تحرير الأقوال في آخر ما نزل من القرآن
المؤلف:
الشيخ علي أكبر السيفي المازندراني
المصدر:
دروس تمهيدية في القواعد التفسيرية
الجزء والصفحة:
ج2 ، ص 90-93
14-06-2015
3216
أما آخر ما نزل من
سورها ، ففيه أيضاً أقوال :
1. سورة النصر .
2. سورة المائدة
كلُّها .
3. آيةُ واحدةٌ من
سورة المائدة وهي قوله : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي
وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة : 3] .
4. قوله تعالى : {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ
إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}
[البقرة : 281] .
5. آيات من أوائل
سورة البراءة .
أما القول الأول ،
فقد دلّت عليه عدّة نصوص من العامة والخاصة .
وقد نقل الطبرسي عن
مقاتل في وصف سورة النصر أنّه قال : " لمّا نزلت هذه السورة قرأها (صلى الله
عليه وآله وسلم) على أصحابه ففرحوا واستبشروا . وسمعها يا رسول الله .
فقال : إنه لكما تقول
، فعاش بعدها سنتين ، ما رؤي فيهما ضاحكاً مستبشراً . قال : وهذه السورة تسمى سورة
التوديع " (1) .
ونقل عن ابن عباس أنّه
قال : " لمّا نزلت {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر : 1] قال : نعيت الى نفسي بأنها مقبوضة في هذه السنة " (2) . ولا
يخفى ما في هذين القولين من التعارض لأنّ قوله " هذه السنة " في المروي
عن ابن عباس يصدق
على شهر أو أقلّ ، وذلك ينافي قوله عاش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد ذلك
سنتين .
هذا ، ويظهر من الطبرسي أنّ
سورة النصر نزلت قبل فتح مكة ؛ إذ حكم بكونها مدنيّة وفسّر الفتح بفتح مكة (3) .
ولكن جزم علي بن
ابراهيم القمي بأن هذه السورة في حجة الوداع ؛ حيث قال : " نزلت بمنى في حجة
الوداع {إِذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فلما نزلت قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نعيت الى نفسي
فجاء الى مسجد الخيف فجمع الناس ثم قال : نصر الله امراً سمع مقالتي فوعاها وبلغها
من لم يسمعها فرب حامل حامل فقه غير فقيه وربّ حامل فقه الى من هو أفقه منه ...
أيها الناس ؛ إنّي تارك فيكم ثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا ولن تزلّوا ، كتاب
الله وعترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأ اللطيف الخبير إنهما لم يتفرقا حتى يردا عليّ
الحوض ، كإصبعي هاتين - جمع بين سبابتيه - ولا أقول كهاتين - وجمع بين سبابته
والوسطى - فيفضل هذه على هذه " (4) .
والحق في ذلك مع علي
بن إبراهيم القمي ؛ لما سيأتي من النصوص المعتبرة الدالة على أنّ سورة النصر آخر
ما نزل من القرآن ، ولا يلائم ذلك نزوله قبل سنتين من وفاة النبي (صلى الله عليه
وآله وسلم) ، لنزول كثير من الآيات والسور خلال السنتين .
وأما القول الثاني
: فيظهر من السيد الشهيد الصدر ؛ حيث علّل نسخ آية : {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ
مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا}
[الأنعام : 145] ، بآية : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}
[المائدة : 3] بقوله : " حيث
لايُعلم بورودها قبل تلك الآية ؛ كي تُخصّص بالمسفوح ، إن لم يُدّع الاطمئنان
بتأخر آية التحريم ؛ لورودها في سورة المائدة التي هي آخر سورة نزلت " (5).
وأيضاً يمكن استظهار
ذلك من كلام صاحب الجواهر ؛ حيث رجّح نسخ آية {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ}
[البقرة : 221] بآية : {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْكِتَابَ} [المائدة : 5] وعلّل
ذلك بأنّ الآية الثانية من سورة المائدة المشهورة في أنّها محكمة لا نسخ فيها (6)
. ومن الواضح أنّ الناسخ لابّد أن يكون نزوله متأخراً عن نزول المنسوخ .
وأما القول الثالث
: فقد نقله ابن اضح اليعقوبي بقوله : " وقد قيل : إنّ آخر ما نزل عليه {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة
: 3] وهي الرواية الصحيحة
الثابتة الصريحة وكان نزولها يوم النفر على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات
الله وسلامه عليه ، بعد ترحّم " (7) .
وأختار هذا القول بعض
المحققين (8) .
وأما القول الرابع
: فقد نقله بعض المحققين (9) عن السيد شبَّر -
مرسلاً في تفسيره - بقوله : " وروى آخر آية نزلت : {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ
إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}
[البقرة : 281] نزل بها جبرئيل ،
وقال (عليه السلام) : ضعها في رأس المائتين والثمانين من سورة البقرة . وعاش
الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدها أحداً وعشرين يوماً ، وقيل سبعة أيّام
" (10) . ولكن نقله اليعقوبي عن بعض بقوله : " وقيل : آخر مانزل : { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ
إِلَى اللَّهِ } وقال ابن عباس : كان
جبرئيل إذا نزل على النبي بالوحي يقول له : ضع هذه الآية في سورة كذا في موضع كذا
، فلمّا نزل عليه { وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ } قال : ضَعها في سورة البقرة " (11) .
وأما القول الخامس
: فقد نقل بعض المحققين (12) عن المحدّث الكاشاني ، أنّه روى مرسلاً بقوله :
" وروي : آخر سورة نزلت : براءة ، نزلت في السنة التاسعة بعد عام الفتح عند
مرجعه (صلى الله عليه وآله وسلم) من غزوة تبوك ، نزلت ايات من أوّلها ، فبعث بها
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مع علي (عليه السلام) ليقرأها على ملأٍ من المشركين
" (13) .
مقتضى التحقيق في
المقام
ولا يخفى أنّ القول
الثالث والرابع ناظرٌ الى آخر ما نزل من الآيات ، لا السور ، بل القول الخامس
ناظرٌ الى بعض آيات سورة البراءة . ومع ذلك لا دليل معتبر على شيءٍ من هذه الأقوال
الثلاثة ، وما أستند إليه لها من الوجوه كلها ضعيفة غير صالحة للاستناد .
فالأمر يدور بين
القول الأول والثاني .
ومقتضى التحقيق هو
القول الأول ؛ لعدم شاهد من النصوص للقول الثاني ، ودلالة النصوص المعتبرة على أن
آخر سورة نزلت من القرآن ، سورة النصر .
والدليل على ذلك
مضافاً الى اشتهار ذلك بين أصحابنا . ما دلّ على ذلك من النصوص .
________________________
1. تفسير مجمع البيان
، ج10 ، ص554 .
2. المصدر .
3. المصدر : ص 553 .
4. تفسير القمي ، ج2
، ص 446-447 .
5. شرح العروة الوثقى
للسيد الشهيد الصدر ، ج3 ، ص 193-194 .
6. جواهر الكلام ،
ج30 ، ص 28و31 .
7. تاريخ اليعقوبي ،
ج2 ، ص43 .
8. وهو محمد هادي
معرفة في كتاب تلخيص التمهيد ، ج1 ، ص 89 .
9. تلخيص التمهيد ،
ج1 ، ص88 .
10. تفسير شُبَّر : ص
83 . تلخيص 88 .
11. تاريخ اليعقوبي ،
ج2 ، ص43 .
12. تلخيص التمهيد ،
ج1 ، ص 88 .
13. تفسير الصافي ،
ج1 ، ص 680 .
الاكثر قراءة في نزول القرآن
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة