تحديد الدوائر الانتخابية بواسطة السلطة التشريعية
المؤلف:
سعد مظلوم عبدالله العبدلي
المصدر:
ضمانات حرية ونزاهة الانتخابات
الجزء والصفحة:
ص94-97
2025-11-24
38
من الضمانات الجوهرية لسلامة العملية الانتخابية ، ضرورة أن يكون تحديد الدوائر الانتخابية بقانون صادر عن السلطة التشريعية على سبيل الحصر ، لأجل الحؤول دون تدخل السلطة التنفيذية في هذا الشأن ، وما قد يؤدي إليه هذا التدخل من تعسف وتحيز في تحديد الدوائر الانتخابية على النحو الذي يمكنها من تحقيق أغراضها وفوز مرشحيها(1) .
كما تكفل ضمانة تحديد الدوائر الانتخابية من قبل السلطة التشريعية في البلاد مراعاة التقارب إلى أقصى حد ممكن في الوزن النسبي للصوت الانتخابي بين جميع هيئة المشاركة الانتخابية ، على نحو من شأنه التعبير عن الرأي العام في البلاد بصورة أكثر انضباطا وجدية ، على الرغم من ان إعطاء الصلاحية في هذا الشأن للسلطة التشريعية لا يعني بحال من الأحوال ان السلطة التنفيذية سوف تفقد القدرة تماما على التدخل في تحديد الدوائر الانتخابية لمصلحتها ، فتستطيع السلطة التنفيذية ـ ممثلة في رئيس الدولة على سبيل المثال ـ ان تلجأ لفكرة التفويض التشريعي ، في تنظيم الكثير من المسائل البالغة في الأهمية والخطورة ، كمسألة تحديد الدوائر الانتخابية ، بموجب قرارات بقوانين(2) .
ففي مصر ، نص دستور سنة 1971 على هذه الضمانة الجوهرية ، حيث أوجب ، بنص صريح أن تحدد الدوائر الانتخابية في الدولة بموجب قانون(3) ، وقد صدر بالفعل في السنة التالية لصدور الدستور ، القانون رقم (38) لسنة 1972 ، في شأن تنظيم مجلس الشعب ، متضمناً تقسيم جمهورية مصر العربية إلى (176) دائرة انتخابية ، والذي تم تعديله بموجب القانون رقم (114) لسنة 1983 ، إلى أن أصدر رئيس الجمهورية ، القرار بقانون رقم (201) لسنة 1990، في شأن تعديل بعض أحكام القانون رقم (38) لسنة 1972(4) ، ثم صدر بعده مباشرة القرار بقانون رقم (206) لسنة 1990، في شأن تحديد الدوائر الانتخابية لمجلس الشعب وحددها بـ(222) دائرة انتخابية موزعة على محافظات جمهورية مصر العربية(5) .
أما في فرنسا ، فان الاختصاص في عملية إنشاء الدوائر الانتخابية ، ينعقد للمشرع عادة ، حيث يوفر الاختصاص التشريعي من حيث المبدأ ضماناً للموضوعية وعدم التلاعب في تفضيل بعض الآراء السياسية والوظيفية على حساب الآخرين ، وقد حدد القانون رقم (11197) ، الصادر في 24 نوفمبر 1986 ، عدد الدوائر الانتخابية بـ (577) دائرة انتخابية بمناسبة الانتخابات النيابية لعام 1986(6) .
أما في العراق ، فقد نص القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 على ان تحديد الدوائر يكون بقانون(7) ، وقد صدر قانون انتخاب مجلس النواب لسنة 1924 ، والذي أوضح في المادة (5) منه آلية تقسيم الدوائر الانتخابية(8) .
كما ان دستور 16 تموز 1970 أشار في المادة (47) منه(9) ، إلى ان كل ما يتعلق بالمجلس الوطني ( البرلمان ) يجب ان ينظم بقانون ، وفعلا صدر قانون المجلس الوطني رقم (55) لسنة 1980 ، ومن بعده قانون المجلس الوطني رقم (26) لسنة 1995، لكن هذا القانون أناط مهمة تحديد الدوائر الانتخابية وعدد السكان الذين يمثلهم كل عضو من أعضاء المجلس الوطني إلى الهيئة العليا للانتخابات(10) ، وهذا اتجاه منتقد ، حيث أنها هيئة ـ تشرف على الانتخابات ـ ومن غير الصحيح ان تُمنح صلاحية هامة وخطيرة ، مثل صلاحية تحديد الدوائر الانتخابية والتي لا تقل أهمية عن بقية الجوانب الأساسية التي يحتويها القانون والتي تولى المشرع تنظيمها(11) .
أما قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 ، فقد أحال بنص الفقرة ( ج ) من المادة (30) منه إلى قانون الانتخابات وقانون الأحزاب كل ما يتعلق بانتخابات الجمعية الوطنية(12) ، وبناءا على ذلك أصدرت سلطة الائتلاف المؤقتة الأمر رقم (96) ( قانون الانتخابات ) والذي نص في المادة (3) من القسم الثالث منه ، على اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة(13) .
ثم تلا ذلك قيام الجمعية الوطنية العراقية بإصدار قانون الانتخابات رقم (16) لسنة 2005 ، والذي تطرقت الفقرات ( أولا ) و ( ثانيا ) من المادة (15) منه ، لكيفية تحديد الدوائر الانتخابية(14).
أما دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، فقد أرسى في الفقرة ( أولا ) من المادة (49) منه مبدأ التكافؤ النسبي للأصوات ، عندما اوجب ان يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق ، وأحال إلى القانون كل ما يتعلق بالانتخاب(15) .
________
1- د. عفيفي كامل عفيفي ، الانتخابات النيابية وضماناتها الدستورية والقانونية ، دار الجامعين ، 2002 ، ص 782 .
2- ومن أمثلة استخدام فكرة التفويض التشريعي المتعلقة بهذا الخصوص ، تنظيم الدوائر الانتخابية في مصر بموجب قرارات بقوانين ، منها القرار بقانون رقم (201) لسنة 1990 ، والقرار بقانون رقم (206) لسنة 1990 ، في شأن تحديد الدوائر الانتخابية لمجلس الشعب ؛ ينظر : د. سامي جمال الدين ، دور القضاء في تكوين مجلس الشعب والرقابة على صحة عضويته ، بحث منشور في مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية ، كلية الحقوق ـ جامعة الإسكندرية ، العدد الثالث والرابع ، 1990 ، ص 42 .
3- وذلك وفقاً لنص المادة (87) من دستور جمهورية مصر العربية لسنة 1971 ، التي تقضي بأن " يحدد القانون الدوائر الانتخابية التي تقسم إليها الدولة ، ... " .
4- وبموجب هذا التعديل القانوني أصبح عدد الدوائر الانتخابية في مصر (222) دائرة ، حيث ينص هذا القرار بقانون في المادة (1) منه ، على " يتألف مجلس الشعب من أربعمائة وأربعة وأربعين عضواً ... " وفي الفقرة ( أولا ) من المادة (3) على أن " تقسم جمهورية مصر العربية إلى دوائر انتخابية ... وينتخب عن كل دائرة عضوان ... " .
5- د. عبد الغني بسيوني عبد الله ، أنظمة الانتخاب في مصر والعالم ، منشأة دار المعارف ، الإسكندرية ، 1990 ، ص 94 .
6- ينظر : د. حسن محمد هند ، منازعات انتخابات البرلمان ، بدون مكان طبع ، 1998 ، ص 21 ؛ رشاد احمد يحيى الرصاص ، النظام الانتخابي في الجمهورية اليمنية ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق ، جامعة عين شمس ، 1995 ، ص 201 .
7- حيث نصت المادة (37) على " يكون انتخاب النواب بقانون تعين فيه كيفية ترشيح النواب والتصويت السري في انتخابهم ووجوب تمثيل الأقليات المسيحية والموسوية " .
8- حيث نصت " يعتبر كل لواء دائرة انتخابية وكل ناحية أو محلة أو بضع محلات شعبة انتخابية ... " .
9- حيث نصت " يتألف المجلس الوطني من ممثلي الشعب في مختلف قطاعاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ويتم تشكيله وتحدد طريقة العضوية وسير العمل فيه وصلاحياته بقانون خاص يسمى قانون المجلس الوطني " .
10- نص الفقرة ( أولا ) من المادة (22) من قانون المجلس الوطني رقم (55) لسنة 1980 " تحدد الهيئة المشرفة على الانتخابات في القطر عدد السكان الذين يمثلهم كل عضو من أعضاء المجلس بعد الأخذ بنظر الاعتبار سكان القطر وعدد أعضاء المجلس المحدد بالمادة (1) من القانون " .
11- د. رعد الجدة ، التشريعات الانتخابية في العراق ، ط 1 ، مطبعة الخيرات ، بغداد ، 2000 ، ص 148.
12- والتي تنص " تنتخب الجمعية الوطنية طبقا لقانون الانتخابات وقانون الأحزاب السياسية ، ... " .
13- والتي تنص " سيكون العراق دائرة انتخابية واحدة ، وسييتم توزيع جميع المقاعد في المجلس الوطني على الكيانات السياسية من خلال نظام التمثيل النسبي " .
14- حيث نصت " أولا : يتألف مجلس النواب من (275) مقعدا ، (230) مقعدا منها توزع على الدوائر الانتخابية ، و(45) مقعدا تعويضيا . ثانيا ً: تكون كل محافظة وفقا للحدود الإدارية الرسمية دائرة انتخابية تختص بعدد من المقاعد يتناسب مع عدد الناخبين المسجلين في المحافظة حسب انتخابات 30 كانون الثاني 2005 ( المعتمد على نظام البطاقة التموينية ) " .
15- حيث تنص " أولا : يتكون مجلس النواب من عدد من الأعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة ألف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله ، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع السري والمباشر ، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه ، ... ، ثالثا : تنظم بقانون شروط المرشح والناخب وكل ما يتعلق بالانتخاب ... "
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة