تُعد شلالات آنجل واحدة من أعظم المعالم الطبيعية على كوكب الأرض وأكثرها إثارة لاهتمام الجغرافيين والجيولوجيين، ليس فقط بسبب كونها الأعلى عالميًا، بل بسبب البيئة الطبيعية والجيولوجية المعقّدة التي نشأت فيها ، حيث تقع الشلالات في جنوب شرق فنزويلا داخل منتزه كانايما الوطني، وهو من أكبر المحميات الطبيعية في العالم وأكثرها تنوعًا من حيث الأشكال الأرضية والأنظمة البيئية.
يبلغ الارتفاع الكلي لشلالات آنجل نحو 979 مترًا، منها ما يقارب 807 أمتار سقوطًا حرًا متواصلًا دون أن تعترضه مصاطب أو عوائق صخرية هذا الارتفاع الهائل يجعل الماء أثناء سقوطه يتفتت إلى قطرات دقيقة بفعل الرياح وقوة الجاذبية، وغالبًا ما يتحول إلى ضباب مائي كثيف قبل وصوله إلى القاعدة، وهو ما يمنح الشلال مظهرًا أسطوريًا أشبه بستارة مائية معلّقة في السماء.
تنحدر مياه الشلال من قمة جبل يُعرف باسم أويان تيبوي، وهو أحد جبال التيبوي الشهيرة في منطقة غويانا، والتيبوي هي جبال مسطّحة القمم شديدة الانحدار الجوانب، تشكلت قبل أكثر من مليار سنة، أي أنها من أقدم التكوينات الصخرية على سطح الأرض. تتكون هذه الجبال أساسًا من صخور رملية صلبة قاومت عوامل التعرية، بينما تآكلت المناطق المحيطة بها، فبقيت القمم معزولة ومرتفعة كالجزر الصخرية وسط الغابات.
اما جيولوجيًا تلعب هذه الجبال دورًا أساسيًا في تكوين شلالات آنجل، إذ تسمح طبيعة الصخور الرملية بتجمّع مياه الأمطار فوق القمة، ثم اندفاعها فجأة عبر الحواف العمودية لتشكّل هذا السقوط المائي الهائل ولا يوجد نهر تقليدي يغذي الشلال، بل يعتمد كليًا على مياه الأمطار الاستوائية الغزيرة، لذلك يزداد تدفقه بشكل ملحوظ في موسم الأمطار، بينما يقل في فترات الجفاف دون أن يجف تمامًا.
اما مناخيًا تقع المنطقة ضمن النطاق الاستوائي الرطب، حيث ترتفع درجات الحرارة ويكثر الهطول المطري على مدار العام، مع انتشار الضباب والسحب المنخفضة، خاصة حول قمم التيبوي. هذا المناخ أسهم في نشوء نظام بيئي فريد، إذ تعيش في المنطقة نباتات وحيوانات نادرة لا توجد في أي مكان آخر في العالم، بسبب العزلة الطبيعية الطويلة لهذه الجبال.
من الناحية التاريخية، كانت الشلالات معروفة للسكان الأصليين منذ آلاف السنين، ويطلقون عليها اسم كيريبكوباي ميرو، أي شلال أعمق مكان لكن العالم الخارجي لم يتعرف عليها إلا في ثلاثينيات القرن العشرين عندما شاهدها الطيار الأمريكي جيمي آنجل أثناء رحلة جوية، فنُسب اسمه إليها لاحقًا ، ورغم ذلك، لا يزال الاسم المحلي الأصلي حاضرًا بقوة في الثقافة الفنزويلية.
تُعد شلالات آنجل اليوم رمزًا وطنيًا لفنزويلا وأحد أبرز الشواهد على قوة الطبيعة ودقة التوازن الجيولوجي والمناخي فهي ليست مجرد شلال مرتفع، بل نتيجة ملايين السنين من التغيرات الجيولوجية والمناخية التي اجتمعت لتُنتج هذا المشهد الطبيعي الفريد الذي يجمع بين الارتفاع الشاهق، والعزلة الجغرافية، والتنوع البيئي ليبقى واحدًا من أروع المعالم الجغرافية في العالم.







د.فاضل حسن شريف
منذ 1 ساعة
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN