آخر ما نزل من القرآن
المؤلف:
الدكتور عبد الرسول الغفار
المصدر:
الميسر في علوم القرآن
الجزء والصفحة:
ص67 - 70
2025-06-25
397
أولا: أشهر الروايات عند جمهور المسلمين أن آخر آية نزلت على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] قال اليعقوبي: إن آخر ما نزل عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) اليوم أكملت لكم دينكم الآية قال وهي الرواية الصحيحة الثابتة الصريحة. وكان نزولها يوم النص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) بغدير خم. [1] قال السيوطي بسنده عن أبي هريرة لما كان يوم غدير خم وهو يوم ثماني عشر من ذي الحجة قال النبي من كنت مولاه فعلي مولاه، فأنزل الله {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ} [المائدة: 3] وفيه عن أبي سعيد الخدري قال لما نصب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا يوم غدير خم فنادى له بالولاية هبط جبرائيل عليه بهذه الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] قال هذا نزل يوم عرفة فلم ينزل بعدها حرام ولا حلال ورجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمات فقالت أسماء بنت عميس: حججت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تلك الحجة فبينما نحن نسير إذ تجلى له جبرائيل على الراحلة فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن فبركت فأتيته فسجيت عليه بردا كان علي. وعن ابن جريج قال: مكث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدما نزلت هذه الآية إحدى وثمانين ليلة [2].
وفي التفسير الكبير قال إنه لما نزلت هذه الآية - اليوم أكملت لكم دينكم - على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعمر بعد نزولها إلا أحدا وثمانين يوما. أو اثنين وثمانين يوما ولم يحصل في الشريعة بعدها زيادة ولا نسخ ولا تبديل البتة وكان ذلك جاريا مجرى أخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)عن قرب وفاته [3]. وذكر ابن المغازلي الشافعي بسنده إلى أبي هريرة قال من صام يوم ثمانية عشر من ذي الحجة كتب الله له صيام ستين شهرا وهو يوم غدير خم بها أخذ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره فقال له عمر بن الخطاب بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن فأنزل الله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم [4]. أقول ذكر السيد ابن طاووس في الطرائف طرق كثير من علماء المذاهب وأهل الصحاح فراجع وهناك روايات كثيرة من طرقنا ذكرها البحراني في البرهان [5].
ثانيا: قيل إن آخر آية نزلت: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]. نزل بها جبرائيل وقال: ضعها في رأسي المائتين والثمانين من سورة البقرة وعاش الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدها أحدا وعشرين يوما وقيل سبعة أيام [6].
ثالثا: وروى السيوطي عن البراء بن عازب قال آخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكللة النساء / 176 وآخر سورة نزلت براءة [7].
وأخرج البخاري عن ابن عباس والبيهقي وأحمد وابن ماجة وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري عن عمر أن آخر آية نزلت آية الربا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278]
رابعا: أخرج النسائي عن ابن عباس وابن مردويه عن ابن عباس وابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد ابن جبير أن آخر آية نزلت هي: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281]
خامسا: في المستدرك عن أبي بن كعب قال: آخر آية نزلت {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [التوبة: 128]
سادسا: ورد من طرق العامة كما ورد من طرقنا الخاصة إن آخر سور نزلت هي إذا جاء نصر الله والفتح. ولما قرأها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أصحابه فرحوا واستبشروا إلا العباس بن عبد المطلب إذ بكى لما سمعها قال (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يبكيك يا عم؟ قال: أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله فقال: أنه لكما تقول فعاش بعدها سنتين [8].
ويؤكد ذلك السيوطي بسنده عن ابن عباس قال: آخر سورة نزلت إذا جاء نصر الله والفتح [9]. وعن الإمام الرضا (عليه السلام) عن أبيه (عليه السلام) قال أول سورة نزلت بسم الله الرحمن الرحيم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] ... وآخر سورة نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] [10]
سابعا: وقيل إن آخر سورة نزلت هي (براءة) نزلت في السنة التاسعة بعد عام الفتح عند رجوع النبي من غزوة تبوك بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآيات من أولها مع أبى بكر ثم نزل عليه الوحي أنه لا يبلغها إلا واحد من أهله فبعث عليا فأخذها من أبي بكر ليقرأها على ملأ من المشركين [11].
رب معترض يقول كيف اختلف المسلمون في هذا النقل وهل هذا يعني إلا ضرب من التهاون أم شيء آخر؟ أقول أن اختلاف الرواة إنما حصل لكون أحدهم ينقل عن النبي آخر ما سمعه منه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا يدري عما نقله غيره وربما رحل الراوي إلى بلده أو جهز لغزو أو كان في سرية وقد نزل بعده وحي وقد أمر به النبي أن يوضع في السورة الفلانية أو مع الآيات الفلانية وهذا الاختلاف لا يورث نقصا في الدين أو خدشا في الفرائض كما يمكن حمل قول الصحابي على الاجتهاد أو الظن. وخلاصة القول أن آخر سورة نزلت باعتبار مفتتحها سورة التوبة، أما سورة {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] فإنها نزلت عام الفتح في مكة أي قبل نزول سورة التوبة بسنة واحدة. والذي ورد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) بشكل صحيح متواتر آية اليوم أكملت لكم دينكم آخر ما نزل من الآيات وهو الراجح ولا عبرة بالروايات الأخرى التي هي أخبار آحاد لا توجب علما ولا عملا قال البيهقي: يجمع بين هذه الاختلافات - إن صحت - بأن كل واحد أجاب بما عنده. وقال القاضي أبو بكر في الانتصار هذه الأقوال ليس فيها شيء مرفوع إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكل قاله بضرب من الاجتهاد وغلبه الظن ويحتمل أن كلاً منهم أخبر عن آخر ما سمعه من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في اليوم الذي مات فيه أو قبل مرضه بقليل وغيره سمع منه بعد ذلك وإن لم يسمعه هو ويحتمل أيضا أن تنزل هذه الآية التي هي آخر آية تلاها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع آيات نزلت معها فيؤمر برسم ما نزل معها بعد رسم تلك فيظن أنه آخر ما نزل في الترتيب [12].
عرض القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كل عام البخاري عن مسروق عن عائشة عن فاطمة قالت أسر إلي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن جبرائيل يعارضني بالقرآن كل سنة وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي [13].
البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أجود الناس بالخير وأجود ما يكون في شهر رمضان لأن جبرائيل كان يلقاه في كل ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ يعرض عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن فإذا لقيه جبرائيل كان أجود بالخير من الريح المرسلة [14]. البخاري بسنده عن أبي هريرة قال كان يعرض على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) القرآن كل عام مرة فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض وكان يعتكف كل عام عشراً فاعتكف عشرين في العام الذي قبض [15].
[1] تاريخ اليعقوبي 2/ 35.
[2] الدر المنثور 3/ 19ط 2، 1988
[4] مناقب ابن المغازلي الشافعي ص 19 الحديث 24
[5] تفسير البرهان المجلد وكذا في تفسير الصافي 1/ 421
[7] صحيح البخاري تفسير سورة النساء والإتقان 1/ 86
[8] المجمع 10/ 554 والبرهان 1/ 29
[10] عيون أخبار الرضا2/ 6 وأصول الكافي 2/ 628 باب النوادر حديث/ 5.
[13] صحيح البخاری / 101و 102
[14] صحيح البخاری / 101و 102
[15] صحيح البخاری / 101و 102
الاكثر قراءة في نزول القرآن
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة