الدور الذي قامت به الإسكندرية في الأدب والعلوم خلال حكم البطالمة
المؤلف:
سليم حسن
المصدر:
موسوعة مصر القديمة
الجزء والصفحة:
ج14 ص 229 ــ 231
2025-07-23
259
لم يكن هَم «بطليموس الأول» قاصرًا على التوفيق بين السكان الجدد من الإغريق الذين وفدوا على مصر بعد فتوح «الإسكندر» وبين السكان الأصليين في مصر من الوجهة الدينية فحسب، بل دلت الوثائق على أنه كان مهتمًّا اهتمامًا بالغًا برفع مستوى الثقافة ونشر العلوم وبخاصة في الإسكندرية عاصمة ملكه الجديد ليدرج بها إلى أرقى مكانة في العالم الهيلانستيكي في عهده والواقع أنه وصل بهذه العاصمة الجديدة التي كانت تضم تحت جوانحها جثمان «الإسكندر الأكبر» إلى منزلة لم تتمتع بها مدينة أخرى في العالم القديم؛ فقد كانت تدعى بحق في خلال القرن الثالث قبل الميلاد عاصمة الأدب في العالم الإغريقي، وفي الحق لم نجد في خلال هذا العصر أي فرع من فروع الشعر باستثناء الكوميديا إلا ضربت فيه الإسكندرية بسهم صائب، وبحلول منتصف القرن الثالث ق.م كان نفوذ الإسكندرية في عالم الشعر قد بلغ شأوًا بعيدًا لدرجة أن شاعرًا عظيمًا مثل «أيوفريون» Euphorion الذي، على ما يظهر، كان قد قضى معظم سِنِي حياته في بلاد الإغريق القديمة و«سوريا»، كان يُعَدُّ مصريًّا كأي شاعر يقطن العاصمة المصرية.
أما في النثر فلم تكن الإسكندرية تتمتع بنفس النفوذ الذي كان لها في الشعر، وقد بقي ميدان الفلسفة المميِّز لأثينا، ومع ذلك فإن بعض الفلاسفة وبخاصة جماعة المتشائمين قد وجدوا سبيلهم إلى مصر واستوطنوها، وقد كان الجو بوجه عام غير ملائم لهذا النوع من النشاط العقلي، ومما هو جدير بالملاحظة في هذا الصدد أن المحاضرات التي ألقاها الفيلسوف «هيجسياس» رسول التشاؤم قد أُلغيت بمقتضى منشور ملكي بوصفها محاضرات مثبِّطة للأخلاق العامة، هذا ولم يكن للخطابة أو البلاغة أية أهمية تذكر في الإسكندرية، وذلك لأن الأحوال السياسية في البلاد لم يكن فيها ما يدعو إلى الخطابة أو البلاغة، على أن ذلك لم يمنع وجود خطباء وبلغاء في مصر وقتئذ، والواقع أنه كُشف حديثًا عن عدد كبير من الأوراق البردية تحتوي على خطب مدرسية.
ويدل ما لدينا من وثائق على أن العلوم التطبيقية كالجغرافية والرياضة والطبيعة والطب والتاريخ الطبيعي وفقه اللغة كانت هي أنواع المعارف التي شغلت كُتاب النثر في هذه الآونة.
وإذا فحصنا ما وصل إلينا من فروع النثر نجد أن بعضها قد مثل بصورة واضحة أكثر من بعضها الآخر، ففي عصر خلفاء «الإسكندر الأكبر» نجد أن الخطابة كانت منتشرة للحاجة إليها في تلك الفترة المليئة بالأحداث المثيرة للعواطف وبانتهاء تلك الفترة دعت الحاجة إلى تدوين تاريخ تلك الأحداث.
أما الأدب لذاته في تلك الفترة فكان شيئًا لا يُذكر، ومن أجل ذلك كان فضل البطالمة العظيم في أنهم أول ملوك هيلانستيكيين أقاموا أسرة ثابتة الدعائم أساسها العلم والمعرفة وقد ضربوا المثل في إمداد بلادهم بالفنون والعلوم بعزم وثبات، وتدل الأحوال على أن الإغريق لم يكونوا يعرفون فضل الإسكندرية، ولا أدل على ذلك مما اقتبسه لنا «أثناوس» Athenaeus باستحسان، وهو أن الإسكندريين هم الذين علموا كل الإغريق والبرابرة، وذلك عندما كانت الثقافة العامة تنحدر نحو الأُفُول بسبب الاضطرابات المستمرة في عهد خلفاء الإسكندر، حقًّا قد يكون «أثناوس» قد بالغ بعض الشيء فيما ذكره أو من نقَلَ كلامه عنه، ولكن تشجيع البطالمة للأدب والعلم في ذلك الوقت قد يغفر له تجاوزه في إطراء الإسكندرية.
والواقع أن «بطليموس الأول» مؤسس الإسكندرية التي يدين لها العالم بالعلوم والمعارف قد حدثنا في مذكراته التي تركها لنا أنه لم يكن يقصد أن تصبح الإسكندرية مخزن تجارة دوليًّا وحسب، بل كان جُلُّ ما تتوق إليه نفسه أن تصبح مهدًا لحضارة أسرته، بل وأكثر من ذلك أن تعمل على تقدم العقل الإنساني، ولقد رأى «بطليموس» أن بلاد الإغريق قد هدت قواها وبلغت من الكبر عِتِيًّا وأصابها الفقر حتى أصبحت وليس في قدرتها أن تحافظ على شهرتها القديمة، ولما لم يكن في قدرته أن يستولي عليها كما أشرنا إلى ذلك من قبل فإنه أخذ في استعارة كل ما يمكن استعارته منها لينقله إلى الإسكندرية من آراء وكتب وعلماء.
والواقع أن معظم هذا العمل قد قام به ابنه وخلفه «بطليموس الثاني»، غير أنه كان له فضل السبق والمبادرة في وضع الحجر الأساسي للعلوم.
الاكثر قراءة في العصور القديمة في مصر
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة