الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
أسباب ازمة التعليم العام / الجانب الاجتماعي
المؤلف:
أ. د. عبد الكريم بكَار
المصدر:
حول التربية والتعليم
الجزء والصفحة:
ص 340 ــ 343
2025-07-09
14
حاجة المجتمعات إلى التطور ملحة، لكن التطورات السريعة التي تشهدها الأمم المختلفة، قد أدت إلى تجديدات غير منضبطة، مما أدى إلى تفكيك النظم الثقافية والاجتماعية الموروثة. وقد وجد على مدار التاريخ نوع من الانسجام والتكامل بين القيم والمبادئ الإسلامية وبين النظم والمناهج التربوية والتعليمية القائمة في ديار الإسلام؛ فقد كان الركود وبطء التغير، يتيحان الوقت الكافي لذلك التكامل. أما اليوم فإن الوافدات الثقافية ومتطلبات العيش، قد زادت من الطلب على نوع من التربية والتعليم لم نكن في الماضي مهيئين لتقديمه؛ مما أدى إلى اختلاط ضخم في المفاهيم والمثل والقيم وهذا من شأنه أن يقلل من فاعلية النظم والمناهج القائمة، وأن يستدعي تغييرات كثيرة، ربما لا يسمح كثير من النظم السياسية القيام بها، مما يعكس أشكالاً من التأزمات الأخلاقية والاجتماعية.
إن جوهر كثير من الأزمات الاجتماعية، يعود إلى أسس أخلاقية حيث إن اجتماع الناس بعضهم مع بعض، يولد بطبيعته توترات كثيرة ويجعل بذلك من نفسه محكاً مهماً للكشف عن القيم والأخلاق التي تشربها الناس، وأصبحت جزءاً من ذواتهم في حالة اختلاط المفاهيم ووهن الثقة بالقيم الموروثة، لا يجد التعليم نفسه عاجزاً عن إصلاح الخلل فحسب، بل إنه يصبح مجالاً من مجالات تجلياته وتجسده!.
إن من واجبات المدرسة أن تجعل من نفسها إطاراً لتحقيق ذات الطالب، فهي مسؤولة عن غرس روح الانتماء فيه إلى دينه وأمته، وعن منحه منهجاً يمكنه من فهم تحديات الواقع، وسبل الاستجابة لها، كما أنها مسؤولة عن أن توضح له ملامح (الهوية) التي ينبغي أن تتجسد في سلوكه وعلاقاته. فإذا ما أخفقت المدرسة في تحقيق قدر مقبول من كل ذلك، فإن الطالب سيحقق ذاته عن طريق انتماءات وسلوكات سيئة، كثيراً ما تتجسد في أنشطة إجرامية أو طائشة، ولذا فإن انتشار المخدرات والتدخين والعلاقات العاطفية المنحرفة والعدوان على الممتلكات العامة والانشغال بالرياضة وبالتلفاز عن أداء الواجبات المدرسية ... إن كل ذلك يدل دلالة واضحة على أن المدرسة لم تقم بما كان مؤملاً منها القيام به!.
من جوانب الأزمة الاجتماعية أن أكثر المعلمين والآباء والطلاب والقائمين على وسائل التثقيف والإعلام، قد تغيرت نظرتهم إلى العلم تغيراً كلياً؛ فقد كان من أدبياتنا ومن موروثاتنا الثقافية أن طلب العلم من أفضل القربات إلى الله - تعالى - والمسلم يتعلم ليعمل، وكان بعض الناس يتحرج من أن يتعلم أموراً، لا يقوى على العمل بها؛ وهذا كله أبقى التعلم في إطار أخلاقي، يشع بالاحتساب وطلب التقرب إلى الله - جل وعلا - مما أضفى على العمليات التعليمية قدراً كبيراً من السمو والترفع عن المنافع الدنيوية والمادية، أما اليوم فإن المدارس تعلم الناشئة أن العلم يستهدف الحصول على الشهادة والشهادة للوظيفة، والوظيفة لتحقيق الذات. والحصول على الرفاهية ... وهذا جعل أجواء طلب العلم مصبوغة بصبغة تجارية فاقعة، فلا أهداف سامية، ولا انتظار لمثوبة، ولا رغبة حقيقية في تحصیل علم نافع فضلاً عن التطلع للعمل به، ولكل ذلك استثناءات، لا تشكل ظاهرة لافتة.
النظر إلى العلم على أنه وسيلة لتحقيق مارب دنيوية محضة، أفسد أشياء كثيرة في حياة الطلاب، وفي الحياة المدرسية؛ فقد انتشر الغش في المدارس (1)، ونشط بيع الأسئلة، كما انتشرت الدروس (الخاصة) ومع أن بعضها نابع من حاجة حقيقية إلا أن كثيراً منها تعبير واضح عن ظاهرة مرضية كضعف بعض المدرسين أو ازدحام الفصول... لكن الأسوأ من هذا كله أن بعض المعلمين أخذ يرسّب كل أولئك الطلاب الذين لا يدرسون عليه دروساً خاصة، ولا ينتفع من ورائهم!!
وهذا شوّه الكثير الكثير من معاني التربية والتعليم على نحو قد لا نراه في كثير من البلاد التي توصف عادة بالانحلال الخلقي والفساد الاجتماعي من دول الشرق والغرب!.
لا ننسى هنا ما حدث من تطور خطير في وظيفة المدرس وإحساسه بالمهام الملقاة عليه؛ فقد كان يشعر في الماضي أنه معلم ومرب وقدوة وأب لكل طالب، يقوم على تعليمه وكان أكثر المدرسين، يتصرف التصرف الذي ينسجم مع ذلك الإحساس وبسبب ضغوط هائلة قزمت كل الرموز والوظائف الفاعلة في الحياة العامة، ومنها وظيفة المعلم لتنحصر في إعطاء بعض المعلومات داخل قاعة الدرس وفق جدول محدد!، هذا التهميش العنيف غير نظرة المدرس إلى نفسه، وغير نظرة المجتمع إليه، ودفع ثمن ذلك بالله الطالب الذي فقد القدوة والمثل، وفقد العطف والسمو والنصح !!
هناك وجه آخر للأزمة التعليمية على الصعيد الاجتماعي، يتمثل في وجود طبقية واضحة في المدارس والمؤسسات التربوية، فعلى حين تزدحم المدارس في القرى والأحياء الفقيرة من المدن بالطلاب وبالمدرسين الأقل كفاءة مع شح في وسائل التعليم، تجد المدارس في الأحياء الراقية، تزخر بالإمكانات المختلفة وأخذ التعليم الخاص يزيد من تفاقم المشكلة، حيث إن القادرين على الدفع من رجالات الأعمال وطبقة النخبة، يدفعون بأبنائهم إلى المدارس الخاصة التي توفر في العادة إمكانات أفضل من المدارس الحكومية. وهذا يجعل من التعليم الذي هو وسيلة دمج اجتماعي في الأصل أداة لتمزيق أوصال المجتمع والتهيئة لأوضاع الاستغلال والعبودية وانعدام تكافؤ الفرص، وهذا بسبب أن التعليم لم تصحبه إصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية بعيدة المدى (2).
إن كثيراً من المدارس الخاصة، يتعامل مع قضية التعليم من منظور تجاري بحت، فرضا الطالب مقدم على رضا الأستاذ، والشكل مقدم على الجوهر؛ وهي من خلال (تدليل) الطالب المبالغ فيه تفسد من نفسه وخلقه أكثر مما تصلح (3). وهذا كله يجري في بلاد المسلمين، على حين تتجه دول كبرى عديدة إلى المزيد من فرض الرقابة على مؤسسات التعليم، حتى تنقذها من براثن نظام التجارة والشهية إلى الربح الفاحش!.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ تناقلت وكالات الأنباء مؤخراً أخبار مظاهرة طلابية في إحدى المدن الباكستانية، يطالب القائمون عليها بالسماح بالغش بالمدارس، ويحتجون على منعه!!.
2ـ انظر: أزمة العالم في التعليم: 275.
3ـ لكل إطلاقاتنا شواذ، تؤكد القاعدة ولا تجرحها.
الاكثر قراءة في التربية العلمية والفكرية والثقافية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
