أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-27
![]()
التاريخ: 2025-01-09
![]()
التاريخ: 2023-04-06
![]()
التاريخ: 2024-08-05
![]() |
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] قال الفاضل الاردبيلي بعد تفسير كريمة « انما المشركون نجس » : ويستفاد من الآية احكام منها : كون الكفار مكلفين بالفروع. ومنها : عدم تمكين المسلمين لهم ، بمعنى منعهم عن دخوله ، بل قيل : هو المراد من النهي الى آخر ما افاده هناك (1).
أقول : انهم اختلفوا في ان الكفار هل هم مكلفون بالفروع مع انتفاء شرطها وهو الايمان حتى يعذبوا بها كما يعذبون بالايمان ام لا؟ فالأكثر على الاول.
قالوا : لا شرط في التكليف بفعل حصول شرطه الشرعي ، بل يجوز التكليف به وان لم يحصل شرطه شرعا ، خلافا لجمهور الحنفية ، وابي حامد الاسفرائني من فقهاء الشافعية ، وتبعهم على ذلك بعض متأخرينا كالقاساني في تفسيره الصافي (2).
قالوا : لو كلف الكافر بها لصحت منه ، اذ الصحة موافقة الامر ، واللازم منتف.
واجيب بأنه غير محل النزاع ؛ اذ لا نريد انه مأمور بفعلها حالة كفره.
نعم يصح منه بأن يؤمن ويفعل ، كالجنب والمحدث حالة الجنابة امرا به بعد التطهير.
قالوا : لو وقع التكليف بالفروع لوجب القضاء ولا يجب.
واجيب بمنع الملازمة ؛ اذ القضاء انما يجب بأمر جديد ، وليس بينه وبين وقوع التكليف ولا صحته ربط عقلي ، فلا يستلزم احدهما.
ثم من الدليل على انهم مكلفون قوله سبحانه {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42، 43] صرح بتعذيبهم بتركهم الصلاة ، ولا يحمل على المسلمين ، اذ {وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } [المدثر: 44 - 46] ينفيه.
وقوله تعالى : {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31، 32] ذمه على ترك الجميع ومنه الصلاة ، فيكون مذموماً بتركها.
وقوله عز وجل {لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا } [الفرقان: 68، 69] حيث جعل العذاب المضاعف جزاءً لهم على الافعال المذكورة ، ومنها قتل النفس والزنا.
وقوله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ } [البقرة: 21] {وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } [يس: 61] ونحوهما من الاوامر العامة بالعبادات ، فان الكفار مندرجون تحتها ، فوجب عليهم هذه العبادات وجوبها على غيرهم.
وتخصيص العبادة المأمور بها فيهما بالايمان لصدقها عليه ، مع انه خلاف الاصل والظاهر مما لا مخصص له سوى الاحتمال ، وهو لا يصلح للتخصيص.
واذ قد تقرر هذا فنقول : يمكن استفادة الحكم الاول ، وهو كون الكفار مكلفين بالفروع من توجه صريح النهي في « لا يقربوا » اليهم ، فنهوا ان يقربوه ، وهو تكليف لهم.
الا انهم لما لم يكونوا قابلين للخطاب لبعدهم عن ساحة عز الحضور ، خص المؤمنين به تنبيها على ذلك ، فالمؤمنون يبلغون ذلك النهي اليهم ، ويقولون : انتم انجاس ، والانجاس لا يجوز دخولهم المسجد ، والتكليف لا يستلزم كون المكلف مخاطبا به خطاب مشافهة ، بل يجوز ان يخاطب اخر بتبليغه الى المكلف ، كما في كثير من التكاليف الشرعية ، ويدل عليه قول علي ـ عليه السلام ـ حين نادى ببراءة الا يحج بعد عامنا هذا مشرك.
وأما استفادة الحكم الثاني ، وهو عدم تمكين المؤمنين لهم من النهي ، فمبني على جعله من باب الكناية ، كما في {يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ} [الأعراف: 27] نهاه عنه ، والمراد نهيهم عن اتباعه والافتتان به ، لانهم لو اتبعوه لامتحنهم ، والكناية لا تنافي الحقيقة ، فيجوز ارادة المعنى وهو نهي المشركين ان يقربوه ، مع ارادة لازمه ، وهو نهي المسلمين عن تمكينهم منه ؛ لانه لو مكنوهم لدخلوه ، كما كانوا يدخلونه.
والفرق ان ارادة اللازم اصل ، وارادة المعنى تبع ، كما أومأنا اليه ، وذلك غير ارادة مجموع المعنيين ، بل ارادة كل واحد منهما معاً ، كما بين في الاصول.
لا يقال : ان اللفظ اذا دل بأقوى الدلالتين لا يدل بأضعفهما ؛ لان القوة والضعف متنافيان.
لانا نقول : لا نسلم ذلك ، وانما يكون كذلك لو كانت الدلالة الضعيفة والقوية من جهة واحدة ، وهما فيما نحن فيه ممنوع ، ضرورة انهما من جهتين مختلفتين : احداهما بالمطابقة ، والاخرى بالالتزام.
فظهرت ثمرة الخطاب وفائدته من غير ان يكون فيه تعسف ولا جمع بين الحقيقة والمجاز ، وكذلك ليس فيه ما يجري مجرى التكليف بالمحال ، لانهم يتمكنون من امتثاله حال الكفر ، لتحقق شرط الامتثال ، وهو فهم المكلف التكليف ، وهو الذي جعلوه شرطا لصحته ، كما فصلناه في بعض رسائلنا ، وليس بشرط في التكليف بفعل حصول شرطه الشرعي ، وهو هنا الايمان ، بل يجوز التكليف به وان لم يحصل شرطه.
وبما قررناه لا يتوجه اليه ما اورده عليه محمد بن عبد الفتاح التنكابني المشهور بالسراب بقوله : النهي في « لا يقربوه » اما متعلق بالمسلمين بمعنى منع المسلمين المشركين عن الدخول ، واما متعلق بالمشركين.
فعلى الاول كون الكفار مكلفين بالفروع ليس من احكام الآية ، وعلى الثاني ليس عدم تمكين المسلمين لهم من احكامها ، فعدهما من الاحكام لا وجه له.
ثم قال : فان قيل : منع المسلمين اياهم عن الدخول انما هو بمقتضى النهي عن المنكر ، فليس عدم التمكين حينئذ من الاحكام المستفادة من الآية ، والقول بأن مراده من جعل كل واحد من الامرين من احكام الآية انما هو على تقدير خارج عن اسلوب الكلام انتهى.
وذلك لانا نختار ان النهي متعلق بهما معا ، ولكن تعلقه بالمؤمنين اصالة وبالذات وبالمشركين تبعا وبالعرض ، نظيره ما قالوه في طويل النجاد ، انه يجوز ارادة طول النجاد مع ارادة طول القامة.
وفي كلام صاحب المفتاح ما يدل على ان اللفظ المستعمل في الحقيقة والمجاز ، حقيقة باعتبار معناه الحقيقي ، فان الحقيقة قسمان : قسم يراد به معناه الحقيقي ، ولازمه وهو الكناية.
وذهب الحاجبي الى انه مجاز ؛ لان المعنى الحقيقي هو المفهوم بقيد الانفراد ، فاذا استعمل اللفظ في المجموع يبطل معناه الحقيقي ، فيكون اللفظ مستعملاً في المجموع بوضع ثان ، كما في عموم المجاز.
والحق ان اللفظ موضوع لمفهوم الحقيقة مطلقا ، مع قطع النظر عن الانفراد والاجتماع ، فاذا استعمل في معناه الحقيقي والمجازي لم يبطل معناه الحقيقي ، لكن يكون مجازا في ارادة كل منهما ، لتجاوزه عن معناه الحقيقي ، وقد بين ذلك في الاصول.
وكذلك لا يرد على البيضاوي ما اورده عليه ملا ميرزا محمد بن الحسن الشيرواني بقوله : من الاوهام الفاضحة والاغلاط الواضحة ما ذكره في تفسير هذه الآية.
حيث قال : وفيه دليل على ان الكفار مخاطبون بالفروع ، ولا يخفى ان سياقها ظاهر في انها تكليف للمؤمنين بمنعهم من المسجد ، وما بعدها وهو « وان خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله » ايضا دليل عليه.
ثم قال : وانت خبير بأنه لو كان المراد نهي الكفار وخطابهم وتكليفهم مع قطع النظر عن المؤمنين ، ولم يكن له تعلق بالمؤمنين ، لم يكن للخطاب بالمؤمنين حاصل وثمرة ، الا ان يكون المراد خطابهم اياهم وتبليغهم لهم.
وفيه تعسف ، وحمل الآية على تكليف المؤمنين بالمنع ، وعلى تكليف المشركين بعدم القرب معاً ، قريب من الجمع بين الحقيقة والمجاز ، على ان تكليف الكفار بما يشترط فيه الكفار ويتوقف عليه ، يجري مجرى تكليف المحال ؛ لانهم لا يتمكنون من امتثاله حالة الكفر ولا حالة الايمان لو وقع بدل الكفر ، بخلاف سائر الفروع ، فان الكافر لو بدل الكفر بالايمان وقت الزوال لتمكن من ايقاع الصلاة الصحيحة الشرعية ، الى هنا كلامه.
وانت خبير بأن علاوته هذه مع انها واهية في نفسها لما عرفته ، منقوضة بكون الجنب مثلا منهيا عن دخوله المسجد.
لانا نقول : تكليفه بما يشترط فيه الجنابة ويتوقف عليها ، يجري مجرى تكليف المحال ؛ لانه لا يتمكن من امتثاله حالة الجنابة ولا حالة الطهارة لو وقعت بدل الجنابة ، فما هو جوابه عن هذا فهو جوابنا عن ذاك.
وحله : كما سبق ان الامتثال لا يتوقف على الايمان ولا يمنعه الكفر ، والا يلزم منه الدور فيما اذا كان المأمور به هو الايمان ، وانما هو موقوف على قدرة المكلف وتمكنه وفهمه التكليف.
ولا شك ان الكافر حالة كفره متمكن من الامتثال بهذا المعنى ؛ اذ هو قادر عليه ، فيصح منه كف النفس عن الدخول ، فيكون ممتثلاً وعاملاً بمقتضى النهي وعدمه ، فيكون عاصياً وتاركاً لمقتضاه.
نعم لا يترتب عليه اثر الصحة بمجرد موافقة الامر ، بل لا بد وان يكون مسبوقا بالايمان ، وهو امر آخر لا ينفعه رحمه الله.
نعم يرد على البيضاوي ان الآية ليست دليلاً على كونهم مخاطبين بالفروع ، بل غاية الامر استفادته منها ، كما اومأ اليه الفاضل الاردبيلي ، وذلك لانهم انما يطلقون الدليل على ما هو نص او ظاهر ، لا على ما هو متساوي الاحتمالين ، او خلاف الظاهر.
ولعله اراد بالدليل هنا غير ما يفهم من هذا اللفظ بحسب العرف ، بل ما يندرج فيه الاحتمال ، وان لم يكن معروفا فيهم ؛ لانه يبعد عن مثله الغفلة عن عدم كونها دليلا عليه بالمعنى المتعارف.
كيف لا؟ وهو قد رأى ان صاحب الكشاف نقل عن عطا انه قال : نهى المشركين ان يقربوه راجع الى نهي المسلمين عن تمكينهم منه ، واقتصر عليه ولم يذكر احتمالا اخر كما اومأ اليه الاردبيلي بقوله : بل قيل : هو المراد من النهي.
ثم الظاهر ان صاحب الكشاف انما اقتصر على مجرد نقل قول عطا ، ولم يحتمل في الآية ما احتمله البيضاوي وغيره ، لانه حنفي الفروع ، وابو حنيفة زعم ان الكفار غير مكلفين بالفروع كما سبق في اول المسألة ، وقد نقله عنه ايضا شيخنا الشهيد الثاني رحمه الله في شرحه على اللمعة.
وأما البيضاوي ، فلما كان شافعي الفروع ، والشافعي يقول بكونهم مكلفين بها ، كما هو مذهب الاكثر ، حمل الآية ردا على الكشاف ، وزعماً منه انه الظاهر منها ، حتى انه جعلها دليلاً عليه.
والظاهر ان ذلك انما صدر منه لحرصه على المذهب وتعصبه على تصحيحه كما هو دأبهم ، وقد قيل : ان حبك الشيء يعمي ويصم.
وبالجملة هما على طرفي الافراط والتفريط. وأما الفاضل الاردبيلي رحمه الله ، فلما امعن النظر في الآية ورأى انها تحتملهما معاً ، لانتفاء منع الجمع ، حملها عليه رداً عليهما ، وهو الحق ، كذلك يفعل الرجل البصير.
اقول : وفي دلالة الآية الشريفة على نجاستهم العينية مناقشتان :
الاولى : انها تتوقف على اثبات ان لفظ « النجس » حقيقة شرعية في المعنى المعهود بين الفقهاء ، او ساعد على ذلك عرف يعلم وجوده في زمن الخطاب ، وكلاهما في حيز المنع.
والثانية : ان النجس مصدر ، فلا يصح وصف الجثة به الا مع تقدير كلمة « ذو » ولا دلالة معه ، لجواز ان يكون الوجه في نسبتهم الى النجس عدم انفكاكهم من النجاسات العرضية ، لانهم لا يتطهرون ولا يغسلون ، والمدعى نجاسة ذواتهم.
والجواب : ان المصادر يصح الوصف بها اذا كثرت معانيها في الذات ، كما يقال : زيد عدل ، فالوصف بالمصدر صحيح.
لكن منهم من قدر كلمة « ذو » وجعل الوصف بها مضافة الى المصدر.
ومنهم من جعله وارداً على جهة المبالغة باعتبار تكثير الوصف في الموصوف ، حتى كأنه تجسم منه ، والظاهر كونه ارجح من الاول ، وعليه تعويل المحققين.
____________
(1) زبدة البيان : 39 ـ 40.
(2) تفسير الصافي : 4 / 353.
|
|
حقن الذهب في العين.. تقنية جديدة للحفاظ على البصر ؟!
|
|
|
|
|
علي بابا تطلق نماذج "Qwen" الجديدة في أحدث اختراق صيني لمجال الذكاء الاصطناعي مفتوح المصدر
|
|
|
|
|
مشاتل الكفيل تنتج أنواعًا مختلفة من النباتات المحلية والمستوردة وتواصل دعمها للمجتمع
|
|
|