النانوتكنولوجي و العالم الحديث
المؤلف:
منير نايفة
المصدر:
النانوتكنولوجي- عالم صغير ومستقبل كبير- صفات سلامة
الجزء والصفحة:
ص13
2025-10-28
42
لم تعد النانو تكنولوجي (التقنيات المتناهية في الصغر) Nanotechnology تدخل ضمن باب الخيال العلمي، بل أصبحت حقيقة واقعة تحظى باهتمام كبير في كل أنحاء العالم، وبخاصة دول العالم المتقدمة، حيث تعد الآن إحدى أبرز اتجاهات وأولويات البحث العلمي، وقد ساعدت التطورات الفعلية والاكتشافات الجادة في هذا المجال الجديد والواعد على تقوية صورتها وزيادة الاستثمارات للعديد من المختبرات في الجامعات والمؤسسات البحثية والتجارية، حيث يشهد العالم الآن سباقاً محموماً بين مراكز الأبحاث والصناعة من أجل توظيف النانوتكنولوجي في صناعات ومنتجات جديدة. ويؤكد العديد من العلماء على أن النانو تكنولوجيا سوف تشكل عالم المستقبل ضمن إطار ثورة صناعية جديدة.
وعلم النانوتكنولوجي هو علم حديث يبحث في تصميم أجهزة متناهية في الصغر، ويركز أساساً على تعديل البناء الجزيئي أو الذري للمادة وبما يحقق بناء تراكيب جديدة وبتكلفة اقتصادية لا تتعدى المادة الخام والطاقة المستخدمة في عملية الصناعة، ففي عالم النانوتكنولوجي يستم إعادة هيكلة للجزيئات والذرات داخل المادة أو إضافة أو حذف بحيث يكون متوافقاً مع قوانين الفيزياء والكيمياء، والقدرة على رؤية وقياس ومعالجة وإنتاج أشياء بمقياس واحد على مئة نانومتر. والنانومتر هو واحد على بليون من المتر أو واحد على مليون من المليمتر أو واحد من المليار من المتر.
وتعتبر النانو تكنولوجيا من العلوم المستقبلية التي تحظى بطلب متزايد في الصناعة والطب وقطاع النقل والمواصلات وكذلك في محال الطيران والفضاء والاتصالات، وذلك لما لها من تطبيقات غير مسبوقة في جميع المجالات تفوق الخيال العلمي في كثير من الأحيان، فخلال فترة قصيرة استطاعت هذه التكنولوجيا أن تقفز قفزات علمية هائلة في جميع مجالات العلم، تفوقت على ما تحقق خلال المئة عام الماضية، كما أن سرعة التقدم العلمي لهذه التكنولوجيا تفوقت بكثير على أي تكنولوجيات أخرى عرفها الإنسان في العصر الحديث، حيث يتم حالياً تطوير تطبيقات لتكنولوجيا النانو في جميع مجالات الصناعة تقريباً، بما فيها صناعة الإلكترونيات والأجهزة المغناطيسية، وإنتاج وخزن الطاقة، وتكنولوجيا المعلومات وتطوير المواد والنقل والمواصلات، هذا فضلاً عن تطبيقاتها الواعدة في مجال الطب والصحة كما يذكر أن هناك الآن منتجات استهلاكية تستخدم تكنولوجيا النانو في صنعها، من بينها مستحضرات التجميل ومستحضرات وقاية الجلد من الأشعة الشمسية والملابس المقاومة للتبقع والمعدات الرياضية والمواد التي تطلى بها النظارات، بالإضافة إلى أن تكنولوجيا النانو ستستخدم كأساس عند تصميم وتصنيع أنظمة جديدة ا من لأسلحة الحديثة والتقنيات العسكرية الحديثة. ولهذا، فإن هذه التكنولوجيا تشغل اهتمام الأوساط العلمية والصناعية وحتى عامة الجمهور، وذلك يرجع إلى الخواص والصفات الجيدة المتميزة التي تكتسبها المواد النانوية عندما تكون صغيرة جدا، فعندما تكون المواد بحجم النانو، تختلف خصائصها المادية والكيميائية والبيولوجية بأشكال أساسية مهمة عن خصائص كل ذرة أو جزيء أو كتلة مادة بمفردها. ولهذا، فإن دولاً عديدة تنفق وترصد ميزانيات ضخمة لدعم الأبحاث الخاصة بتكنولوجيا النانو، إذ تنفق حكومات
دول العالم حوالى 4 بلايين دولار سنوياً على أبحاث "النانو"، فالولايات المتحدة تعتبر خطة النانو تكنولوجي نواة الثورة الصناعية القادمة، حيث تنفق سنوياً على أبحاث النانو تكنولوجي ما يقرب من مليار دولار، وعندما بدأت الولايات المتحدة مبادرتها القومية الخاصة بتكنولوجيا النانو في عام 2001، وما إن مضت أشهر قليلة عليها، حتى كان الكثير من الدول الأخرى قد استهل مبادراته القومية في تكنولوجيا النانو، وكأن المبادرة الأميركية للنانو كانت إشارة لبدء سباق محموم، فقد جعلت حكومات اليابان والصين وكوريا الجنوبية وعدة دول أوروبية التصدر في محال النانو تكنولوجي الناشئ أولوية قومية بالنسبة إلى بلدانها، كما أن الحكومة الإسرائيلية قد أولت اهتماماً كبيراً بتكنولوجيا النانو، حيث بدأت مبادرتها القومية لتكنولوجيا النانو عام 2001، بالإضافة إلى أن الحكومة الروسية قد وافقت على البرنامج الفيدرالي الخاص بتطوير البنية التحتية لتكنولوجيا النانو للفترة بين عامي 2008 و 2010، والذي يتضمن إنشاء شبكة وطنية معاصرة للمراكز المتخصصة بتكنولوجيا النانو.
وتحاول العديد من الدول الآن تعريف عامة الجمهور بتكنولوجيا النانو وإثارة اهتمامهم بها وانشغالهم فيها كي تتكون لديهم فكرة عما يحدث على مقياس النانو، وعن السبب الذي يجعل هذا المقياس مختلفاً، فهناك ضرورة ليعرف العامة أن تكنولوجيا النانو يتم استخدامها حالياً في مجموعة ضخمة من مجالات الأبحاث من العلوم المادية إلى إصلاح البيئة إلى الطاقة النظيفة والطب، وسوف يتم استخدامها في السنوات القليلة القادمة لابتكار العديد من المنتجات المفيدة، على اعتبار أن التوعية العلمية تعتبر جزءاً مهماً وضرورياً : يسير جنباً إلى جنب مع السياسات العلمية والتكنولوجية في الدولة.
لقد أصبح التحدي الحقيقي لنا الآن أن نلحق بتكنولوجيا النانو في بدايتها، ولن يتم هذا إلا من خلال مبادرة علمية عربية متكاملة في محال النانو تكنولوجي، توضع في إطار استراتيجية علمية عربية موحدة للبحث العلمي، يتم من خلالها تنسيق وتنظيم الجهود والبحوث، خاصة وأن لدينا القواعد والمتطلبات الأولية لعلم النانوتكنولوجي من ثروات طبيعية وبشرية، كما يتطلب هذا العلم استثمارات قليلة نسبيا، والتي تؤهلنا للدخول لعصر النانو، على أن يصاحب ذلك وعي علمي بتقنيات النانو، يتمثل في تبسيط هذا العلم للمعنيين من الطلاب والباحثين وعامة الجمهور، وبخاصة فيما يتعلق بتطبيقات النانوتكنولوجي في الحياة اليومية، وأهمية فهمها ومواكبتها والتفاعل معها، وإدراك أبعادها في حياة الأفراد ودورها في بناء وتقدم المجتمعات والشعوب.
الاكثر قراءة في الفيزياء الجزيئية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة