لا قسوة في عقاب الآخرة

نصّ الشبهة:
لماذا يعاقب الله سبحانه الناس خصوصًا بهذا الحجم من القسوة فإنّه إذا كان رحيمًا فلماذا لا يعفو عنهم؟ أم يُعقل أن يكون تعالى يريد التشفّي بالمذنبين بتعريضهم للعقوبات القاسية؟!
الجواب:
بسمه تعالى، وله الحمد، والصّلاة والسّلام على محمّد وآله.
وبعد..
فإنّ العقوبة للمذنب هي مقتضى العدل الإلهيّ، والعقوبة رحمة للبشر؛ لأنّها تردع أصحاب الأهواء وتمنعهم من تدمير حياة الناس، ومن تضييع الغاية من الخلق، والأهداف الإلهيّة الكبرى.
وفيها أيضًا شفاء لصدور قوم مؤمنين مظلومين مضطهدين، لا بُدَّ من شفائها؛ إذ بدون ذلك فإنّ حقّ هذا الفريق من الناس سوف يضيع، وحاشا لله سبحانه أن يضيع حقّ أحد.
ولا شكَّ أنَّ الجزاء الإلهيّ هو بمقدار الاستحقاق في العقوبات، وبمزيد من التفضّل والتكرّم في المثوبات.
وأمّا الحديث عن رحمة الله سبحانه فهو إنّما يصحّ حيث يستحقّ ذلك العاصي الرفق والرحمة، وذلك إنّما يكون في صورة ما لو كان العصيان قد جاء بسبب غلبة الهوى، والاغترار بستر الله المرخي عليه.
أمّا إذا كان يمارس المعصية استخفافًا بالله سبحانه، أو تعمّدًا لهتك حرمته تعالى، والطغيان والتمرّد عليه، ومبارزته في سلطانه، فإنّ الرحمة بهذا النوع من النّاس لا تنسجم مع الحكمة الإلهيّة، وهي توجب بطلان التكليف، وسقوط نظام الحياة من أساسه، ولم يكن ثمّة من دافع للطاعة، ولا رادع عن المعصية.
وأمّا بالنسبة للتشفّي الإلهيّ فحاشا سبحانه وتعالى عن ذلك علوًّاً كبيرًا، إذ ليست العقوبة الإلهيّة بالأمر الذي يعود نفعه على الله سبحانه، وإنّما هي أعمال العباد تُرَدُّ إليهم، وتعود آثارها عليهم.
قال تعالى: {...وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35].
والحمد لله، والصّلاة والسّلام على عباده الذين اصطفى محمّد وآله الطاهرين (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مختصر مفيد (أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة)، للسيّد جعفر مرتضى العامليّ، «المجموعة الثانية»، المركز الإسلاميّ للدراسات، الطبعة الأولى، 1423، 2002، السؤال (94).
1