النشاط الحركي الزائد لدى الأبناء
المؤلف:
عيسى محسني
المصدر:
أساليب تعديل سلوك الأبناء رؤية إسلامية
الجزء والصفحة:
ص16ــ21
2025-11-24
18
يعتبر النشاط الزائد من الظواهر التي يتعرض لها الكثير من الأبناء لاسيما الذكور منهم فإن الحركة الزائدة لديهم تعادل أربعة أضعاف ما عليه لدى البنات، ولا نستطيع أن نسمي هذه الظاهرة المتفشية بين الأبناء بالمرض كما يصر بعض الأخصائيين على تسميتها بذلك بل الأجدر أن تسمى مشكلة.
وهذه المشكلة التي أصبحت مصدراً لإزعاج وقلق الاسرة واحتار أغلب الآباء في كيفية التعامل معها لا ينبغي أن نحمل نشاطه الزائد على الاضطراب النفسي فنقلق ممّا يقوم به من تصرفات ونشاطات ونتصور أنّ تلك التصرفات ليست إلا خلل واضطرابات يعاني منها الطفل ومن ثم نسعى بشتى الطرق الى علاجها.
إن الحركة والنشاط الحركي يعتبر من الأمور التي لا تفارق الأطفال وهي مما تحتاجه طبيعة الطفولة بحيث أن الخمول والهدوء عند الطفل يعتبر من الظواهر الغريبة التي لا ينبغي أن يتصف بها وقد توحي هذه الظاهرة إلى عدم سلامة الطفل ووجود خلل نفسي فيه.
فإن الحركة والنشاط الطفولي من الأمور الطبيعية التي تقتضيها هذه المرحلة من عمر الإنسان ولكن ما هو المقياس والمعيار في تشخيص وتمييز الحركات والنشاطات الزائدة التي تعتبر اضطرابات نفسية وما هي الحركات الطبيعية التي تقتضيها طبيعة مرحلة الطفولة؟
علامات النشاط والحركة الزائدة
ذكر المتخصصون في علم التربية علامات للنشاط الحركي الزائد في الأبناء والتي تشير إلى وجود إختلالات وإضطرابات نفسية في الطفل وهي:
اولا: استباق الجواب قبل انتهاء السؤال
المعروف عن الإنسان أنه كائن عجول وقد أخبر القرآن عن هذه الحقيقة قال تعالى {وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا} [الإسراء: 11].
فلا يكاد يصبر لانهاء الأمور، بل يريد أن يعرف ما يجري حوله في أسرع وقت ممكن، ويزداد ذلك الحرص عندما يمنع من الإطلاع عليه، وتزداد هذه الظاهرة عند الأولاد الحركيين، فإن النشاط الزائد وغير الموزون لدى بعض الأطفال يجعل منه فرداً عجولاً ومتسرعاً في الكلام، ولا يكاد يصبر على تصرفات الآخرين والحوار معهم، فإن تحدّث مع الآخرين تسرع في الكلام، وصياغة المفردات والجمل وإذا حدّثه الآخرون لا يطيق أن يصبر ليكمل الحديث بل يقاطع حديث الآخرين ويبدأ بمواصلة الحديث عما كان يتكلم به صديقه وكثيراً ما نرى هذه الحالة عند طلاب المدارس الإبتدائية فما إن يوجه المعلم سؤالاً لتلامذته إذا به يرى بعض الطلاب يسبقونه بالجواب.... وهذه العجلة توقعهم عادة في التعثر والخطأ وقد أشارت الروايات إلى هذه المشكلة فقد ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قال: ((مَعَ الْعَجَلِ يَكْثُرُ الزلل))(1) وعنه (عليه السلام): ((الْعَجَلُ يُوجِبُ الْعِثَارِ))(2).
الثانية: لاطاقة لهم على الإنتظار
من علامات النشاط الزائد لدى الأطفال عدم استعدادهم للترقب والانتظار، فإن الطفل لا سيما الذي يتصف بالحركة الزائدة فإنّه لا يكاد يدرك معنى الانتظار والترقب، ولا يتحمل الانتظار لإنهاء عمل، خاصة إذا صاحب أبويه لإنجاز بعض الأعمال وهو لا يعلم إلى أين يتجه، ولأي مهمة يسير ولهذا نجد الآباء يعانون كثيراً حينما يصطحبون أبناءهم معهم إلى الأسواق والمجمعات التجارية أو المستشفيات وعيادات الأطباء أو طوابير الانتظار في المخبز والصيدلية والبنك و....
ولتخفيف تلك المعاناة ينصح المختصون الآباء والأمهات حينما يكون معهم الأطفال أن يحملوا معهم الألعاب والوسائل الترفيهية المحمولة.
الثالثة: عدم الإستقرار والتزام الهدوء
لاشك في أن طبيعة المرحلة الطفولية تمتاز بالحركة والنشاط، وأنّ الطفل يتفاعل مع كل ما يدور حوله من أشياء إلّا أنّ هذا النشاط والتفاعل يزداد عند الطفل الذي يتصف بالنشاط الزائد بحيث يسلب منه حالة الهدوء والإستقرار، فحركته لا تتوقف أبداً إلا عندما يصل أمره من شدّة التعب والنعاس إلى حد الإغماء، فعندها يتوقف عن الحركة من دون شعور وإختيار، وأما قبلها فهو وإن كان يشعر بالتعب والنعاس إلا أنه يحاول أن يدفع عن نفسه تلك الحالة التي تمنعه من مواصلة نشاطه وحركاته.
وتؤكد الدراسات التربوية: أنّ أغلب الأطفال الذين يمارسون الحركة والنشاط الزائد يعانون من اضطرابات في نومهم، وذلك نتيجة الخلل والإضطرابات الداخلية التي تنعكس على النشاط والحركات الزائدة التي يمارسها الطفل، حيث تلازمهم في حالات النوم.
وقد ورد عن النبي وأهل البيت (عليهم السلام) بعض الأدعية والأذكار للتخلص من الكوابيس والمنامات المزعجة فينبغي أن يعلمها الآباء أبناءهم قبل النوم، منها ما جاء في الحديث أنّ رجلاً شكى إلى النبي (صلى الله عليه وآله) الكوابيس التي رآها في أحلامه فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): ((إذا أويت إلى فراشك فقل: أعوذ بكلمات الله التامة، من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن
يحضرون))(3).
الرابعة: السلوك المفاجئ
من الأطباع الخاصة التي يتصف بها الأطفال الذين يتصفون بالنشاط الزائد هو السلوك المفاجئ وغير المتوقع، فإن أغلب هؤلاء الأطفال يقومون بتصرفات غير مسبوقة بالتأمل والتفكير فتراه منشغلا باللعب... وإذا به يترك اللعب ويذهب إلى مشاهدة التلفزيون وعندما يكون مشغولاً بمشاهدة التلفزيون تجده قبل أن يكمل مشاهدة البرنامج المحبب لديه، يترك التلفزيون وينشغل بأمر آخر وهكذا يتحول من نشاط إلى أنشطة أخرى من دون أن ينهي ما كان عليه.
الخامسة: عدم التركيز والإنتباه
إن عدم التركيز والإنتباه من الصفات البارزة التي يتصف بها هؤلاء الأطفال، فإن الجهد الفكري لديهم بطيء وهم غير قادرين على تحليل القضايا التي تدور حولهم كسائر الأطفال والأقران خاصة الأمور التي ترتبط بالواجبات المدرسية، وعادة ما يعانون من عدم التركيز والنسيان فينسون ما طلب منهم من مهام وواجبات بيتية أو مدرسية، وقد يتركون أدواتهم المدرسية وهم لايدرون أين وضعوها وفي أي مكان يجب أن يبحثوا عنها. كل ذلك نتيجة النشاط والحركة الزائدة التي يقوم بها هؤلاء الأطفال التي تفقدهم التركيز والإنتباه الى ما يدور حولهم.
السادسة: التمرد والعناد
يعتبر العناد والتمرّد من الخصوصيات المتفشية والمنتشرة عند الأطفال وتزداد هذه الظاهرة عند الأطفال الذين يتصفون بالنشاط والحركة الزائدة، فالطفل الذي يعتبر غير معتدل في حركاته ونشاطه يسعى في جميع الحالات الى أن يتمرد على والديه ويعاندهما، والدافع في عناده قد يكون لجذب إنتباه الآخرين إلى نفسه، وقد يكون للحفاظ على الحرية والإستقلالية المهددة من قبل الوالدين، وقد تكون لأسباب أخرى أدت بالطفل إلى إتخاذ سلوك عنادي مع الوالدين.
________________________________
(1) درر الحكم وغرر الكلم: ص 703.
(2) درر الحكم وغرر الكلم: ص 267.
(3) بحار الأنوار: ج 60 ص 329.
الاكثر قراءة في الأبناء
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة