نقد لكلام ابن عربي

يقول تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ * وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 79 - 81]

ذهب بعض أرباب المعرفة إلى أن ادعاء اليهود بخصوص الأيام المعدودة صحيح، لكن دعواهم فيما يتعلق بالانقضاء غير صحيحة؛ وذلك لأن الأيام المعدودة هي في دوران وجريان مستمر؛ كما فصول السنة التي هي معدودة لكنها تدور بشكل مستمر، اللهم إلا أن تنقرض الدنيا وينقضي عمرها؛ فكما أنهم عكفوا على الكفر والتحريف والتشريع طيلة أيام الشهر، وعلى مدار أشهر السنة فإن مقدار تعذيبهم في المعاد يوازي ذلك أيضاً.

فوجود الأيام في القيامة مما لا يتسنى إنكاره؛ إذ يستظهر من الآيات: {جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا} [مريم: 61 - 63] هو وجود الأيام في تلك النشأة [1]. لكن هذا البيان غير تام؛ إذ أولاً: إن الآية محط الاستظهار ناظرة إلى الدوام وليس إلى الصباح والمساء؛ ذلك أنه في النشأة التي لا شمس فيها ولا قمر: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا * مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا} [الإنسان: 12-13] لا مجال لتصوير الصباح والمساء. هذا وإن وجد الصباح والمساء في الجنة البرزخية.

ثانياً: على فرض تحقق الأيام في الجنة، فإن ما يكون معدوداً هو أيام الأسبوع، أو أشهر السنة، أو أعوام القرن في حين أن ما يدعيه اليهود هو كون أيام التعذيب معدودة؛ أي إن موضوع البحث لا يدور حول ما إذا كانت أيام القيامة شبيهة بأيام الدنيا من حيث كونها معدودة ودورية أو مستمرة وغير دورية، بل إن البحث يدور حول هذا الموضوع وهو هل إن أيام التعذيب محدودة ومعدودة أم هي غير متناهية وغير معدودة؟