عباس ناجي
شاعر شعبي نجفي تميز شعره بقوة الدلالة والصورة الفنية المتألقة جدّةً وطرافةً، طغى على شعره الهجاء والنقد لبعض الظواهر السياسية التي ارتبط بعضها بشخوص معروفة. وقد ذهب البعض بانه ينتقد او يهجي اشخاصا بعينهم لكن عندما تتمعن في قصائده تجده ينتقد الظاهرة السياسية المتجسدة بتلك الشخصية. مثل يوجه النقد اللاذع للنظام العارفي من خلال نقده لوزير الوحدة بين العراق ومصر. في قصيدة:
"الوحدة من تصير اثنين مذهب ﭼـلب ما يهمك
كل اللـــي أخـــذ أمك فـــورا ينكلب عــمك"
تميزت صورته الشعرية بالكاركتيرية حيث انه يضخم بعض جوانب الصورة ويبقي الجوانب الاخرى مثل ما هي فيلاحظ القارئ تلك الغرابة وهذا اللاانسجام فيدرك مقاصده.
عباس ناجي شاعر فريد في ذائقته الشعرية وفي اسلوبه وله كثير من المعجبين وخلد في قصائده بعض الاحداث التاريخية المهمة. حكى لي المحامي جليل شعبان عندما استضاف الجواهري في بيته، طلب لقاء الشاعر عباس ناجي، وطلب منه الجواهري قراءة قصائد منتقاة له، وقد اثنى الجواهري عليها، وطلب اعادة بعضها. ويذكر انه بتاثير من قصيدة عباس ناجي "حكومة من گرگري". كتب قصيدته:
- أي طرطرا ، تطرطري.. تقدمي، تأخري...
فـــي زمـــن الذرّ إلى بـــــداوة تقهقري
- أي طرطرا تطرطري .. وهللي ، وكبري
وطبلي لكل من يخزي الفتى ، وزمـّـــري
وعـــطري قاذورة ، وبـــالمديح بــــخّري
والبســي الغـــبي والاحـمق ، ثــوب عبقر
وافـــرغـي عـــلى المخـانيث دروع عنـــتر
طولي على "كسرى"، ولا تُعني بتاج "قيصر"
شـامخة شـــموخ قـــرن الثـــور بين البــقر
في النجف قلما تجد أدبا مكشوفا وذلك لبيئتها الدينية وأثرها على إضفاء المسحة العقلانية على النص، غير أن بعض الشعراء نحوا هذا المنحى، مثل: عباس ناجي في قصيدة "وينه البي شهامة ويعرف النخوه" .
ومن أشهر قصائده:
القصيدة عندما أهدى شاه إيران شباك سيدنا العباس(ع). ومطلعها:
"يبعد الروح يالعباس شـــباجك طلــع بلشـــه
بعضهم فاك بيه دكان وبعضهم حاط بيه حرشه..."
وله قصيدة ينتقد فيها المجتمع والنظام السياسي ألقي- باثرها- في السجن، ويذكر أن الدكتور علي الصافي توسط في إطلاق سراحه. وقيل : ان القصيدة لها تاريخ إذ قابله رئيس الجمهورية احمد حسن البكر بعد ان ذاع صيته بالشعر الفكاهي، وطلب الشاعر من البكر- بعد ان تدهور وضعه المادي- ان يعينه موظفا بالدولة، فسأله البكر ما هي شهاداتك ومؤهلاتك حتى نعينك بالدولة؟ فقال له الشاعر برد فكاهي وسرعة بديهة ثاقبة: ما هي مؤهلات وشهادات الشيخ زايد رئيس الامارات؟ فضحك البكر وعينه موظفا بالسياحة، وأكرمه بمبلغ مادي، وعمل مقلبا برئيس ديوان الرئاسة حينها طارق حمد العبد الله.
وعندما سأل البكر الشاعر عباس ناجي لماذا عملت قصيدة على التكارته مطلعها "مستاهل وحيل وياي ما غيرت جنسيتي لو عندي ذرة من العقل چا سجلت تكريتي" فأجاب الشاعر برد فكاهي سريع "سيادة الرئيس انا لااقصدكم أنتم، وانتم عدول، بل اذكر رئيس الوزراء السابق بعهد عارف وهو طاهر يحيى التكريتي، الذي قرّب ابناء مدينته وسلمهم مقاليد السلطه!
- مستاهل وحيل أوياي مـا غـــيرت جنسـيتي
لو عندي ذرة من العقل چـا ســــجلت تكريتي
- لا وين مـا تنطي الوجه تســـمع ابنغمة تكريت
وتنسأل لو ردت العمل من عانه أصلك لو هيت؟
شجـابني الديرة علــــي يـا ناس انـــه شــسويت
بالحك اجيت وچلبت وتــــمزگت حـــدريتي
- يا ريت لاشفت النجف ولاشفت وجهچ كربله
كلمن تِسمَّه بهـا الأســم بلـــوه على عمــره ابتله
من راوه دبرلك نســب اركض وحل المشـــكلة
لتظل تلـــف طول العمر مـحد يعينــك تـي تـــي
- مثبوت عند اهل النسب گيلاني أصله القحطان
أمِّـــن ولتجـادل بعـــد وانعـــل يـخوية الشيطان
لتصدﮔ من أهل الحسد مـاكو لـــواء بايــــران
يحمل مثل هذا الإســـم صدﮔ اوطـــيع لــحيــتي
- واســـمع بعد هذا الخبر أصـــل العرب عثمـاني
عدنـان بلبل لـــو رطن يحســـن التركســــــتاني
إحمـــل وثيقة تـــأيدك تركـي النســـب سلطـاني
تصبح من أقطاب العرب واتصـــيح يـا قـوميـــتي
- وبـالك تشم من الهوه لـو مـــر عليـــها لأيران
تصبح شـــعوبي وتُهمتك كـافر عــديم الايمـان
- أصطنبولي هذا الله ثبت وهناك خـــط القران
والســـكرتير العـاونـــه يگولون واحـــد هيتـــي
- يـا ناس عيب ومنقصه للــطائفـــيه اتــميلـــون
خلــونه مـــن هـالعقل تـاليهه والله اتندمـــون
مـاتم بعد عدنه صـــبر فاض وتبـــده المـاعون
لليمته تبـــقه امخـاصمه ســـنيتك و شــــيعيتي
- شوف الدول وين أوصلت وحنه بعــدنه انـراوح
يتـــفرج اعـــلينه العدو يضـحك الجـاي والـرايح
ما قبض منكم هالشــعب غـير النفـــخ والصـايح
بعده الشعب ذاك الشعب يتشـكه ضـيـم واوجاع
وياهو الوصل كرسي الحكم وحده الشره اوحده الباع


وله قصيدة: "مدري شجاني اتغوبرت"
- مدري شجاني تغوبرت من ربع عفلق ما صرت
چان اصبحت راعي فلوس وملبوسي أحسن ملبوس
والناس لايديّة تبوس لــــو درت بيه اتعفلقت
- وجان ارکبت طياره وليحجي أهــــجم داره
مو خاسر آني خساره لــو الف واحــــد موتت
ومن أجي اتهلهل أمي بشــرني يبــني اـشحصــلت
جا ناوشتهـا الجنطة منفــوخة مثـــل البــــطه
ويمه اكوم اتـــخطه وحــجيلهه شـــکد لفـلفت
-وچان اصبحت ﮔاسي الـﮕلب ألـﮕـف اليمشي بالدرب
ويـا دار ليهه مــن اطب أهمل بهلهه شـــما ردت
وأحفر واطم ﮔبل الفجر وحسبهه ونســـه تونسـت
- ولو أدري عفت المدرسة وعفت الحساب اوهندسه
ثوب الحرس چنت البسه وبرشاشتي جان اكشخت
بالمدرســة اﮔـضيت العمر واكتبت و قریت اشـکتر
تـاليهـا عـاقبــة الأمـــر غـــير الگلبچه مـا شـفت
ثمة قصيدة انتقد بها الرئيس عبد الكريم قاسم بعد ان تفرد بالسلطة وتعود الى عام 1962:
أوليـاه يـا بلـــدي لـــجلك تفـطّر كبدي
تشبه يا بعد أمي مثل لوري وطفر منه البدي
ركـابه ذبـهم ليوره وطنزل عليه الأوحدي
ظل يمشي ويسربت خطب مـا تنفهم من احد
من نفطه شنهو اللي حصل من طاح حظك سيّدي
كانت نقداته مروعة للآخرين، وقد يخشاها كبار الشعراء، وأحيانا في شدة أثرها يتولد ضدها، فيقال بأن رداته كانت سببا في تأسيس حزب الدعوة، فقد قال السيد طالب الرفاعي في اماليه: باننا شعرنا بتسرب شعارات الحزب الشيوعي الى صحن الامام على (ع) في تشييع الشيخ محمد الشبيبي والد الشهيد حسين الشبيبي، وكانت تلك الردات من تأليف عباس ناجي وتقول احداها:
صاح المشيع صاح هذا ابو حسين الراح
امنـــور الافكـار امعادي الاستعمار
وله في نقد رموز تراثية:
يا حزام السلطنة جنت كلك طنطنه
غيَّر المعبود شكلك صـــرت أغبر مثلنه
يا هو اليجينه بالحكم ســـودَنَّه علينه ربّنه
في 1967 أخرجت امانة العاصمة طوب (ابو خزامة) من متحف الأسلحة ونصبته في ساحة الميدان قرب بناية وزارة الدفاع القديمة. فنظم عباس ناجي أبيات يداعب فيها طوب أبي خزامة ويشير إلى كونه رمزا لأيام الاحتلال التركي الذي لم يكن أقل شرا من الاحتلال الانكليزي:
هله بطوب أبو خزامه اليطگ من وره وجدّامه
هله بخلفة مراد الدين عـــدنه وذخــر أيتـامه
هلــــه بالريحته تركي مثـــل ريــحة الشــمامة
هله بمــود الرجع لينه جديد وچشّف إلثـامه
هله بالعـابد الزاهــد العـايز جبـــه واعمــامه
هله باللي هــداه الله وطلع مو طــوب علاّمه
هله باليشفي مرضانه طبـــيب إتگول فهّـامه
سمع بأخبار نكستنه ومصـايب جون وآثامه
فزع بعد أهلي ما قصّر تنـــخّه وگطّع حــزامه
تِمدد فوگ قـاعدته الرهيب اشكثر هنــدامه
حشـــــرها إلدانته أو يخـازر گام جــدّامه
حيل وياهه إسرائيل خلهــه اتضـــوگ آلامــه
خلها اتشوف يوم أسود إذا فلـــتت الصـــمّامه
خل ياكلها ابن ديّان خاب وضاعت أحـلامه
يله وياي خل ندخل على الطـوب أبو الـخزامه
.................................................
- مستفاد من: ثامر ال حموده: ديوان الحان الريف ؛ مدونة حسين سميسم؛ مدونة تحسين عماره؛ مدونة عبد الأمير الحسناوي؛ مدونة كريم راهي
- حزام السلطنة هي مقبرة سهام السلطنة؛ مدخل المقبرة القديمة، نهاية شارع الطوسي؛ ويقال انهم من الفويلية، وهم أمراء في اقليم كرمنشاه الإيراني.
- من مخلفات المدافع التي جلبها معه السلطان مراد خان عندما حاصر بغداد ليفك اسرها من ربقة الشاه الذي دخل بغداد سنة 1048هـ/ 1638م فدك اسوار بغداد.