتباع المسيحية واليهودية الممسوختين من جهة أُخرى ، بمحاولة إغرائه ، فقد ظلّ يخاطبهم حتّى جعلهم يخجلون من فظاعة معتقداتهم .

وهكذا ، فإنّ نبيّ الإسلام ـ الذي كان يُسمّى بحقّ ( سيّد القائلين ) و( سيّد المرسلين ) والداعي إلى وحدانية الله ـ قد صمد ، كما يحدّثنا التاريخ ، في صراع نبيل واجهته به أول الأمر ، ثمّ فرضته عليه بعد ذلك محاولات الإنسان الرجعية الرامية إلى إشراك مخلوقات أُخرى مع خالق الكون غير أنّ الدعوة قد غَلبت الجميع ، وظهر الدين كلّه على الشرك كله ، فقد {جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة : 48] .

وليس أوضح ولا أجزم من الآيات التالية التي وردت في القرآن الكريم في تفسير وحدانية الله إنّه يقول :

{جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة : 48] {وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ الرّحْمنُ الرّحِيمُ * إِنّ فِي خَلْقِ السّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّيلِ وَالنّهَارِ وَالْفُلْكِ الّتِي تَجْرِى فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ السّماءِ مِن مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثّ فِيهَا مِن كُلّ دَابّةٍ وَتَصْرِيفِ الرّيَاحِ وَالسّحَابِ الْمُسَخّرِ بَيْنَ السّماءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمِنَ النّاسِ مَن يَتّخِدُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْدَاداً يُحِبّونَهُمْ كَحُبّ اللّهِ وَالّذِينَ آمَنُوا أَشَدّ حُبّاً للّهِ‏ِ وَلَوْ يَرَى الّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنّ الْقُوّةَ للّهِ‏ِ جَمِيعاً وَأَنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ} [البقرة : 163 ـ 165] .

فأيّ عطف عميق تعرضه هذه الكلمات على أولئك الذين في الجهالة يعمهون ! ثمّ هذه الآيات ، حيث قال تعالى في كتابه الكريم :

{ هُوَ الّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنشِئُ السّحَابَ الثّقَالَ * وَيُسَبّحُ الرّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ * لَهُ دَعْوَةُ الْحَقّ وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَي‏ءٍ إِلاّ كَبَاسِطِ كَفّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلاَلٍ * وَللّهِ‏ِ يَسْجُدُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلاَلُهُم بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ * قُلْ مَن رّبّ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتّخَذْتُم مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِم نَفْعاً ولاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى‏ وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظّلُمَاتُ وَالنّورُ أَمْ جَعَلُوا للّهِ‏ِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِم قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهّارُ }[ الرعد : 12 ـ 16 .] (1) .

وقوله جلّ شأنه :

{ خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقّ تَعَالَى‏ عَمّا يُشْرِكُونَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ * وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ‏ءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ * وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى‏ بَلَدٍ لّمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلاّ بِشِقّ الأَنفُسِ إِنّ رَبّكُمْ لَرَؤُوفٌ رّحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ * هُوَ الّذِي أَنزَلَ مِنَ السّماءِ مَاءً لَكُم مّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزّرْعَ وَالزّيْتُونَ وَالنّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلّ الثّمَرَاتِ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ * وَسَخّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنّجُومُ مُسَخّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ إِنّ فِي ذلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذّكّرُونَ * وَهُوَ الّذِي سَخّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَأَلْقى‏ فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَعَلاَمَاتٍ وِبِالنّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ * أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاّ يَخْلُقُ أَفَلاَ تَذَكّرُونَ * وَإِن تَعُدّوا نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنّ اللّهَ لَغَفُورٌ رّحِيمٌ * وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا  تُسِرّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ * وَالّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيّانَ يُبْعَثُونَ } [النحل : 3 ـ 21] .

و : { اللّهُ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْ‏ءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ  حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيّ الْعَظِيمُ } [البقرة : 255] .

وكذلك : {إِنّ رَبّكُمُ اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ والأَرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَى‏ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللّيْلَ النّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنّجُومَ مُسَخّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ } [الأعراف : 54] .

وكذلك ( سورة الإخلاص ) :

{ قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ } [الإخلاص : 1 ـ 4] .

وسورة الفاتحة :

{ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمنِ الرّحِيمِ * اَلْحَمْدُ للّهِ‏ِ رَبّ الْعالَمِينَ * الرّحْمنِ الرّحِيمِ * مالِكِ يَوْمِ الدّينِ * إِيّاكَ نَعْبُدُ وَإِيّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّآلّينَ } [الفاتحة : 1 ـ 7] .

( قُل لِمَن مَا فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ قُل للّهِ‏ِ كَتَبَ عَلَى‏ نَفْسِهِ الرّحْمَةَ لَيَجْمَعَنّكُمْ إِلَى‏ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ) [الأنعام : 12] .

( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ * وَهُوَ الّذِي يَتَوَفّاكُم بِاللّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنّهَارِ ثُمّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى‏ أَجَلٌ مُسَمّىً ثُمّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمّ يُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) (1) .

وفي مجال بيان توحيد الله سبحانه والاستدلال عليه من خلال مخلوقاته وآثار الإبداع في خلقه ، وهي الطريقة الفطرية للإقناع والإتباع ، يقول تعالى :

{ إِنّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبّ وَالنّوَى‏ يُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيّتِ مِنَ الْحَيّ ذلِكُمُ اللّهُ فَأَنّى‏ تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللّيْلَ سَكَناً وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * وَهُوَ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ النّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَهُوَ الّذِي أَنْشَأَكُمْ مِن نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ * وَهُوَ الّذِي أَنزَلَ مِنَ السّماءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلّ شَيْ‏ءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النّخْلِ مِن طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنّاتٍ مِن أَعْنَابٍ وَالزّيْتُونَ وَالرّمَانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى‏ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنّ فِي ذلِكُمْ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلُوا للّهِ‏ِ شُرَكَاءَ الْجِنّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏ عَمّا يَصِفُونَ * بَدِيعُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ أَنّى‏ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ * ذلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلّ شَيْ‏ءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى‏ كُلّ شَيْ‏ءٍ وَكِيلٌ * لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللّطِيفُ الْخَبِيرُ * قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَبّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهِا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ }[ الأنعام : 59 و60] .

( قُلْ إِنّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للّهِ‏ِ رَبّ الْعَالَمِينَ ) [الأنعام : 162] .

( أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُسَبّحُ لَهُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطّيْرُ صَافّاتٍ كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَللّهِ‏ِ مُلْكُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ) [النور : 41 و42] .
 { اللّهُ الّذِي خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّةِ أَيّامٍ ثُمّ اسْتَوَى‏ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مّن دُونِهِ مِن وَلِيّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكّرُونَ * يُدَبّرُ الأَمْرَ مِنَ السّماءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدّونَ * ذلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرّحِيمُ * الّذِي أَحْسَنَ كُلّ شَيْ‏ءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ * ثُمّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مِن مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمّ سَوّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مّا تَشْكُرُونَ ) (1) .

( قُلْ يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الّذِي لَهُ مُلْكُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النّبِيّ الأُمّيّ الّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتّبِعُوهُ لَعَلّكُمْ تَهْتَدُونَ } [السجدة : 4 ـ 9] .

{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ } [الملك : 23].

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا} [الفرقان : 47] .

{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر : 3].

{لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام : 163].

{أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ *أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل : 60 - 62].
 {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة : 286].

{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد : 9 - 11] .

{ اللّهُ نُورُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزّجَاجَةُ كَأَنّهَا كَوْكَبٌ دُرّيّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاّ شَرْقِيّةٍ وَلاَ غَرْبِيّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِي‏ءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نّورٌ عَلَى‏ نُورٍ يَهْدِي اللّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنّاسِ وَاللّهُ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَإِقَامِ الصّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزيدَهُم مِن فَضْلِهِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَالّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظّمْآنُ مَاءً حَتّى‏ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللّهَ عِندَهُ فَوَفّاهُ حِسَابَهُ وَاللّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجّيّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراهَا وَمَن لّمْ يَجْعَلِ اللّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ * أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُسَبّحُ لَهُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطّيْرُ صَافّاتٍ كُلّ قَدْ عَلِمَ صَلاَتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَللّهِ‏ِ مُلْكُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ * أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمّ يُؤَلّفُ بَيْنَهُ ثُمّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ وَيُنَزّلُ مِنَ السّماءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالأَبْصَارِ * يُقَلّبُ اللّهُ اللَّيْلَ وَالنّهَارَ إِنّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ } [النور : 35 ـ 44].

وفي سورة الرحمن أنصع دليل على ذلك التقدير الكبير الذي كان يشعر به محمّد نحو ضرورة تبصر قومه بمجالي الطبيعة المشرقة ، وفي شكل جعل الغربيينَ يُطلقون على تلك السورة اسم ( جمال الطبيعة في القرآن ) .

فهو يقول :

{ الشّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ * وَالنّجْمُ وَالشّجَرُ يَسْجُدَانِ * وَالسّماءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلاّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ * وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنّخْلُ ذَاتُ الأَكْمَامِ * وَالْحَبّ ذُو الْعَصْفِ وَالرّيْحَانُ * فَبِأَيّ آلاَءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخّارِ * وَخَلَقَ الْجَانّ مِن مَارِجٍ مِن نَارٍ * ... رَبّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبّ الْمَغْرِبَيْنِ ... مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ ... يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ * ... وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأَعْلاَمِ ... كُلّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى‏ وَجْهُ رَبّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالْإِكْرَامِ ... يَسْأَلُهُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ * فَبِأَيّ آلاَءِ رَبّكُمَا تُكَذّبَانِ } [الرحمن : 5 ـ 30] .

وكذلك الآيات البيّنات التالية :

{وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا } [الإسراء : 13].

{وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} [الشمس : 7 - 9] .

{الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} [الملك : 3، 4] .

{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ } [الروم : 25] .

ومتى يا ترى ؟ إنّ الجواب على ذلك ظاهر في سورة التكوير ، حيث قال الله تعالى :

{ إِذَا الشّمْسُ كُوّرَتْ * وَإِذَا النّجُومُ انكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجّرَتْ * وَإِذَا النّفُوسُ زُوّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيّ ذَنبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السّماءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعّرَتْ * وَإِذَا الْجَنّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ * فَلاَ أُقْسِمُ بِالْخُنّسِ * الْجَوَارِ الْكُنّسِ * وَاللّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصّبْحِ إِذَا تَنَفّسَ * إِنّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوّةٍ عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمّ أَمِينٍ * وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ * وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ * وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاّ أَن يَشَاءَ اللّهُ رَبّ الْعَالَمِينَ } [التكوير : 1 ـ 29] .

ويسألونك يا محمّد عن الساعة ، فقل : {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه : 52].

وقد سبق أن {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا } [الشمس : 11] فأنكرت يوم القيامة وعقر أشقاها الناقة ، وقول لهم رسول الله {نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا } [الشمس : 13] فلم يستجيبوا له {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ} [الشمس : 14] وسوى بلدهم بالأرض بعد ان أرسل عليه ريحاً صرصراً عاتية ، وبحقٍّ .

{ وَالضّحَى‏ * والليلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدّعَكَ رَبّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلاخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبّكَ فَتَرْضَى‏ * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى‏ * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى‏ * فَأَمّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ * وَأَمّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَأَمّا بِنِعْمَةِ رَبّكَ فَحَدّثْ } [الضحى : 1 ـ 11] .

وربّما ظنّ المشركون أنّ الله قد خلقهم لهواً وهزؤاً فبلِّغهم يا محمد إنّهم مخطئون في ظنّهم ، وإنّ إلينا النشور ، وحينئذ نُنبئهم بكلّ ما فعلوا ، أمّا أنت وأصحابك فقولوا : { تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة : 286] واغفر لنا ذنوبنا واعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا إنّك أنت الغفور الرحيم .

وثقوا جميعاً أنّه لن تحمل ( وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (4) فكلّ نفس بما كسبت رهينة ، وأنّ ربّكم لن يعذّب أحداً كما أنّه لم يُعذّب من قبل إلاّ بعد أن يرسل رسولاً .. واذكروا :

{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء : 15].

وهكذا يمضي هذا الكتاب الرائع ، مناشداً أنبل مشاعر الإنسان ، وضميره الداخلي وإدراكه العقلي ، عارضاً ثمّ مبرهناً على بشاعة المعتقدات الوثنية وانحطاطها ، وقلّما تخلو سورة من سور القرآن من عبارة بليغة متألّقة عن قدرة الله وعطفه ووحدانيّته . ومع هذا فقد أساء الكُتّاب المسيحيّون إدراك المفهوم الإسلامي لقدرة الذات الإلهية ، فجعلوا يصوّرون إله المسلمين على أنّه ( عديم الشفقة ، طاغية يلعب بمقدرات الإنسانية كما يلعب المرء بحجارة الشطرنج ) .
وقالوا : ( إنّه يقوم بما يقوم به دون أيّ اعتبار لتضحيات البشر ) ، هكذا زعموا ، فلنرَ ما إذا كان التقدير صحيحاً .

إنّ إله المسلمين هو القويّ العليم العدل ربّ العالمين ، فاطر السموات والأرض ، وهو الذي ذرأ الحياة ، وكتب الموت ، بيده السيطرة على كلّ شيء ، وهو الأَوّل والآخر ، وصاحب القوة التي لا تقاوم ، وهو العظيم القويّ الذي استوى على العرش ، إنّ الله هو القويّ ، الرحيم ، العليّ ، الخالق الصانع ، المصمّم العاقل ، العادل ، الحقّ ، السريع الحساب .

إنّه هو الذي يعرف مثقال الذرّة من خير أو شرّ عمله الإنسان ، وهو الذي لا يضيع أجر مَن أحسن عملاً ، والحقّ أنّ هذا الرحيم العادل هو أيضاً المَلك القدوس السلام المؤمن المهيمن الحارس على مصالح عباده ، وهو كذلك ملجأ العاجز ومرشد الضالّ ، والمعطي الوهّاب ، صديق المحروم ، ومستشار المظلوم ، في يده كلّ الخير ، وهو السيّد الكريم ، الغفور ، السميع ، القريب ، الشفوق ، الرحيم ، الذي يحبّ الإنسان أكثر من حبّ الطير لصغاره .

إنّ رحمة الله لهي من أوسع المواضيع التي تضمّنها القرآن ، وكلمة ( الرحمن ) التي تتفتّح بها كلّ سورة من سور القرآن الكريم في البسملة والتي تدلّ على إله رحيم إنّما تُعبّر تعبيراً عميقاً عن ذلك الحبّ الذي يكنّه خالق السماوات والأرض لعباده .

إنّ ما تعرّض له أتباع الفئتين سالفتي الذكر ( اليهود والمسيحيين ) من تحقير خلقي ، قد اعتصر قلب الرسول ، ثمّ تحوّل هذا الألم إلى شجب للمعتقدات الخرافية التي كانوا يمارسونها خلافاً لتحذيرات رسولهم ، إنّ نار الغيرة الدينية التي اشتعلت في صدر أشعيا وجرميا قد عادت واشتعلت في صدر رجل آخر أعظم منهما ، وقد شُجب هذا الرجل ولكن دون نواح ، صيحات اليأس والكمد حول تقليل قيمة الإنسانية ، وأسمعهم صوت الأمل والعقل .

وقد عنّف القرآن اليهود بشدّة على عبادتهم آلهة مزيّفة من الأوثان ، ولمبالغتهم  في الاعتماد على ذاكرة عَزرا ، كما لامَ القرآن المسيحيين لتأليههم عيسى وأُمّه مريم كما هو مبيّن في الآيات التالية :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاَءِ أَهْدَى‏ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً * أُولئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيراً }[ النساء : 51 و52].

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى‏ يُؤْفَكُونَ * اتّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِداً لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاّ أَن يُتِمّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [التوبة : 30 ـ 32] .

{ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى‏ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللّهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنْتُم بَشَرٌ مِمّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذّبُ مَن يَشَاءُ وَللّهِ‏ِ مُلْكُ السّماوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } [المائدة : 18] .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [المائدة : 105].

والآيات التالية تُظهر الشعور الذي اعتبر به هذا المعتقد الديني :

{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُوا عَلَى‏ اللّهِ إِلاّ الْحَقّ إِنّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى‏ ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى‏ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُوا ثَلاَثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنّمَا اللّهُ إِلهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السّماوَاتِ وَما فِي الأَرْضِ وَكَفَى‏ بِاللّهِ وَكِيلاً } [ النساء : 171] .

 { وإِنّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى‏ اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنّبُوّةَ ثُمّ يَقُولَ لِلنّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِن دُونِ اللّهِ وَلكِن كُونُوا رَبّانِيّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ * وَلاَ يَأْمُرُكُم أَنْ تَتّخِذُوا الْمَلاَئِكَةَ وَالنّبِيّيِنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُركُمْ بالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُم مُسْلِمُونَ }[ آل عمران : 78 ـ 80] .

{ أَن دَعَوْا لِلرّحْمنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرّحْمنِ أَن يَتّخِذَ وَلَداً * إِن كُلّ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاّ آتِي الرّحْمنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدّهُمْ عَدّاً } [مريم : 91 ـ 94] .

إنّ الكراهية الملتهبة المشتركة التي يكنّها كلّ من اليهود والمسيحيين ، والحروب الضارية واضطهاد القبائل الذي لا معنى له ، والفلسفة الجوفاء عند الكنيسة البيزنطية كانت أبداً تلقى الشجب من رسالة محمّد كما يتّضح من الآيات التالية :

{ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذّلّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصّالِحِينَ } [آل عمران : 112 ـ 114] .

ويختلف الذين أُوتوا الكتاب في إبراهيم فليسمعوا :

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة : 127، 128].

ولقد ذهب إبراهيم وإسماعيل ، وسيجازيهم ربّهم بأعمالهم ، فـ {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر : 38] ، ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) (5) فدعوهم لربّهم هو أعلم بهم ، و ( هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى ) (4) ، إنّه ذلك {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى } [الليل : 18 - 21].

هؤلاء الأخيار الذين يقدّمون الحسنة :

{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان : 8، 9].

فيا أيّها النبيّ وأصحابه ، اعبدوا الله وأطيعوه : وكونوا رحماء بينكم ، أمّا بشأن معاملة الفرد منكم لوالديه فليخفض لهما جناح الذلّ من الرحمة {وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء : 24].

ويا أيّها المسلمون ، اقلعوا عن عادات الجاهلية الشائنات وتحلّوا بالفضائل الزكية {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} [الإسراء : 31] ، وإذا سألك أصحابك عن الصراط السويّ يا محمّد ، والطريق التي تنجيهم من عذاب يوم عظيم ، فقل لهم :

{ فَكّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمّ كَانَ مِنَ الّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ } [البلد : 13 ـ 17] .

فمَن يفعل ذلك يكن شأنه شأن مَن سبقه من رجالنا المخلصين الذين كان منهم إبراهيم ، حيث :

{فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص : 25].

ولا يجوز أن يكون الإحسان حبّاً في التظاهر والتعاظم على المحتاج ، فإنّ ذلك يمحق الحسنات كما أنّ فيه إذلالاً للنفس البشرية ، وهي عند الله أكرم من أن يتسامح في إذلالها ، فإذا فعلتم أيّها المسلمون حسنة فلا يجعل الواحد منكم شماله تعلم ما قدّمت يمناه ، أمّا إذا أخذه الزهو فإنّ عمله يكون كسقوط المطر على صخرة ملساء مكشوفة ما عليها تراب ، فيهطل المطر ، ولكنّه يتساقط على أطرافها ، فلا تنتفع منه شيئاً ، أمّا ذلك الذي يقصد ربّه بعمله فهو كبستان على ظهر رابية يتقاطر عليها الغيث فتمرع ، ويصوبها الندى فتتفتّح أزاهيرها .

وعلى محمّد أن يفصل فيما يعترض قومه من مشكلات : فإذا حكم فليحكم كما فعل داود :

{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} [ص : 26] .

ولربّما آتاك الله بسطة في المال وسعد في العيش فلا تمنن بأنعم الله ، أمّا إذا حاول الشيطان أن يوسوس في فؤاد أيٍّ من أصحابك فقل له : ارجع إلى الله ، وإيّاك أن تتعاظم نفسك فربّك أكبر منك .

{وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا } [الإسراء : 37] وحذّر قومك من :

{وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ} [النحل : 58] وربّما قتل تلك المولودة فإيّاك وأصحابك أن يفعل أحدكم هذه الكبيرة :

 {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام : 151].

والمؤودة نفس سيحشرها ربّها يوم القيامة : {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ } [التكوير : 8، 9] .

أَلم تلدكم إناث يا هؤلاء ؟ فاحترموا أرحاماً ولدتكم : {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء : 32] .

ومن هذا القبيل يتوجّب :

{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور : 30] وللمؤمنات ( وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى ) ، وعليهنّ أن لا يبدين زينتهنّ إلاّ لبعولتهنّ أو ذوي أرحامهنّ من المحرمين .

ولا تغرّنكم الحياة الدنيا يا أصحاب محمّد ، واعلموا أنّه :

{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [آل عمران : 185] وما مثلها إلاّ كزرع استوى على سوقه يعجب الزرّاع نباته ثمّ يهيج فتراه مصفرّاً ، وكذلك يصرّف الله الآيات لقومٍ يعقلون .

واعلموا أنّه :

{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون : 1 - 6].

أمّا :

{فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون : 7] .

بخلاف :

 {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ} [المؤمنون : 8 - 10].

وماذا يرثون ؟

{الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [المؤمنون : 11].

وكيف تعاملون والديكم يا أصحاب محمّد ؟

{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا } [الإسراء : 23].

ولا تطمعوا في أموال قرباكم بل :

{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } [الإسراء : 26] .

والزموا العدل في إنفاق أموالكم  :

{وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء : 29] .

وكذلك العدل في أقوالكم :

{وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } [الإسراء : 53] .

وأنت يا محمّد :

{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ} [المؤمنون : 96] .

وسيندم أولئك الذين يظنون أنّ الله غافل عمّا يفعلون .

إذ أنّه :

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس : 51] .

وحينئذٍ :

{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} [الأنبياء : 47].

وعليك يا محمّد أن تقول لأصحابك ممّن اهتدوا إلى سواء السبيل :

{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ} [هود : 90] .

ولن يبخل الله عليكم فهو :

{وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ } [هود : 90].

وهو يبلغكم :

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر : 53] .

واذكروا يا أصحاب محمّد أنّه :

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ } [فاطر : 10].

وإذا سألك المؤمنون عمّا حرّم الله فأجبهم :

{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } [الأعراف : 33].

فمن واجبكم أن :

{ ادْعُوا رَبّكُمْ تَضَرّعاً وَخُفْيَةً إِنّهُ لاَ يُحِبّ الْمُعْتَدينَ * وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * وَهُوَ الّذِي يُرْسِلُ الرّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتّى‏ إِذَا أَقَلّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلّ الّثمَرَاتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى‏ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ * وَالْبَلَدُ الطّيّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ وَالّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } [الأعراف : 55 ـ 58] .

ومن الشكر :

{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} [لقمان : 14] .

فحين يشبّ يغدو من واجبه أن يقول :

{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [النمل : 19] .

ولكن الشكر لذينك الوالدين لا يجعله في حلٍّ من أن يعصي ربّه من أجلهما : {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } [لقمان : 15].

ولكنّك في حلٍّ من العصيان لأنّ :

{ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ} [الزمر : 53] إلاّ { أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء : 48].

واضرب يا محمّد للمخلصين من أتباعك مثلاً وقل لهم :

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } [البقرة : 261 - 263].

وليس في هذا على المؤمنين رهق ولا تعجيز إذ أنّه : 
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة : 286].

هؤلاء القوم هم الذين تُردد ألسنتهم وتطفح قلوبهم بحبّ الله فيظلّ دعاؤهم : {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران : 16] .

و {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [آل عمران : 192].

واعلموا يا أصحاب الرسول أنّ :

{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا } [النساء : 85] .

و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [النساء : 135].

فهل تقصر دعوة ابن الصحراء العربي ، أو الرسول إلى العالَم كافّة ، في مخاطبته ضمائر الناس من قومه السابقين والإنسانية جمعاء من اللاحقين ، عن دعوة المسيح الرقيقة !!

لقد كان يتيماً فقيراً حرمته الأيّام حنان أعزّ الأقربين إليه في طفولته ، وتمزّقت نياط قلبه في صباه ، ثمّ اعتصره الألم والحسرة على ضلالة قومه في رجولته ، وكان عليه أن يقارع الجهالة والحقد وعمى البصيرة طوال حياته ، ومع هذا تدفّق من قلبه ذلك الينبوع الصافي فسمت إنسانيته ، وهبط عليه وحي ربّه يهديه ليهدي غيره ، ويدلّه على صراطٍ سويّ ترتفع به النفس البشرية من مسارب العالم المادّي إلى عالم الروح وان كانت تظل تنظر إلى وجودها الأصيل في عالم المادّة .

هكذا كان نبيّ الإسلام ، وهكذا كانت رسالته ، رسالة نور وهداية للعقل البشري في مختلف الحقب والعصور .

{ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران : 194].

وهل أغفلهم ربهم ؟ إنّه :

{فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران : 195].

فيا أيّها المؤمنون اتلوا مع رسولكم :

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء : 1].

وإيّاك يا محمّد وأصحابك أن تقعوا في نكاح المقت :

{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} [النساء : 22].

وكذلك لا تحقدوا على ذوي البسطة فيكم واقنعوا بما رزقكم ربّكم :

{وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا } [النساء : 32] .

{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء : 36].

وخاطب قومه وحذّرهم برفق أن يقترفوا مآثم كانوا يرتكبوها في الجاهلية ، وأمرهم بإقامة العدل والإحسان والوفاء بالعهد :

{إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا } [الإسراء : 34].

{ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُوا النّفْسَ الّتِي حَرّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقّ ذلِكُمْ وَصّاكُم بِهِ لَعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى‏ يَبْلُغَ أَشِدّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى‏ وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُوا ذلِكُمْ وَصّاكُم بِهِ لَعَلّكُمْ تَذَكّرُونَ } [الأنعام : 151 و152] .

ثمّ قال : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام : 153]. 
____________________________
(1) من كتابه روح الإسلام : ص157 ـ 185 مع شيء من التغيير والتعديل .

(2) ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى‏ يُؤْفَكُونَ ) . ( التوبة : 30 ) .

(3) ( اتّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً وَاحِداً لاَ إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ ) . ( التوبة : 31 ) .

(4) ذُكرت في القرآن في خمس مواضع .

(5) الأنعام : 164 ، الإسراء : 15 ، فاطر : 18 ، الزمر : 7 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



قسم الشؤون الدينية يقدّم محاضرات فقهية وعقائدية للمنتسبين الجدد
مدارس الكفيل الدينية النسوية تفتح باب التسجيل للنساء للعام الدراسي (1446هـ)
ممثّل قسم الشؤون الفكرية في السنغال يدعو إلى نبذ التطرف والتعصب وتعزيز التعايش السلمي
المجمع العلمي يكشف النشاطات الفكرية والعلمية التي أُقيمت ضمن المشروع القرآني للجامعات