x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

علم الحديث

تعريف علم الحديث وتاريخه

أقسام الحديث

الجرح والتعديل

الأصول الأربعمائة

الجوامع الحديثيّة المتقدّمة

الجوامع الحديثيّة المتأخّرة

مقالات متفرقة في علم الحديث

علم الرجال

تعريف علم الرجال واصوله

الحاجة إلى علم الرجال

التوثيقات الخاصة

التوثيقات العامة

مقالات متفرقة في علم الرجال

أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

اصحاب الائمة من التابعين

اصحاب الائمة من علماء القرن الثاني

اصحاب الائمة من علماء القرن الثالث

علماء القرن الرابع الهجري

علماء القرن الخامس الهجري

علماء القرن السادس الهجري

علماء القرن السابع الهجري

علماء القرن الثامن الهجري

علماء القرن التاسع الهجري

علماء القرن العاشر الهجري

علماء القرن الحادي عشر الهجري

علماء القرن الثاني عشر الهجري

علماء القرن الثالث عشر الهجري

علماء القرن الرابع عشر الهجري

علماء القرن الخامس عشر الهجري

الرجال و الحديث والتراجم : علم الحديث : الجرح والتعديل :

عدالة الصحابة.

المؤلف:  السيّد هاشم معروف.

المصدر:  دراسات في الحديث والمحدّثين.

الجزء والصفحة:  ص 69 ـ 104.

2023-08-24

923

يدّعي الجمهور من السنة، انّ للصحبة شرفا عظيما يمنح المتّصف بها امتيازا يجعله فوق مستوى الناس اجمعين، ولو باشر المنكرات، وأسرف في المعاصي واتباع الشهوات، وينطلقون من هذا الغلو إلى انهم عدول مجتهدون في جميع ما صدر منهم. فمن اصاب في آرائه واعماله الواقع فله ثواب من أدرك الحق وعمل به، ومن أخطا فله أجر المجتهدين العارفين فعدالتهم ثابتة بتعديل الله لهم وثنائه عليهم على حد تعبير الغزالي في المستصفى، وعندما تنتهي الرواية إليهم يجب الوقوف عندها، وليس لاحد ان يطبّق عليها اصول علم الدراية وقواعده، ولو كان الراوي لها مروان بن الحكم أو أبو سفيان أو غيرهما ممّن وصفهم القرآن بالنفاق والرسول الكريم بالارتداد.

قال ابن حجري المجلد الاول من الاصابة: اتفق أهل السنة على انّ الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك الا شذّاذ من المبتدعة، واضاف إلى ذلك: انّ عدالتهم ثابتة بتعديل الله لهم، ونقل عن ابن حزم بأنّهم جميعا عدول ومن أهل الجنّة قطعا على حد تعبيره، ومن قال بانّهم كغيرهم من الناس يتفاوتون بمقدار اعمالهم وخدماتهم وجهادهم فقد تعرض لأعنف الهجمات من جمهور أهل السنة.

وقال الغزالي في المستصفى: والذي عليه السلف وجماهير الخلف انّ عدالتهم معلومة بتعديل الله (عزّ وجلّ) ايّاهم وثنائه عليهم في كتابه وهو معتقدنا فيهم الا ان يثبت بطريق قاطع ارتكاب واحد لفسق مع علمه به، وذلك ممّا لم يثبت، فلا حاجة لهم إلى التعديل، قال تعالى: {كنتم خير أمّة أخرجت للناس..} ومضى يسرد الادلة على عدالتهم من الكتاب والسنّة، واضاف إليها انّه لو لم ترد النصوص القرآنيّة والنبويّة بعدالتهم لكان فيما اشتهر وتواتر من حالهم في الهجرة والجهاد وبذل المهج والاموال وقتل الآباء والاهل في موالاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونصرته، لو لم ترد النصوص لكانت هذه النواحي كافية في عدالتهم، وبعد ان تعرّض لبعض الآراء التي تحمّلهم مسؤولية أعمالهم وتصرّفاتهم المنسوبة إلى بعض اعيان المعتزلة وغيرهم، بعد ان عرضها قال: وكلّ هذه الاقوال جرأة على السلف، ومخالفة للسنّة، واخيرا رجّح الرأي الشائع بين فقهاء السنّة ومحدّثيهم فيما يتعلّق بتصرّفات الصحابة المنافية لأصول الاسلام وفروعه، الذي ينصّ على انّهم مجتهدون في كل ما وقع منهم، فالمصيب منهم مأجور، والمخطئ معذور (1).

ويؤكّد البعض من السنّة انّ الصحابة كغيرهم من الرواة من حيث وجوب الفحص عن عدالتهم والتوثق منها (2)، وانصار هذا القول بين من يرى انّهم كغيرهم من الناس، وانّ الصحبة لا ترفع من شان احد طالت ام قصرت، وبين من يدّعي انّ عدالتهم استمرت إلى ان وقع الخلاف بينهم، وباشروا الفتن وأراقوا الدماء، وتنافسوا على أمور الدنيا، ومنذ ذلك الحين اصبحوا كغيرهم معرّضين للنقد والتجريح والتفسيق ولغير ذلك ممّا يجوز على جميع الناس، واسرف بعض المعتزلة اسرافا لا مبرّر له في حكمه على تلك الفئات المتخاصمة، فذهب واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد إلى وجوب طرح الرواية إذا انتهت إليهم ولو كان الراوي لها عليا (عليه السلام)، لاحتمال ان يكون هو المبطل في خصومة لعائشة ورفيقيها، ولمعاوية وانصاره، كما يرى ذلك واصل بن عطاء، بينما يؤكّد عمرو بن عبيد، الزعيم الثاني للمعتزلة بعد واصل انّهم جميعا قد خرجوا عن العدالة ولا تصح شهادتهم على باقة بقل، على حد تعبيره.

وجاء في الفَرقِ بين الفِرَقِ للبغدادي: انّ ابا الهذيل العلّاف، والجاحظ، وأكثر القدريّة على رأي واصل بن عطاء في علي (عليه السلام) وطلحة والزبير وعائشة وغيرهم ممّن اشترك في الحروب والخصومات في تلك الفترة من تاريخ الاسلام.

ومهما كان الحال فالمحدّثون والفقهاء من المنتسبين إلى المذاهب الاربعة الا ما شذّ منهم متّفقون على عدالة الصحابة وعدم التوقّف في مروياتهم عن الرسول (صلى الله عليه وآله) ورجحان الاقتداء بهم في امور الدين وغيرها، ولم يعرف الخلاف في ذلك الا من بعض المتأخّرين، كالشيخ صالح مهدي المقبلي، المتوفّى في أوائل القرن الثاني عشر الهجري، والشيخ محمد عبدو، ورشيد رضا، وغيرهم، ولكن هؤلاء وان كانوا من أعلام السنّة، ولكنّهم لا يمثّلون الا أنفسهم في هذه المسالة.

قال الأستاذ محمود أبو ريّة: وإذا كان الجمهور على انّ الصحابة كلّهم عدول، ولم يقبلوا الجرح والتعديل فيهم كما قبلوه في سائر الرواة، واعتبروهم جميعا معصومين عن الخطأ والسهو والنسيان، فإنّ هناك كثير من المحقّقين لم يأخذوا بهذه العدالة المطلقة لجميع الصحابة، وانّما قالوا كما قال العلّامة المقبلي: انّها أغلبيّة لا عامّة، وانّه يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الغلط والنسيان والسهو والهوى، ويؤيدون رأيهم بانّ الصحابة ان هم الا بشر يقع منهم ما يقع من غيرهم، ممّا يرجع إلى الطبيعة البشرية، ويعزّزون حكمهم بما وقع، في عهده من المنافقين والكذّابين وبما وقع بعده من الحروب والفتن والخصومات التي لا تزال اثارها إلى اليوم، وستبقى إلى ما بعد هذا اليوم(3).

واستدل القائلون بعدالة الصحابة ببعض الآيات والأحاديث المرويّة عن النبي (صلى الله عليه وآله) التي تثبت هذه الصفة لجميع الصحابة على حد زعمهم.

 فمن ذلك قوله تعالى في الآية من سورة الفتح: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29].

 وقال تعالى في سورة التوبة: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100].

 وقال في سورة الانفال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74].

 وقال في سورة الحشر: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 8 ـ 10].

 وقال في سورة الفتح: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].

 بهذه الآيات وغيرها مما اشتمل على مدحهم بالإيمان والصدق وعلى وعدهم بالمغفرة والجنان التي اعدّها الله للمؤمنين العاملين، قد استدلّ الجمهور من السنة على عدالة الصحابة وانّهم فوق الشبهات والاهواء (وانّ بساطهم قد طوي) وليس لأحد ان يتردّد في شيء من تصرّفاتهم وأعمالهم على حد تعبير بعض المحدّثين من السنّة والذي لا يمكن التنكّر له هو انّ هذه الآيات ونظائرها تدلّ دلالة واضحة لا تقبل الجدل والتشكيك على انّ لبعضهم من القداسة وعلو المنزلة ما ليس لأحد من الناس وبخاصة من اشترك معه في حروبه وغزواته، وضحّى في سبيل تلك الدعوة بالمال والنفس والاولاد، واخلص له في السر والعلانية، هؤلاء لا يجحد فضلهم الا كل معاند لا يؤمن بيوم الحساب، اما ثبوت العدالة والقداسة لكل من راه أو سمع حديثه، أو ادرك عصره ولو طفلا صغيرا مهما صنع بعد ذلك من المنكرات واقترف من الذنوب والآثام كما جرى ذلك لكثير منهم، فهو نوع من التهويش والتضليل الذي لا يقرّه المنطق بل ولا العقل، ولا تؤيّده تلك النصوص ولو من بعيد، ذلك لانّ من وصفهم الله بتلك الآيات بالشدة على الكفار والركوع والسجود والهجرة والجهاد وغير ذلك من الاوصاف لا ينكر احد فضلهم، ولا يتردد في عدالتهم، ومن المعلوم ان الذين عاصروا الرسول ورووا حديثه، بل وحتى الذين ناصروا دعوته لم تتوفر في اكثرهم تلك الصفات التي اشتملت عليه الآيات الكريمة، بل من بينهم المنافق والفاسق والمتخاذل والمتستر بالإسلام خوفا أو طمعا، ومن ينتظر الفرص ويراقب الظروف ويهيّئ المناسبات ليقوم بدوره في وجه تلك الدعوة المباركة، ولو بالفتك بالرسول إذا اقتضى الامر، كما اشار القرآن نفسه إلى ذلك في بعض آياته، هذا بالإضافة إلى انّ المتتبّع لسير الحوادث، وتاريخ الصحابة في حياة الرسول وبعد وفاته لا يرتاب في انّ الذين عاصروا الرسول بل وحتّى الذين كانوا ألصق به من جميع الناس لم يلتزموا سيرته وسنّته وساقتهم الاهواء إلى ممارسة ما استطاعوا من الملذات والشهوات، لقد احبّوا وكرهوا وخاصموا وانتقموا واستحلّ بعضهم دماء الآخرين في سبيل الجاه والسلطان.

 انّ هؤلاء الذين ألبسوا جميع الصحابة ثياب القدّيسين واعطوهم صفات الانبياء المرسلين، قد ناقضوا أنفسهم فصدّقوا التاريخ فيما رواه من أعمالهم الطيّبة ومواقفهم الخالدة، وكذّبوه في غير ذلك من المرويات التي تصوّر لنا جشعهم وانهماكهم في المعاصي والمنكرات، مع العلم بأنّ التاريخ الذي روى لنا محاسن اخبارهم، روى لنا سيئات أعمالهم بشكل أوثق وأقرب إلى منطق الاحداث التي توالت خلال تلك الفترة من تاريخهم المشحون بالأحداث والمتناقضات، والتنافس على المال الحرام والجاه والسلطان.

ومجمل القول: انّ للآيات التي استدلّ بها الجمهور على عدالة الصحابة لا يستفاد منها أكثر من التنويه بفضل من جاهد في سبيل الله بماله ونفسه ابتغاء مرضاة الله وطمعا في ثوابه، كما يبدو ذلك بعد الرجوع إليها وملاحظة اسباب نزولها وملابساتها فالآية الاولى بمنطوقها تنص على انّ جماعة من انصار النبي (صلى الله عليه وآله) كانوا اشداء على الكفار رحماء بينهم، قد انصرفوا إلى العبادة حتى ظهرت آثار ذلك في جباههم ووجوههم، وهذه الصفات لم تتوفر الا في عدد محدود من الصحابة فضلاً عن جميعهم.

والآية الثانية لم تتعرّض الا للسابقين في فعل الخيرات والطاعات وتفضيلهم على غيرهم من الكسالى والمقصّرين، فهي من حيث مؤدّاها اشبه بقول الرسول (صلى الله عليه وآله): "مَن سنَّ سنة حسنة كان له اجر من عمل بها؛ ومَن سنّ سنّة سيئة كان عليه وزر من عمل بها".

وجاء عن جماعة من المفسّرين: انّ للآية تشير إلى من صلّى مع النبي القبلتين، وقال آخرون: انّها نزلت فيمن بايع بيعة الرضوان، وقال بعضهم: انّها فيمن أسلم قبل الهجرة، وعلى جميع التقادير فهي لا تفيد الجمهور، ولا تؤيّد ادعائهم من قريب أو بعيد (4).

والآية الثالثة نزلت فيمن هاجر من مكة إلى المدينة، بعد ان هاجر الرسول إليها، كما جاء في مجمع البيان للطبرسي، وقد مدحهم الله سبحانه؛ لانّهم هاجروا من ديارهم واوطانهم في مكة ولحقوا بالرسول (صلى الله عليه وآله) إلى المدينة، كما مدح من آواهم ونصر الرسول ووصفهم بأنّهم المؤمنون حقا، ولا يعارض احد من المسلمين في انّ اولئك بهجرتهم، وهؤلاء بنصرتهم وتضحياتهم وايثارهم على انفسهم من المرضيّين عند الله سبحانه بالنسبة إلى هذا الموقف الذي وفقوه مع النبي (صلى الله عليه وآله) وهذا لا يمنع من صدور المخالفات الكثيرة من بعضهم التي توجب وصفهم بالنفاق أو الارتداد كما نصّت على ذلك بعض المرويات، على انّ الصفات التي اشتملت عليها الآية لم تتوفّر في جميع الصحابة، كي تثبت لهم العدالة التي يدّعيها الجمهور، وهكذا الحال بالنسبة إلى الآية من سورة الحشر، فإنّ ثبوت الفضل للفقراء والمهاجرين، والذين تلقّوهم ونصروهم وآثروهم على انفسهم، ولمن بايعه بيعة الرضوان، في مقابل هذه التضحيات، لا يلزم منه ثبوته لكلّ من رأى النبي أو روى عنه ولو حديثا، أو سمع منه كلمة (5) وقد استدل القائلون بعدالة الصحابة بالإضافة إلى تلك للآيات ببعض المرويات عن الرسول (صلى الله عليه وآله).

فمن ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن ابي سعيد الخدري انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا تسبّوا احدا من اصحابي، فانّ احدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مُدّ أحد ولا نصيفه.

وروى الترمذي عنه في صحيحه انّه قال: الله الله في اصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي فمن احبّهم فبحبّي احبّهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن اذاني فقد آذى الله ومن آذى الله يوشك ان يأخذه.

وجاء عن ابي موسى الاشعري انّ رسول الله قال: النجوم آمنة للسماء، فإذا ذهب النجوم أتى اصحابي ما يوعدون، واصحابي آمنة لأمّتي فإذا ذهب اصحابي أتى امتي ما يوعدون.

وجاء عنه (صلى الله عليه وآله) انّه قال: خير القرون قرني، ثم الذي يلونهم ثم الذي يلونهم ثم يفشو الكذب.

وقد أورد هذه المرويات الاستاذ محمد عجاج الخطيب في كتابه الستة قبل التدوين، كما استدل بها كل من تكلّم عن الصحابة واحوالهم، وانتهى الاستاذ الخطيب من هذه المرويات إلى النتيجة التالية:

فقال: وقد اجمعت الامة على عدالتهم جميعا الا افرادا معدودين اختلف في عدالتهم لا يتجاوزون عدد اصابع اليد الواحدة، فلا يجوز لاحد ان يتعداهم خشية ان يخالف الكتاب والسنة الذين نصا على عدالتهم، وبعد تعديل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لهم لا يحتاج أحد منهم إلى تعديل أحد، واضاف إلى ذلك: على انّه لو لم يرد من الله تعالى ورسوله الكريم شيء في تعديلهم لوجب تعديلهم، لما كانوا عليه من دعم الدين والدفاع عنه، ومناصرتهم للرسول والهجرة إليه والجهاد بين يديه، وبذل المهج والاموال واخيرا انتحل صفة الاجتهاد لهم، حيث لم يجد ما يعتذر به عن بعض تصرفاتهم وللمجتهد ان بصنع ما يشاء، ما دام يفعل بوحي من اجتهاده، حتى ولو خالف الضرورات، واستحل جميع المنكرات، كما وقع لكثير منهم.

وممّا ذكرنا تبيّن انّ الجمهور القائلين بعدالة جميع من رأى النبي، أو سمع حديثه، لا يملكون الادلة الكافية، التي تغنيهم عن التعسف واللف والدوران لإثبات العدالة المزعومة، ذلك لانّ ما جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) من المرويّات التي تدل على تمجيدهم، وعدم ايذائهم، وانّهم امان لأهل الارض، هذه المرويات لو صحّت لا تدل على انّهم قد بلغوا من الدين مبلغا يعصمهم عن اتباع اهوائهم وشهواتهم، ويدفعهم إلى الامتثال واجتناب المحرمات، ومن الجائز ان يكون الثناء عليهم باعتبار ان صحبتهم للنبي والتفافهم حوله يشكّل مجموعة متماسكة لحماية الاسلام من اخطار الغزو المرتقب في كلّ لحظة من داخل البلاد وخارجها، هذا التكتّل باعتباره من مظاهر القوة التي تمكّن سير الدعوة كان محبوبا لله سبحانه، مع قطع النظر من خصوصيات الافراد التي تخصّ كل واحد من حيث تصرفاته وأعماله.

هذا بالإضافة إلى انّ حديث لا تسبّوا اصحابي، واصحابي كالنجوم (6).

هذا الحديث من حيث اشتماله على صيغة الجمع، لا يتعيّن للشمول والاستيعاب، بل يصح منه ولو بالنسبة إلى المخلصين في ولائهم العاملين بأوامر الله المتمسكّين بسنّته وسيرته، ولا ينكر احد وجود مجموعة كبيرة بين اتباعه، قد تفانوا في خدمة الاسلام، واخلصوا في اعمالهم وجهادهم طمعا في مرضات الله وثوابه، والحديث ونظائره على تقدير صدوره من النبي لا بدّ وان يكون ناظراً إلى تلك الفئة من بين اتباعه، ومن غير المعقول ان يقصدهم النبي (صلى الله عليه وآله) على جهة العموم، وهو المخاطب بتلك للآيات التي وصفت فريقا منهم بالنفاق والبغي وفريقا بالتآمر على حياته واحباط جميع مساعيه وجهوده التي بذلها في سبيل الدين، تثبيت دعائمه، من غير المعقول إذ يقصدهم جميعا من تلك النصوص، ويقف موقف المدافع عنهم المجامل لهم، والآيات الكثيرة تنادي بنفاقهم، وتكشفهم على واقعهم كي لا يغتر بهم احد من اصحابه الطيّبين، وحتى لا تكون الصحبة ستارا لأصحاب الشهوات والمطامع يستغلونها لأغراضهم ولكي لا تكون للصحابيّ تلك الحصانة التي تمنع من نقده وتجريحه.

وقلّما تخلو سورة من سور القرآن من التشهير بهم والتحذير من دسائسهم، وسمّيت سورة التوبة بالفاضحة، كما جاء عن عبد الله بن العباس لأنّها فضحتهم وكشفت عن واقعهم. وجاء عنه انّه قال: ما زال القرآن ينزل بالمنافقين حتى خشينا ان لا يبقى احد أمين من الصحابة.

وسمّيت المبعثرة لأنّها تبعثر اسرار المنافقين وتبحث عنها، كما سمّيت البحوث، والمدمدمة والحافرة والمثيرة إلى غير ذلك من الاسماء التي تتناسب مع مضامين تلك السورة بكاملها (7).

قال تعالى في معرض التهديد والتوبيخ لله منافقين: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 42، 43] وهذه للآية قد كشفت عن سوء نواياهم، واشارت إلى المخطط الذي تبنّوه ضد الدعوة كما تشعر بعتاب الله للنبي (صلى الله عليه وآله) حيث اذن لهم بالتخلف عنه في بعض غزواته كما توكد ذلك الآية التي بعدها.

قال تعالى: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ * وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ * لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ *  لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 44 - 48] فالآية المذكورة تنصّ بصراحة إلى ان بين صفوف الصحابة في المدينة وغيرها جماعة كانوا يسرّون الغدر والنفاق، ويتربصون الظروف والمناسبات للفتك بالمسلمين وايقاع الفتنة بهم، وتضيف الآية إلى ذلك، انّ هؤلاء حتى لو خرجوا معك الجهاد، لا تستفيدون من خروجهم شيئا يعود عليكم بالخير، لانهم يبيتون الفتنة والشر لكم وتنص الآية بالإضافة إلى ما ذكرنا، على انّ لهم انصارا بين الذين خرجوا معك يتجسّسون عليكم وينقلون إليهم اسراركم «وفيكم سمّاعون لهم والله عليم بالظالمين»، ويستفاد من مجموع ذلك انّ النفاق كان متفشيا بين الصحابة والتنظيم السرّي كان يشمل مجموعة ممّن تظاهروا بالإسلام واشتركوا في غزوات الرسول ضد المشركين، وانّ الغاية منه كانت تستهدف القضاء على الاسلام والرجوع إلى تأليه الاصنام والاوثان، ولولا ان الله سبحانه قد أحاط تلك الدعوة المباركة بعنايته، وحفظها من مكرهم ودسائسهم واظهرهم على واقعهم، لولا ذلك كان من الميسور عليهم القضاء عليها بين عشية وضحاها. ولا احسب انّ المتتبّع لنصوص القرآن يتردّد في هذه الحقيقة، قال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ * إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} [التوبة: 49، 50].

وجاء في تفسير قوله: {ألا في الفتنة سقطوا} انّهم وقعوا في العصيان والكفر بمخالفتهم لك وتخلّفهم عن الجهاد معك.

وقال مخاطبا لهم: {قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ * وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ * فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ * وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ * لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ } [التوبة: 53، 57].

 ثمّ عرض القرآن جانبا آخر من جوانب نفاقهم فقال سبحانه:

{وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة: 58، 59].

وجاء عن ابي عبد الله الصادق (عليه السلام) انّ المعنيّين بهذه لآية أكثر من ثلثي الناس ممّن كانوا في عصر الرسول، وأشارت بعض الآيات إلى فريق آخر من المنافقين كانوا يتعمدون ايذاء النبي (صلى الله عليه وآله) بما ألصقوا فيه من التهم الباطلة فقال: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61] وجاء في أسباب نزولها أنّ جماعة من المسلمين قالوا في الرسول ما لا ينبغي، فقال رجل منهم: لا تفعلوا فإنّا نخاف أن يبلغ محمدا ما تقولون فيوقع بكم، فقال الجلاس بن سويد: بل نقول ما شئنا ثم نأتيه فيصدّقنا بما نقول: فإنّ محمدا أذن سامعة فأنزل الله هذه الآية.

وقال سبحانه: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} [التوبة: 64 - 66] وجاء في مجمع البيان وغيره من كتب التفسير في اسباب نزولها انّ اثني عشر رجلا من المسلمين وقفوا على العقبة ليفتكوا برسول الله (صلى الله عليه وآله) عند رجوعه من تبوك فاخبر الله رسوله بذلك وامره ان يرسل إليهم ويضرب وجوه رواحلهم، وكان عمار بن ياسر يقود دابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحذيفة بن اليمان يسوقها فقال الرسول (صلى الله عليه وآله) لحذيفة: اضرب وجوه رواحلهم فضربها حتى نحّاهم فلمّا نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لحذيفة: من عرفت من القوم؟ قال لم اعرف منهم احدا: فعدّهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأسمائهم واحدا واحدا، فقال له حذيفة: ألا تبعث إليهم فتقتلهم، فقال: اكره أن تقول العرب: لمّا ظفر بأصحابه قتلهم (8).

وقال سبحانه: {يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة: 94، 95] هذه الآيات نزلت في ثمانين رجلا من الصحابة قد تخلّفوا عن الخروج مع النبي (صلى الله عليه وآله) إلى تبوك، فلمّا رجع منها فاتحا جاءوه يعتذرون عن تخلّفهم عنه، فاخبره الله سبحانه بما انطوت عليه ضمائرهم، ونهاه ان يقبل معذرتهم لعلمه سبحانه بأنهم يسرون غير ما يظهرون، إلى غير ذلك من الآيات التي اشتملت عليها هذه السورة وغيرها كالحشر والمنافقين والانفال والاحزاب وغير ذلك من السور التي قلّما تخلو من ذكرهم والتحذير من غدرهم ودسائسهم في داخل المدينة وخارجها.

وممّا يلتفت النظر انّ المتآمرين قد انتشروا داخل المدينة وخارجها، وانّ نشاطهم قد تعدّى حدود المدينة كما تدلّ على ذلك بعض الآيات الكريمة.

قال سبحانه: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 97، 98] ويبدو من مجموع ما ورد في القرآن بشأنهم انّ الخطر منهم على الدعوة الاسلامية لم يكن بأقل من المشركين الذين لم يخضعوا لسلطان الاسلام، ومن الجائز القريب ان يكون خطر المنافقين اشدّ وابلغ اثرا من اخطار غيرهم لانّهم كانوا معهم وبين صفوفهم يراقبون جميع تصرفاتهم ويحصون عليهم انفاسهم: وقد اطمئن إليهم اكثر المسلمين، بل وحتى النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن يعرف واقعهم، لولا الوحي الذي كان يكشفهم له بين حين وآخر، ولولا انّهم كانوا يشكّلون خطرا عظيما على الدعوة الاسلامية وعلى الرسول نفسه لما ألحّ القرآن الكريم على التحذير مضم بتلك الاساليب المختلفة.

 ويؤيد ذلك ما جاء في تفسير الآية 59 من سورة التوبة، أنّ المعنيّين بها أكثر من ثلثي الناس، ولو كانوا قليلي العدد وليسوا من ذوي الشأن، ولا يملكون من الوسائل التي تمكّنهم من تنفيذ مخططاتهم واهدافهم، إذا كانوا كذلك فهل يستحقّون هذا الاهتمام البالغ الذي ظهر في كثير من الآيات والسرر وهل يحسن التحذير والتخويف ممّن لا خطر منه ولا شان له؟ ولماذا لم بتجاهل القرآن تلك الفئات الظالمة كما تجاهل أكثر العصاة ولم يتعرّض إلى خطرهم على الدعوة ولو بآية تشير إليهم من قريب أو بعيد. وتؤكّد النصوص التاريخية: انّ القرآن الكريم لم يقف هذا الموقف من الصحابة، ولم يحدث عنهم بتلك القسوة بشتى الاساليب الا بعد ان تكتّل فريق منهم بقصد الفتك بالرسول، واحباط مساعيه تضامنا مع مشركي قريش وغيرهم من العرب، وما كان وقوف الاثني عشر رجلا الذين اشارت إليهم الآية 64 من سورة براءة، في طريق الرسول للفتك به وهو راجع من غزوة تبوك الا احدى المحاولات التي تعاقد المتآمرون على تنفيذها، ومما لا شك فيه ان وراء هؤلاء الاثني عشر عدد كبير، كان ينتظر نجاح المؤامرة ليقوم كل بدوره المعدّ له، وقد بلغ الحال بالمنافقين انّهم كانوا يسهّلون للمشركين واليهود احتلال المدينة ليناصروهم على محمد (صلى الله عليه وآله) كما تشير إلى ذلك الآية 14 من سورة الاحزاب.

قال تعالى: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا} [الأحزاب: 14] وجاء في تفسيرها: لو دخل المشركون المدينة وطلبوا من المنافقين قتال المسلمين لأجابوهم إلى ذلك.

وعن قتادة انّ المقصود بالآية لو دخل المشركون إلى المدينة، وطلبوا من المنافقين الدخول معهم في الشرك لأسرعوا إلى اجابتهم.

ومجمل القول انّ هذه للآيات على كثرتها توحي بوجود مجموعة من المنافقين قد تستّروا بالإسلام لها اثرها وفعاليتها كانت تعمل بالخفاء للقضاء على الدعوة الاسلامية ولو بالفتك بالرسول، أو بإعلان العصيان والتمرد عليه داخل المدينة وخارجها، بعد ان عجزوا عن مقاومته مع صفوف المشركين في المعارك التي دارت بينهم وبينه ووترهم بآبائهم وابنائهم وعشائرهم ومعتقداتهم واضطرهم إلى الاستسلام واطاح بأمجادهم والغى جميع الامتيازات التي كانوا يتمتعون بها، ويتحكّمون بالضعفاء والفقراء بسببها هؤلاء بلا شك لم يخالط الايمان قلوبهم، بل اظهروا الاسلام خوفا وطمعا، وقد وصف الله قصة اسلامهم بقوله: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 14] ليس بغريب على من اسموهم بالصحابة ان لا يدخل الايمان في قلوب الكثيرين منهم وان يكون فيهم المنافق والصالح، والمطيع والعاصي والطيب والخبيث لانّهم حديثو عهد بالدين الجديد، الذي اقرّ الكثيرون به خوفا وطمعا، وارغمهم على الاستسلام حين لم يجدوا سبيلا للمقاومة، وفرض عليهم مبادئه واصوله في حين انّهم ورثوا عن آبائهم واسلافهم ما لا يتفق مع تلك المبادئ واصول ذلك الدين الجديد، ليس بغريب ان يكونوا كما وصفهم القران، وكما نقل عنهم المحدثون والمؤرخون، لان النظر إلى النبي، أو سماع حديثه لا يغيران طبيعة الانسان، ولا يقتلعان منها نوازع الشر، انما الغريب ان يحكم جمهور السنة على كل من رآه أو سمع حديثه بالعدالة والاستقامة، مع وجود هذه الآيات على كثرتها التي وصفت مجموعة منهم بالنفاق، وعدم الايمان بالله وبمبادئ الاسلام واصوله وحذرت النبي من غدرهم ونفاقهم وكشفت عن واقعهم.

ونحن لا نريد ان نطعن في جميع الصحابة، ولا ان نجحد فضل المجاهدين منهم والعاملين معه وبعده بإخلاص لنشر الاسلام وتطبيق مبادئه واصوله، الذين اثروه طى اعز ما لديهم، واغلى ما يملكون وتسابقوا إلى الشهادة والموت في سبيله، انا لا نريد ذلك ولا نقر من يهاجم جميع الصحابة ويجحد فضلهم، ونعتبر ذلك اساءة للرسول نفسه وجحودا لنصوص القران الكريم الذي اشاد بفضل المجاهدين منهم في سبيل الله والعاملين بأصوله وفروعه ووعدهم اجرا عظيما وجزاء كريما، وانّما الذي نريده، انّهم كغيرهم من المسلمين في مختلف العصور فيهم الصالح والطالح، والشقي والسعيد، والمؤمن والمنافق وهم في ايمانهم ونفاقهم يتفاوتون، فمنهم من بلغ القمة في ايمانه واخلاصه وتضحياته، ومنهم من انحط إلى اسفل درك بسبب اسرافه في المنكرات والمعاصي، وبالرغم من ان التاريخ قد حاباهم فلقد سجل عليهم ما لا تقره الاديان والشرائع والاعراف في مختلف النواحي والمراحل التي مروا بها ولو اردنا ان نحصي تصرفاتهم التي لا يمكن ان تقرّها الاديان بحال من الاحوال بل وحتى شريعة الغاب ولا يمكن افتراضها من نتائج الاجتهاد الذي يعذر فيه المجتهدون كما يحاول بعض الاعلام من السنة، لو اردنا ان نحصي عليهم تلك المخالفات الصريحة لنصوص القران لبلغت كتابا مستقلا، وقبل الحديث عن بعض تصرفاتهم لا بد من الاشارة إلى بعض النصوص التي تؤيد انحراف الكثير منهم في حياة الرسول وبعده عن المخطط الاسلامي الذي وضعه القرآن والرسول (صلى الله عليه وآله)، كما جاء في مجاميع الحديث الموثوقة عند السنة.

فقد جاء في البخاري عن عبد الله بن العباس: انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: انّكم تحشرون حفاة عراة، وانّ اناسا من اصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول أصحابي أصحابي: فيقول: انّهم لم يزالوا مرتّدين على اعقابهم منذ فارقتهم، فأقول: كما قال العبد الصالح: وكنت عليم شهيداً ما دمت فيهم.

وجاء فيه ايضا عن ابي هريرة، انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: بينا انا قائم فإذا زمرة حتى إذا عرفتهم، خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلمّ: قلت إلى اين؟، قال إلى النار والله: قلت وما شأنهم؟ قال: ارتدّوا على ادبارهم القهقرى، ثم إذا زمرة حتى إذا عرفتهم خرج رجل وقال هلمّ: قلت إلى اين؟: قال إلى النار والله: قلت وما شأنهم؟ قال: انّهم ارتدّوا على ادبارهم القهقرى، فلا أراه يخلص منهم الا مثل همل النعم (9).

وجاء فيه انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال يرد عليّ يوم القيامة رهطٌ من اصحابي فيحلؤون عن الحوض فأقول يا رب اصحابي! فيقول: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك. انّهم ارتدّوا على ادبارهم القهقرى.

وجاء في الصحيح للبخاري عن سهل بن سعد انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: ليوردنّ عليَّ اقوام اعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فأقول انّهم منّي، فيقال: انّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول سحقاً سحقاً لمن غيّر وبدّل.

وجاء فيه عن عبد الله انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: انّا فرطكم على الحوض، وليرفعنّ رجال منكم، ثم ليختلجنّ دوني، فأقول يا ربي اصحابي! فيقال: انّك لا تدري ما أحدثوا بعدك.

وروي عن اسماء بنت ابي بكر، انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: انّي على الحوض حتّى انظر من يرد عليّ منكم، وسيؤخذ ناس دوني، فأقول يا ربي منّي ومن امّتي فيقال: هل شعرت ما عملوا بعدك والله ما برحوا يرجعون على اعقابهم، إلى غير ذلك من المرويّات في مجاميع الحديث عند السنة.

والجدير بالذكر انّ هذه المرويات لم تتعرّض للمنافقين والمتآمرين في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله) على سلامة الدعوة الاسلامية وعلى الرسول نفسه بصفته الحامل للوائها كما نصت على ذلك سورة التوبة وغيرها بل تعرّضت لأصحابه من بعده وما سينتهي إليه امرهم من حيث خروجهم عن الجادّة والمخطّط الذي وضعه لهم، وهي تصرّح بانّهم سيرتدّون من بعده ويرجعون على اعقابهم إلى الوراء، اي إلى ما يشبه حالتهم قبل الاسلام وبذلك تكون قد اضافت مجموعة منهم إلى المجموعة التي تعرضت لها سورة التوبة وغيرها من سور القرآن وآياته، وبضميمة الذين وصفهم بالارتداد إلى الفئة الاولى ينتج ان اكثر الصحابة قد خالفوا الرسول ولم يتبعوا سنته وسيرته، ومع ذلك فالجمهور من السنة يقفون منهم موقف المغالي، ويصفونهم بالعدالة والاستقامة والرسول يصفهم بالارتداد، ويقول (لا ينجو منهم الا مثل همل النعم)، وهم يقولون: بأنّهم ناجون ولو خالفوا الضرورات واستحلوا المنكرات لانّهم مجتهدون، والمجتهد مأجور على كل حال واذ تخطّى الحق وتعمّد الباطل وخالف الضرورات من دين الاسلام كما فعل العشرات منهم.

وكيف يصح وصفهم بالعدالة، وفيهم من عاب على النبي (صلى الله عليه وآله) تصرفه في الصدقات كما جاء في الآية من سورة المائدة، وفيهم من آذاه كما تنص على ذلك الآية من سورة البقرة، وفيهم من اتخذ مسجدا ضرارا وكفرا تفريقا بين المؤمنين كما تنص على ذلك الآية من سورة التوبة وفيهم الذين تخلفوا عن غزوة تبوك، وكانوا اكثر من ثمانين رجلا، وحلفوا له الايمان الكاذبة، كما نصت على ذلك الآية: {يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ } [التوبة: 96] وفيهم اربعة عشر رجلا تعاقدوا على اغتيال الرسول في ظلمات الليل، وفيهم من إذا اصابت الرسول حسنة تسؤهم، وان اصابته مصيبة سرتهم وفرحوا بها، إلى غير ذلك من الاصناف التي نص عليها القرآن، وفيهم من ارتدوا بعد موته وغيروا وبدلوا، ولم ينفذوا وصيته في علي واهل بيته (عليه السلام) واذوا ابنته حتى ماتت وهى غضبى عليهم كما نص على ذلك البخاري في صحيحه، مع انهم سمعوه اكثر من مرة يقول، فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني، وفيهم من أراقوا دماء المسلمين وخاضوا جميع الفتن، ومارسوا انواع الشهوات، وغرّروا بزوجة النبي (صلى الله عليه وآله) السيدة عائشة حتى قادت جيشا مع اهل الاهواء والاطماع لحرب امام المسلمين وسيدهم علي (عليه السلام) فأراقوا الدماء ونهبوا الاموال وروعوا الآمنين واستباحوا الاعراض.

وفيهم من قال عندما تولى الخلافة قريبه عثمان: تلقّفوها يا بني امية تلقّف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنّة ولا نار ولا حساب ولا عقاب، وهو بعينه القائل لعلي (عليه السلام) حينما استولى أبو بكر على الخلافة: غلبكم على هذا الامر أرذل بيت في قريش، اما والله لأملأنّها عليه خيلا ورجالا، فقال له علي (عليه السلام)، ما زلت عدواً للاسلام وأهله، فما ضر ذلك الاسلام وأهله شيئا (10).

وفيهم من قتل مالك بن نويرة وعشيرته ودخل بزوجته ساعة قتله، لانه امتنع من تسليم الزكاة لغير الحاكم الشرعي، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) الحدود تدرئ بالشبهات، وقال الله تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} [النساء: 94].

وفيهم طريد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مروان بن الحكم وابوه واسرته الذين لم يؤمنوا بالله ورسله طرفة عين ابدا وقد لعنهم الرسول وحذر المسلمين من مكرهم ودسائسهم، وهم الذين استغلوا خلافة عثمان بن عفان، واستهتروا بجميع الحقوق والمقدسات حتى ضج المسلمون في مختلف الاقطار من تصرفاتهم، ولمّا رفض اقصاءهم عن الحكم، لم يجد المسلمون بدا من التخلص منه عن طريق القوة! التي اودت بحياته، ولمّا اتفق المسلمون في داخل المدينة وخارجها على الخليفة الشرقي علي (عليه السلام) وضاق عدله بفريق ممن اسموهم بالصحابة، تكتلوا بقيادة الشيخين طلحة والزبير للثورة ضد الحكم القائم، واغروا زوجة النبي على ان تتزعّم حركة للثورة ليضللوا بخروجها البسطاء والمغفلين، فعرضوها للهتك والخطر، وصانوا نساءهم بالرغم من تأكيد القرآن على صيانة نساء النبي، وحرص الرسول على ان يحفظه المسلمون في اهله ونسائه، وكان من نتيجة ذلك ان مروان بن الحكم نفسه تولّى قتل طلحة بيده، لانّه كان من المحرّضين على قتل قريبه عثمان بن عفان، وجاء في بعض المرويات عنه انّه قال لأبان بن عثمان: قد كفيناك بعض قتلة ابيك (11).

وروى البخاري في صحيحه انّ ابن عمر جمع اهله وولده في وقعة الحرة: وامرهم ان لا يخلعوا بيعة يزيد بن معاوية، وروى لهم عن رسول الله انه قال: واني لا اعلم غدرا اعظم صن ان يبايع رجل على بيع الله ورسوله ثم ينصب له القتال (12) واي غدر اعظم من الفتنة التي اثارتها عائشة وزميلاها طلحة والزبير، تلك الفتنة التي قتل فيها اكثر من ثلاثين الف مسلم كما تؤكّد النصوص التاريخية الموثوق بها بعد ان بايعا عليا (عليه السلام) طالعين غير مكرهين، ومع ذلك فالصحابة كلهم عدول حتى مروان بن الحكم والاسرة الاموية لانّهم عاصروا الرسول وسمعوا احاديثه، ويجب ان تتضاعف عدالة معاوية لانّه من كتّاب الوحي على حد زعم الاخباريّين من السنة، وكتّاب الوحي كانوا ألصق بالرسول من غيرهم وأطول صحبة له من جميع الناس.

وبينهم امثال كعب الاحبار ووهب بن منبه وغيرهما ممن كانوا يزودون بعض الصحابة بمفترياتهم التي تسيء إلى الاسلام والسنة الكريمة وكان هؤلاء مصدرا ضخما لابي هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص وامثالهما.

وجاء في المجلد السابع والعشرين من المنار للسيد رشيد رضا: انّ كعب الاحبار كان من زنادقة اليهود الذين اظهروا الاسلام والعبادة لتقبل اقوالهم في الدين، وقد راجت دسائسه وانخدع به بعض الصحابة ورووا عنه وتناقلوا أقواله بدون اسناد إليه، واضاف إلى ذلك. وان شر رواة هذه الاسرائيليات، واشدهم تلبيسا وخداعا للمسلمين وهب بن منبه وكعب الاحبار، فلا تجد خرافة دخلت كتب التفسير والتاريخ الاسلامي في امور الخلق والتكوين والانبياء واقوالهم والفتن والساعة وللأخرة الا وهي منهما(13).

هذان الرجلان وان لم يكونا من الصحابة لانّهما دخلا في الاسلام بعد وفاة الرسول، (صلى الله عليه وآله) ولكن الصحابة قد اعتمدوا عليهما فيما يتعلق بالمواضيع المذكورة، بل وحتى فيما يتعلق بتقريض بعض الاشخاص والبلدان ونسبوها إلى الرسول مباشرة، كما يبدو ذلك من مرويات ابي هريرة حينما التحق بمعاوية ووفر له اسباب الرفاهية والنعيم.

وقد جاء عن كعب الاحبار انه التقى برجل، فسأله من اين هو؟ فقال له: من اهل الشام، قال: لعلك من الجند الذي يدخل الجنّة منه سبعون الفا بغير حساب ولا عذاب، قال له ومن هم؟ قال: أهل دمشق قال: لست منهم، قال: فلعلك من الجند الذين ينظر الله إليهم كل يوم مرّتين، قال ومن هم؟ قال: اهل فلسطين.

وروى عنه السيوطي في الجامع الصغير. انّه قال: الشام صفوة الله من بلاده، إليها يجتبي صفوته من عباده فمن خرج من الشام إلى غيرها فبسخطه ومن دخلها فبرحمته.

هذه المرويات وفي ها في فضل الشام وجندها واصحابها تؤكد عدالة معاوية ومن تبعه كعمرو بن العاص وولده عبد الله وابي هريرة ومروان وزمرته وغيرهم ممن انضم إلى معاوية من الصحابة وابنائهم، لان هؤلاء قد دخلوا الشام وسكنوها، ومن دخل الشام فقد دخل رحمة الله كما يدعي كعب الاحبار وتلامذته.

ومنهم أبو هريرة الذي، روى عن الرسول (صلى الله عليه وآله) انّه ما من مولود يولد الا ويمسّه الشيطان، فيستهل صارخا من مسّ الشيطان غير مريم وابنها فانّ الله جعل دون الطعنة حجابا، فأصاب الحجاب ولم يصبها (14)، ولازم ذلك انّ الانبياء جميعهم لم يسلموا من طعنة الشيطان حتى محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) فقد اصيب بتلك الطعنة وتأثّر بها كغيره من الناس كما يقتضيه الاستثناء الذي اقتصر على مريم وابنها وكان أبو هريرة من صنائع معاوية، والمقرّبين إليه، وقد ولّاه على المدينة وروى له ما يشاء في علي (عليه السلام) واتباعه، وجاء في شرح النهج: انّه لمّا دخل العراق عام الجماعة دخل أبو هريرة مسجد الكوفة، فلمّا اجتمع حوله الناس جثا على ركبتيه وضرب صلعته بيده مرارا، وقال يا أهل العراق تزعمون انّي اكذب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) واحرق نفسي بالنار، والله لقد سمعت رسول الله يقول: انّ لكل نبي حرماً، وانّ المدينة حرمي فمن احدث فيها حدثاً فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين، ثم قال: واشهد بالله انّ عليا احدث فيها (15).

وهو الذي وصف مسيرة الجيش الذي بعثه النبي (صلى الله عليه وآله) إلى البحرين بقيادة العلاء بن الحضرمي، وكان مؤلفا من اربعة الاف مقاتل، وفي ذلك يقول أبو هريرة: لقد ساروا حتى اتوا على خليج من البحر ما خاضه أحد قبلهم، ولا يخوضه أحد بعدهم، فاخذ العلاء بعنان فرسه وسار على وجه الماء فسار الجيش وراءه، فوالله ما ابتل لنا قدم ولا حافر، وكان ذلك في السنة الثانية من الهجرة (16).

وهو الذي روى كما جاء في الصحيحين للبخاري ومسلم، ان ملك الموت جاء إلى موسى، فقال له اجب ربك! فلطمه موسى على عينه ففقأها، فرجع ملك الموت إلى الله تعالى فقال له: إنّك ارسلتني إلى عبد لا يريد الموت ففقأ عيني، فرد الله عليه عينه، وقال له ارجع إلى عبدي. وقل له: ان كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، فما توارت بيدك من شعرة فإنّك تعيش بها سنة.

وهو الذي روى إذ بني اسرائيل كانوا يتّهمون موسى بعيب في جسمه، فنزل ذات يوم إلى الماء ليغتسل، ووضع ثوبه على حجر قريب منه، فاخذ الحجر الثوب وفرّ به، فخرج موسى من الماء في طلبه عاريا، والحجر يسير ومعه الثوب حتى وصل إلى اسواق المدينة، وموسى يجد في طلبه، ويقول: ثوبي حجر ثوبي حجر إلى غير ذلك من مروياته التى سنعرض قسما منها في الفصول الآتية، تلك المرويات التي لا يقرها العقل، ولا تتلاءم مع واقع الاسلام البعيد عن الخرافات والاساطير والاوهام ولقد عرفه الصحابة الاولون، وادركوا خطره على السنة الكريمة من خلال مروياته التي كان يتلقاها من كعب الاحبار وغيره ويسندها إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) وقال له عمر بن الخطاب، كما جاء قي رواية ابن سعد في طبقاته: انّك عدو الله والاسلام يا ابا هريرة، وقال فيه الإمام علي بن ابي طالب (عليه السلام): اكذب الناس على رسول الله (صلى الله عليه وآله) أبو هريرة الدوسي (17).

وجاء في تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة: ان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان، وعلي بن ابي طالب (عليه السلام) كذّبوا ابا هريرة في مرويّاته عن الرسول (صلى الله عليه وآله). وفي كتاب جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر عن طاووس انّه قال: كنت جالسا عند ابن عمر، فأتاه رجل فقال: إنّ الوتر ليس بحتم فخذوا منه ودعوا، فقال ابن عمر كذب أبو هريرة.

وقد كذّبه كلّ من الزبير بن العوام وابن مسعود وعائشة وغيرهم، ولذلك كان مقلا من الحديث في تلك الفترة من تاريخ الصحابة ولكنّه وجد منفسا له ومجالا واسعا بعد اتصاله بالأمويّين وبخاصة بعد ان استتب الامر لمعاوية واصبح من المقرّبين إليه، ومعاوية يهمّه اكثر من اي شيء ان يجد إلى جانبه من يكيل له ولأسرته المدح والثناء، ويضع المطاعن في علي واسرته وينسبها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وللحديث النبوي اثره البالغ في تأييد الحكام وتبرير تصرفاتهم لانّهم يحكمون ويتصرّفون باسم الدين، ولانّ الخلافة امتداد لسلطة الرسول وحكومته.

وقد بلغ من ولائه لمعاوية انّ ولده ابا بردة قال: انّ معاوية لم يغلق دوني بابا، ولم اقصده في حاجة الا قضيت لي بالغة ما بلغت (18) ومنهم بسر بن ارطاة (19) احد القواد البارزين في جيش معاوية، الذي كان مولعا في تقتيل المسلمين واستباحة اعراضهم وقد ارسله معاوية، بعد تحكيم الحكمين بقيادة جيش من اهل الشام إلى مكة والمدينة واليمن وامره ان يقتل كل من يوالي عليا (عليه السلام) ولا يدين بولاء آل ابي سفيان، فقتل في طريقه كل متهم بالتشيع والولاء لأهل البيت، وخافه الناس، وقبل ان يدخل المدينة خرج منها أبو ايوب الانصاري، الوالي عليها من قبل علي (عليه السلام)، فدخلها بسر بن ارطاة بدون أيّة مقاومة، فصعد منبر الرسول في المسجد، وتوعّد من كان فيها من المهاجرين والانصار وابنائهم بالقتل ان لم يبايعوا معاوية بن ابي سفيان، ثم قال: اما والله لولا ما عهد الي معاوية ما تركت في المدينة محتلما الا قتلته، وامر الناس بالبيعة لمعاوية، ومن تمنّع عن ذلك امر بقتله، وارسل إلى بني سلمة، وقال لهم: والله ما لكم عندي امان ولا اقبل منكم بيعة حتى تأتوني بجابر بن عبد الله الانصاري، فذهب جابر إلى ام سلمة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) واستشارها بالأمر وكان ممّا قاله لها: انّ هذه البيعة التي يريدها لمعاوية بيعة ضلال، واخاف ان اقتل، فأشارت عليه ان يبايع كما اشارت على ولدها بذلك، ثم مضى يتتبّع المهاجرين والانصار فمن لم يجده منهم هدم داره، ومضى إلى مكة ففعل فيها مثل ذلك، وفي طريقه إلى اليمن قتل جماعة من الابرياء، ولمّا انتهى إليها فرّ منها عبيد الله بن العباس وكان والياً لعلي فيها فقتل طفلين لعبيد الله وامهما تنظر اليهما وكان من نتيجة ذلك ان فقدت عقلها ورثتهما بالأبيات التالية فرقّ لها القريب والبعيد:

ها من أحسّ بابنَيّ اللذَين هما *** كالدرّتين تشظّى عنهما الصدف

ها من أحسّ بابنَي اللذَين هما *** سمعي وعقلي فعقلي اليوم مختطف

حدّثت بسراً وما صدّقت ما زعموا *** من قتلهم ومن الإثم الذي اقترفوا

انحى على ودجي ابني مرهفة *** مشحوذة وكذاك الاثم يقترف

وأغرى معاوية بسرا في يوم من صفين بمبارزة علي (عليه السلام)، وكان من ابطاله المبرزين، فلم يجد بسر بن ارطاة سبيلا للتهرّب، ولمّا دنا من علي (عليه السلام) وحرّك يده بالسيف، رمى بنفسه عن ظهر فرسه إلى ارض وكشف عورته كما صنع زميله ابن العاص من قبل، فصر علي (عليه السلام) وجهه عنه ضاحكا، وبهذه المناسبة يقول بعض الشعراء لأهل الشام:

أفي كلّ يوم فارس تندبونه *** له عورة وسط العجاجة بادية

يكف لها عنه عليّ سنانه *** ويضحك منها في الخلاء معاوية

فقولا لعمرو ثم بسر ألا انظرا *** سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية (20)

ومنهم عمرو بن العاص المستشار الأول لمعاوية الذي ساهم في جميع الفتن والحروب الدامية التي اثارها ابن هند ضد علي (عليه السلام) لقاء مصر وخراجها مادام حيا، وتم له الاستيلاء على مصر بعد فشل مؤتمر التحكيم الذي انتجته معركة صفين، والتي لعب فيها ابن العاص دورا بارزا إلى جانب معاوية بن ابي سفيان، وكان يردّد في مرضه الذي مات فيه لقد اصلحت من دنياي قليلا وافسدت من ديني كثيرا، فلو كان الذي اصلحت هو الذي افسدت، والذي افسدت هو الذي اصلحت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو ينجيني أن أهرب هربت، فصرت كالمختنق بين السماء والارض لا أرقى بيدين، وأهبط برجلين (21).

قال ذلك ابن النابغة وهو على فراش الموت حيث لا يجديه الندم، ولا تنفعه التوبة، وكيف يجديه ذلك وقد اراق الدماء وأشعل الفتن، وافتعل لمعاوية المكائد والحيل، وأغرى آلاف الناس بتلك الفتن العمياء التي تزعمها هو وسيده ابن ابي سفيان، وعانى المسلمون من آثارها المصائب والويلات زمنا طويلا، وقبل ذلك شاغب على عثمان وأغرى الناس بقتله، كما جاء في الاستيعاب وشرح النهج لابن ابي الحديد، والتحق بمعاوية بعد ان وجد ان عليا لا يشتري من بضاعته شيئا ولا يعتمد على امثاله من المنافقين، ولا يتخذ المضلين عضدا.

تسعون عاما قضاها ابن النابغة بين الكفر والاسلام المزيف لم يخالط الايمان قلبه، ولم ينحرف عن الباطل طرفة عين ابدا ومع ذلك فهو من عدول الصحابة ومروياته الكثيرة تحتل الصدارة في صحيح شيخ المحدثين محمد بن اسماعيل البخاري، وروى عنه البخاري في جملة ما رواه عنه انّه سمع النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: آل ابي طالب ليسوا لي بأولياء.

ومنهم معاوية بن ابي سفيان المشهور بإخلاصه وخدماته للاسلام والمسلمين والقائل لأهل العراق حينما دخل الكوفة ظافرا بعد ان تركها الخليفة الشرعي الإمام الحسن بن علي: والله ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجوا وتزكوا، وانّي لأعلم انّكم تفعلون ذلك ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، والذي قال فيه الحسن البصري: لو لم يكن لمعاوية الا واحدة من ثلاثة لكفى: تأمّره على الامة بغير مشورة منها ولا اختيار والحاقه زيادا بأبيه، وقد قال رسول الله: الولد للفراش وللعاهر الحجر واكراه الناس على مبايعة ولده يزيد المستهتر في دين الله، وقتله لحجر بن عدي واصحابه البررة ظلما وعدوانا، فالويل له من حجر واصحابه. وقال فيه الفقيه الجليل سعيد ابن المسيب: قاتل الله معاوية كان اول من غيّر قضاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر (22).

هذا بالإضافة الى تاريخه الحافل بالمنكرات والتنكّر للقيم، ولجميع المبادئ التي جاء بها القرآن والرسول (صلى الله عليه وآله) وايّ جريمة بقيت في نفس معاوية، ولم يشبع منها نهمه وشرههه، لقد امضى شطرا من حياته مع ابيه يجاهدان ويعملان بكل ما لديهما من قوة لإطفاء نور الله، والقضاء على الدعوة الاسلامية التي جاء بها محمد بن عبد الله، ولم يدخلا في الاسلام الا بعد إذ وجدا ان لا مفر لهما من سيوف المسلمين، فنطقا بالشهادتين مرغمين، وتسترأ بالإسلام، وهما يكيدان له ويعملان في جو من السرية والتكتم مع المنافقين لتقويض دعائمه بمختلف الوسائل وكان الله لهما ولغيرهما بالمرصاد يخبر رسوله بما يسرون وما يعلنون وظن أبو سفيان ان الفرصة قد سنحت له بوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وكان غائبا عن المدينة حين ذاك كما جاء في رواية ابي هريرة، ولما رجع وبلغه انّ ابا بكر قام بالأمر، قال أبو الفضيل يعني بذلك ابا بكر: انّي لأرى فتقا لا يرأبه الا الدم (23) فجاء ليغري عليا بالحشود التي تؤيده ضد الحكم القائم على حد زعمه متخذأ من ذلك وسيلة للقضاء على رسالة محمد (صلى الله عليه وآله) التي حاربها هو وزوجته واولاده من قبل، ولكن عليا الذي لا يفكر الا في مصلحة الاسلام، والذي وهب حياته وكل ما لديه في هذا السبيل، يدرك جيدا ما تنطوي عليه تلك العروض المغرية من رجل كابي سفيان ويرى من واجبه ان يكون الدعامة الاصيلة للاسلام، أيّاً كان الحاكم فرد عليه معلنا له رأيه فيه وفي امثاله الذين يبيتون الغدر والمكر والنفاق، فقال: انك يا ابا سفيان ما زلت تكيد للاسلام وتعاديه، واند تنوي من وراء ذلك الشر والغدر، فانطوى على نفسه هو وولده ومن على شاكلتهما من المنافقين يحز الالم نفوسهم، ويأكل الحقد قلوبهم، لا سيما والاسلام قد تغلّب على حركة المرتدين واكتسح الامبراطوريتين الفارسية والرومانية في بضع سنوات ممدودات، ففقد أبو سفيان واسرته الامل في مقاومة الاسلام عن طريق الثورات الداخلية التي وضعها في حسابه، واتجه إلى العمل بأسلوب جديد، فتملّق إلى الخليفة الحاكم ليحتفظ لولده بمركز من مراكز الدولة لعلّهم ينفذون منه ولو في المستقبل إلى تحقيق شيء من اهدافهم المعادية للاسلام، وظلّ هو وولده يتملّقون إلى الخليفة الثاني حتى ولّاهما الشام وجهاتها على التعاقب، ولكنّه استطاع بحكمته وحنكته ان يحدد تصرفاتهما وان يفرض عليهما هيبته طيلة حياته، ومع ذلك فقد بعثت هذه الولاية التي استمرّت عشرين عاما الامل في نفس معاوية والاسرة الاموية في ان يصبح الحاكم المطلق في مستقبل حياته الذي يصدر الاوامر من على منبر الشام لجميع الاقطار وبالفعل بدأ هذا الامل يشع ويتسع في نفس معاوية ويسري في دمه وعروقه وبخاصة عندما انتهت الخلافة الاسلامية إلى قريبه عثمان فغمرت معاوية واباه نشوة الفرح، واستعاد الشيخ العجوز نشاطه، فخرج من وكره يدبّ على عصاه متجها إلى قبر حمزة بن عبد المطلب يرفسه برجله، وهو يقول: قم يا ابا عمارة انّ الذي تقاتلنا عليه اصبح بيد صبياننا، ومن ثم انطلق به قائده نحو المسجد ليقول كلمته التي تنبع من اعماق قلبه، والتي كتمها طيلة هذه المدّة خوفا من سطوة الاسلام، تلقّفوها يا بني امية تلقّف الكرة فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنّة ولا نار ولا حساب ولا عقاب ـ قال ذلك: وهو يظن انّ المسجد خالٍ من كل انسان، الا من اسرته، ولولا انّ عليا (عليه السلام) قد فأجاه بقوله: أعمى الله بصيرتك كما اعمى بصرك، لأظهر اكثر من ذلك ممّا تنطوي عليه نفسه الحاقدة المشركة ولكن صوت الحق الذي اخرس اسلافه في بدر والاحزاب زعزع كيانه، فلاذ بالفرار إلى وكره معتصما فيه حتى مضى إلى ربه، وفي اعماق نفسه لا جنّة ولا نار ولا حساب ولا عقاب، وبقي الولد الطموح اميرا على الشام يجدّ في تحقيق آماله وامانيه وتوالت الاحداث لمصلحته واستفاد من نقمة المسلمين على قريبه عثمان اكثر من اي انسان، فتقاعد عن نصرته، مع انه يملك من العدة والعدد ما يسهل عليه الخروج من تلك الازمة (لو انّه) اسرع إلى نجدته منذ ان استغاث به واستنصره ولكنه تجاهله وكان الامر لا يعنيه وجاء بعد ذلك يطالب بدمه متخذا من قميص لوثه بدماء حيوان وسيلة لتضليل أهل الشام واستجداء عطفهم ونجدتهم للمطالبة بدمه واغراهم بولايته الشرعية التي تخوله وحده ان يثأر للخليفة المقتول ظلما وعدوانا على حد زعمه وزعم الذين قادوا الثورة للبصرة في حين انّهم كانوا يزوّدون الثائرين على عثمان بكلّ ما يضمن لهم النجاح والقضاء عليه.

وتمّ له الاستيلاء على الحكم بالخداع والمكر واراقة الدماء وتبذير الاموال لشراء الخونة من اهل العراق وغيرهم، وظل نحوا من عشرين عاما يحكم باسم الدين ويداه تقطران من دماء الابرياء والصلحاء ومضى إلى ربه وهو يحث الجماهير ويشتري الضمائر بالأموال لينتقموا له من علي والطيّبين من ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) بدلا من الاستغفار والندم والتوبة وان كانت لا تجديه شيئا.

ومن تتبّع تاريخه واحصى تصرفاته لا يرتاب في انّه كان يعمل بكل ما لديه من قوة للقضاء على الاسلام والرجوع إلى الجاهلية الاولى بكل مظاهرها واشكالها.

وهو مع كل ذلك من عدول المسلمين ومجتهديهم المعذورين فيما صدر منهم، والمأجورين على جميع جرائمهم حتى في اغراء جعدة بنت الاشعث على قتل الحسن ريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقتله الصحابي الجليل حجر بن عدي واصحابه البررة والحاقه زيادا بابيه وغير ذلك من جرائمه التي لا تحصى.

وقد مضى الامويون طيلة حكمهم في محاربة الاسلام بإحياء مظاهر الجاهلية بجميع اشكالها وحاول عبد الملك وولده هشام بن عبد الملك التوهين من مقام النبي محمد (صلى الله عليه وآله) عن طريق دعاتهما المنتشرين في انحاء البلاد، ويؤكد ذلك ما جاء في تاريخ التمدن الاسلامي لجرجي زيدان.

قال: كان الحجاج بن يوسف عامل عبد الملك يفضل الخلافة على النبوة، ويقول: ما قامت السماوات والارض الا بالخلافة، وانّ الخليفة عند الله أفضل من الملائكة المقربين والانبياء والمرسلين، وإذا حاجّه أحد في ذلك قال: أخليفة أحدكم في أهله أكرم عليه أم رسوله إليهم، وكان عبد الملك إذا سمع ذلك أعجب به، واقتدى بالحجّاج من جاء بعده من العمال الاشداء كخالد القسري عامل هاشم بن عبد الملك فقد كان يقول: وخطب الناس في مكة، فقال: أيها الناس أيهما أعظم أخليفة الرجل على اهله ام رسوله إليهم؟ يعرّض به رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقد بلغ الحال ببعض المتملّقين إليهم ان أحدهم وقف مرة ليخطب الناس فأخطأ في آية من القرآن، فوقف بعض المتملّقين، وقال: لا يهولنّك ايّها الامير ما رأيت عاقلا قطّ حفظ القرآن انّما يحفظه الحمقى من الرجال (24).

ومهما كان الحال فمعاوية بصفة صحابياً مأجور على جميع اعماله، قال ابن كثير في كتابه «الباعث الحثيث»: واما ما شجر منهم بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) فمنه ما وقع من غير قصد كيوم الجمل، ومنه ما كان عن اجتهاد كيوم صفين، والاجتهاد يخطئ ويصيب، ولكنّ صاحبه معذور وان أخطأ ومأجور ايضا، وامّا المصيب فله اجران اثنان واضاف الى ذلك: انّ ما ذهبت إليه المعتزلة من انّ الصحابة كلهم عدول الا من قاتل عليه قول مردود ومرذول (25).

ومنهم سمرة بن جندب الصحابي صاحب النخلة ساومه النبي عليها بالجنّة، فأبى ان يقبل شيئا من تلك العروض المغرية، اصرّ على الدخول على الانصاري وايذائه، والنبى (صلى الله عليه وآله) يستعطفه حرصا على حقّه وصوناً لكرامة الانصاري، ولمّا رأى النبي تعنّته واصراره على ايذاء الانصاري، قال له: اذهب فاقلعها وارمِ بها وجهه، لا ضرر ولا ضرار في الاسلام.

وكان سمرة من أنصار المنحرفين عن علي (عليه السلام)، وخاض الفتن معهم، واشترك في جميع المخازي، المنكرات التي اظهرها معاوية، وجاء عن ابي هريرة انه قال لرجل من أهل البصرة: ما فعل سمرة بن جندب، قال انّه حي يرزق قال أبو هريرة: ما أحد أحب اليّ طول حياة منه، لانّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لي وله ولحذيفة اليمان: آخركم موتا في النار.

وكان يتلذّذ بقتل الابرياء، وجاء عنه انّه قتل في البصرة ثمانية آلاف ممّن لا يحل قتلهم في دين الله، ولمّا ضجّ أهلها من قسوته واستهتاره بالدماء قال لهم: وايّ بأس على المقتول، فمن كان من اهل الجنّة عجّلناه إليها، ومن كان من اهل النار مضى إلى مقرّه، وقتل من بني سوار العدوي سبعة واربعين رجلا من حفاظ القرآن في يوم واحد، وحرّض التابعين على الخروج لحرب الحسين بن علي (عليه السلام) وقتاله، واعطاه معاوية خمسمئة الف درهم مقابل ان ينسب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) انّ الآية {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}، تعني ابن ملجم لانّه قتل عليا (عليه السلام)، وانّ الآية {ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وإذا تولّى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد} نزلت في علي بن ابي طالب (عليه السلام) (26) الى غير ذلك من المنكرات التي ارتكبها ويكفيه ذما قول النبي (صلى الله عليه وآله): انّك رجل مضار، ووقوفه الى جانب معاوية وتحريضه على قتل الحسين (عليه السلام)، ومع ذلك فهو من عدول المسلمين، ومن المجتهدين المأجورين على جميع أعمالهم.

ومنهم المئات ممن كانوا يكيدون للاسلام، ويتعاطون جميع المعاصي والمنكرات على اختلاف انواعها، ومن اراد ان يتتبع اخبارهم ويحصي عليهم تصرفاتهم لا يكفيه مجلد خاص في هذا الموضوع.

ونحن لا نريد من وراء ذلك انتقاص الصحابة، وانكار فضلهم، فان للصحبة شرفها وللعمل الصالح اجره، وللجهاد فضله، وانّما الذي أردناه ان الصحبة ليست من اسباب العصمة عن الذنوب، وان الاسلام قد نظر إلى الانسان من خلال اعماله وتصرفاته، لا من خلال امجاده والقابه واوصافه ولم يجعل لقرابة الدم والعرق ميزة فضلا عن الالقاب والصفات، نريد ان نقول لمن يشترطون عدالة الراوي، وتزكيته بشاهدين عدلين، انّ جلال السنّة ومكانتها من التشريع، واثرها في حفظ الثروة الاسلامية، كل ذلك يفرض علينا ان نتأكد من صحة الحديث أيّاً كان الراوي له، ولا يكفينا ان نتثبت من احوال الرواة، حتى إذا انتهينا إلى الصحابي الراوي للحديث، نقف امامه خاشعين واجمعين كانه قرآن منزل من غير ان تتأكد صحته ومن غير ان ننظر إلى متن الرواية نظرة فاحصة واعية ونعرضها على العقل والقرآن واصول الاسلام ..

انّ هذا الغلو في تقديس مرويات الصحابة، قد ادخل على السنة النبوية مجموعة من الخرافات والاحاديث المكذوبة، لا يزال المسلمون ينظرون إليها نظرة تقديس واحترام لان رواتها من الصحابة، وهي في واقعها وصمة على السنة، سلاح بيد اعداء الاسلام للهدم والتخريب، والتشنيع على المسلمين ومعتقداتهم ومن الغريب المؤسف ان يغالي السنة في الصحبة إلى حد القول: بانّ يوما واحدا حضره معاوية بن هند مع رسول الله، خير من عمر بن عبد العزيز واهل بيته، مع العلم بانّ عمر بن عبد العزيز كان من خيرة الحكّام في سيرته وسياسته وعدله وزهده.

لقد قال الشيعة بعصمة الائمة الاثني عشر فأقاموا الدنيا واقعدوها وقالوا هم بعصمة الألوف من البشر من حيث لا يشعرون، وإذا أنكر عليهم الشيعة عدالة مروان وابيه الذي كان يحكي النبي في مشيته ساخرا ويدلع له لسانه ويغمز عسيه عينه.

 وعدالة معاوية وامثاله، وصفوهم بالرفض والغلو وغيرها من الاوصاف.

وليست العصمة في حساب الشيعة الا ترك المعاصي على اختلاف اصنافها وفعل الواجبات، ليس ذلك بنظر العقل من المحالات، وتاريخ الائمة (عليه السلام) يؤكّد ما يدّعيه الشيعة فقد بذل اخصامهم السياسيون والمذهبيون اقصى ما لديم من تجهد في سبيل انتقاصهم فلم يستطيعوا ان يلصقوا بهم عيبا، أو تساهلا في واجب وانحرافا عن الحق.

لقد انكر السنّة عصمة علي (عليه السلام)، وقالوا بعدالة معاوية ومروان بن الحكم وعمرو بن العاص وبسر بن ارطاة وغيرهم من العشرات الذين وصفهم القرآن بالنفاق معلنا بذلك في كثير من آياته وسوره، ووصفهم الرسول بالارتداد عن الدين والرجوع إلى جاهليتهم الاولى، وإذا جازت العدالة التي تشد الانسان إلى الله، وتحول بينه وبين انتهاك حرماته، إذا جازت على معاوية وابيه، ومروان وامثاله، فكيف يستسيغ اصحاب هذه الفرية ان يهاجموا من يذهب إلى عصمة علي (عليه السلام) القائل: والله لو اعطيت الاقاليم السبعة بها تحت افلاكها على ان اعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة ما فعلت، والقائل إذ امرتكم لا تساوي نعلا بالية إذا لم تكن وسيلة لإحقاق الحق وازهاق الباطل، والى عصمة ابنائه الائمة الهداة الذين نهجوا نهجه، واتبعوا سيرة جدهم الاعظم، وحاربوا لظلم والظالمين، والطغاة والمتجبرين. واستهانوا في حياتهم في سبيل الله وخير الانسانية. وهل العصمة الا الرجوع إلى الله سبحانه في جميع الامور صغيرها

وكبيرها وترك ما نهى الله عنه بنحو تكون هذه المرتبة من الايمان وكأنها طبيعة له تلازمه ملازمة الضوء للشمس والظل لذي الظل.

وجاء عن الامام زين العابدين (عليه السلام) انّه قال: لا يكون الامام منّا الا معصوما، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فتعرف، قيل له فما معنى المعصوم قال: المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن لا يفترقان إلى يوم القيامة، فالإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الامام (27).

وإذا كان مرد العصمة التي يدعيها الامامية لعلي والائمة من ذرية الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى هذا المعنى، فهل هي بنظر العقل والعادة من المحالات حتى تتعرض لتلك الهجمات العنيفة من جانب اهل السنة، مع العلم بأنّهم اثبتوها مصغرة لآلاف المسلمين بما فيهم الذين ساروا باتجاه معاكس لمبادئ الاسلام والقرآن طيلة حياتهم، ولولا ان الاسلام قد تساهل في اطلاق لفد المسلم واعطاءه لكل من نطق بالشهادتين ولو بلسانه، لكان من الواجب اخراجهم من صفوف المسلمين حتى في التسمية.

واعود لأكرّر انّ الشيعة لا يستخفون بالصحابة جميعهم كما يدّعي المهووسون والمضللون، ولا يخالفون قول ربهم وسنة نبيهم بالنسبة إليهم فيتبعون الصالحين الصادقين في ايمانهم، ويستخفون بمن عناهم الله سبحانه بقوله: ومن اهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم، سنعذبهم مرتين، ثم يردون إلى عذاب عظيم، وبمن عناهم الرسول بقوله: "ارتدوا على ادبارهم القهقرى، ولا يخلص منهم الا مثل همل النعم" ولا يتخطون رأي ائمتهم في الصحابة وغيرهم من الناس على اختلاف اصنافهم واديانهم الذين نظروا إلى الناس من خلال أعمالهم وآثارهم لا من خلال القابهم وأمجادهم. وقد جاء في دعاء الامام زين العابدين الذي كان بدعوته للأنبياء واتباعهم، ما يؤكّد انّ الائمة لم يتردّدوا في تعظيم الطيّبين من الصحابة وتقديسهم.

قال (عليه السلام): اللهمّ وصلّ على أصحاب محمد خاصة الذين أحسنوا الصحبة، وابلوا البلاء الحسن في نصره، واسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته، واستجابوا له حيث اسمعهم حجة رسالته، وفارقوا الازواج والاولاد في اظهار كلمته، وقاتلوا الابناء والآباء في تثبيت دعوته وانتصروا به، وحتى كانوا منطوين على محبته يرجون تجارة لن تبور في مودته، والذين هجرتهم العشائر إذ تعلّقوا بعروته، وانتفت منهم القرابات إذ سكنوا في ظل قرابته، فلا تنسى لهم اللهمّ ما تركوا لك وفيك، وأرضهم من رضوانك، واشكرهم على هجرتهم فيك ديار قومهم وخروجهم من سعة المعاش إلى ضيقه يا ارحم الراحمين.

هؤلاء الذين عناهم الامام بتلك الدعوات المباركات من بين من أسموهم بالصحابة ينظر الشيعة إليهم بكل تقديس وتقدير ولا يرتاب أحد في عدالتهم واستقامتهم وولائهم للرسول ودعوته المباركة طيلة حياتهم وجهادهم المخلص لإحيائها وارساء قواعدها إلى ان فارقوا الدنيا بقلوب عامرة بالإيمان ونفوس مطمئنة بما وعد الله به العاملين والمجاهدين.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر المستصفى ص 204 و205.

(2) القائلون بذلك لا يمثلون رأي الجمهور كما ذكرنا سابقا.

(3) انظر الأضواء ص 322 و323، والمستصفى ص 105.

(4) انظر أحكام القران للجصاص: ج 3 ص 180 ومجمع البيان: ج 3 تفسير سورة التوبة.

(5) انظر مجمع البيان وغيره من كتب التفسير ج 5.

(6) لقد ذكر هذا الحديث ابن القيم في الجزء الثاني من اعلام الموقعين: ونصّ على انّه من الأحاديث الموضوعة (صلى الله عليه وآله) 223.

(7) انظر مجمع البيان طبع صيدا / ج / 3 وغيره من كتب التفسير.

(8) انظر مجمع البيان ج / 3 ص 46، وقيل انّها نزلت فيمن كان يسخر منه ويهزأ من اخباره وتصرفاته.

(9) همل النعم هي الإبل الهاملة التي تتخلّف عن السير مع القافلة، والمراد من ذلك انّه لا يخلص من النار الا القليل.

(10) انظر ص 245 من الاستيعاب لابن عبد البر المطبوع على هامش الاصابة لابن حجر ج 2.

(11) أنظر الاستيعاب على هامش الاصابة لابن حجر ص 214.

(12) انظر ج 16 من فتح الباري على صحيح البخاري ص 173.

(13) ص 541 إلى 783 من المجلد المذكور.

(14) انظر البخاري ص ج ل.

(15) انظر شرح النهج ج 1 ص 359.

(16) انظر الاصابة لابن حجر، والاستيعاب لابن عبد البر المطبوع على هامش الاصابة.

(17) انظر ص 360 من ج 1 شرح النهج لابن ابى الحديد.

(18) انظر شيخ المضيرة أبو هريرة الدوسي لمحمود ابي رية ص 43.

(19) عدّه في الاصابة من الصحابة، لانّه ولد قبل وفاة الرسول بسنتين، كما جاء في رواية الواقدي ووصفه الدار قطني بالصحبة، ونص ابن يونس على انّه صحابي اخذ من الرسول حديثين. انظر المجلد الاول من الاصابة ص 152.

(20) انظر الاستيعاب هامش الاصابة ج 1 ص 162 و163 وما بعدها وقد عده من الصحابة ومن الرواة عن الرسول (صلى الله عليه وآله) جماعة منهم أبو الحسن الدارقطني وغيره.

(21) الاستيعاب ص 505 و506 المطبوع مع الاصابة ج 3.

(22) انظر شرح النهج وحلية الاولياء لابي نعيم ج 3 ص 167.

(23) نفس المصدر السابق.

(24) انظر ص 2 ج 2 تاريخ التمدن الاسلامي عن العقد الفريد والمسعودي وابن الاثير والأغاني.

(25) انظر ص 182 من الباعث الحثيث.

(26) انظر لشرح النهج ج 1 ص 361 و363.

(27) انظر مجمع البحرين مادة "عصم".