أهمية علم النانوتكنولوجي وحجم الاستثمارات
المؤلف:
منير نايفة
المصدر:
النانوتكنولوجي- عالم صغير ومستقبل كبير- صفات سلامة
الجزء والصفحة:
ص35
2025-10-28
42
ترى دول العالم الآن أن المستقبل سوف يكون لتكنولوجيا النانو ومنتجاتها، وتكمن أهمية هذه التقنية الحديثة في كونها غير مكلفة، مقارنة بباقي التقنيات التقليدية وعوائدها الاقتصادية مرتفعة للغاية. فهي تمثل مزيجا بين العلم والتكنولوجيا، يتم توجيهه نحو التطبيقات العملية، حيث يبداً عملها من المكونات الأساسية للمادة وهي الذرات والجزيئات، مما يجعل تأثيرها على جميع مجالات العلوم والتقنية، ولتصبح مجالاً لميادين عديدة من التخصصات العلمية والتطبيقية، فتتشابك وتتداخل فيها العلوم الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية والميكانيكية والإلكترونية وعلم المواد وتقنية المعلومات، لذلك ينشط في مجال النانو تكنولوجي علماء من تخصصات مختلفة، بينهم علماء فيزياء وكيمياء ومهندسون وخبراء مواد وعلماء أحياء. وأصبحت هذه التقنية الجديدة تحمل وعودا ضخمة لتطبيقات نانوية عديدة ومتزايدة في مختلف بحالات العلم والبحث والتطوير، حيث يرى العلماء أن النانوتكنولوجي هي التي سترسم صورة العالم خلال الثلاثين عاماً القادمة، بالإضافة إلى أنها ثورة تكنولوجية جديدة ستغير أوجه الحياة تغييراً جذريا.
ومن المحتمل أن يغير البحث والتطور في مجال النانوتكنولوجيا الممارسات التقليدية في تصميم وتصنيع مجموعة واسعة من المنتجات والسلع بدءاً بالسلع الاستهلاكية والإلكترونيات والكمبيوتر والمعلومات والتكنولوجيا الحيوية، مروراً بالدفاع الجوي والطاقة والبيئة، وصولاً إلى الطب والتجميل، وستتأثر قطاعات الاقتصاد كلها في العمق بتكنولوجيا النانو.
حول أهمية علم النانوتكنولوجي يقول عالم الفيزياء الأميركي دوین توماس Thomas Edwin مدير معهد النانوتكنولوجيا للجنود ماساتشوستس معهد في Institute for Soldier Nanotechnologies للتكنولوجيا الأميركي الشهير ،MIT بأن النانو شئ مهول وذو فوائد عظيمة للبشرية، فهو علم مستقل ويقع في الأهمية في موضع مواز للكهرباء والترانزستور والإنترنت والمضادات الحيوية، والعلماء بحاجة إلى فهم أوسع وأدق لعالم هذه التقنية والمجالات التي تفيد فيها أو تستخدم من خلالها، ويصف توماس" النانو بأنه عالم تجهل عنه الكثير، يقع بين مستوى المادة على هيئة ذرة لا تلمس ولا ترى، وبين مستوى المادة على هيئة كتلة ملموسة ومرئية فتكوين خلايا النانو من مادة ما يجعلها تملك من الخصائص وتتفاعل بطريقة مغايرة لما تقوم به كتلة مرئية وملموسة لنفس المادة، وعند مستوى النانو تكون المادة أقوى وأخف وأكثر قدرة على الذوبان في الماء وأقدر على مقاومة تأثير الحرارة وأكثر قابلية لتوصيل الحرارة، ويستطرد توماس" شارحاً أن خلية نانو من الذهب مثلاً ليس لها اللون الذهبي بل أطياف من ألوان شتى تختلف كلما زادت كتلة الخلية، وهو ما يستخدمه مثلا صانعو الزجاج لإعطائه ألواناً مختلفة دون علم منهم بتقنية النانو (.
الجديدة أو البناء الجزيئي الجديد، وتلعب تطورات النانو دوراً بالغاً في نضوج التقنيات المجمعة ذاتياً assembly-Self التي ستشكل في القرن الحالي القاعدة الأساسية لصناعات الأشياء من الأجهزة الإلكترونية إلى أدوات صناعة السيارات إلى صناعة الملابس، كما تساهم في خلق مواد جديدة خفيفة وقوية. أي أن دور النانوتكنولوجي يتمثل في تطوير تقنيات تعني بطبيعة المادة ومكوناتها وكيفية التلاعب والسيطرة عليها الخالق تطبيقات عملية في العالم الحقيقي. فالهدف الأساسي للبحوث العاملة في مجال النانو، هو بناء دوائر إلكترونية من أعداد هائلة من المكونات أو الأجزاء المجمعة ذاتيا،ً واحتواء هذه الدوائر على مكونات بقياسات النانو، تمكن الرقائق المصنعة بطريقة التجميع الذاتي على تكامل كثافة عالية من الأجزاء الأولية والأساسية لرقائق المستقبل. ففي مجال الكمبيوتر ننتظر رقيقة إلكترونية جديدة مساحتها 1 سنتمتر مربع ولكنها قادرة على تخزين كوادرليون" quadrillion حرف، أي واحد وبجواره صفرا15،ً أو ما يعادل ألف تيرا بايت Terabyles، والتي تعادل ألف مليون ميغابيت و بمعنى آخر إمكانية تخزين كل المعرفة البشرية المسجلة حتى الآن على هذه الشريحة الإلكترونية الجديدة، وهو ما يعني أنه سيمكنك أن تحمل في سلسلة مفاتيحك أو في تليفونك المحمول كل المعرفة البشرية وتستطيع توظيفها واستخدامها، بمعنى آخر أن كل إنسان سيستطيع أن يحمل بين أصابعه جهاز سوبر سوبر كمبيوتر، ويمكن استخدامه في العديد من المهام.
وتذهب تطبيقات النانوتكنولوجي إلى أبعد من أشباه الموصلات والكمبيوتر ، لتؤثر بشكل فعال في كافة محالات الحياة، وتعدنا بمصادر جديدة للطاقة النظيفة وأنظمة للسيطرة على التلوث، وبحسات مجهرية و آلات توزع الدواء تعمل داخل جسم الإنسان لاكتشاف ومعالجة الأمراض وبخاصة المستعصية منها، فيمكن أن تدخل هذه الآلات جسم الإنسان لرصد مواقع السرطان، ثم تصنع وتولد أدوية لمقاومة السرطان في نفس المكان دون أي آثار جانبية ناتجة عن التغييرات الكيماوية التي تحدثها الأدوية. وتعد النانوتكنولوجي بتطورات هائلة في مختلف محالات وميادين العلوم بصورة تفوق الخيال، فمع التحسن المتوقع للآلات متناهية الصغر بأبعاد الجزيئيات، تنبأ عالم الفيزياء الأميركي "إريك در يكسلر" في كتابه محركات الخلق أو التكوين"، بأن الآلات متناهية الصغر سوف تبني في 11 المستقبل ناطحات سحاب، لأنها لن تكتفي ببناء تنويعة واسعة من المواد، بل ستكون قادرة أيضاً على إنتاج نسخ من نفسها بأعداد لا حصر لها.
لهذا فإن النانوتكنولوجي وأبحاثها تحتل أبواباً كاملة في العديد من المجلات والدوريات والمطبوعات العلمية العالمية، كما تشهد العديد من المؤتمرات والندوات وورش العمل، فقد ذكرت مجلة "عالم الفيزياء" الشهرية في عدد آب أغسطس 2008 أن الصين قد تجاوزت بريطانيا وألمانيا في عدد الأبحاث الفيزيائية المنشورة، مشيرة إلى أنها على وشك تجاوز الولايات المتحدة.
وأشارت الدورية إلى زيادة المقالات المنشورة في مجال تكنولوجيا النانو، والتي شارك في إعدادها عالم واحد على الأقل مقيم في الصين، إلى 10 أضعاف منذ بدء الألفية، لتصل إلى أكثر من 10500 عام 2007 . وأكدت الدورية أنه إذا استمر إنتاج الصين في الزيادة بسرعته الحالية، فستنشر عدداً أكبر لأبحاث الفيزياء، بل وكافة مجالات العلوم، من الولايات المتحدة بحلول عام 2012.
وتعد الصين الآن واحدة من دول العالم الرائدة من حيث عدد الشركات المسجلة حديثاً في مجال صناعة النانو وعدد براءات الاختراع المتعلقة بها، وتركز الصين في مجال النانوتكنولوجي على الابتكارات و المنتجات الجديدة، حيث تمتلك ثلاثة مراكز وطنية في تكنولوجيا النانو، هي المركز الوطني لعلوم وتقنيات النانو في بكين، ويعد المركز الرئيسي لعلوم وأبحاث النانو، ومركز شنغهاي الوطني لتطوير وتسويق تقنية النانو، ويتعاون معه 7 جامعات وبعض المعاهد و 9 شركات خاصة، ويهدف إلى إنتاج منتجات نانو جديدة للأسواق، ومركز تيانجين الوطني لمنتجات النانو التجارية، ويعني خصيصاً خـ بتصنيع وتجارة منتجات النانو. كما أن هناك عدداً من المراكز الجامعية والمحلية المتداخلة في الأبحاث الخاصة بالنانوتكنولوجي، فهناك أكثر من 300 مؤسسة تعمل في البحث والتطوير في مجال صناعة النانو، كما أن هناك أكثر من 7000 عالم يعملون في هذا المجال، هذا بالإضافة إلى وجود أكثر من 800 شركة تعمل في مجال تقنية النانو، الأمر الذي أدى إلى وصول الصين إلى مستويات متقدمة عالمياً في مجال صناعة النانو و تتنافس جميع دول العالم الآن وبخاصة المتقدمة منها في تخصيص ميزانيات ضخمة متزايدة للبحث والتطوير والاستثمار بشدة في هذه التكنولوجيا الواعدة، ضمن مبادرات قومية وخطط بحثية متقدمة تحظى بأولوية التمويل والرعاية الرسمية من حكومات هذه الدول، فعلى سبيل المثال بين عامي 1997 و 2005، قفز استثمار حكومات دول العالم في أبحاث وتطوير النانوتكنولوجي جي من 432 مليون دولار إلى 4.1 بليون دولار، وتتنبأ مؤسسة العلوم القومية الأميركية بأن سوق خدمات النانوتكنولوجيا ومنتجاتها سيصل إلى التريليون دولار عام 2015.
و في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا واليابان، برزت مبادرات عديدة تتمحور حول دراسات أجرتها الحكومة وأفراد القطاع الخاص من أجل تكثيف البحث والتطور في مجال تقنية النانوتكنولوجي، وقد قامت هذه الدول باستثمار مئات ملايين الدولارات في هذه التقنية،وفي آذار / مارس 2007، أعلن معهد لوكس للبحث والتطوير" في نيويورك المتخصص في دراسة أسواق النانوتكنولوجي، عن نتائج بحث أجراه لتحديد الدول الرائدة عالمياً في النانوتكنولوجي من بين 14 دولة، و ذلك من خلال دراسة مستويات الإنفاق على هذه التكنولوجيا الحديثة من قبل الحكومات والشركات الخاصة، وحجم وجودة مراكز دراسة تكنولوجيا النانو التابعة للحكومات والجامعات، والبراعة الفائقة الشاملة لتطوير تكنولوجيا النانو، وقد توصل المعهد إلى أن الدول الريادية في النانوتكنولوجي هي الولايات المتحدة، واليابان، وألمانيا، و كوريا الجنوبية، وأن الصين والهند وروسيا قد بدأت في تقليص الفجوة بينها وبين هذه الدول.
و يعني هذا أن هناك سباقاً هائلاً بين الدول المتقدمة في هذا المجال الحيوي الذي سيقرر ترتيب الدول في سلم التقدم لعقود عديدة، كما سيحدد مستقبلها في مختلف المجالات الصناعية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، فهذه التكنولوجيا تمثل ثورة علمية وتكنولوجية جديدة، تفتح آفاقاً واسعة لمن يملك مفاتيحها، وتحمل تطبيقاتها نتائج إيجابية إن تم استخدامها الخير البشرية، وقد تكون مصدر شرور إن استخدمت في ساحات الحرب والقتال، فمن الممكن صناعة أسلحة فتاكة متناهية الصغر، تقوم أعداد كبيرة منها بمهاجمة مواقع الأعداء وتدميرها. وقد أشار لذلك رئيس الولايات المتحدة السابق بيل كلينتون عندما قال إن تكنولوجيا النانو هي التي ستحدد في السنوات المقبلة أهم الفروق بين الدول المتقدمة والدول النامية.
ومن المحتمل أن يغير البحث والتطور في مجال النانوتكنولوجيا الممارسات التقليدية في تصميم مجموعة واسعة من السلع الهندسية وتحليلها وتصنيعها. فبدءاً بالسلع الاستهلاكية والإلكترونيات والكمبيوتر والمعلومات والتكنولوجيا الحيوية، مرورا بالدفاع الجوي والطاقة والبيئة وصولا إلى الطب والتجميل، ستتأثر قطاعات الاقتصاد كلها في العمق بتكنولوجيا النانو.
فالصناعات التي ستدخل فيها تكنولوجيا النانو، ستمحو من الأسواق جميع الصناعات المنتجة بالتكنولوجيا والأساليب التقليدية الحالية، لأنها ستكون أفضل منها وأرخص وأقل استهلاكاً للطاقة و للمواد وأكثر نظافة لأنها لا تلوث البيئة، كما ستكون أكثر قوة ومتانة منها بمئات المرات. فمثلاً أجهزة الكمبيوتر المصنعة بتكنولوجيا النانو ستكون أقوى بمئات الآلاف من المرات من أقوى الأجهزة المستخدمة حاليا،ً وأيضاً ستكون أكثر سرعة وأصغر منها بكثير، بحيث يمكن وضعها في الجيب، لأن حجمها سيكون بحجم سنتيمتر مكعب واحد.
فعلى سبيل المثال أعلنت الولايات المتحدة أن خططها للنانو تكنولوجي تعتبر نواة الثورة الصناعية القادمة، كما ارتفعت مساعدة حكومتها المالية لبحوث النانوتكنولوجي من 497 مليون دولار عام 2001 إلى 1.3 بليون دولار في العام 212007 . وتجدر الإشارة إلى أن وكالة الفضاء الأميركية ناسا( تنفق أكثر من 40 مليون دولار سنوياً على هذه التقنية، كما خصص المعهد القومي الأميركي للسرطان 144 مليون دولار على خمس سنوات لدراسة استخدام النانوتكنولوجيا في تشخيص السرطان والسيطرة عليه وعلاجه، كما قامت الولايات المتحدة عام 2006 بإنشاء مركز رئيسي لبحوث النانوتكنولوجي هو المركز الحسابي الابتكارات النانوتكنولوجي" في "معهد رينسلر اللعلوم التطبيقية"، ميزانية بلغت أكثر من 100 مليون دولار، ويعد أكبر مرکز جامعي للكمبيوترات المتفوقة (أي الأضخم حجماً والأكثر سرعة)، وأحد المراكز العشرة الأكبر على مستوى العالم.....
كما أن الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين" قد أشار إلى جدية الخطوات التي تقوم بها روسيا في مجال النانوتكنولوجي، فقد صرح في اجتماع عقده في معهد كورتشاتوف للبحوث النووية" بموسكو في نيسان أبريل عام 2007، أن أولوية التمويل ستكون اللبحوث والتطوير في النانوتكنولوجي التي تعتبر تكنولوجيا المستقبل القادرة على حل الكثير من المشاكل التي تواجه البشرية. فقد أعلنت الحكومة الروسية عن تخصيص 7.7 بليون دولار المجال النانوتكنولوجي حتى عام 2015. وقال النائب الأول لرئيس الوزراء الروسي "سيرغي إيفانوف" في كلمته أمام المجلس الحكومي للنانوتكنولوجي"، بأن روسيا مستعدة لدعم النانوتكنولوجي بكل ما بوسعها لأنها على أبواب ثورة حقيقية قادرة على تغيير كل المفاهيم. كما أشار إيفانوف" إلى أن تطوير واستخدام تقنيات النانو يشكلان إمكانية إقامة اقتصاد حديث ورفع مستوى معيشة السكان وضمان أمن البلاد. وذكر " إيفانوف" أنه سيتم تحويل مبلغ 5 بليون دولار إلى حساب "المؤسسة الروسية للنانوتكنولوجي قبل نهاية العام 2007، مشيراً إلى مشاركة رجال الأعمال أيضاً في هذا المشروع وقال العالم بيتر سنجر من مركز مكلفلان للصحة العالمية 11 وأستاذ الطب في جامعة تورنتو الكندية، في ورقة بحثية نشرها عام 2005 بعنوان "تكنولوجيا النانو والعالم النامي"، إن وزارة العلوم والتكنولوجيا الهندية" تنفق 20 مليون دولار في الفترة الممتدة من العام 2004 حتى العام 2009 على مبادرة خاصة بعلم وتكنولوجيا المواد متناهية الصغر، وتحتل طلبات تسجيل براءات الاختراع الصينية في مجال النانوتكنولوجي المرتبة الثالثة عالميا،ً بعد طلبات الولايات المتحدة واليابان، وقد قدرت الميزانية المخصصة لعلم النانوتكنولوجي في الفترة من العام 2004 حتى العام 2007 بحوالى 25 مليون دولار وجاء الممتدة في الورقة العلمية التي نشرها سنجر أن مبادرة جنوب أفريقيا في النانوتكنولوجي تشكل شبكة قومية من الباحثين الأكاديميين العاملين في مجال النانوتكنولوجي كما أن هناك دولاً نامية أخرى نشطة في النانوتكنولوجي مثل تايلاند والفلبين وتشيلي والأرجنتين والمكسيك.
الاكثر قراءة في الفيزياء الجزيئية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة