أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-07
288
التاريخ: 11-9-2019
2150
التاريخ: 2024-10-07
308
التاريخ: 2024-09-16
336
|
اولا : استمد الحماس من تجارب الآخرين :
لا يوجد مطلقاً شيء اسمه خطيب بالفطرة، ففي العهود التاريخية عندما كانت الخطابة فناً رفيعاً يتطلب اهتماماً دقيقاً بقواعد البلاغة ودقائق الإلقاء، كان من الصعب أن يولد المرء متحدثاً عاماً، ونحن الآن نعتبر الحديث العام نوعاً من المحادثة الموسعة، فقد مضى بلا رجعة عهد الاسلوب المتفهيق والصوت الجهوري القديم، فما نريد سماعه في مأدبات عشائنا وخطبنا الدينية، وفي تلفازنا وإذاعاتنا هو الحديث المباشر، الذي يدرك بالفطرة السليمة، ونتفرغ للقضية التي نريد مناقشتها مع المتحدثين، لا إلقائها على أسماعنا.
ورغم ما تدفعنا الى تصديقه معظم النصوص المدرسية، فإن الحديث العام ليس بفن مغلق لا يمكن إتقانه إلا بعد سنوات من تحسين الصوت، والنضال مع الألغاز البلاغية. لقد أمضيت معظم حياتي التعليمية في إثبات سهولة الحديث العام شريطة اتباع الناس عدة قواعد تجمع بين البساطة والأهمية، وعندما بدأت التدريس في جمعية الشبان المسيحية بشارع 125 بمدينة نيويورك في عام 1912، لم تكن معرفتي بذلك الأمر تزيد عن معرفة طلابي الأول. قمت بتدريس تلك الفصول الأولى بنفس الطريقة التي درستها في الجامعة في وارينسبيرج بولاية ميسوري، ولكن سرعان ما اكتشفت أنني أتبع المسار الخاطئ، إذ كنت أحاول تعليم الكبار الذين يعملون في مجال التجارة كما لو كانوا طلاباً جامعيين جدداً. ورأيت عدم جدوى استخدام ويبستر ويورك وبيت وأوكونيل كأمثلة يحاكونها، فما كان يريده طلابي هو الشجاعة الكافية للوقوف على أقدامهم وعرض تقرير متماسك، وواضح في اجتماعهم التجاري التالي، ولم يمض وقت طويل حتى ألقيت بهذه الكتب خارج النافذة، ومضيت الى المنصة، وعملت مع أولئك الرفاق ـ مستخدماً ثمة أفكار بسيطة ـ الى أن تمكنوا من عرض تقاريرهم بأسلوب مقنع. لقد نجح هذا الأسلوب، بدليل استمرارهم في العودة اليّ طلباً للمزيد.
أتمنى لو تستطيعون تصفح خطابات الشكر الموجودة في منزلي، أو في مكاتب ممثلي بمختلف أنحاء العالم. هذه الخطابات تأتيني من رجال الصناعة الذين يتكرر ذكرهم في القسم التجاري من صحيفتي ذا نيويورك تايمز وذا وال ستريت جورنال، ومن حكام الدول، وأعضاء البرلمانات، وعمداء الكليات، والمشاهير في عالم التسلية، وهناك آلاف الخطابات غيرها وصلتني من أرباب المنازل، والمعلمين، والشبان والشابات ـ الذين لم تشتهر أسماؤهم بعد، حتى في مجتمعاتهم الخاصة، ومن التنفيذيين تحت التدريب والعمال ـ المهرة وغير المهرة ـ والنقابيين، وطلاب الجامعات وسيدات الأعمال، كل هؤلاء شعروا بالحاجة الى الثقة بالنفس، والقدرة على التعبير عن أنفسهم على نحو مقبول جماهيرياً، كانوا في شدة الامتنان لتحقيقهما هاتين الغايتين لدرجة جعلتهم يقتطعون من وقتهم لكتابة خطابات شكر.
من بين آلاف الأشخاص الذين تعلموا على يديّ يتبادر الى ذهني مثال واحد وأنا أكتب، نظراً للأثر العظيم الذي تركه في نفسي في ذلك الوقت، فمنذ عدة سنوات، وبعد انضمام رجل الأعمال الناجح بفيلاديلفيا د. دبليو. جنت بفترة وجيزة الى دورتي، قام بدعوتي الى الغداء. مال جنت على المائدة وقال: (لقد تحاشيت كل فرصة للحديث أمام العديد من المحافل يا سيد كارنيجي، وقد كانت كثيرة، ولكني الآن رئيس إدارة أمناء إحدى الكليات، وواجبي أن أترأس الاجتماعات، فهل تظن أن بإمكاني تعلم كيفية الحديث في هذا العمر المتأخر؟).
طمأنت جنت، وأحدت له أنه سينجح بلا شك، وذلك من واقع تجربتي مع أناس في نفس موقفة كانوا طلاباً في دوراتي.
بعد ذلك بثلاث سنوات تناولنا معاً الغداء مرة ثانية في نادي مانيوفاكتشر، وفي نفس الغرفة وعلى نفس المائدة التي جلسنا عليها في اجتماعنا الأول. أردت تذكيره بحديثنا السابق، فسألته ما إذا كانت نبوءتي قد صدقت.
ابتسم صاحبي، وأخرج من جيبه مفكرة صغيرة، ذات غلاف أحمر، وأطلعني على قائمة بالتزاماته الخطابية لعدة شهور قادمة، واعترف لي قائلاً: (إن القدرة على إلقاء هذه الأحاديث، والسعادة التي استمدها من إلقائها، والخدمة الإضافية التي أقدمها للمجتمع، كل هذه أشياء تحقق لي أقصى إشباع في حياتي).
ولكن ذلك لم يكن كل شئ، فبنوع من الاعتزاز بالذات ألقى السيد جنت بورقته الثمينة، إذ وجهت جماعته الدينية دعوة الى رئيس وزراء انجلترا لإلقاء كلمة أمام ملتقى في فيلاديلفيا، أما الشخص الذي تم اختياره من أبناء فيلاديلفيا ليلقي كلمة التقديم للسياسي المتميز الذي يقوم بواحدة من رحلاته النادرة الى الولايات المتحدة، فلم يكن سوى السيد د. دبليو . جنت.
ذلك هو الرجل الذي مال على هذه المائدة ذاتها منذ أقل من ثلاث سنوات، وسألني ما إن كان يستطيع إلقاء حديث عام أم لا.
وإليك مثال آخر. إنه الراحل ديفيد رام. جودرتيش رئيس مجلس إدارة شركة بي. إف. جودريتش الذي جاء الى مكتبي ذات يوم، وابتدرني قائلاً: (لم أستطع طيلة حياتي إلقاء كلمة دون أن أتجمد خوفاً، وبوصفي رئيس مجلس إدارة، فلابد لي من ترأس اجتماعاتنا، وأنا على معرفة حميمة بأعضاء مجلس الإدارة منذ سنوات، ولا أواجه أية مشكلة في الحديث اليهم ونحن جالسون حول المائدة، ولكني لحظة وقوفي للحديث أشعر بالرعب، ولا أكاد أقول كلمة واحدة. هذا هو حالي منذ سنوات، وما أظن أنك بقادر على فعل أي شئ من أجلين فمشكلتي خطيرة جداً ومزمنة).
قلت: (حسناً، إذا كنت تظن اني لست بقادر على فعل أي شئ من أجلك، فلِم جئتني إذن؟).
أجاب قائلاً: (جئتك لسبب واحد فقط ، وهو أن لدي محاسب يعتني بمسائلي المحاسبية الخاصة، وهو شاب خجول، ولكنه يضطر للمرور بمكتبي كي يصل الى مكتبه الصغير، ظل هذا الشاب يتسلل عبر مكتبي لسنوات، ناظراً الى الأرض، ولا يكاد ينطق بكلمة، ولكنه تحول مؤخراً، فهو يدخل مكتبي رافعاً رأسه عالياً، والضوء يشع من عينيه ويقول بثقة وحماس: صباح الخير يا سيد جودريتش)، أدهشني ذلك التحول، فسألته: (من الذي أدى بك الى هذا؟)، فأخبرني الشاب عن الدورة التدريبية التي تلقاها على يديك، ولذلك جئت).
قلت للسيد جودريتش ان الانتظام في الدورة، وأداء المهام التي يكلف بها سيجعله في غضون بضعة أسابيع قادراً على الحديث أمام الجمهور.
أجاب الرجل: (لو استطعت ذلك، فسوف أكون من أسعد الناس في هذا البلد).
انضم الرجل للدورة، وأحرز تقدماً ملحوظاً، وبعد ذلك بثلاث شهور دعوته لحضور اجتماع في إحدى قاعات فندق أستور، والتي تضم ثلاثة آلاف شخص، ليتحدث اليهم عما استفاده من التدريب. اعتذر الرجل عن الحضور لارتباطه بموعد آخر، وفي اليوم التالي اتصل بي هاتفياً ليقول: (أود الاعتذار فقد ألغيت ذلك الموعد، وسوف آتي وأتحدث من أجلك لأنني مدين لك بما أنا فيه، ولكي أخبر الجمهور بما استفدته من هذا التدريب، سأفعل ذلك آملاً أن تلهم قصتي بعض المستمعين كي يتخلصوا من المخاوف التي تدمر حياتهم).
طلبت منه التحدث لدقيقتين فقط ، ولكنه تحث لإحدى عشرة دقيقة أمام ثلاثة آلاف شخص.
لقد رأيت آلاف المعجزات تحدث أثناء الدورات التي أعقدها. رأيت رجالاً ونساءً ممن تحولت حياتهم من خلال هذا التدريب، والكثير منهم، فحصل كثير منهم على ترقيات لم يكونوا يحلمون بها، أو تولوا مناصب رفيعة في تجاربهم، ومهنتهم، ومجتمعهم. في بعض الأحيان كان يتحقق لهم هذا من خلال كلمة واحدة يلقونها في اللحظة المناسبة. دعني أخبرك بقصة ماريو لازو.
منذ سنوات مضت، تلقيت برقية من كوبا أدهشتني كثيراً، كانت البرقية تقول: (إذا لم تبرق لي بعكس ذلك، فسوف آتي الى نيويورك لتلقي التدريب على إلقاء الأحاديث)، وكانت تحمل توقيع (ماريو لازو) فمن هو يا ترى؟ تساءلت في نفسي، إذ لم أكن قد سمعت به من قبل.
عندما وصل السيد لازو الى نيويورك قال لي : (سوف يحتفل نادي هافانا كانتري بالعيد الخمسين لميلاد مؤسس النادي، وقد دُعيت كي أهديه كأساً فضياً، وألقى الحديث الرئيسي في الحفل، ورغم أنني محام، فلم الق كلمة عامة طيلة حياتي. إن مجرد فكرة الحديث تصيبني بالرعب، ولو أخفقت فسيكون في ذلك اشد الحرج الاجتماعي لي ولزوجتي، وبالإضافة الى ذلك، فإن الفشل قد يقلل من هيبتي لدى عملائي. ذلك هو سبب مجيئي من كوبا الى هنا طلباً لمساعدتك علما بأنني لا أستطيع البقاء لأكثر من ثلاثة أسابيع).
خلال تلك الأسابيع الثلاثة جعلت لازو يخرج من محاضرة ليدخل في أخرى، متحدثاً لثلاث، أو أربع مرات في الليلة، وبعد انقضاء الثلاثة أسابيع قام بإلقاء حديث أمام محفل متميز في نادي هفانا كانتري. كان حديثه متميزاً لدرجة أن مجلة تايم نشرت تقريراً عنه في باب الأخبار الأجنبية، ووصفت ماريو لازو بأنه (خطيب رائع).
يبدو الأمر كالمعجزة، أليس كذلك؟ إنها معجزة، القرن العشرين عن قهر الخوف.
ثانيا : اجعل هدفك نصب عينيك :
عندما تحدث السيد جنت عن السعادة التي نالها من اكتسابه مهارة الحديث العام، كان يقصد العامل الذي ـ كما كان يرى ـ أسهم في نجاحه أكثر مما عداه.
حقيقي أنه اتبع التوجيهات، وأدى مهامه بإخلاص، ولكن على يقين بفعله هذه الأشياء لأنه كان يريد فعلها، وذلك لأنه تصور نفسه كمتحدث ناجح. لقد خطط لنفسه مستقبلاً، ثم عمل على تحقيق تلك الخطة. ذلك بالضبط ما يجب أن تفعله.
ركز انتباهك على معنى الثقة بالنفس، والقدرة على الحديث الفعال بالنسبة لك. فكر في المعنى الاجتماعي، فكر فيما سيجلبه لك من أصدقاء، وفي قدرتك المتزايدة على الخدمة ضمن جماعتك المدنية، أو الاجتماعية، أو الدينية، وفي التأثير الذي ستكتسبه في مجال عملك.
موجز القول أن هذا الأمر سوف يعدك لتولي القيادة.
في مقال نشرته جريدة كوارترلي جورنال أف سبيتش بعنوان (الحديث والقيادة في مجال الأعمال)، كتب إس. سي. آلين، رئيس مجلس إدارة شركة كاش ريجستر القومية ورئيس منظمة اليونسكو يقول: (في تاريخ شركتنا لفت كثير من الرجال الانتباه بحسن إلقائهم للأحاديث، ومنذ عدة سنوات مضت قام شاب ـ كان حينئذ مسؤولاً عن فرع صغير في كانساس ـ بإلقاء منصب نائب الرئيس المسؤول عن المبيعات) ، وبالمصادفة عرفت أن هذا النائب يشغل الآن منصب
رئيس شركة كاش ريجستر القومية.
لا يمكن التنبؤ بمدى الأثر الذي ستحدثه في حياتك قدرتك على الخطابة. أحد خريجينا، وهو هنري بلاكستون، رئيس شركة سيرفو كوربويش اف أمريكا، يقول: (تعتبر القدرة على التواصل الفعال مع الآخرين، وكسب تعاونهم شيئاً عظيم القيمة نبحث عنه في الرجال الذين يصعدون الى القمة).
فكر في الإشباع والسعادة اللتين ستنالهما عندما تقف، وتطلع جمهورك على أفكارك، ومشاعرك. لقد سافرت حول العالم عدة مرات، ولكني لم أعرف غير أشياء قليلة تبعث البهجة في النفس أكثر من الاحتفاظ بجمهور يستمع اليك بقوة الكلمة، حينئذ ينتابك إحساس بالقوة، شعور بالسلطة. قال أحد الذي تخرجوا على يدي: (قبل ان أبدأ الحديث بدقيقتين كان أهون عليّ ان يضربوني بالسياط ولا أن ابدأ، ولكن قبل نهاية حديثي بدقيقتين كان أهون عليّ لو أنهم أطلقوا عليّ الرصاص ولا أنتهي).
تصور الآن نفسك أمام جمهور طُلب منك مخاطبته، تصور نفسك وأنت تخطو الى الأمام في ثقة، فيخيم السكون على الغرفة بمجرد أن تبدأ، وتشعر باستغراق الجمهور وانتباهه وأنت تذكر نقطة تلو أخرى، وتشعر بحرارة التصفيق وأنت تغادر المنصة، وتسمع كلمات التقدير التي يصيبك بها افراد من الجمهور لدى نهاية اللقاء. صدقني، إن في هذا الأمر لسحر ومتعة لن تنساها.
وليام جيمس، أستاذ علم النفس الشهير بجامعة هارفرد، كتب ست جمل يمكنها أن تحدث أثراً راسخاً في حياتك، هذه الجمل هي بمثابة (افتح يا سمسم) التي تقودك الى مغارة علي بابا التي بداخلها كنز الشجاعة، كتب يقول: (ستجد في كل الموضوعات تقريباً أن حبك للموضوع سينقذك، وإذا ما كنت تعير اهتماماً كافياً للوصول الى نتيجة ما، فأنت يقيناً ستصل اليها، وإذا ما كنت تتمنى أن تكون جيداً، فسوف تكون جيداً، وإذا ما كنت تتمنى أن تكون غنياً، فسوف تكون غنياً، وإذا ما كنت تتمنى أن تكون متعلماً، فسوف تكون متعلماً، حينئذ فقط يتعين عليك تمنّي هذه الأشياء تحديداً، ولا تتمنى (بنفس الشدة ـ مئات من الأشياء المتنافرة الأخرى).
وتعلم الحديث الفعال أمام المحافل له فوائد أخرى غير مجرد القدرة على إلقاء خطابات رسمية عامة، وفي واقع الأمر أن هناك فوائد أخرى متعددة ستجنيها من وراء هذا التدريب إن لم تكن ممن يلقون خطابات عامة.
فمن هذه الفوائد أن التدريب على الحديث العام هو الطريق السهل الى الثقة بالنفس، فبمجرد استطاعتك الوقوف، والتحدث بمهارة أمام جماعة من الناس يكون من المنطقي أن تستطيع التحدث الى الأفراد بثقة ويقين أكبر.
كثير من الرجال والنساء حصلوا ـ أساساً ـ على دورتي في الحديث الفعال لأنهم كانوا يشعرون بالخجل، والحياء في المحافل الاجتماعية، وعندما لمسوا في أنفسهم القدرة على التحدث الى زملائهم في الدورة وهم وقوف دون أدنى صعوبة، أدركوا مدى تفاهة الخجل، وبدأوا يؤثرون بقوة في أنفس الآخرين، وفي أسرهم وأصدقائهم وشركائهم في العمل وزبائنهم، وعملائهم من خلال الاتزان الذي اكتسبوه مؤخراً. وكثير من خريجينا ـ مثل السيد جودريتش – كان الدافع وراء التحاقهم بدورتنا رؤيتهم للتغيير الملحوظ الذي طرأ على أناس من حولهم.
هذا النوع من التدريب يؤثر أيضاً على الشخصية بطرق لا تظهر على الفور، فمنذ وقت ليس ببعيد سألت الدكتور ديفيد ألمان ـ جراح مدينة أتلانتيك، والرئيس السابق للجمعية الطبية الأمريكية ـ عما يراه من فوائد يحققها التدريب على الحديث العام بالنظر الى الصحة الذهنية والبدنية، فابتسم قائلاً بأن أفضل إجابة لديه على هذا السؤال هي كتابة وصفة طبية (لا يمكن لصيدلية صرفها، هذه الوصفة لابد أن يصرفها الفرد، وإذا ما ظن أنه غير قادر فهو مخطئ).
هذه الوصفة موجودة على مكتبي، وهي تثير إعجابي في كل مرة أقراها. واليك هذه الوصفة كما دونها د. ألمان:
ابذل ما في وسعك لتطوير قدرة تجعل الآخرين ينظرون في رأسك وقلبك. تعلم كيف توضح أفكارك للآخرين، فرادى وجماعات وعلى الملأ، ومع تحسنك في هذه المحاولة ستجد أنك ـ بذاتك الحقيقية ـ تؤثر في الناس، وتترك لديهم انطباعا غير مسبوق، وبإمكانك أن تجني فائدة مزدوجة من هذه الوصفة، فمع تعلمك الحديث الى الآخرين، تزداد ثقتك بنفسك، وتتغير شخصيتك بأكملها الى الأفضل. مما يعني تحسنك وجدانياً، وإذا ما كنت في حال أحسن وجدانياً فأنت في حال أحسن بدنياً، ويعتبر الحديث العام أمراً يهم الجميع في عالمنا الحديث، من رجال ونساء، وشباب وشيوخ.
ولست على دراية شخصية بفوائدها في التجارة، أو الصناعة، بل اسمع فحسب بأنها عظيمة، ولكني أعرف سماتها العائدة على الصحة. تحدث عندما تستطيع، قلَ الجمهور أو كثر، وستتحصن مرة بعد مرة، كما اكتشفت بنفسي، وسوف ينتابك شعور جديد بالبهجة، واحساس بأنك إنسان كامل لا يعوزك شئ.
يا له من إحساس رائع ذلك الذي ينتابك، إحساس لا يمكن أن تجلبه لك أية حبة دواء.
إذن، فالعلامة الإرشادية الثانية هي أن تتصور نفسك، وتنجح في أداء ما تخاف من أدائه الآن، وأن تركز على الفوائد التي ستجنيها من خلال قدرتك على الحديث على نحو مقبول أمام المحافل، وتذكر كلمات وليام جيمس: (إذا ما كنت تعير اهتماماً كافياً للوصول الى نتيجة ما، فأنت يقيناً ستصل اليها).
ثالثا : اعقد العزم على النجاح :
في أحد البرامج الإذاعية ذات مرة طلبوا مني أن أعبّر في ثلاث جمل عن أهم درس تعلمته في حياتي، وهذا ما قلته: (أكبر درس تعلمته في حياتي هو الأهمية الكبيرة للشيء الذي تفكر فيه، ولو عرفت ما تفكر فيه، فسوف أعرف من تكون، لأن أفكارك هي التي تحدد شخصيتك، ومن خلال تغيير أفكارنا يمكننا تغيير حياتنا).
ها أنت قد عقدت عزمك على هدف زيادة الثقة بالنفس والتواصل الفعال. من الآن فصاعداً عليك أن تفكر بشكل إيجابي ـ وليس سلبي ـ تجاه فرص نجاحك في هذه المحاولة. عليك أن تتفاءل بنتيجة جهودك التي تبذلها للحديث أمام الجمهور، وأن تكون كل كلمة تنطق بها، وكل فعل تقوم به مفعم بالعزيمة على تطوير هذه المقدرة.
وإليك فيما يلي قصة تبرهن على الحاجة الى العزيمة الراسخة من جانب كل شخص يريد مواجهة تحدي الحديث المعبر. الرجل الذي أكتب عنه ارتقى السلم الإداري حتى أصبح اسطورة تجارية كبرى، ولكنه عندما وقف ليتكلم لأول مرة وهو في الجامعة، خانته الكلمات، فلم يتجاوز منتصف الكلمة ذات الدقائق الخمسة التي كلفة إياها أستاذه، فابيض وجهه، وأسرع يغادر المنصة والدموع تملأ عينيه.
الرجل الذي مرّ بهذه التجربة ـ وهو طالب صغير ـ لم يدع الفشل يحبطه، بل صمم على ان يصبح متحدثاً جيداً ولم يقلع عن ذلك التصميم حتى أصبح مستشاراً اقتصادياً للحكومة له سمعة عالمية. هذا الرجل اسمه كلارنس بي. راندول. يقول راندول عن الحديث العام في كتاب عميق الفكر بعنوان (ميثاق الحرية): (لقد حصلت على شرائط تملأ كمي الأيمن والأيسر، نظراً لوقوفي متحدثاً أمام مأدبات الغداء، والعشاء التي تقيمها الجمعيات الصناعية، والغرف التجارية، ونوادي الروتاري، وحملات جمع البرعات، وجمعيات الخريجين، وغيرها، وتكلمت عن الحرب العالمية الأولى من خلال الكلمة الوطنية التي ألقيتها في اسكانبا بولاية ميتشيجان، كما طفت خطيباً في أنحاء البلاد مع ميكي روني من أجل أعمال الخير، وسافرت اليها من أجل التعليم مع جيمس برايانت كونانت رئيس جامعة هارفارد روبرت إم. هاتشين، رئيس جامعة شيكاغو، والأكثر من ذلك أنني ألقيت كلمة عقب مأدبة عشاء، وكانت بلغة فرنسية ركيكة جداً.
(أظن أنني أعرف شيئاً عما يستمع اليه الجمهور، وعن الاسلوب الذي يريدونه، وليس ثمة ما يمنع شخصاً جديراً بمسؤولية تجارية من التعلم إذا شاء).
إنني أتفق مع السيد راندول، فإرادة النجاح لابد أن تشكل عاملاً مهماً في سعي المرء للحديث بفاعلية. ولو أمكنني الاطلاع على ما يدور في ذهنك، والتأكد من قوة رغبتك، وطريقة تفكيرك، فسأستطيع التنبؤ ـ بصدق أكيد ـ بسلاسة تقدمك نحو تحقيق هدف تحسين المهارات التواصلية.
أثناء إحدى الدورات التي قدمتها في الغرب الأوسط ، وقف رجل في الليلة الأولى وقال دونما خجل أنه بوصفه بنّاء منازل ـ لن يرضى حتى يصبح المتحدث الرسمي بنّائي المنازل الأمريكيين، ولم يكن يريد شيئاً أكثر من السفر في طول البلاد وعرضها، وإطلاع جميع من يقابلهم على مشكلات صناعته، وإنجازاتها. لقد كان جوهافرستيك يعني ما يقول، فهو من نوعية الطلاب الذين يبعثون البهجة في نفس أستاذها، الى جانب اتصافه بالجدية، كان جو يريد القدرة على الكلام، ليس في القضايا المحلية وحدها، بل في القضايا القومية أيضاً، ولم تكن تعوزه الحماسة لتحقيق رغباته، كان يعد أحاديثه بدقة، ويمارسها بعناية، ولم تكن تفوته جلسة واحدة، رغم أنها كانت الدورة الأكثر ازدحاماً في ذلك العام، وكانت تضم رجال مهنته. لقد فعل كل ما يفعله طلاب العلم، فأحرز تقدماً بمعدل أثار دهشته، إذ أصبح في غضون شهرين واحداً من أبرز طلاب الفصل، وتم انتخابه رئيساً له.
كان المعلم المسؤول عن الفصل متواجداً في نورفوك بولاية فيرجينيا، منذ حوالي عام وهاك ما كتبه عنه: (قد نسيت كل شئ عن جو هافرستيك، وماضيه في أوهايو عندما فتحت ـ ذات صباح، وأنا أتناول إفطاري ـ صحيفة فيرجينا يايلوت، فوجدت صورة لجو يصاحبها مقال تقريظي عنه، ففي الليلة السابقة كان جو قد ألقى بكلمة أمام حشد كبير من بنّائي المنطقة، وعرفت أنه لم يكن مجرد متحدث رسمي باسم رابطة بنائي المنازل القومية، بل كان رئيسها).
إذن لكي تنجح في هذا العمل، فأنت تحتاج الى الصفات الجوهرية لأي محاولة جادة، وهي: الرغبة التي تصل الى درجة الحماس، والمثابرة التي تزيل الجبال، والثقة بالنفس كي تؤمن بنجاحك.
عندما أبحر يوليوس قيصر بفيالقه عبر القنال الانجليزي من بلاد الغال، ووصل الى ما يسمى الآن بإنجلترا، فما الذي فعله ليضمن نجاح جيشه؟ فعل شيئاً في غاية الذكاء: أوقف جنوده على منحدرات دوفر الطباشيرية الشاهقة، وعندما نظروا من على ارتفاع مائتي قدم الى الأمواج من تحتهم، رأوا ألسنة اللهب تلتهم كل السفن التي عبروا على متنها، أصبح الجنود في بلاد الأعداء، وقد فقدوا الوسيلة الوحيدة التي تصلهم بالقارة الأوربية، وتمكنهم من الانسحاب، فلم يتبقى أمامهم سوى شئ واحد، ألا وهو الزحف والغزو، وذلك ما فعلوه بالضبط .
تلك كانت روح الخالد قيصر، فلمَ لا تتحلى بها وأنت مقدم على غزو خوفك من الجماهير؟ اطرح كل فتاته من التفكير السلبي في النار، وأغلق أبواب الفولاذ على كل مهرب الى ماضيك الخالي من التصميم.
رابعا : اغتنم كل فرصة للممارسة :
لقد تغيرت الدورة التي قدمتها في جمعية الشبان المسيحية في شارع 125 قبل الحرب العالمية الأولى ـ الى حد يفوق الإدراك، ففي كل عام يتم تطعيم أفكار جديدة في هذه الدورات، مع نبذ الأفكار القديمة، ولكن تبقى سمة واحدة من سمات الدورة دون تغيير، إذ لابد لكل عضو في الدورة أن يقف مرة ـ وفي معظم الحالات مرتين، ويلقي حديثاً على أسماع زملائه، فلماذا؟ لأنه لا يمكن لأحد تعلّم الحديث أمام الجمهور دون التحدث أمامه، تماماً مثلما لا يمكن لأحد أن يتعلم السباحة دون النزول الى الماء، وأنت تستطيع قراءة كل الكتب التي تتحدث عن الحديث العام ـ بما في ذلك هذا الكتاب، ولكنك ستبقى غير قادر على إلقاء كلمة، ويعتبر هذا الكتاب دليلاً شاملاً، ولكن لابد لك من وضع مقترحاته موضع الممارسة.
عندما سُئل جورج برنارد شو عن كيفية تعلمه إلقاء أحاديث جذابة على الجماهير، أجاب قائلاً: (تعلمت ذلك بنفس الطريقة التي تعلمت بها التزحلق، وهي أن ظللت أخطئ وأعاود الكرّة بعناد حتى تعودت عليها).
وعندما كان شو شاباً، كان واحداً من أشد سكان لندن خجلاً، إذ كان يتمشى بطول جسر التايمز جيئة، وذهاباً لعشرين دقيقة أو أكثر قبل أن يتجرأ ويطرق باباً وهو يعترف قائلاً: (قلما وجدت أحداً أكثر مني جُبناً، أو أشد خجلاً).
وأخيراً وضع يده على أسرع وأفضل وارقى طريقة لقهر الخجل والجبن والخوف، حيث آلى على نفسه أن يجعل من نقطة ضعفه نقطة قوته الأولى، فانضم الى جمعية نقاشية وواظب على حضور كل اجتماع يعقد في لندن، ويضم مناقشة عامة مع مشاركته الدائمة في الحوار. ومن خلال تأييده لقضية الاشتراكية ومن خلال خروجه وتحدثه من أجل تلك القضية، استطاع جورج برنارد شو أن يجعل من نفسه واحد من ألمع خطباء النصف الأول من القرن العشرين وأكثرهم ثقة بالنفس.
الفرص التي تتيح لك الحديث متوافرة، وكثيرة. انضم الى المنظمات وتطوع لدى المكاتب التي ستطلب منك الحديث، قف وأكد ذاتك في المحافل العامة، ولو بمجرد تأييد اقتراح. لا تتخذ مقعداً خلفياً في الاجتماعات الإدارية، تحدث بصوت عال، قم بالتدريس في الفصول الليلة، كن قائد كشافة، انضم الى أي جماعة تتيح لك فرصة المشاركة النشطة في الاجتماعات، كل ما عليك هو النظر حولك، لترى أنه قلما كان هناك نشاط تجاري أو اجتماعي أو سياسي أو مهني أو حتى محلي لا يتحداك كي تتقدم وتلقي كلمة، وأنت لن تتعرف أبداً على التقدم الذي تحرزه إلا إذا تحدثت وتحدثت وتحدثت ثانية).
ذات مرة قال لي أحد التنفيذيين الشبان: (أنا أعرف كل هذا ولكنني متردد في مواجهة محنة التعلم).
أجبت قائلاً: (محنة! اطرح من ذهنك تلك الفكرة، إنك لم تفكر في التعلم بالروح الصحيحة : روح الغزو والانتصار).
تساءل الشاب: ( أي روح تلك؟).
أجبته قائلاً: (إنها روح المغامرة)، وتحدثت معه قليلاً عن طريق النجاح من خلال الحديث العام،
وإثارة الحماس والكشف عن شخصية المرء.
في النهاية قال الشاب: (سوف أجرب ذلك، وسوف أمض في هذه المغامرة).
وعندما تقرأ هذا الكتاب، وتضع مبادئه موضع التطبيق، ستجد نفسك في مغامرة، وأثناء هذه المغامرة سترى أن توجهك الذاتي، ورؤيتك يحافظان على بقائك، وستجد أنها تستطيع تغييرك، من الداخل والخارج.
|
|
تأثير القهوة على الصحة.. ماذا تقول الدراسات الحديثة؟
|
|
|
|
|
ثورة تكنولوجية.. غوغل تطلق شريحة كمومية "تنجز عمليات معقدة" في 5 دقائق
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية توزع المساعدات الإنسانية للعائدين إلى لبنان
|
|
|