المعايير الدستورية لصحة الانتخابات
المؤلف:
سعد مظلوم عبدالله العبدلي
المصدر:
ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات
الجزء والصفحة:
ص40-44
2025-11-23
82
تطرقت معظم الدساتير العربية منها والأجنبية إلى حق الانتخاب ، مع التطرق أحيانا إلى بعض المعايير المتعلقة بالانتخابات الحرة والنزيهة .
والملاحظ ان بعض الدساتير العربية تحمل في صميم نصوصها تعارضا مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان المتعلقة بالانتخابات ، عن طريق تبني صياغات ذات طبيعة أيدلوجية أو دينية تصادر الحقوق و الحريات العامة أو تسمح بمصادرتها ، وقد تأخذ المفارقة الدستورية شكلا طائفيا(1) ، أو تأخذ صورة الانحياز الأيدلوجي الذي لا يفسح مكانا للمخالفين في الرأي أو الانتماء السياسي(2) ، كما ان من اخطر صور الانتهاكات التشريعية لحقوق الإنسان في العالم العربي سماح المشرع العربي للسلطة التنفيذية باللجوء إلى إعلان حالة الطوارئ بإفراط ، فأصبحت حالة الطوارئ في بعض البلدان العربية حالة دائمة مستمرة من دون وجود ما يستدعيها من أخطار ، وتحول الاستثناء إلى قاعدة(3) .
كما ان التعددية الحزبية والتي ترتبط ارتباطا وثيقا مع قيام انتخابات جادة ونزيهة ، هي الأخرى تتعرض إلى الكثير من القيود في الوطن العربي ، ففي حين يسمح بالظاهرة الحزبية في العديد من البلدان العربية ، تحظر الجماهيرية الليبية والبلدان العربية الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تشكيل الأحزاب السياسية فيها ، في حين يحدث نوع من التطور نحو إقرار التعددية الحزبية في دساتير بعض الدول التي تأخذ بنظام الحزب الواحد ، لكن يؤخذ على هذه الدساتير ان قيود الأحادية الحزبية ما زالت عالقة فيها(4) .
ونستعرض فيما يلي أهم المعايير الدستورية المتعلقة بالانتخابات التي ضمتها دساتير الدول موضوع الدراسة .
تطرقت الدساتير العراقية في بعض أحكامها لهذا الموضوع ، فلقد تبنى دستور 1970 نظرية سيادة الشعب بالنص على ان " الشعب مصدر السلطة وشرعيتها "(5) ، أما الحريات العامة فعلى الرغم من ان الدستور كفل العديد من هذه الحريات وبالذات حق المشاركة السياسية ، لكنه لم يترك الأمر على إطلاقه إذ قام بتقييد هذا الحق بالنص على وجوب عدم تعارضه مع توجهات ما سمي بـ ( ثورة 17 تموز ) ، وذلك بالنص على " يكفل الدستور حرية الرأي والنشر والاجتماع والتظاهر وتأسيس الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات وفق أغراض الدستور وفي حدود القانون ، وتعمل الدولة عل توفير الأسباب اللازمة لممارسة هذه الحريات التي تنسجم مع خط الثورة القومي التقدمي "(6) ، وأحال الدستور إلى القانون جميع ما يتعلق بالمجلس الوطني ( البرلمان ) من حيث التشكيل وطريقة العضوية(7) .
أما دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، فلقد أكد على مبدأ سيادة الشعب بالإضافة إلى التطرق لبعض المعايير الانتخابية ، بالنص على " السيادة للقانون ، والشعب مصدر السلطات وشرعيتها ، يمارسها بالاقتراع السري العام المباشر وعبر مؤسساته الدستورية "(8) ، كما تطرق إلى مبدأ قلما تطرقت له الدساتير العراقية وذلك بالنص على ان " يتم تداول السلطة سلمياً ، عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في هذا الدستور "(9) .
كما ان الدستور تطرق وبشكل صريح لحرية تكوين الأحزاب وذلك بالنص على " حرية تأسيس الجمعيات والأحزاب السياسية ، أو الانضمام إليها ، مكفولة ، وينظم ذلك بقانون "(10) .
كما تطرق الدستور إلى العديد من المعايير الواجب توافرها في الانتخابات التشريعية ، لا بل انه جاء بأحكام جديدة على الدساتير العراقية ـ وحتى العربية ـ ، مثال ذلك تحديد نسبة للنساء في البرلمان لا تقل عن 25% ، وذلك بالنص على " يستهدف قانون الانتخابات تحقيق نسبة تمثيل للنساء لا تقل عن الربع من عدد أعضاء مجلس النواب "(11) .
وتبنى الدستور مبدأ أخذت به معظم الدساتير ألا وهو منح الصلاحية للمجلس المنتخب بالفصل في صحة عضوية أعضائه ، كما حدد مرجعا قضائيا في حالة الاعتراض على قرار المجلس بهذا الخصوص(12) ، كما تطرق إلى الهيئات المستقلة في الدولة ومنها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، وبذلك تبنى المشرع الدستوري العراقي مبدأ إيكال مهمة إدارة الانتخابات إلى هيئة مستقلة تخضع لرقابة مجلس النواب(13) .
أما الدستور المصري لسنة 1971 ، فقد أخذ بنظرية سيادة الشعب ، بالنص على " السيادة للشعب وحده ، وهو مصدر السلطات ، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها ، ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين في الدســتور"(14) ، كما ان الدسـتور أقر قيام النظام السياسي في الدولة على أساس تعدد الأحزاب(15) ، وأكد على عدم التمييز بين المواطنين في الحقوق والواجبات(16) .
كما أقر المشرع الدستوري المصري وبشكل واضح التكييف القانوني للانتخاب باعتباره ( واجبا ) ، مرتبا على ذلك النتائج التي تتمخض عن هذا التكييف(17) .
وتطرق الدستور إلى ضمانه هامة من ضمانات صحة ونزاهة الانتخابات إلا وهي وجوب ان تحدد الدوائر الانتخابية بنص القانون وليس بتشريع اقل درجة ، بالإضافة إلى إقرار مبدأ الانتخاب السري والمباشر(18) .
كما أقر الدسـتور منح البرلمان سـلطة الفصل في صحة عضوية أعضائه بالإضافة إلى تحديد مرجع قضائي للقيام بعملية التحقيق(19) .
أما الدستور الفرنسي الصادر في 4 أكتوبر 1958 ، وعلى الرغم من ان فرنسا هي مهد نظرية سيادة الأمة ، إلا ان الدستور تبنى نظرية سيادة الشعب بالإضافة إلى جواز كون الاقتراع مباشرا أو غير مباشر لكن بشرط كونه عاما وسريا وقائما على أساس المساواة والشروط الواجب توفرها في الناخبين(20) ، اما المادة (24) من الدستور فقد فصلت كون انتخاب الجمعية الوطنية مباشرا بخلاف الانتخاب غير المباشر لمجلس الشيوخ(21) .
ويتميز النظام القانوني الفرنسي بوجود المجلس الدستوري الفرنسي الذي يضطلع ـ بالإضافة إلى العديد من المهام ـ ، بالإشراف على سلامة إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية(22) ، وفحص الطعون والفصل بالمنازعات الخاصة بصحة انتخاب النواب والشيوخ(23) ، والإشراف على صحة عمليات الاستفتاء وإعلان نتائجه(24) .
____________
1- مثال ذلك نص المادة (24) من الدستور اللبناني " يتألف مجلس النواب من نواب منتخبين يكون عددهم وكيفية انتخابهم وفقا لقوانين الانتخاب المرعية الإجراء ، والى ان يضع مجلس النواب قانون انتخاب خارج القيد الطائفي ، توزع المقاعد النيابية وفقا للقواعد الآتية : أ : بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين . ب: نسبيا بين طوائف كل من الفئتين . ج : نسبيا بين المناطق ، ... " .
2- من ذلك ما نص عليه الدستور السوري الذي يؤكد قيادة حزب البعث للمجتمع والدولة ، وذلك في المادة (8) منه " حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ... " ، والفقرة ( أولا ) من المادة (84) منه " يصدر الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية عن مجلس الشعب بناء على اقتراح القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي ويعرض الترشيح على المواطنين لاستفتائهم فيه " .
3- كما في مصر وسوريا والسودان .
4- برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ( UNDP ) ، تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2004 ، المطبعة الوطنية ، عمان ، 2005 ، ص 105 .
5- المادة (2) من دستور العراق لسنة 1970 .
6- المادة (26) من دستور العراق لسنة 1970.
7- المادة (47) من دستور العراق لسنة1970 والتي تنص على " يتألف المجلس الوطني من ممثلي الشعب في مختلف قطاعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ويتم تشكيله وتحدد طريقة العضوية وسير العمل فيه وصلاحياته بقانون خاص يسمى قانون المجلس الوطني " .
8- المادة (5) من دستور العراق لسنة 2005 .
9- المادة (6) من دستور العراق لسنة 2005 .
10- الفقرة ( أولا ) من المادة (39) من دستور العراق لسنة 2005 .
11- الفقرة ( رابعا ) من المادة (49) من دستور العراق لسنة 2005 .
12- وذلك بموجب المادة (52) من دستور العراق لسنة 2005 ، والتي تنص على " أولاً : يبت مجلس النواب في صحة عضوية أعضائه ، خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسجيل الاعتراض بأغلبية ثلثي أعضائه ، ثانياً : يجوز الطعن في قرار المجلس أمام المحكمة الاتحادية العليا ، خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره " .
13- بموجب المادة (102) من دستور العراق لسنة 2005 ، والتي تنص على " تُعد المفوضية العليا لحقوق الإنسان ، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، وهيئة النزاهة ، هيئات مستقلة ، تخضع لرقابة مجلس النواب ، وتنظم أعمالها بقانون " .
14- المادة (3) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 .
15- حيث نصت المادة (5) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 ، على " يقوم النظام السياسي في جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك في إطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصري المنصوص عليها في الدستور ، وينظم القانون الأحزاب السياسية " .
16- حيث نصت المادة (40) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 ، على " المواطنون لدى القانون سواء ، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة ، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة ".
17- وذلك بموجب المادة (62) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 ، والتي تنص على " للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لإحكام القانون ، ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني " .
18- وذلك بموجب المادة (87) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 ، والتي تنص على " يحدد القانون الدوائر الانتخابية التي تقسم إليها الدولة ، وعدد أعضاء مجلس الشعب المنتخبين ، على ألا يقل عن ثلاثمائة وخمسين عضوا ، نصفهم على الأقل من العمال والفلاحين ، ويكون انتخابهم عن طريق الانتخاب المباشر السري العام ، ويبين القانون تعريف العامل والفلاح ، ويجوز لرئيس الجمهورية أن يعين في مجلس الشعب عدداً من الأعضاء لا يزيد على عشرة " .
19- وذلك بموجب المادة (93) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 ، حيث نصت على " يختص المجلس بالفصل في صحة عضوية أعضائه . وتختص محكمة النقض بالتحقيق في صحة الطعون المقدمة إلى المجلس بعد إحالتها إليها من رئيسه ... " .
20- وذلك بموجب المادة (3) من الدستور الفرنسي لعام 1958 ، والتي نصت على " السيادة الوطنية ملك للشعب ، وهو يمارسها بواسطة ممثليه وعن طريق الاستفتاء العام . وليس لأي جزء من الشعب ولا لأي فرد ان يدعي لنفسه الحق في ممارستها . يصح ان يكون الاقتراع مباشر أو غير مباشر بالشروط التي يحددها الدستور ويكون دائما عاما وعلى أساس المساواة والسرية . يعتبر ناخبين جميع المواطنين الفرنسيين البالغين سن الرشد من الجنسين والمتمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية وذلك بالشروط المنصوص عليها بالقانون " .
21- وذلك بالنص على " يتكون البرلمان من الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ ، يجري انتخاب نواب الجمعية الوطنية بالانتخاب العام المباشر ، يكون انتخاب مجلس الشيوخ بالاقتراع غير المباشر ، وهو يضمن تمثيل المجموعات الإقليمية للجمهورية " .
22- المادة (58) من الدستور الفرنسي " يشرف المجلس الدستوري على سلامة إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية وهو يفحص الطعون ويعلن نتائج الاقتراع " .
23- نص المادة (59) من الدستور الفرنسي " يفصل المجلس الدستوري في المنازعات الخاصة بصحة انتخاب النواب والشيوخ " .
24- نص المادة (60) من الدستور الفرنسي " يشرف المجلس الدستوري على صحة عمليات الاستفتاء ويعلن نتائجه " .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة